باكو ويريفان متمسكتان بحقهما في الاقليم
التاريخ يلقي بثقله على آمال السلام في قره باغ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
باريس: حين التقى الرئيس الأذربيجاني ورئيس الوزراء الأرميني في مناسبة نادرة على منصة واحدة لتناول تاريخ ناغورني قره باغ، لم تجرِ الأمور بشكل جيد.
كان ذلك في فبراير خلال مؤتمر ميونيخ الدولي حول الأمن. وبعد ثمانية أشهر، اندلعت الحرب في الإقليم الذي يشكل الأرمن غالبية سكانه، على وقع هجوم شنته أذربيجان.
وقال رئيس أذربيجان إلهام علييف في ميونيخ "من أجل التحدث عن كيفية تسوية النزاع، علينا أولا أن ننظر إلى الخلف من منظار تاريخي" مؤكدا أن "الواقع التاريخي" هو أن ناغورني قره باغ كانت جزءا من أذربيجان.
ورد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان "أنصح الرئيس علييف بعدم العودة كثيرا إلى الوراء في التاريخ"، مؤكدا أن الإقليم لم يصبح تابعا لأذربيجان إلا بقرار اتخذ في مطلع الحقبة السوفياتية في القرن العشرين.
ويصور هذا السجال الحاد باللغة الإنكليزية رؤيتين لا تلتقيان للتاريخ، تنعكسان على البحث عن حل لأحد النزاعات الشائكة الموروثة من انهيار الاتحاد السوفياتي.
وتعتبر باكو أن ناغورني قره باغ جزء لا يتجزأ من أذربيجان، وتؤكد أن ذلك أمر معترف به من الأمم المتحدة، مشددة على أن وجود المسلمين في الإقليم يعود إلى عدة قرون، منذ أن كان تحت سيادة الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية السلجوقية.
قرار اعتباطي من ستالين
الأرمن من جانبهم يشيرون إلى أن ناغورني قره باغ الذي ضمته الامبراطورية الروسية في مطلع القرن التاسع عشر، لم يتم إلحاقه بجمهورية أذربيجان السوفياتية تحت تسمية "أوبلاست ناغوني قره باغ"، إلا بفعل قرار بيروقراطي سوفياتي تعسفي.
وكان ذلك القرار نتيجة "مبادرة شخصية اتخذها جوزف ستالين في مطلع العشرينات، في وقت لم يكن بعد سيد الاتحاد السوفياتي بل مجرد "مفوض للجنسيات" في الجهاز السوفياتي.
ونقض علييف بشدة هذا التفسير.
ويشكل الأرمن غالبية سكان ناغورني قره باغ. وطالبت جمهورية أرمينيا مرارا بإعادة الإقليم إليها، لكنها اصطدمت برفض موسكو. وعند انهيار الاتحاد السوفياتي، انشقت المنطقة وأعلنت نفسها جمهورية، ما أدى إلى نشوب حرب.
لكن الجمهورية الانفصالية لم تحصل على اعتراف أي دولة، ولا حتى أرمينيا نفسها.
وقال نيكو بوبيسكو مدير برنامج "أوروبا الموسعة" في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" إن "أرمينيا وأذربيجان متمسكتان بمواقفيهما إلى حد أن الأسرة الدولية لا تملك في نهاية المطاف وسائل ضغط تذكر عليهما".
تفكك الإقليم
ويرى أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو سلسلة من الحروب الصغيرة التي ستفكك الإقليم، من غير أن يشهد سلاما أو انتصارا واضحا.
وازداد الخطاب تشددا منذ مؤتمر ميونيخ. وأعلن علييف قبل بضعة أيام "علينا العودة إلى أرضنا" قره باغ، فيما أكد باشينيان "أرتساخ (اسم قره باغ بالأرمنية) هو أرمينيا، نقطة على السطر".
ويعتمد كل من الطرفين رواية انتقائية للتاريخ، فيندد بالفظاعات التي ارتكبها الطرف الآخر، متغاضيا عن فظاعاته هو نفسه.
فيذكر الأرمن مذابح سومغيت في أذربيجان عام 1988، حين قتلت الحشود ما لا يقل عن 26 أرمنيا، فيما يذكر الأذربيجانيون مذابح خوجالي عام 1992 حين قام أرمن بإطلاق النار على مدنيين موقعين مئات القتلى بحسب باكو.
ولفت محللو مجموعة الأزمات الدولية إلى أنه منذ أعمال العنف الأخيرة عام 2016، "توقفت عملية السلام فيما تصاعد الخطاب العدواني".
ويطرح الدور الأساسي الذي تلعبه تركيا، الداعم الأول لباكو، مشكلة إضافية للأرمن، إذ ترفض انقرة الاعتراف بإبادة الأرمن بأيدي قوات الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
ويشدد المحللون على أن قراءة أكثر هدوءا للتاريخ ستسمح بالمضي نحو السلام، مشيرين إلى أن الأرمن والأذربيجانيين تعايشوا سلميا في الحقبة السوفياتية، وما زالوا يتعايشون بسلام خارج القوقاز.
وقال توم دي فال من معهد كارنيغي أوروبا "يجدر بأحد ربما إعادة تحرير معاهدة الصداقة الموقعة برعاية الفرس عام 1724 بين أسياد قره باغ الأرمن وأعيان خانات باكو ضد الأتراك العثمانيين".