جورج بوش الذي ارتبط اسمه بغزو العراق وأفغانستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكن القول إن جورج بوش الابن أحد أكثر القادة الأمريكيين ميلا إلى عزل بلاده عن العالم في العصر الحديث.
لكن سياسته الخارجية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 هي أكثر ما ميز فترتي رئاسته.
وينحدر جورج بوش الابن من عائلة سياسية تفوق عائلة كينيدي، فهو حفيد عضو في مجلس الشيوخ، وابن رئيس سابق، وشقيق حاكم ولاية.
وبزغ نجمه في عالم السياسة بسرعة كبيرة، فخلال ست سنوات من أول حملة سياسية له، دخل البيت الأبيض. ويعزو بعض النقاد هذا الصعود السياسي السريع لتأثير والده، الرئيس 41 للولايات المتحدة.
ولد جورج وولكر بوش في نيوهايفن، بولاية كونيتيكات، في السادس من يوليو/تموز 1946.
وكان والده، جورج بوش، الطيار الحربي خلال الحرب العالمية الثانية والمنحدر من أسرة عريقة، انتقل إلى ولاية تكساس ليعمل في مجال النفط.
ونشأ جورج وولكر، الذي يُعرف باسم دوبيا، في بلدة ميدلاند الغنية بالنفط في ولاية تكساس. وكانت الولاية شديدة الأهمية للرجل وأفكاره، لكن ارتباطه بالشمال الشرقي ظل قويا.
وعاد لاحقاً إلى ولاية كونيتيكات، حيث سار على خطى والده والتحق بأكاديمية فيليبس بجامعة يال.
وفي الجامعة، انخرط في حياة السهر والحفلات، ولم يكرس الكثير من الوقت للدراسة. وكان يضطلع بمسؤوليات رئاسة منظمة "الأخوة" ويكرس جهده لهذا المنصب على حساب دراسته للتاريخ. وأنكر لاحقا ما أُشيع عن تعاطيه الكوكايين في فترة الدراسة.
وبعد التخرج، عام 1968، التحق بوش بالحرس الجوي الوطني في تكساس، والذي لم يخدم طياروه في حرب فييتنام، ولكن قاموا بكل واجبات الخدمة العسكرية الأخرى.
وثمة اتهامات بأن بوش وغيره من أبناء العائلات المتنفذة حصلوا على استثناءات وتجاوزوا القوائم الطويلة للمتقدمين للخدمة في الحرس الجوي الوطني. لكنه دائما ما أنكر ذلك.
وأنهى بوش خدمته في الحرس الجوي الوطني عام 1973، ودرس في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد حيث تخرج عام 1975.
وفي هذا الوقت، كان بوش الأب في أوج مسيرته الوظيفية، إذ اكتسب سمعة كبيرة من عمله كممثل للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وسفيراً في الصين، ورئيساً للمخابرات المركزية. لكن في المقابل، تدهورت مسيرة حياة ابنه الذي بات يتعاطى الكحول بشدة.
ورغم حصوله على وظائف متعددة في مجال النفط، لكنه كان يقضي معظم وقته في حانات بلدة ميدلاند، ويكرر الشكوى ذاتها: "أنا غني بالاسم فقط".
وبعد ثلاثة أشهر من المواعدة، تزوج جورج بوش من المكتبية لورا ويلش، التي أعادته أعادته إلى جادة الصواب.
وقال لاحقا: "رأيت امرأة جميلة وراقية، اتضح لاحقاً أنها ذكية وقادرة على التعامل مع الجوانب الصعبة في شخصيتي. ولابد أن أعترف أنها خففت كثيراً من هذه الجوانب مع مرور الوقت".
وسعى بوش لأول منصب سياسي في حياته بعد الزواج بفترة قصيرة، إذ تقدم لانتخابات مجلس الشيوخ. ووصفه منافسه من الحزب الديمقراطي بأنه منفصل عن هموم المواطن العادي في تكساس، وبالفعل خسر بوش الانتخابات. لكن المثير للسخرية أن هذه التهمة هي ذاتها التي وُجهت لوالده عندما سعى لخوض غمار السياسة لأول مرة.
وعاد بوش للعمل في مجال النفط، حيث أسس ثلاث شركات صغيرة. لكن الخطوة الفاصلة كانت صبيحة إتمامه الأربعين، إذ قرر الإقلاع عن شرب الكحول.
ورغم نفيها، أكد أصدقاؤه المقربون أن زوجته وضعته أمام ما يُعرف محليا بـ "خيار تكساس": إما أنا أو ويسكي جاك دانيلز.
وكان حجر الزاوية في نجاح جورج بوش الابن سياسيا هو التأكيد على التزامه بالدين المسيحي، وتقديمه كرب أسرة. لكن في هذا الوقت، كانت الأولوية لطموح والده السياسي.
غير متوقعانتقل بوش الابن بعائلته إلى العاصمة واشنطن، ليعمل في حملة والده لانتخابات الرئاسة عام 1988.
وكانت حملة الأب مثار تمعن وتفكير الابن. فقرأ تقريرا أُعد خصيصا عن أبناء الرؤساء السابقين، الذين انتهى الأمر بالكثيرين منهم إلى إدمان الكحول أو الطلاق أو الانتحار، فأصبح عازماً على النجاح.
وكان بوش مولعا بلعبة البيسبول طوال عمره، فاشترى حصة في نادي تكساس رينجرز. ونجح في إقناع بلدية أرلينغتون بتمويل بناء ملعب جديد بتكلفة 191 مليون دولار، وهو تصرف مخالف لقناعاته السياسية. وبذلك، ارتفعت قيمة استثماراته في النادي من 640 ألف إلى 15.4 مليون دولار.
ومع تحسن صورته بامتلاك الحصة المذكورة في نادي البيسبول، وقرار شقيقه جيب بالترشح لمنصب حاكم ولاية فلوريدا، قرر جورج بوش الترشح لمنصب حاكم تكساس عام 1994.
وحقق بوش فوزاً غير متوقع على منافسته الديمقراطية صاحبة الكاريزما آن ريتشاردز، التي كانت تشغل المنصب ولها شعبية جارفة. وبدأ بوش ولايته في تكساس، ثاني أكبر ولاية أمريكية، بكامل الثقة وهو في الثامنة والأربعين من العمر.
وأقر جورج بوش الابن أكبر خفض للضرائب في تاريخ تكساس، وأصلح النظام التعليمي في الولاية.
لكن معارضيه أشاروا إلى غياب اهتمامه بالبيئة، والأهم زيادة عدد أحكام الإعدام في الولاية.
وأُعيد انتخابه حاكما لولاية تكساس عام 1998، لكن بعد عام قرر خوض غمار منافسات الحزب الجمهوري للترشح لانتخابات الرئاسة عام 2000. وبوجود الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون في البيت الأبيض، واجه بوش عدداً كبيراً من المنافسين في المراحل الأولى من الانتخابات.
وانتهى الأمر ببوش في مواجهة السيناتور جون ماكين في ترشيحات الحزب، وانتصر بوش بفضل أصوات ولاية ساوث كارولينا، في حملة وصفتها صحيفة بوسطن غلوب بأنها "سلبية".
غضبركز بوش في حملته على الشأن الداخلي، وكان برنامجه الانتخابي بسيطاً: وعد بتمرير أكبر خفض للضرائب في تاريخ البلاد، والحد من البيروقراطية، وزيادة الإنفاق على التعليم.
وظهر منافسه، آل غور، كما لو كان يفتقر إلى الثقة بالنفس، وأظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع شعبية بوش. وفي ليلة الانتخابات، لم يكن ثمة فارق بين المرشحين، وتراجعت وسائل الإعلام عن توقعاتها بفوز آل غور.
وحصل المرشحان على 48 في المئة من الأصوات، وأصبح مصير الانتخابات معلقاً على أصوات ولاية فلوريدا. وبعد عمليات إعادة الفرز والكثير من المناورة القانونية، أُعلن عن فوز جورج بوش الابن رغم ان عدد الأصوات التي حصل عليها أقل من تلك التي حصل عليها منافسه.
وكان الديمقراطيون غاضبون بسبب قناعة البعض بأن بوش لم يحقق فوزا نزيها.
وفاز بوش بمنصب الرئيس بموجب برنامج انتخابي داخلي تماماً. وأوفى بوعده بتنفيذ أكبر خفض للضرائب في تاريخ الولايات المتحدة. لكن الأحداث الدولية فرضت نفسها على فترة وجوده في البيت الأبيض.
وكان يوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 نقطة تحول كبرى في رئاسة بوش.
وعاش العالم حالة من الصدمة بسبب الهجمات التي استهدفت واشنطن ونيويورك، واختطاف الطائرات التي دمرت برجي مركز التجارة العالمي، والتدمير الشديد الذي لحق بمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البينتاغون).
وكانت الصدمة أشد وقعا على الأمريكيين الذين ظنوا أنهم في مأمن من الهجمات التي طالت الكثير من المدن الأوروبية.
محور الشرتعهدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشن "حرب على الإرهاب"، في مسعى للقضاء على المتورطين في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وعلى رأسهم تنظيم القاعدة وحركة طالبان التي كانت تسيطر على الحكم في أفغانستان آنذاك.
وقال الرئيس بوش في خطاب له أمام مجلسي الشيوخ والنواب إن هذه "معركة العالم. هذه معركة الحضارة. هذه معركة كل من يؤمنون بالتقدم والتعددية والتسامح والحرية".
وخلال أسابيع، أطاحت القوات الأمريكية والبريطانية بحكم طالبان في أفغانستان، وأعتقلت المئات ممن يشتبه بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة.
كما تعهد بوش بمحاربة ما أطلق عليه اسم "محور الشر"، وهي الدول التي اتهمها بدعم الإرهاب، وهي ليبيا، وإيران، وكوبا، وكوريا الجنوبية، وسوريا، والسودان، والعراق.
وكانت الولايات المتحدة حريصة بشكل خاص على عزل الرئيس العراقي صدام حسين. ولم يقتنع بوش بنتائج زيارات التفتيش التي قام بها مفتشو الأمم المتحدة، والتي خلُصت إلى أن صدام حسين تخلى عن طموحاته في تطوير أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية.
ووجدت الولايات المتحدة نفسها على خلاف مع أعضاء مجلس الأمن الآخرين، بعد أن دعت إلى السماح بتحرك عسكري للإطاحة بصدام حسين.
وفي العشرين من مارس/ آذار 2003، وبعد انتهاء المهلة التي حددتها الولايات المتحدة لصدام ومعاونيه لمغادرة البلاد، أمر جورج بوش القوات الأمريكية بغزو العراق.
وبعد شهر من الهجوم، غاب صدام حسين وتوارى عن الأنظار، وسيطرت قوات التحالف على العراق، وعاد الكثير من السياسيين المعارضين للبلاد من منافيهم، واجتمعوا لبحث مستقبل العراق.
أما في واشنطن، فكان بوش منتشيا بانتصاره العسكري، في ما كانت علاقات بلاده مع فرنسا وألمانيا وروسيا على المحك بسبب غزو العراق.
والآن حان وقت إعادة البناء العراق.
وقعت القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق فريسة للهجمات المتكررة. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2003، كانت عدد أفراد القوات الذي ماتوا بسبب الهجمات أكبر منه أثناء الغزو.
وكانت الانتخابات الرئاسية عام 2004 بمثابة استفتاء على أداء بوش في "الحرب على الإرهاب"، واستمرار التدخل الأمريكي في العراق.
ولجأ فريق الحملة الانتخابية لبوش لحشد تحالف كبير من مؤيدي الحزب الجمهوري اليمينيين، وهم في الغالب من المسيحيين، وتمكن من التغلب على المنافس الديمقراطي، السيناتور جون كيري، فحقق بوش فوزا كبيرا في ولاية أوهايو التي تعتبر إحدى الولايات الاستراتيجية في الانتخابات.
ورغم ذلك، استمر الانتقاد الشديد لحكومة بوش بسبب الوضع في العراق، وعجز الموازنة غير المسبوق، وبطء الاستجابة للدمار الذي سببه إعصار كاترينا.
وبعد ربيع 2005، كشفت استطلاعات الرأي أن مستوى الرضا عن أداء بوش أقل من 50 في المئة.
وأصبح ملف حرب العراق أمرا شائكا للناخبين وأعضاء الحزب الجمهوري على السواء. وطلب بوش في خطاب حالة الاتحاد عام 2007 من الكونغرس أن يمهله المزيد من الوقت لتظهر نتائج خطته الجديدة في العراق.
وعُرفت الخطة باسم "تعزيز" القوات، إذ أضافت الولايات المتحدة 30 ألف جندي لقواتها بين شهري فبراير/شباط وسبتمبر/أيلول. وانخفض عدد القتلى، واعتُبرت العملية ناجحة.
استقطابفي مطلع عام 2008، اعترف بوش بأن الاقتصاد الأمريكي "يمر بمرحلة من عدم اليقين"، إذ أن ارتفاع معدل البطالة كان يشي باحتمال حدوث ركود.
وكرر مطالباته لحلف شمال الأطلسي (ناتو) بالتوسع شرقا، الأمر الذي أغضب قادة روسيا، بالتزامن مع القلق الروسي بشأن أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية التي نشرتها واشنطن في أوروبا.
لكن العلاقات الأمريكية-الروسية وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة بسبب إدانة بوش الشديدة للتدخل العسكري الروسي في جورجيا في أغسطس/ آب 2008.
ومع قرب انتهاء ولاية بوش الثانية، تدهورت حالة الاقتصاد الأمريكي أكثر وغرق العالم في أزمة اقتصادية.
وفوق كل ذلك، كان تفويض الأمم المتحدة بوجود القوات الأمريكية في العراق على وشك الانتهاء بنهاية العام. وخلف الأبواب المغلقة، تبين أنه من الصعب التوصل لاتفاق ثنائي مع العراقيين حول وجود هذه القوات الأمريكية في العراق.
وبدلا من أن يغادر بوش الحكم وهو يزهو بنجاحاته، كان يصارع من أجل اعتماد خطط إنقاذ مالي بمليارات الدولارات، ومفاوضات صعبة مع بغداد. وعند انتهاء فترة رئاسته وعودة الديمقراطيين للبيت الأبيض، متمثلين في شخص أوباما، لم تحل أي من هذه القضايا.
وكثيرا ما وُصف بوش بـ "رئيس الصدفة"، فهو رجل لم يكن ليصل لأعلى منصب في البلاد لولا علاقات وثروة عائلته.
وتسبب بوش بحالة استقطاب في أنحاء البلاد. إذ لاقت الصورة الشائعة عنه باعتباره شخصا عفوياً وابن بلدة ذات طابع أمريكي قبولا لدى قطاع من الناس، في حين تندر معارضوه بسقطاته اللغوية ووصفوها بـ "بوشيزم".
ولاقى أسلوبه الأمريكي التقليدي قبولا لدى سكان الولايات الواقعة في منتصف الولايات المتحدة، في حين كان محل انتقاد لدى ولايات الساحلين الشرقي والغربي.
كما كان محل انتقادات بسبب سياساته البيئية، وعلى رأسها معارضته لبروتوكول كيوتو الذي يهدف للحد من الاحتباس الحراري. ورغم إقراره بأن الاحتباس الحراري أمر خطير، لكنه رفض الاعتراف بأنه من صنع الإنسان.
ورُفضت تلميحات معارضيه بالتشكيك في ذكائه. فرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير قال إن الرسم الساخر الذي صور بوش على أنه "أبله" كان سفيها. كما أشار مؤيدوه إلى أنه الرئيس الأمريكي الوحيد الحاصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هارفارد.
ويمكن القول بشكل قاطع إن رئاسته كانت فاشلة على صعيد واحد، فعندما ترك جورج بوش الابن منصبه، كانت القوات الأمريكية ما زالت عالقة في العراق وأفغانستان، ولم يتراجع خطر "الإرهاب الدولي" رغم "الحرب على الإرهاب".