العلف الخيار الوحيد لإطعام القطيع
مواشي سوريا محرومة من مراعي البادية بسبب الجهاديين والألغام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الهيجانة (سوريا): منذ نعومة أظافره، اعتاد محمّد سعسعاني أن يرافق والده الى البادية السورية لرعي قطيع أغنامه، لكن بعدما حطت الحرب رحالها وتحوّلت المنطقة مصدر تهديد، بات العلف الخيار الوحيد لإطعام قطيعه الذي يتناقص عدده تدريجياً.
وتعدّ البادية السورية المترامية الأطراف والممتدة من تخوم ريف دمشق حتى الحدود العراقية شرقاً، أحد أبرز المراعي الطبيعية في البلاد. وكانت توفّر قبل اندلاع النزاع عام 2011 السلّة الغذائية للمواشي وتغني الرعيان عن شراء العلف الصناعي.
ويقول سعسعاني (51 عاماً)، الملقّب بأبو قاسم، وهو أحد أشهر مربي الغنم في ريف دمشق، لوكالة فرانس برس بينما يضع كوفية حمراء على كتفيه إنه بعد اندلاع الحرب "أُغلقت الطرق أمامنا (...) بتنا نخشى الألغام والدواعش وقطاع الطرق". ويضيف "نخاف أن نذهب بأنفسنا إلى الموت مع خرافنا".
وجعلت مخلّفات عشر سنوات من الحرب عودة الرعيان ومواشيهم الى البادية مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. فعدا عن خطر الألغام التي حصدت حياة المئات خلال سنوات النزاع، جذبت البادية عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذين انكفأوا إليها خصوصاً بعد القضاء على "دولة الخلافة" قبل عامين. ووجد هؤلاء في البادية ملاذاً آمناً ينطلقون منه لشنّ هجمات موجعة ضد خصومهم رغم غارات سورية وأخرى روسية تستهدف تحرّكاتهم دورياً.
تحت أشعة شمس حارقة، يهتمّ أبو قاسم بنعجة حديثة الولادة، من دون أن يشيح نظره عن أغنام سارحة في منطقة الهيجانة على أطراف الغوطة الشرقية. ويعود بذاكرته إلى طفولته، حين كان يرافق والده مصطحبين مئات من رؤوس الأغنام في رحلات طويلة لطالما قادتهم إلى أبواب مدينة تدمر الأثرية في وسط البادية.
وبعد والده، واصل التقليد نفسه وبات يجول لأسابيع طويلة في البادية ليرعى أغنامه. لكن كل ذلك تغيّر خلال الحرب بعدما "باتت المناطق التي نستطيع الوصول إليها محدودة"، على قوله.
وكانت البادية وحدها تؤمّن سبعين في المئة من احتياجات الثروة الحيوانية من أعلاف، وفق ما يقول مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة أسامة حمود لفرانس برس.
ولكن مع تراجع مساحات الرعي، بات مربو الماشية مضطرين إلى شراء الأعلاف المستوردة، التي ارتفعت أسعارها تدريجياً على وقع الأزمة الاقتصادية وتدهور سعر صرف الليرة. وعلى غرار كثر، لم يعد بمقدور أبو قاسم شراء ما يلزم ماشيته من علف، ما دفعه إلى بيع معظمها و"تخفيف القطيع من 500 رأس غنم إلى أقل من مئة".
قبل الحرب، كان مربّو الأغنام الملقبين بـ"أبناء الصحراء"، يتفاخرون بأعداد رؤوس الماشية التي يملكونها، وكانت تكفي حاجة السوق المحلية، كما تُصدّر إلى الخارج.
لكنّ سنوات الحرب قضت على ما يقارب نصف الثروة الحيوانية، إذ خسرت سوريا وفق تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) ما بين ثلاثين إلى 45 في المئة من ثروتها الحيوانية.
وانخفض عدد رؤوس الأغنام والأبقار إلى النصف تقريباً، مقارنة مع 15 مليون رأس غنم وعشرة ملايين رأس بقر العام 2010، وفق حمود.
في ريف دمشق الشرقي، نصب حسن توهان خيمة كبيرة اعتاد وضعها سابقاً وسط الصحراء. وشيّد قربها حظيرة صغيرة لعشرات الأغنام والماعز.
ويقول حسن (50 عاماً)، وقد ارتدى زيّاً عربياً تقليدياً "قبل الأحداث، كنت أصل بأغنامي إلى حدود العراق، لكن مع بدء الحرب توقفنا عن الحركة". ويضيف "بتنا نبحث عن الأمان بدلاً من البحث عن طعام الماشية".
وإلى جانب خسارة مساحات الرعي خصوصاً في البادية، يتحدث مدير مركز للرعاية الحيوانية في ريف دمشق عبد الرزاق ويحا عن أسباب أخرى ساهمت في تراجع الثروة الحيوانية منها "التهريب إلى الدول المجاورة.. كون قطعان الماشية السورية مرغوبة بشكل كبير"، فضلاً عن "نضوب الآبار وسنوات الجفاف نتيجة تراجع مستوى الأمطار خلال السنوات الماضية".
ولم تبق مزارع ومنشآت تعنى بتربية الماشية، بمنأى عن تداعيات الحرب، إذ تناقص عددها الى النصف تقريباً، بحسب وزارة الزراعة.
تعمل منظمة الفاو اليوم على دعم المربين عبر "تأمين كميات إضافية ومصادر بديلة عن العلف، وزيادة أعداد الحيوانات من خلال إجراء عمليات تلقيح صناعي وتوفير خدمات بيطرية".
ويقول ممثل المنظمة في سوريا مايك روبسون لفرانس برس إن تأمين العلف هو "الحل الحقيقي لضمان البديل عن الرعي الطبيعي".
وتعمل المنظمة، كما يشرح، على زيادة انتاج الأعلاف في الداخل. ويوضح أنّ "بعض المناطق بدأت العودة إلى الإنتاج، وساعدنا الناس في تأمين مياه الري والوقود لاستخدام المضخات".
ورغم الجهود المبذولة، فإن "تحديات كثيرة" ما زالت موجودة وفق روبسون الذي يقول "أعتقد أننا نتجاوز مرحلة الخطر، لكننا لم نخرج منها بشكل كامل".
في ريف دمشق، لم يجد صالح فراح (59 عاماً)، صاحب مزرعة أبقار، حلاً إلا ببيع "سعدى" بقرته المفضلة، ليؤمن بثمنها "غذاء الأبقار الأخرى".
وبات من الصعب على صالح وأفراد عائلته الذين يعملون معه، الاهتمام بالأبقار كما جرت العادة بسبب صعوبات مادية ولوجستية أبرزها عدم توافر الكهرباء والمازوت لضخّ المياه إلى أرضه حيث كانت ترعى أبقاره. ويقول "بات تأمين العلف وحده يشكل نحو 75 في المئة من تكاليف تربية الأبقار".
وأدى ذلك الى ارتفاع أسعار المنتجات الحيوانية في الأسواق، وهو ما يؤثر "على مائدة الناس، إذ بات أكل اللحوم مكلفاً للغاية".
ويضيف "وصل الغلاء حتى إلى الحليب واللبن والجبنة".