عشرون عاماً من الحرب الأميركية على الإرهاب
هجمات 11 سبتمبر... ما الذي حققته واشنطن؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في سبتمبر/ أيلول عام 2001 قامت مجموعات صغيرة من الخاطفين بالاستيلاء على أربع طائرات كانت تحلق فوق شرقي الولايات المتحدة، واستخدمتها لضرب مبان بارزة في نيويورك وواشنطن.
ضربت طائرتان برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، بينما دمرت الطائرة الثالثة الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في واشنطن.
وتحطمت الطائرة الرابعة في حقل في ولاية بنسلفانيا، يُعتقد أن الخاطفين كانوا يعتزمون استخدامها في مهاجمة مبنى الكابيتول (مقر مجلسي النواب والشيوخ) في واشنطن العاصمة.
غير هذا الحدث الجلل، الذي أسفر عن مقتل نحو 3 آلاف شخص، وجه التاريخ، فقد شنت الولايات المتحدة بعده حربها الطويلة ضد الإرهاب.
في عام 1996 نقل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، عملياته من السودان إلى أفغانستان، حيث احتضنته حركة طالبان، ووفرت له ولجماعته ملاذاً آمناً.
ومن مقر القاعدة في أفغانستان، كان التخطيط والتوجيه لتفيذ هجمات11 سبتمبر المدمرة.
وبطبيعة الحال، بدأت حرب الولايات المتحدة على الإرهاب من هذا البلد، فبعد أقل من شهر على الهجمات، أعلن الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش، عملية غزو أفغانستان بدعم من تحالف دولي، للقضاء على تنظيم "القاعدة" وإلقاء القبض على بن لادن.
وبعد عشرين عاما من الوجود العسكري في أفغانستان، اختار الرئيس الأمريكي جو بايدن تاريخ الهجمات نفسه (11 سبتمبر) موعدا رمزيا للانسحاب الكامل.
وما أن بدأت القوات الأمريكية بالانسحاب، حتى بدأ تمدد حركة طالبان، التي سرعان ما سيطرت على مناطق واسعة من البلاد، إلى أن وصلت العاصمة كابل في 15 أغسطس/ آب.
لكن تفجيرات كابل التي أودت بحياة ستين شخصا على الأقل، من بينهم ثلاثة عشر من الجنود الأمريكيين الخميس 26 أغسطس/آب الماضي، لا تثير تحديات جديدة بالنسبة للرئيس بايدن فحسب، بل وتعيد أيضا السؤال القائم منذ عشرين عاما إلى الواجهة: ما هي الحصيلة النهائية لنسق "الحرب على الإرهاب"، الذي أعلنه الرئيس بوش الابن في تعقب تنظيم "القاعدة"، واعتماد مكافحة الإرهاب ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية؟ وهل هناك استراتيجية يمكن التنبؤ بفعاليتها في ضبط الأمور في أفغانستان؟
20 عاماً من الوجود العسكري في أفغانستان: هل كان ذلك يستحق كل تلك التضحيات؟
يلاحظ الدكتور محمد الشرقاوي أستاذ الصراعات الدولية في واشنطن، والعضو السابق في لجنة الخبراء في الأمم المتحدة، أن "الإرهاب يظل أكثر أصناف العنف السياسي تعقيدا وتوالدا، بفعل دوامة العداء والقتال بأدوات مختلفة، ومعضلة الباب الدوار بين 2001 و 2021. ولم يتم الاتفاق بين الدول والمنظمات الدولية بعد، على التعريف المناسب للإرهاب من أصل 109 من التعريفات المتداولة".
ويضيف الشرقاوي "تفجيرات كابل وتوعّد الرئيس بايدن بتعقب تنظيم 'داعش ولاية خراسان '، بمثابة استنساخ اللحظة ذاتها، التي تعهد الرئيس بوش فيها بملاحقة تنظيم القاعدة حتى أبواب جهنم، في ردّه على هجمات 11 سبتمبر. وخلال عقدين، عايش نسق مكافحة الإرهاب ثنائية المد والجزر، بشكل متكرر في أفغانستان والعراق والرقة بسوريا، وحتى في لندن وباريس ومدن أخرى. لكنّ المعضلة تظلّ قائمة بسبب التركيز على المنطلق الأمني أساسا، دون مراعاة الاعتبارات النفسية والدينية والمعيشية والمجتمعية".
ماذا حل بتنظيم القاعدة؟لم تتمكن الولايات المتحدة من معرفة مكان بن لادن إلا بعد مرور عشرة أعوام على الهجمات، حيث نجحت القوات الأمريكية في تحديد موقعه وقتله في باكستان المجاورة.
وعندما يقول الرئيس بايدن إن التدخل الأمريكي في أفغانستان لم يهدف إلى تأسيس دولة، وإن من العبث مواصلة الحروب المفتوحة، فإنه يقدم ما يعتبره تبريرا منطقيا للانسحاب الأمريكي. لكنه يثير ضمنيا السؤال عن مقياس تقييم نجاح المهمة: سواء بملاحقة مسلحي القاعدة أو مقتل أسامة بن لادن، أو تجفيف أفغانستان من أي خلايا متطرفة.
2020: لماذا كان هذا العام كارثياً على تنظيم القاعدة؟
ويقول الدكتور الشرقاوي إن "المنطق الذي بدأ به الرئيس بوش بإعلان الحرب على الإرهاب ربما قد حقق غايته بدحر مقاتلي القاعدة من قندهار ومقتل بن لادن عام 2012، وإن حكومات أوباما وترامب وبايدن، قد تأخرت عشر سنوات في تنفيذ الانسحاب من أفغانستان. لكن نسق مكافحة الإرهاب ظل يعيد إنتاج ذاته عاما بعد عام، لعشر سنوات إضافية. وقد دار في خلد الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين المرابطين في أفغانستان أكثر من سؤال: ماذا نفعل هنا ونحن لم نقض على طالبان، ولم نحد من نطاق قوتها وتوسعها في بعض الولايات الأفغانية؟ لم تنته طالبان، ولم تتوقف أعمال العنف، ولا يمنع هذا السيناريو ظهور حركات وجماعات مسلحة أكثر تشددا".
كما أن تنظيم القاعدة مازال موجودا، ولديه هيكلية وزعيم هو أيمن الظواهري، الذي تولى القيادة بعد مقتل بن لادن. يقول الباحث والخبير في الجماعات المتشددة حسن أبو هنية: "قبل هجمات 11 سبتمبر كان التنظيم يعمل بشكل مركزي، حيث يوجد في أفغانستان وباكستان فقط، لكنه بعدها تحول إلى منظمة لا مركزية وأصبح أكثر تمددا في عدة مناطق سواء في أفريقيا أو آسيا".
إذن، باتت الخطورة في الكثير من التنظيمات المتشددة الأخرى، التي انشقت عن القاعدة، وانتهجت أسلوبا أكثر عنفا ودموية. يقول أبو هنية: "انبثق عن القاعدة تنظيمات أخرى أبرزها تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أنشق عنها ثم أنشأ دولة الخلافة، وسيطر على مساحات واسعة، في العراق وسوريا ويتمدد في 28 بلدا، ورغم تشكيل تحالف بقيادة الولايات المتحدة مؤلف من 38 دولة، ما زال التنظيم موجودا في العراق وسوريا حيث مازال ينفذ عمليات هناك، وكذلك في مناطق غرب أفريقيا وشرق أفريقيا ووسط أفريقيا في الصحراء والساحل".
ويضيف: "هناك أيضا جماعات مثل جبهة النصرة، التي فكت ارتباطها بالقاعدة وبتنظيم الدولة، وأنشأت حركة جهادية محلية بحتة، وهي هيئة تحرير الشام التي تسيطر حاليا في مدينة إدلب السورية".
وتشير تقييمات الخبراء ومراكز الدراسات، وأبرزها المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب، إلى نمو وازدياد التنظيمات المتطرفة، ويضيف أبو هنية "إذا نظرنا إلى كل تلك التقييمات نرى أنها تشير إلى أن القاعدة وما انبثق عنها من تنظيمات والتي استهدفتها الحرب على الإرهاب، قد تضاعفت أكثر من أربع مرات، وبدون أدنى شك فإن القاعدة وأخواتها أصبحت أكثر تمددا وخطرا".
يعتبر المؤرخون مقتل بن لادن في الغارة الأمريكية التي نفذت في الثاني من مايو/ آيار 2011، ضربة شبه قاضية لتنظيم القاعدة. وقد أعرب ريتشارد كلارك، مسؤول شؤون مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش الابن حتى عام 2003، عن اعتقاده بأن موت بن لادن يمثل لحظة فاصلة، لأنه طالما بقي على قيد الحياة سيبدو الأمريكيون عاجزين.
وكان بن لادن مدركا لأهمية الدعاية الإعلامية، وقد قابل عددا من الصحفيين الأجانب والعرب، ومن أبرزهم رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" اللندنية عبد الباري عطوان.
عن إرث بن لادن يقول عطوان: "تنظيم القاعدة اليوم يختلف كثيرا عما كان عليه تحت قيادة بن لادن، فقد بات متشرذما كما انشقت عنه الكثير من الجماعات الجهادية الأخرى، وبالتأكيد فقد باغتيال قائده الكثير من قوته ومكانته، كونه تنظيم الرجل الواحد أو حسب التعبير الإنجليزي one man show".
ويضيف: "لكن تنظيم الدولة ولاية خرسان قد يكون طبعة القاعدة بنسختها الجديدة، أي وريث تنظيم القاعدة، ومن المرجح أن ينفذ عمليات داخل أفغانستان وخارجها، وصولا إلى أوروبا والولايات المتحدة".
بعد 10 سنوات على مقتله، ماذا تبقى من إرث أسامة بن لادن؟
وعن علاقة بن لادن بطالبان يقول: "العلاقة بين القاعدة وطالبان في الواقع أساسها قوة العلاقة التي جمعت بين الزعيمين بن لادن والملا عمر، وبن لادن كان مدركا تماما لأهمية الدعاية الإعلامية، وحين دعاني لمقابلته كان يخطط للقاء يجمعني بزعيم طالبان حينها الملا عمر، لم يحصل اللقاء، لكنه كان يهدف إلى تحسين صورة طالبان إعلاميا لشرعنة حكمهم لأفغانستان واستمرارهم".
ويعتقد الصحفي المخضرم أنه بموت الرجلين حُلت عرى هذا الارتباط بين التنظيم والحركة: "كان ضمن طالبان تيار مع تسليم بن لادن، وقيادات طالبان الحالية فيها الكثير ممن ينتمون لذلك التيار، لذلك قد تكون طالبان جادة في عدم تبنيها واحتضانها للقاعدة، وتصريحات ذبيح الله مجاهد الأخيرة عن عدم وجود دليل على مسؤولية بن لادن عن هجمات 11 سبتمبر، ما هي إلا محاولة لتبرئة أنفسهم، إذ كانت الحركة حينها تحتضنه، وبأي حال هو يريد أن يشير إلى انتهاء تلك المرحلة، وبالتالي القيادة الطالبانية الجديدة مختلفة عن القديمة، فهي حريصة على نيل الاعتراف الدولي ولا تريد تكرار سيناريو 2001، بل تريد حكم البلاد وتأسيس دولة مستقرة".
ذبيح الله مجاهد: المتحدث "الغامض" الذي يظهر للعلن لأول مرة
ويرى عطوان أنه في حال فشل طالبان في إحلال الاستقرار في أفغانستان، واندلاع حرب أهلية وصراع إثني عرقي فيها، فستكون بمثابة "مغناطيس" سيجذب إليه الجماعات المتطرفة والمتشددة، خاصة مع طبيعتها الوعرة التي تشكل ملاذا آمنا لمثل تلك الجماعات.
تكلفة باهظةتوقع تقرير لجامعة براون الأمريكية أن تصل كلفة "الحرب على الإرهاب" التي بدأت قبل عقدين إلى 6.7 تريليون دولار بحلول عام 2023، إذا أوقفت الإدارة الأمريكية كافة عملياتها العسكرية قبل هذا التاريخ.
كما يُقدر عدد الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا بأكثر من 7 آلاف جندي. ويقول الباحث والخبير في الجماعات المتشددة حسن أبو هنية "أُنفق على الحرب على الإرهاب ما يقرب من 5.5 تريليون دولار أمريكي، أو إذا اعتمدنا الرقم المبالغ به للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي قال إنها بلغت 7 تريليونات، فضلا عن الخسائر البشرية إذ تشير التقديرات إلى مقتل 7700 جندي أمريكي حول العالم في الجبهات الرئيسية لتلك الحرب، فهذا يعني بالتأكيد أن الولايات المتحدة قد دفعت تكلفة باهظة".
ويخلص أبو هنية إلى أنه بالرغم من تلك التكلفة الباهظة، لم تحقق الحرب على الإرهاب الكثير.
من جهته يعزو الدكتور الشرقاوي تعثر مكافحة الإرهاب بشكل جزئي إلى "طبيعة الحروب المتحورة" في القرن الجديد، وهي حروب يقول إنها "لم تعد تقليدية بين دول وجيوش نظامية كما كانت حروب السبعينيات من القرن الماضي، بل أصبحت حروبا غير مباشرة وغير متساوية، بين جيوش تابعة لحكومات بتقنيات متطورة، وحركات راديكالية ذات عتاد يدوي محدود لا يزيد في أغلب الحالات عن بنادق وأحزمة ملغومة وطائرات مسيرة. فأصبح واقع الحروب المعاصرة مجرد أعمال مراقبة وترصّد وكرّ وفرّ، تدور في أغلبها على طريقة حرب العصابات بين دول وأطراف غير دولية. ولم تعد هناك أرض معارك معروفة، أو خط تماس واضح بين الطرفين، باختصار، ليس للإرهاب عنوان بريدي".
ويرى أن ثمة مفارقة يسميها "السببية المتدرجة"، ويشرح: "كما قال إسحاق نيوتن: لكل فعل ردّ فعل في الاتجاه الآخر، وهي أن لكل من الدول مثل الولايات المتحدة، والحركات المتشددة كداعش وجبهة النصرة والقاعدة، حزمة تبريرات جاهزة للدفع قدما بمواصلة العنف والعنف المضاد، والوعيد من ناحية والانتقام من ناحية أخرى، باختصار: هي سرديات تهديد الأمن القومي الأمريكي، مقابل إخراج القوات الأجنبية من أرض الإسلام".
هل عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان تعني، بشكل أو بآخر، حتمية عودة القاعدة بكل قواعدها ومعسكراتها لتدريب الإرهاب؟ بات هذا السؤال حاضرا في أذهان الكثيرين مؤخرا.
يقول أبو هنية "ستعطي عودة طالبان جاذبية خاصة للجماعات المتشددة، خاصة أنها تتزامن مع إبعاد بعض الحركات الإسلامية السلمية كما حدث لحزب النهضة في تونس، وبالتالي ستدفع هذه المتغيرات تلك الجماعات المتشددة والحركات الجهادية إلى الاعتقاد بصواب نهجها، بشكل أو بآخر، وقد ينتج عن ذلك أن نشهد تمدد وعودة هذه الحركات في المنطقة".
لكن توجه الكثير من الحركات المتشددة قد اختلف، ولم تعد تهتم بتنفيذ عمليات خارجية على غرار هجمات 11 سبتمبر، بل باتت تتطلع ببساطة للحكم وفرض السيطرة. يقول أبو هنية: "ربما خير مثال على هذا التحول هو حركة طالبان التي ثبت أنها تتطلع لفرض سيطرتها وحكم أفغانستان، وبذلك فإن التقييمات تدل على فشل الحرب على الإرهاب، إلى حد كبير في هذا البلد، فتلك الحرب التي كان من المفترض أن تقضي على حركة طالبان والقاعدة وعلى الحركات الجهادية، لم تتمكن من ذلك، بل أصبحت تلك الحركات والتنظيمات أكثر تجذرا، وباتت تسيطر على مناطق واسعة في مختلف أنحاء القارة الأفريقية والآسيوية، كما يبدو أنها باتت أكثر جاذبية".
ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية؟
لكن الدكتور الشرقاوي يرى أن هناك مفارقة، في ما وصفه بتطور الانطباع بين حركات متشددة، وأخرى أكثر تشدّدا. يقول: "لقد كانت طالبان الخصم الرئيسي للولايات المتحدة عام 2001، وصنفتها وزارة الخارجية الأمريكية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في العالم. وبعد ثمانية عشر عاما، تصبح طالبان جليسة الوفد الأمريكي في مفاوضات الدوحة، قبل أن تجد في مشروع الانسحاب الأمريكي فرصة مواتية لفرض سيطرتها على العاصمة كابل، وجل الولايات الأفغانية".
نجاحات تكتيكية وفشل استراتيجي
يرى خبراء أن الولايات المتحدة قد حققت في حربها على الإرهاب بعض النجاح التكتيكي، فقد قتلت بعض القادة واعتقلت بعضهم، وطردت تنظيم الدولة من مناطق سيطرته، لكنها لم تتمكن من القضاء على أي من التنظيمات المتشددة.
يقول أبو هنية: "لم تحقق الولايات المتحدة نجاحا استراتيجيا، إذ لا يوجد استدامة، بل ركزت الاستراتيجية على الجوانب العسكرية والأمنية، وأهملت الجوانب المتعلقة بالحكامة والسياسة والاستبداد، أو بالأحرى أهملت الأسباب الجذرية للإرهاب".
ويتفق الدكتور الشرقاوي مع هذا الرأي، إذ يؤكد على أن مكافحة الإرهاب تحتاج لمنطلقات عابرة للتخصصات، ومتعددة الزوايا، لفهم القناعة التي تجعل الشخص الانتحاري يرتدي الحزام الناسف ويفجر نفسه بين الجموع، "بعبارة أخرى، تتعامل الحكومات والمنظمات الدولية، مع معضلة الإرهاب حين تغدو نتيجة، أي في المرحلة الأخيرة، ولا تركز على السببية، وكيف يتدرج الحنق والإحباط إلى مقاومة وبقية تجليات التطرف، في المرحلتين الأولى والثانية".
ويخلص الدكتور الشرقاوي إلى أن الوضع الراهن في أفغانستان يختصر هذا الفشل "وينمّ عن موت الاستراتيجية وقيام السرديات الكبرى. وهو كناية عن قناعة جاءت متأخرة بعد عقود، بأن جل التدخلات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا، وقبلها الصومال وفيتنام، لم تستند إلى استراتيجية متنورة واضحة، بل لم تكن أكثر من مغامرة لاستعراض القوة ومحاولة تغيير التضاريس السياسية لهذه المجتمعات، وبعد عقود، تحلّ القناعة بعبثية البقاء والحد من الخسائر. وبعد إنفاق مئات مليارات الدولارات في أفغانستان، وقتل عشرات الآلاف من الضحايا من المدنيين والعسكريين، تحمل الولايات المتحدة أثقال الفشل في صنع السلام بين الأطراف المحلية، ناهيك عن بناء السلام وتشكيل حكومات ائتلاف وطنية أو اقتصادات نامية. وتظل الولايات المتحدة قوة عظمى تغازل من حين لآخر أحلاما إمبراطورية، وتنهج الواقعية الهجومية، لكنها لا تعرف كيف تغادر بؤر الصراع".