مستشفى في غزة يروي مأساة "العودة الكبرى"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
غزة: تبدو الفاجعة واضحة على وجوه من يودع عزيزا في حين ترتسم علامات الحيرة على آخرين أثناء بحثهم عن قريب أو صديق بين الجثث في مشرحة مستشفى الشفاء الطبي في غزة.
ويقف عشرات الفلسطينيين أمام براد المشرحة ينتظرون وصول جثث أقاربهم الذين تبلغوا مقتلهم برصاص الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات في أحد أكثر الأيام دموية في قطاع غزة منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة عام 2014.
لحظات وداع
ويبكي شاب وهو يودع شقيقه الأكبر الممدد على حمالة ملقاة على الأرض ويعاتبه واضعا رأسه بين كفيه "لمن ستتركني؟"، إلا أن أصواتا تصل من الخلف تقول "أدخلوه بسرعة، وصل شهيد آخر".
وما أن تصل جثة "شهيد" يحملها أربعة شبان يجري نحوها عدة أشخاص ليتعرفوا على هويته بينما يتردد آخرون من الاقتراب فيسأل أحدهم "هل هذا هو؟!" في إشارة إلى من يعرفونه.
ويهمس أحد أصدقائه ويدعى محمد "أخبروه أن ابن أخيه استشهد لكنه لا يعرف أين هو وما إذا سيتم إحضاره إلى هنا أم إلى مستشفى أخر".
وقتل 52 فلسطينيا الإثنين برصاص الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات احتجاجا على افتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة في غزة.
ومنذ 30 اذار/مارس تاريخ بدء "مسيرة العودة"، يتدفق آلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة على طول الحدود للمطالبة بحق العودة إلى أراضيهم التي طردوا أو هربوا منها العام 1948 مع قيام دولة اسرائيل.
لكنهم أرادوا الإثنين خصوصا التعبير عن غضبهم من نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
صرخات ألم واستنجاد
ويصرخ الشاب محمد مقداد وهو ملقى على حمالة أمام قسم الطوارئ بينما لف المسعفون ساقيه بشاش طبي خفيف بالكاد يوقف النزيف "إلحقوني... خسرت الساقين".
ويبكي الشاب المدد إلى جانب عشرات الجرحى في خيمة إقامتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في فناء مستشفى الشفاء أمام قسم الطوارئ الذي أغلق الحراس أبوابه لامتلائه بالجرحى.
ويعاين الأطباء الجرحى في هذه الخيمة ويكتبون بقلم سميك ملاحظاتهم على أجسادهم تمهيدا لنقلهم إلى قسم الطوارئ.
ويطلب الشاب مقداد ممن حوله أن يجري مكالمة مع عائلته من هاتف محمول، وبمجرد أن يتصل بعائلته يبدأ بالبكاء "تعالوا بسرعة أنا في الشفا، فقدت الساقين".
خيمة مكتظة
وتكتظ الخيمة بمئات الأشخاص بعضهم يرافق جريحا بينما يسال آخرون عن أقاربهم.
وعلى جانب الخيمة تقف امراة وابنتها والدموع تملأ عينيهما وتقول الأم "أخبروني أن ابني مصاب في ساقه، لم أجده هنا، قد يكون استشهد".
ويضرب أربعيني رأسه بكفيه وهو يتنقل بين جريح وآخر صارخا "يارب ساعدني، أولادي يا رب"، ويوضح أحد المسعفين أن أولاده الثلاثة أصيبوا بجروح.
وعلى الجانب الأخر تبكي عجوز متكئة على حمالة مدد عليها ابنها الذي أصيب على الحدود شرق مدينة غزة.
وبينما يحاول أقاربها طمأنتها، تسمع أحد المسعفين وهو يقول "الإصابة في العظم" فتصرخ بصوت مرتفع "لديه عشرة أبناء ماذا سيفعلون بدونه".
وتواصل سيارات الإسعاف إحضار المزيد من الجرحى إلى الخيمة التي باتت تعج بالناس بينما أجبر الأطباء على الإسراع في إخراج الجرحى بهدف تأمين أكبر قدر ممكن من الأسرة.
وزارة الصحة
وناشدت وزارة الصحة المواطنين التبرع بالدم لإنقاذ حياة الجرحى في المستشفيات.
ويقول مدير الاستقبال والطوارئ الطبيب أيمن السحباني وهو منشغل بتفقد الجرحى"الوضع هنا غاية في السوء، المستشفى ممتلئ عن بكرة أبيه".
محاولات اقتحام
في شرق مدينة غزة حاول عشرات الشبان والصبية اختراق السياج الحدودي باتجاه الجانب الإسرائيلي لكنهم كانوا يفشلون أمام كثافة إطلاق النار وقنابل الغاز المسيل للدموع من الجنود الإسرائيليين الذين يتمركزون وراء تلال رملية أو خلف غرف إسمنتية محصنة نصبت عليها رشاشات أوتوماتيكية.
وكان المتظاهرون يستغلون سحب الدخان المنبعثة من إطارات السيارات التي أشعلوها للاقتراب على مسافة صفر أحيانا ورشق الجنود بالحجارة أو الزجاجات الحارقة، إلا أنهم لم ينجوا من الرصاص وهم ينسحبون فيسقط بعضهم بين قتيل وجريح.
واخترقت فتاة في العشرين من عمرها السياج الحدودي لعدة أمتار قبل أن يصيبها قناص إسرائيلي برصاصتين في الساقين.
إصرار
ورغم سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى يصر المتظاهرون على مواصلة احتجاجاتهم قرب الحدود.
ويقول ربيع الخواجا (20 عاما) "سنواصل المحاولات لاختراق الحدود، العدو كان يطلق النار باجرام، لقد سقط الكثير من الشهداء والمصابين".
ويتابع "تراجعنا في ساعات المساء بعدما راينا الطائرات والدبابات تقصف حولنا، يريدون ارتكاب مجازر".
وتحت أشجار الزيتون في البساتين القريبة من الحدود يستظل عشرات النساء والرجال والاطفال، وتقول احدهم تدعى صفاء (23 عاما) وهي تسعف شاب اصيب بحالة اغماء بسبب الغاز المسيل للدموع بزجاجة عطر تحملها "جئنا لنساعد الشباب، نوفر لهم المياه وكمامات من الغاز".