كانت أهداف الحركة الاحتجاجية توحيد اليمنيين
انتفاضة اليمن المنسية من الحلم بالتغيير إلى الحرب والمجاعة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
دبي: وصلت رياح الربيع العربي إلى اليمن بسرعة في العام 2011، لكن بعد عشر سنوات على هتاف اليمنيين مطالبين بإسقاط سلطة حكمتهم لعقود بيد من حديد، يغرق البلد الفقير في مستنقع حرب دامية دفعته إلى حافة المجاعة.
وتردّد شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" على لسان الجميع في 27 يناير من ذلك العام في جامعة صنعاء، مهد الحركة الاحتجاجية، قبل أن تعمّ التظاهرات والتحركات المضادة البلاد.
وبعد تونس ومصر، وصلت العدوى إلى اليمن، أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية والتي عاشت رغم الاضطرابات المختلفة، فترة طويلة من الاستقرار النسبي في ظل رئاسة علي عبد الله صالح الذي حكم لأكثر من 30 سنة.
وكان صالح قاد السياسة اليمنية منذ وصوله إلى سدة الحكم العام 1978 رغم قوله إن حكم هذا البلد الذي عرف باسم "اليمن السعيد" أصعب "من الرقص على رؤوس الأفاعي".
مع ذلك، كانت مؤشرات المطالبة بالتغيير في اليمن حاضرة بشكل واضح، حسب ما يرى مدير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي الذي عايش الحركة الاحتجاجية.
وقال لوكالة فرانس برس إنّ جذور المطالبة بالتغيير مرتبطة بـ"تصدعات" منذ ما قبل 2011، و"تحديدا منذ خمسين عاما، وهي متصلة بغياب فرص التمثيل واللامساواة الاجتماعية والسياسية والفقر والفساد وصراع الهويات".
وفي بدايتها، كانت الثورة اليمنية مشبعة بالعفوية والتحركات السلمية في بلد ينتشر فيه السلاح على نطاق واسع، كما يتذكر أحد قادتها ياسر الريني الذي كان رئيسا لهيئة "تنسيق انتفاضة الشباب".
وأوضح "الثورة جمعت في ساحاتها كل فئات المجتمع ومكوناته لمناهضة الظلم والاستبداد وبناء يمن جديد في إطار الشراكة التي لا تستثني أحدا".
لكن هذه الأهداف "لم تتحقق بعد"، بحسب الريني.
مهد الانتفاضة
فبعد عقد من الزمن، يشهد اليمن صراعا داميا على السلطة اندلع في 2014 حين سيطر المتمردون الحوثيون المقربون من إيران على العاصمة، في إطار حملة عسكرية فتحت أمامهم الطريق للسيطرة على مناطق شاسعة في جنوب وغرب البلاد.
وعجزت الحكومة عن صد المتمردين الذين تحالفوا مع صالح بعد تحييده عن الرئاسة، فاستعانت السلطة بتحالف عسكري تقوده السعودية منذ مارس 2015، ما أدى إلى تفاقم النزاع ومقتل وإصابة عشرات آلاف الأشخاص.
واليوم، يشهد اليمن أكبر أزمة انسانية في العالم، بحسب الامم المتحدة، ويواجه ملايين من سكانه خطر المجاعة، وقد دمّر اقتصاده وقطاعاته التربوية والصحية وغيرها، فيما يواصل المتمردون محاولتهم التقدم نحو مناطق جديدة.
ونزح أكثر من 3 ملايين يمني عن ديارهم وباتوا يعيشون في مخيمات، فيما يعتمد نحو ثلثي السكان وعددهم أقل من 30 مليونا على المساعدات.
وبينما كانت أهداف الحركة الاحتجاجية توحيد اليمنيين، يبدو البلد المطل على ساحل البحر الأحمر أكثر انقساما من أي وقت مضى.
ويوضح عضو "المنسقية العليا للثورة" مانع المطري أنّ "تفرد نظام صالح بالسلطة وتسريع خطاه نحو توريث" نجله أحمد قائد الحرس الرئاسي، وحد اليمنيين في 2011.
في فبراير 2011، وعد صالح بإجراء إصلاحات وعدم السعي إلى ولاية جديدة في 2013، لكن هذا الامر لم يؤد إلا إلى إشعال الاحتجاجات التي سرعان ما امتدت إلى الشمال حيث احتضنت القبائل الكبيرة قضية المتظاهرين.
وبدأ الاعتصام في جامعة صنعاء التي تُعتبر مهد الانتفاضة اليمنية كما هو الحال بالنسبة لميدان التحرير في القاهرة أو شارع بورقيبة في تونس.
10 كيلوغرامات
تغيّر كل شيء في 18 مارس حين أطلق أنصار الرئيس النار على المتظاهرين في صنعاء ما أسفر عن مقتل 52 شخصا. وبعد بضعة أيام انضم أحد قادة الجيش الرئيسيين علي محسن الأحمر، الذي أصبح في ما بعد نائبا للرئيس، للمحتجين وأعلن انشقاقه مع عشرات الضباط.
ومن تلك اللحظة، اقتحم السياسيون الحراك من بابه الواسع، فيما بدأ المتمردون الحوثيون المدججون بالسلاح في الشمال يشاركون في التظاهرات ويتحركون خارج مناطق نفوذهم مستغلين الفوضى.
وأصيب صالح بجروح خطيرة في هجوم في 3 يونيو وعُولج في السعودية، قبل أن ينتهي به الأمر إلى الموافقة في نهاية العام 2011 على التنازل عن السلطة على مضض بموجب خطة سلام صاغتها الحكومات العربية في الخليج.
لكن الرئيس السابق اغتيل في ديسمبر 2017 في صنعاء على يد الحوثيين، وهم حلفاؤه السابقون، في خضم النزاع على السلطة بين المتمردين والسلطة المعترف بها دوليا برئاسة عبد ربه منصور هادي.
وقال المذحجي "هذه الثورة كانت رغبة من الناس في رؤية شكل آخر للنظام الذي كانوا يعيشونه. لكن الاعتداء على السياق الثوري الذي حدث في حينه والاستيلاء عليه من قبل أطراف سياسية (...) أدى إلى حرف هذا المسار الثوري ومن ثم تقاسم المرحلة الانتقالية وفسادها".
وتابع "كل هذا مهد إلى الاقتتال اللاحق".
وفي السنوات الأخيرة، انتشرت صور الأطفال اليمنيين الذين يعانون من سوء التغذية، ومن بينهم أحمدية عبده (عشرة أعوام) التي يبلغ وزنها عشرة كيلوغرامات وتقيم مع عائلتها في مخيم للنازحين في حجة (شمال).
وقال أحد أقربائها لوكالة فرانس برس "الطفلة يتيمة حيث توفي والدها منذ سنوات وتعيش مع أمها وأخيها في منزل مبني من القش" في منطقة عبس.
وتابع "أحمدية مصابة بسوء التغذية الحاد ولم تتلق العلاج، حيث أن قسم سوء التغذية بمستشفى عبس لا يستقبل الاطفال فوق سن خمس سنوات. ليس هناك من مكان آخر تذهب إليه".