بين التواطؤ والخداع والتمرد
أميركا خارج أفغانستان: ثلاث نظريات مؤامرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من بيروت: كأي حدث من الأحداث الكبرى التي يشهدها العالم، لا تخلو التفسيرات العاجلة لتطوراته من "نظريات المؤامرة" التي يكون فيها "الشيطان" ممسكاً بخيوط اللعبة، و"تنبع في الأساس من الإشاعات أكثر من الأفكار، يروجها البعض ويؤمن بها آخرون"، بحسب تفسير جو أوسينسكي مؤلف كتاب "نظريات المؤامرة الأميركية"، الذي يقول إن "كل شخص يؤمن بنظرية واحدة على الأقل أو ربما ببضع نظريات، والسبب يعود لوجود عدد غير محدود منها".
يقول تقرير نشره موقع "إندبندنت عربية" إنه في أفغانستان التي سقطت بشكل مفاجئ في يد حركة طالبان صباح الأحد 15 أغسطس الماضي، بعد الانهيار السريع للقوات الحكومية وانسحاب نظيرتها الأميركية، لا يزال كثيرون واقعون تحت تأثير الصدمة، محاولين تفسير التطورات المتسارعة، حيث ذهب البعض للقول إن سيطرة حركة طالبان على الدولة الأفغانية هو قرار أميركي متعمد بهدف خلق مشكلات مستقبلية لروسيا والصين (أبرز خصوم واشنطن) عبر السماح لحركة متطرفة ومرتبطة بجماعات إرهابية في المنطقة من الوصول إلى الحكم في كابول، فيما ذهب آخرون باتجاه وجود صفقة ما بين الإدارة الأميركية و"طالبان"، سمحت بسقوط المحافظات الأفغانية كلها في أقل من أسبوعين، مع الجزم بنفي أن تكون الحركة المتطرفة قد انتصرت بقدراتها الذاتية. فماذا نعرف عن أبرز "نظريات المؤامرة التي خيمت على المشهد الأفغاني خلال الأسابيع الأخيرة؟".
روس وصينيون في المستنقع الأفغاني
من بين أبرز التفسيرات التي سيطرت على قراءة تطورات الأحداث في أفغانستان طوال الأسابيع الأخيرة، هو وجود اتفاق ضمني بين الولايات المتحدة وحركة طالبان يتم بموجبه منح ضوء أخضر للحركة للسيطرة على البلاد، وذلك في رغبة أميركية تبناها بعضهم بجعل "طالبان" شوكة موجعة في أجساد خصومها الدوليين مثل الصين وروسيا، والإقليميين مثل إيران، كما تقول "إندبندنت عربية".
هذا التفسير وعلى الرغم من نفيه من قبل آخرين باعتبار أن التطورات الأفغانية ليست وليدة الأسابيع الأخيرة، وإنما نتاج سنوات من فشل الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، قادت لقرار الانسحاب استنادا للاتفاق الموقع بين واشنطن و"طالبان" في فبراير (شباط) 2020، وليس نكاية في خصوم الولايات المتحدة. ولا يستبعد أنصار وجود تواطؤ أميركي من افتراض أن تكون دوائر صنع القرار الأميركية قد رأت أن تستفيد من هذه الهزيمة بشكل أو بآخر عبر السماح بوجود "طالبان" في الحكم نكاية في خصوم واشنطن.
وأياً كانت أبعاد الخطوة الأميركية التي لاقت انتقادات واسعة من جانب الحلفاء الأوروبيين، فإن تصدر طالبان للمشهد الأفغاني يثير قلق موسكو وبكين معاً وكذلك طهران، في ظل رغبة البلدان الثلاثة الحفاظ على مصالحها ونفوذها في وسط آسيا بحسب موقع "نيوزويك" الأميركي.
فمن ناحية روسيا تشي التطورات الأخيرة في أفغانستان بأنها ترى في الانسحاب الأميركي فرصة حاسمة لإعادة ترسيخ نفوذها في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، لكن من ناحية أخرى لا تريد أن يشكل فراغ السلطة الذي أحدثه هذا الانسحاب خطراً أمنياً على جوارها المباشر، وسط مخاوف بأن تصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للعناصر المتطرفة المعادية لروسيا أو الداعمة للجماعات الانفصالية في منطقة القوقاز.
موسكو تراقب
لهذا السبب، وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، تراقب السلطات الروسية التي تعتبر آسيا الوسطى والدول الأعضاء في الاتحاد السوفياتي السابق ضمن دائرة نفوذها الطبيعي، عن كثب التطورات في أفغانستان، وفي ظل سعيها إلى أن تكون ضامناً أمنياً لهذه البلدان، تمثل أزمة أفغانستان تحدياً كبيراً لدورها.
كذلك الصين، وفق "نيوزويك"، التي تعد أبرز خصوم واشنطن في الساحة الدولية، يكمن قلق بكين الرئيس من احتمال إثارة الاضطرابات التي تعم أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، وتحول المنطقة إلى كابوس أمني من خلال القلق من سماح "طالبان" بعودة البلاد لتكون بيئة خصبة للتنظيمات الإرهابية، ومدى تأثير ذلك في "الانفصاليين الإيغور" (حركة تركستان الشرقية) في إقليم شينجيانغ المتمتع بالحكم الذاتي في الصين.
وعليه فإن أحد السيناريوهات التي تثير قلق بكين هو التعاون بين "طالبان" وحركة تركستان الشرقية، بعد مزاعم في السنوات الأخيرة بأن أعضاء الحركة المتشددة التركستانية يتم تدريبهم من قبل "طالبان" وإرسالهم إلى الصين، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك أقامت بكين علاقات جيدة مع "طالبان" خلال الأشهر الأخيرة، وأقرت بالحاجة إلى التعاون مع طالبان بعد سيطرتها على السلطة في البلاد.
وفي أعقاب سيطرة "طالبان" على السلطة وضع وزير الخارجية الصيني وانغ لي ثلاث نقاط وصفها بأنها تحظى بأولوية قصوى لدى بكين في أفغانستان، وهي منع توسع الصراع الدولة الجارة إلى حرب أهلية، والثانية إعادة الأطراف الأفغانية إلى طاولة المفاوضات في أقرب فرصة ممكنة لتحقيق المصالحة الوطنية، والثالثة منع الجماعات الإرهابية من إحراز أي تقدم وتوسيع نفوذها داخل البلاد.
الحزام والطريق وأفغانستان
شق آخر، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تخشاه الصين، يتمثل في ضمان أمن "مبادرة الحزام والطريق" الاقتصادية الاستراتيجية بالنسبة إليها، لا سيما أن مدينتين مهمتين في أفغانستان تقعان على طريق المبادرة التي كانت تسمى قديماً "طريق الحرير"، وهما كابول (التي يطلق عليها اسم جوهرة الشرق) وننغرهار (حيث موقع هده الأثري الذي يعد مهد الحضارة البوذية).
وبحسب "إنبندنت عربية"، كثيرا ما يتردد أن هناك رغبة أميركية في إفشال شراكة الصين مع عدد من الدول المجاورة، وتخريب مبادرة "الحزام والطريق" في سياق التنافس بين البلدين، إذ تشكل المبادرة الصينية، بحسب مراقبين، تحدياً كبيراً لمصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية وملف تغير المناخ، بخاصة في حال تم تشكيل المشروع بشكل مستدام.
وعليه في الإجمال تعتبر أفغانستان دولة مهمة في مبادرة الصين "الحزام والطريق"، حيث تعد الطريق الأقصر ما بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وما بين الصين والشرق الأوسط، كما تعتبر الموارد الطبيعية في أفغانستان ذات أهمية كبرى خاصة في الفترة الأخيرة، حيث تمتلك الليثيوم والنحاس اللذين يستخدمان في البنى التحتية الخاصة بالسيارات الكهربائية، كما تمتلك الذهب وخام الحديد والأحجار الكريمة، مما يجعلها أيضاً منطقة استراتيجية لجميع الدول.
خدعوا بايدن
كان لافتاً من الإشاعات التي خيمت على الأحداث الأفغانية طوال الأسابيع الأخيرة، تلك التي روجتها بعض الصحف الروسية من أن الرئيس الأميركي جو بايدن تعرض للخديعة من قبل قواته، الأمر الذي قاد في النهاية إلى فشل الولايات المتحدة في أفغانستان.
وكتبت فريزة باتسازوفا في صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس"، الروسية قائلة إن وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية على جانبي الأطلسي تعج بالهجوم على جو بايدن، الذي نفض يديه وترك أفغانستان تحت رحمة القدر، في إجماع نادر بين الصحف اليمينية واليسارية على إدانة الرئيس الأميركي.
ونقلت الكاتبة عن كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأميركية وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية فلاديمير فاسيليف قوله، "كان لدى الإدارة الأميركية كثير من الوقت لتقرير ما يجب فعله في أفغانستان، وبالمحصلة حسم بايدن أمر المغادرة انطلاقاً من أن نظام الحكم في كابول (الرئيس الفار أشرف غني) قوي بما فيه الكفاية، وستكون الحكومة قادرة على الصمود، وأن من الممكن عبر تقديم مساعدات اقتصادية الحفاظ على هذا الوضع لفترة طويلة جداً، ولكن تبين أن هذا القرار أكبر خطأ استراتيجي يرتكبه بايدن، وقد تترتب عليه عواقب سلبية للغاية على سمعة الرئيس وإدارته، مما سيقوض مكانتهما".
وبحسب فاسيليف فلا يمكن استبعاد عناصر من نظرية المؤامرة هنا "فقد أمكن للعسكريين الأميركيين ببساطة أن يخدعوا بايدن من خلال المعلومات التي قدمت منذ البداية إلى الرئيس وكانت غير صحيحة، كأن يكون العسكريون تعمدوا إرباك الإدارة ودفعوها إلى انسحاب غير مسؤول أو غير مدروس للقوات، قائلين إن الأمور على ما يرام في أفغانستان، فعلى الأرجح تم إشراك جنرالات من الحلقة المتوسطة أو قادة ميدانيين في اللعبة السياسية"، على حد وصفه.
دعوة ناعمة إلى انقلاب
وذهب فاسيليف باستنتاجه للقول إن الهجوم الشرس الذي قاده الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على سلفه بايدن بسبب الانسحاب "الفوضوي" يشبه "دعوة ناعمة إلى انقلاب من نوع ما، قد يرى فيها ترمب الساعي إلى العودة للبيت الأبيض مجدداً، بأنها الوقت المناسب لكسب العسكريين إلى صفه، وتغيير الوضع في القوات المسلحة الأميركية بشكل جذري، وخلق ظروف تجعل الجيش أو جزءاً من قيادته يتدخل في السياسة"، بحسب "إندبندنت عربية".
وقبل سقوط أفغانستان في قبضة "طالبان" كانت تقارير الاستخبارات الأميركية ترجح صمود القوات الأفغانية الحكومية في وجه الحركة لنحو ستة أشهر من دون استبعاد سقوط العاصمة كابول في النهاية، وقدر قبل الانسحاب الأميركي عدد مسلحي طالبان بين 70 و80 ألفاً، مقارنة بنحو 300 ألف هو عدد القوات الأفغانية الحكومية التي ضربتها قوات التحالف وسلحتها بأحدث المعدات العسكرية خلال السنوات الأخيرة بكلفة تجاوزت التريليون دولار أميركي، ومع ذلك تم اجتياح البلاد بأكملها في غضون أسابيع، واستسلم القادة العسكريون الأفغان من دون قتال في غضون ساعات.
تآمر غني وطالبان
على الصعيد الداخلي الأفغاني، زادت في الأيام الأخيرة احتمالات تورط الرئيس الهارب أشرف غني مع حركة طالبان لتسليم الأخيرة السلطة والقصر، لا سيما "شبكة حقاني" المنحدرة من الغلزانيين في قبلية البشتون المنتمي إليها غني. وبني ذلك التفسير على نفي احتمال سقوط كابول بهذه السهولة، واعتبار أنها تمت التضحية بها ضمن مؤامرة بين الرئيس غني وشبكة حقاني لضمان بقاء السلطة في قبيلته.
وبتتبع تلك الرواية فقد استندت بالأساس إلى حدثين، الأول "خديعة لقاء الرئيس بقياداته العسكرية" لإجراء محادثات بمقر وزارة الدفاع الأفغانية القريبة من القصر الرئاسي صباح الأحد 15 أغسطس (آب) يوم سيطرة "طالبان" على العاصمة والقصر، إلا أنه وقبل 15 دقيقة من اللقاء فرّ الرئيس والمقربون منه إلى الخارج، وقيل إن الهدف هو تشتيت جهود وزير الدفاع الأفغاني الجنرال بسم الله محمدي (بنجشيري) للحيلولة دون سقوط القصر".
والحدث الأخير كان تمويه الرئيس غني بعد لقائه مجموعة شيوخ ووزراء حكومته في القصر الرئاسي قبل يوم من اقتحام كابول، بإرسال وفد تفاوضي إلى قطر يستطيع التحدث إلى "طالبان" من أجل تشكيل إدارة انتقالية، وتلقت الحركة الرسالة وكانت تنتظر وصول وفد إلى الدوحة من كابول لعقد محادثات حول احتمالات تشكيل حكومة جديدة بمشاركة عبدالله عبدالله والرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، إلا أن الأمر لم يتم.
وفسرت تلك التحركات على أنها سمحت لسقوط القصر الرئاسي في كابول خلال أقل من نصف ساعة من مغادرة غني على يد مجموعة حقاني في "طالبان"، الذين يبدو أنهم كانوا يعملون مع متواطئين داخل القصر الرئاسي، وذلك قبل أن يتمكن وزير الدفاع من التصرف لحماية مكتب الرئيس.
ووفق ما قاله بعض أعضاء الحرس الخاص للجنرال محمدي حين حاولوا منع غني وآخرين مثل حمد الله محب رئيس مجلس الأمن القومي من مغادرة القصر الرئاسي إلى مروحيتهم، شتّت قوات خاصة موالية لغني انتباههم بأن رمت في اتجاههم أكياساً مليئة بالدولارات الأميركية، وهكذا عدوا أوراقاً مالية في حين كان الرئيس الأفغاني يهرب من البلاد.
وعلى هذا المنوال تعاون غني وأشخاص مقربون منه مع مجموعة حقاني لصدمة الوفد المفاوض في الدوحة، الذي اعتقد أعضاؤه أنهم على وشك الإمساك بالسلطة، أي أعضاء "طالبان" الدورانيين المتحدرين من مدينة قندهار الجنوبية والمقربين من الرئيس السابق كرزاي.