روسيا تسعى الى إغلاق معبر "باب الهوى" مع تركيا
المساعدات العابرة للحدود تنقذ سكاناً متروكين لمصيرهم في شمال غرب سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أعزاز (سوريا): مذ خرقت الشظايا جسده قبل سبع سنوات، يعتمد الشاب محمّد العبدالله، النازح في شمال غرب سوريا، على مساعدات طبية حيوية توفّرها الأمم المتحدة وشركاؤها لعلاج إصابة حرب تضغط على عموده الفقري وتهدّده بشلل تام.
ومحّمد واحد من أكثر من مليوني شخص يستفيدون شهرياً من مساعدات تدخلها الأمم المتحدة عبر الحدود من تركيا إلى مناطق خارجة عن سيطرة النظام من خلال معبر باب الهوى الحدودي، الذي تضغط روسيا، الحليف الأبرز لدمشق، في مجلس الأمن الدولي لإغلاقه.
ويؤمن المعبر أكثر من ثمانين في المئة من احتياجات سكان شمال غرب سوريا، وفق الأمم المتحدة التي توصل عبره، ومن دون الحصول على موافقة من دمشق، مساعدات غذائية وطبية ومستلزمات ضرورية كالشراشف والفرش وحتى اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
ويقول العبدالله (17 عاماً)، القاطن في مخيم عشوائي للنازحين بين أشجار الزيتون قرب مدينة أعزاز في شمال حلب، "كافة أدويتي تأتي من الخارج عبر المعبر".
خطر الاصابة بالشلل
منذ إصابته في تفجير سيارة مفخخة العام 2014، يعيش العبدالله مع شظايا تنهش جسده، أكثرها خطورة واحدة تضغط على عموده الفقري.
ويوضح العبدالله، الذي يقيم مع والدته وشقيقته وطفليها في خيمة واحدة، "إذا تحركت سنتمتراً واحداً من الممكن أن أصاب بالشلل، هذا ما قاله لي الأطباء".
للتخفيف من حدة الوجع، توفر له المنظمات غير الحكومية الأدوية اللازمة. ويقول الشاب النحيل "إذا تم إغلاق المعبر، سأبقى في هذه الخيمة"، مضيفاً "من دون تلك الأدوية لا أستطيع الوقوف على قدمي، فالوجع لا يُحتمل".
في العام 2014، سمح مجلس الأمن الدوليّ بعبور المساعدات إلى سوريا عبر أربع نقاط حدودية، لكنه ما لبث أن قلّصها مطلع العام الماضي، بضغوط من روسيا والصين، لتقتصر على معبر باب الهوى بين تركيا ومحافظة إدلب. ويدخل عبره شهرياً حوالى عشرة آلاف شاحنة.
وتنتهي الفترة المتفق عليها لإبقاء معبر باب الهوى مفتوحاً في العاشر من تموز/يوليو المقبل. ويستعد مجلس الأمن قبلها للتصويت على قرار لتمديد إدخال المساعدات العابرة للحدود وسط خشية من فيتو من روسيا التي أبدت رغبتها في إغلاقه، لتصبح بذلك كل معابر المساعدات إلى سوريا مقفلة، باستثناء تلك التي تمرّ عبر دمشق.
ويقطن في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غرب سوريا نحو 4,5 ملايين شخص، قرابة ثلاثة ملايين منهم، غالبيتهم من النازحين، في مناطق تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) في إدلب، بينما يقيم 1,5 مليون في مناطق تسيطر عليها القوات التركية وفصائل موالية لها في شمال حلب.
وحذرت منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن منظمات دولية وغير حكومية أخرى، من "كارثة إنسانية" خصوصاً في إدلب، التي تضيق بآلاف مخيمات النازحين، في حال توقفت المساعدات العابرة للحدود. وشددت على أن باب الهوى يُشكل معبراً "حيوياً لعمليات الاستجابة لفيروس كورونا".
وأوضحت المنظمة، رداً على سؤال لوكالة فرانس برس، أنّ ألف شاحنة مساعدات دخلت شهرياً خلال العام الماضي إلى تلك المناطق لدعم 2,4 مليون شخص.
وتؤمن المنظمة تجهيزات للمستشفيات وأقسام العناية المركزة، فضلاً عن لوازم التخدير وأدوية لأمراض عدة بينها السكري والسل واللشمانيا.
وانضم مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون الجمعة إلى الداعين للحفاظ على تفويض الأمم المتحدة لإيصال المساعدات عبر الحدود من دون المرور دمشق، التي تشترط موافقتها لدخول المساعدات إلى مناطق سيطرتها.
وتقدمت إيرلندا والنروج، العضوان غير الدائمين في مجلس الأمن والمسؤولتان عن الملف في الأمم المتحدة، بمشروع قرار الجمعة يتضمن تمديد التفويض لعام واحد عبر معبر باب الهوى. كذلك، يطالب المشروع بإعادة العمل بمعبر اليعربية مع العراق، الذي أغلق العام الماضي وكان مخصصاً لإيصال المساعدات إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا.
وتنطلق موسكو في مساعيها من اعتبارها أن ولاية الأمم المتحدة على الحدود تنتهك سيادة سوريا، التي يعاني ستون في المئة من سكانها من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقديرات برنامج الأغذية العالمي.
واعتبرت الباحثة في الشؤون السورية لدى منظمة العفو الدولية ديانا سمعان أنه "من المخزي أن تكون المواقف السياسية في مجلس الأمن لا تزال قادرة على عرقلة الاستجابة الدولية لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في عصرنا".
وأضافت "فكرة أنه من الممكن للحكومة السورية أن تحل مكان الأمم المتحدة سخيفة"، خصوصاً أن السلطات السورية "معروفة بعرقلتها المنظمة لوصول المساعدات الإنسانية".
وتشهد سوريا منذ منتصف آذار/مارس 2011، نزاعاً مدمراً تسبب بمقتل نحو نصف مليون شخص واستنزف الاقتصاد وأدى الى نزوح وتشريد الملايين.
في مدينة الباب شمال حلب، يروي مصطفى شعبان بينما يجلس قرب ابنه أحمد، الذي بترت ساقه، معاناة طويلة مرت بها عائلته حتى باتت تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الدولية.
ويعاني شعبان (59 عاماً) من كسر في الجمجمة جراء إصابته بغارة جوية قتل خلالها أحد أبنائه، فيما وضع ابنه أحمد ساقاً اصطناعية. وفي غارة أخرى، تعرضت ابنته لإصابة خطيرة خضعت إثرها لثلاث عمليات جراحية، وباتت تعيش على أمعاء اصطناعية.
ويقول "لا أستطيع أن أتحمل (العيش) من دون أدوية الأعصاب"، مضيفاً أنّ إغلاق معبر باب الهوى يعنني "اننا سندخل في موت بطيء".
في مدينة أعزاز، بتر الأطباء ساقي أحمد حمرا بعد إصابته بغارة جوية قتلت شقيقه، وهو يتلقى حقن أدوية مخففة للوجع.
ويوضح بتأثر "معظم أدويتي تأتي عن طريق المساعدات، وليس باستطاعتي شراء الدواء إذا توفر".