مع كل إشراقة كتاب

“سيدات القمر” حصدت جائزة مان بوكر الدولية لعام 2019

رواية عُمانية شهيرة تنضم لغيرها في استكشاف الحداثة بدول الخليج

مسقط، عمان.
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في العام الذي ارتحل فيه السلطان قابوس بن سعيد، أثارت رواية عُمانية، حاصلة على جوائز، اهتمامات نوادي الكتاب لكونها تستعرض التوترات والآمال تحت سطح التغيرات الاستثنائية التي حققها السلطان في البلاد.

لقد لخّص السلطان قابوس بن سعيد &- الذي حكم عُمان لأطول فترة وتوفي في يناير/كانون الثاني- حقبة التطور السريع في دول الخليج والانتقال المذهل إلى الحداثة. وعندما تولى العرش في عام 1970، كانت عُمان فقيرة [غير نامية] ومعزولة، واليوم تحتل المرتبة الفُضلى ضمن مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، وتحفل العاصمة بأفخم سلسلة من الفنادق، وتتكامل المدن التجارية الرئيسية مع الاقتصاد العالمي.

الروايات الرسمية عن عُمان &- والكثير منها مثل تلك الموجودة في دول الخليج الصغيرة &- لها ما قبلها وما بعدها من عوامل، حيث إن التصريحات تتمحور حول النقص الذي كان في الطرق المعبدة والرعاية الصحية قبل التنمية، وتتحدث كذلك عن العهد التالي في ازدهار هذه المرافق. وهناك مصداقية لهذه الروايات في عُمان والأماكن الأخرى، حيث إن قابوس قد غير الدولة لتجد دار مسقط للأوبرا المزدهرة والطرق السريعة لآلاف الأميال وميناء صلالة المعروف بالتكنولوجيا المتقدمة على المحيط الهندي، ومع ذلك هناك قصة معقدة لدولة مندفعة نحو الحداثة، وهناك أفراد وعائلات يتصارعون مع التغير الاجتماعي السريع الذي حررهم كذلك من إرث العبودية الذي يطاردهم، علما أنه تم حظر الرّق في عام 1970.

وبينما شكلت وفاة السلطان قابوس حدثاً بارزاً في عُمان في عام 2020، كان هناك أيضاً ظهورٌ لرواية عُمانية استثنائية في المشهد الدولي، كُتبت بحيوية عن رحلة عُمان الى الحداثة، حيث أخذت رواية جوخة الحارثي “أجرام سماوية“، أو “سيدات القمر” بالعربية، مكانها ضمن قائمة نوادي الكتاب في الدول الناطقة بالإنجليزية في زمن الجائحة هذا العام، وذلك بفضل حصولها على جائزة مان بوكر الدولية لعام 2019 لأفضل رواية. وهي المرة الأولى التي تحصل فيها رواية باللغة العربية على جائزة مرموقة، والمعلوم أن الحارثي حصلت على الجائزة بالتشارك مع المترجمة الاستثنائية مارلين بوث اعترافًا بالدور الحيوي والمنسي للمترجمين في عالم الأدب.

وفي مقدمتها، وصفت المترجمة بوث العالم الذي صورته الرواية بـ”أنه حافة غير مستقرة بين مرحلة ومرحلة”، وقد بينت قراءة رواية الحارثي بعد وفاة قابوس نوعاً من التماثل: فالمرثيات عن السلطان تبين التطور الاستثنائي في عُمان، بينما تظهر رواية الحارثي الآمال والتراجيديا والانتصار والتوترات تحت تلك العناوين. وتشكل الرواية إضافة لمجموعة متنامية من الأدب العربي الخليجي المترجم أو المكتوب أصلاً بالإنجليزية، والذي يتصارع مع التوترات التي تظهر بسرعة فائقة، والسُّبل القديمة في مواجهة الجديدة في المنطقة.

وتعطي الحارثي، من خلال الشخصيات وعالم الرواية، فرصة للقارئ للنظر إلى داخل البيوت وحياة العمانيين الواقعة بين عالمين، وهم يتصارعون مع التغير الاجتماعي والثقافي السريع في ظل العبء الثقيل للعادات، حيث الكثيرون غير قادرين على التحرر من الماضي. في الواقع، من بين الشخصيات المتعددة التي تسكن الرواية يبدو “الماضي” وكأنه الشخصية الخاصة الكامنة دوماً.

لم يكن الماضي بعيداً عن عُمان الجديدة، فهناك العديد من الشخصيات الأفريقية في الكتاب مثل العبيد السابقين أو أبنائهم وبناتهم، ولهم دور مهم في الرواية، ومنهم شخصية ظريفة، المحورية البدينة المفعمة بالنشاط، وتعرف القيل والقال والأمثال، وهي تعتني بشيخ كان يمتلكها، بحيث لا يمكنها تخيل حياة مختلفة. وبينما يحثها ابنها على النظر إلى عالم جديد “نحن أحرار يا ظريفة، هكذا يقول القانون، افتحي عينيك، لقد تغير العالم، ولكنك تكررين الكلمات نفسها. افتحي عينيك نحن أحرار وكل فرد سيد نفسه ولا أحد يمتلك الآخر”.

نعم، لقد تغير عالم العمانيين وباقي سكان الخليج العربي بشكل جذري خلال العقود الخمسة الماضية، ولقد استعرضت روايات أُخرى حديثة من المنطقة نفسها هذا التوازن بين الحداثة والتقاليد، كصراع أجيال ووقوع شرخ في بنية النمط الاجتماعي في ظل الخطوات السريعة للنمو الاقتصادي، حيث يستعرض الروائي الكويتي سعود السنعوسي التمييز ضد الفلبينيين ومعنى الهوية في روايته الفائزة “ساق البامبو“، والتي تتمحور حول طفل إحدى العائلات من الطبقة الاجتماعية العليا والخادمة الفلبينية، وعندما يعود الشاب إلى الكويت للبحث عن هويته يجد أن والده قد توفي، وأن العائلة معادية، أو غير مرتاحة، لعودته، وبمكانه في مانيلا والكويت فإن الكتاب تغلفه خلفية عولمة استهلاكية تجعل حياة الناس عبارة عن سلعة.

أما الكاتبة الإماراتية مها قرقاش، فإنها تتصدى لآثار التغير الاجتماعي السريع على عائلة ممتدة في روايتها التي تدور أحداثها في دبي والقاهرة منتصف التسعينيات، “الأنا الآخر“. ومثل رواية الحارثي، فإن السنعوسي وقرقاش يظهران أن أسرار الأسرة في البيت وصراع الأجيال هو موضوع عالمي، وأن الكبار، وخصوصاً الذين يمقتون النساء، يمضون حياتهم وحيدين، ويعتني بهم الخدم وبالكاد تسمع همساتهم، بينما أبناؤهم وبناتهم يشقون طريقهم بعيداً عنهم في العالم الجديد.

كاتبة القصة القصيرة الكويتية، مي النقيب، تؤكد بذكاء على الصدام بين القديم والجديد في مجموعتها الفائزة للقصص القصيرة “الضوء الخفي للأشياء“. وأما الكاتبتان السعوديتان البارزتان، ليلى الجهني في روايتها “الجاهلية“، ورجاء عالم في روايتها “طوق الحمام” فهما أيضاً تعالجان هذا التوازن غير المريح بين الأساليب القديمة والجديدة غير المألوفة في روايات تزخر بالتراجيديا ومنها المدن المقدسة مكة والمدينة.

وبينما تتصادم شخصيات الحارثي مع التغير السريع، فلا يوجد رومانسية زائفة في “الأيام الخوالي”، حيث إن العبودية كانت حقيقة، وحياة النساء مقيدة، والحياة صعبة، باستثناء الكبار أو الشيوخ، وبينما ما تزال توجد العديد من التحديات الاجتماعية في عُمان اليوم، فإن المزيد من النساء يلتحقن بالتعليم العالي أكثر من الرجال، وهناك توسع في الرعاية الصحية مع وجود فرص للشباب العُماني مثل باقي شباب الخليج مقارنة مع حياة أمهاتهم وآبائهم، ويمكن ملاحظة ذلك في حياة الحارثي مقارنة مع أمها، التي عاشت في زمن كان التعليم محصوراً للنخبة. وفي عُمان اليوم فإن أقران الحارثي يعملون كمدراء تنفيذيين في شركات النفط أو مستشاري اتصالات أو موظفين في وزارة الخارجية.

ويمكن النظر إلى مايا الشخصية المركزية في “أجرام سماوية” أو “سيدات القمر” كفتاة مخطوبة لرجل رغماً عنها، وفي الوقت الذي تبين فيه الرجل محباً ومجروحاً ومتشوقًا للحب، الذي لم تعطه إياه مايا، فإنهما عندما رُزقا بطفلة سمّتها لندن، وهو عمل فيه تحدّ، وربما قد اعتقدت أن اسم لندن لن يجعلها عرضة للزواج من رجل لا تحبه، وهنا فإن لندن تمثل عُمان الجديدة، وبحبها للشاعر الحالم تتزوج طبيباً حاصلاً على تعليم عال،ٍ ويتبين بعدها أنه غير موثوق ومتعسف، ولكن في عُمان الجديدة هناك خيارات أمام لندن بحيث يتم انفصالهما.

إن رحلة الشخصيات في هذه الروايات هي عالمية وخاصة. وهم يروون قصص الحياة في الكويت ودبي وعُمان والسعودية في زمن محدد، ولكن الاشتياق والجروح والآمال، التي تعرضها الشخصيات، هي عالمية ومألوفة للعالم النامي، الذي يختبر التغير بالوتيرة السريعة في الزمن الحالي.

إحدى الشخصيات التراجيدية في رواية الحارثي امرأة اسمها مسعودة، تم حجزها طيلة الوقت في الطابق السفلي من البيت، حيث كانت ابنتها تطعمها مرة واحدة في اليوم، وأما صرختها الدائمة غير المسموعة في الرواية فكانت “أنا مسعودة أنا هنا”. وفي رواية “أجرام سماوية” أو “سيدات القمر” والأعمال الأخرى من المنطقة، فإن الكتاب يعطون الفرصة للنساء والرجال الذين لا يمكن سماعهم في زمن مميز من تاريخ المنطقة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف