موسكو لن تلجم أنقرة
نفذ صبر إردوغان.. فهل تفجر تركيا الشمال السوري؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من إسطنبول: منذ نحو أسبوع تجاوزت الأنظار في شمال سوريا ما يجري في محافظة إدلب وتطوراتها الميدانية، إلى مناطق ريف محافظة حلب الشمالي، التي تعرف باسم مناطق "الإدارة التركية"، في تطورٍ يرى محللون أنه قد يمهد لتغييرات عسكرية ضمن الخريطة المقسّمة بين أطراف النفوذ.
تخضع مناطق ريف حلب لسيطرة تحالف "الجيش الوطني السوري" المدعوم من أنقرة، وشهدت خلال الساعات الـ48 الماضية أحداثا عدة، أبرزها مقتل شرطيين من القوات الخاصة التركية بهجوم بصاروخ مضاد للدروع، إلى جانب انفجار سيارة مفخخة في مدينة عفرين، أسفر عن مقتل مدنيين، بحسب "الحرة".
ورافق ذلك إعلان ولاية غازي عنتاب التركية تعرض قرية قرقميش الحدودية لقصف بقذائف صاروخية قيل إن مصدرها المناطق الخاضعة لسيطرة "وحدات حماية الشعب" (الكردية) في منطقة عين العرب (كوباني)، وهو ما نفته الأخيرة ببيان نشرته "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تشكّل الوحدات عمادها العسكري.
وتنظر تركيا إلى "قسد" وعنصرها الرئيسي، على أنها امتداد لـ"حزب العمال الكردستاني"، الذي صنفته واشنطن وأنقرة على أنه منظمة إرهابية.
وتشير معظم تصريحات المسؤولين الأتراك إلى أن القوات الكردية هي من تقف وراء تلك الهجمات، بينما يقول قادة عسكريون في "الجيش الوطني" إن ذلك يتم "برضا وتنسيق روسي"، على اعتبار أن المناطق التي يخرج منها القصف تشهد انتشارا لقوات من الشرطة العسكرية الروسية وأخرى من قوات النظام السوري.
ويضيف القادة أيضا، بينهم مصطفى سيجري، أن مدينة مارع، إحدى مناطق "درع الفرات"، تعرضت ليل الاثنين- الثلاثاء لقصف جوي روسي، وذلك للمرة الأولى منذ 6 أعوام.
ولم يصدر أي تعليق من موسكو حتى اللحظة، وكذلك الأمر بالنسبة لأنقرة.
مشهدٌ معقّدرغم أن الهجمات التي تشهدها مناطق الإدارة التركية في شمال سوريا ليست الأولى من نوعها، إلا أن حالة التزامن فيما بينها ضمن إطار زمني لم يتعد يومين، أثارت جملة من التساؤلات عن الغرض منها، وعما ستفرضه خلال المرحلة المقبلة، بحسب "الحرة".
وفي مؤتمر صحفي، عقب ترؤسه اجتماعا للحكومة في المجمع الرئاسي بأنقرة، لوّح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعملية عسكرية مرتقبة في المنطقة، بقوله: "الهجوم الأخير على قواتنا (في منطقة عملية درع الفرات) والتحرشات التي تستهدف أراضينا بلغت حدا لا يحتمل".
وأضاف، الاثنين: "نفد صبرنا تجاه بعض المناطق التي تعد مصدرا للهجمات الإرهابية من سوريا تجاه بلادنا"، مشيرا: "عازمون على القضاء على التهديدات التي مصدرها من هناك (شمال سوريا) إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة".
ولم يحدد إردوغان ماهية "القضاء على التهديدات"، أو المناطق التي قد تستهدفها "العملية العسكرية"، بينما تحدث خبراء أمن ودفاع أتراك، الثلاثاء، أن الأيام المقبلة قد تشهد عمليات عسكرية بالفعل ضد مناطق سيطرة القوات الكردية، وأنه من الصعب تحديد نطاقها الجغرافي، إن كانت ستتركز في شرق الفرات أو غربه.
ومنذ مطلع 2018، وعقب عملية "غصن الزيتون" في عفرين، بقيت القوات الكردية محتفظة بالسيطرة على منطقة تل رفعت والقرى والبلدات في محيطها، ضمن ما يسمى بـ"جيب تل رفعت".
ويختلف الجيب المذكور على الأرض بطبيعة الأطراف المنتشرة فيه، التي لا تقتصر على القوات الكردية فقط، فإلى جانبها هناك انتشار لقوات الشرطة الروسية وقوات النظام السوري وميليشيات مدعومة من إيران.
ولطالما هددت أنقرة بالسيطرة على تلك المنطقة "الاستراتيجية"، واعتبرتها تهديدا لأمنها القومي والمناطق التي تديرها جنوبي حدودها.
لكنها، ومع ذلك، لم تتمكن من تحقيق أي هدف على ذاك الصعيد، لاعتبارات تتعلق بالاتفاقيات المبرمة مع موسكو.
خلال أيامفي تصريحات لموقع "الحرة"، تحدث مدير "معهد إسطنبول للفكر"، باكير أتاجان عن "خلافات كبيرة بين تركيا وروسيا، ليس فقط في الملف السوري، بل في ملفات عديدة، بينها ملف القرم ليبيا".
ويربط أتاجان الهجمات التي تتعرض لها القوات التركية في شمال سوريا بتلك الخلافات، مضيفا: "كل هذه الضغوط متزامنة ومخطط لها من قبل روسيا، لإجبار تركيا على قبول بعض الشروط التي تفرض عليها".
ولا تقتصر الضغوط على الملف السوري، بل ترتبط أيضا بأذربيجان، والتي تتصدر فيها إيران كطرف أساسي.
ويشير الباحث التركي: "هذا لا يعني أن تركيا سوف ترضخ. إردوغان هدد أمس بتدخل آني ومباشر في شمال سوريا، وصباح الثلاثاء هدد وزير الدفاع خلوصي آكار بالتدخل في أذربيجان ضد إيران".
ويتوقع أتاجان أن تنفذ تركيا عملية عسكرية في شمال سوريا قريبا، بقوله: "أتوقعها خلال الأيام المقبلة. ربما تكون البداية من منطقة أخرى (غير تل رفعت) وستشمل مناطق كثيرة".
و"على الطرف المقابل ستستمر أنقرة باتصالاتها لتهدئة الوضع والاستقرار. روسيا تبعث برسائل غير مباشرة على الأرض وتركيا ستقوم بنفس الأمر"، بحسب أتاجان في رده على أسباب عدم توجيه أنقرة للاتهامات المباشرة لموسكو، حيال ما تتعرض له من تهديدات.
موقف موسكوتخضع مناطق الشمال السوري لاتفاقيات تركية- روسية، وتدخل إيران بجزء منها أيضا ضمن تفاهمات "آستانة" الخاصة بمحافظة إدلب في شمال غرب البلاد.
وعلى مدى الأشهر الماضية نفذت روسيا ضربات جوية عدة استهدفت بشكل أساسي مناطق الإدارة التركية في ريف حلب (درع الفرات)، وخاصة مدينة الباب وعفرين. على الرغم من عدم تبني موسكو لها، إلا أن باحثين أدرجوها في سياق "الرسائل غير المباشرة".
بدوره يقول الدبلوماسي السابق والمقرب من وزارة الخارجية الروسية، رامي الشاعر إن التصعيد الحاصل في شمال سوريا "محدود جدا"، نافيا أي تواجد للقوات الروسية في منطقة "جيب تل رفعت"، بحسب "الحرة".
ويضيف الشاعر لموقع "الحرة": "الطائرات الروسية لا تقصف أي أهداف عشوائيا، وأي عمليات باستخدام الطيران يتم إعلام الجانب التركي والأميركي والسوري. تجري هذه العمليات استنادا إلى معلومات استطلاعية دقيقة، وبعد التأكد من أن الهدف إرهابي".
ونفى الشاعر صحة القصف الروسي على مدينة مارع ليل الاثنين- الثلاثاء، وتابع: "كل شيء يشاع أو يتم تناقله غير ذلك ليس صحيحا أبدا"، معتبرا أن "الكثير من عمليات الهجوم ضد الأتراك تنطلق من المناطق التي تتواجد فيها القوات الأميركية".
من جانبه يقول المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع إن "روسيا لديها علاقة جيدة مع الأكراد في سوريا، ومن المتوقع أن الهجمات حدثت من المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية".
ويضيف لموقع "الحرة": "لكن روسيا لن تمنع تركيا من مهاجمة هذه المناطق، ومن طرفها أيضا لن تتدخل، لأنها تحاول أن تكون الطرف الوسيط في المنطقة".
ويستبعد بريجع أن تضر الهجمات الحالية بالعلاقات التركية- الروسية، مشيرا: "لا أتوقع أي مواجهة فعلية بين الطرفين، ولكن يمكن أن تحدث مواجهة بين القوى الحليفة للبلدين".
أما "قوات سوريا الديمقراطية" التي تشكل "وحدات حماية الشعب" عمادها العسكري فقد نشرت بيانا، الاثنين، نفت فيه الاتهامات الموجهة ضدها بقصف مناطق ريف حلب الشمالي، وخاصة جرابلس المقابلة لقرية قرقميش التركية.
عمليات مختلفةوفي غضون ذلك أفردت وسائل إعلام تركية مساحة إعلامية، الثلاثاء، لتفسير تصريحات إردوغان، التي هدد فيها بقرب عملية عسكرية شمالي سوريا.
خبير الأمن والإرهاب، عبد الله آغار قال لموقع التلفزيون الرسمي الحكومي التركي (trt) الثلاثاء: "أفهم من تصريحات إردوغان أن تركيا لديها خطة في الاعتبار. سيتم تنفيذ هذه الخطة خطوة بخطوة. وعما إذا كانت ستتحول إلى عملية شاملة تجتاح المنطقة بأكملها، فمن الصعب التكهن بذلك مسبقا"، وفقًا لموقع "الحرة".
وأضاف آغار: "أيضا. ما إذا كانت ستكون خطوة منسقة مع الدول الأخرى أو ما إذا كانت أنقرة ستتصرف بمفردها، فمن الصعب التنبؤ في الوقت الحالي. برأيي ستنتقم تركيا، لكنها ستستخدم الدبلوماسية على أكمل وجه من أجل عملية شاملة".
من جانبه قال الباحث في العلاقات الدولية، مسعود شوهريت لقناة "ahabar" المقربة من الحكومة التركية: "يمكننا القول إنه في حال تنفيذ عملية، كما أشار رئيسنا أمس، ستكون في كوباني أو منبج".
وأضاف الثلاثاء: "الهجمات التي نفذت أمس تمت من منطقة عين العرب. ربما يمكننا التحدث مع روسيا في الأيام المقبلة والقيام بعملية في هذه المناطق. لم يتم التخلي عن منبج كما وعدنا".
بينما نقلت وسائل إعلام تركية عن متخصص السياسة الأمنية، ميتي يارار قوله: "أعتقد أن (العملية العسكرية) ستكون هذه المرة هجوما على مراكز الإمداد التابعة للتنظيم الإرهابي بدلا من تنظيف منطقة (بكاملها). وهذا سيكون مختلفا عن العمليات السابقة".
الحوار مع موسكوما سبق من تطورات ميدانية يأتي بعد أسبوعين من اللقاء الذي جمع إردوغان بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وحتى الآن لم تتكشف مخرجات ذاك اللقاء، والذي كان "وجها لوجه"، بعيدا عن مشاركة من قبل وفود البلدين.
وكان من المتوقع أن يتبع "لقاء سوتشي" حالة من الهدوء التام في شمال سوريا، لكن ذلك لم تؤكده المعطيات المفروضة على أرض الواقع.
وفي مقال له على صحيفة "t24" الالكترونية تطرق باحث الأمن والدفاع التركي، متين غورجان، الثلاثاء، إلى ما يحصل من تطورات ميدانية في شمال سوريا، مشيرا: "لا نعرف ما الذي جرى في قمة سوتشي، لكن الوضع الحالي يشير إلى أن بوتين لن يعطينا تل رفعت دون مقابل"، كما قال موقع "الحرة".
وأضاف غورجان: "في المنطقة، أي في غرب الفرات، لا تملك الولايات المتحدة أي مجال جوي ولا نفوذ بري. حوارنا مع موسكو".
ويشير الباحث التركي إلى أن "جيب تل رفعت" فيه انتشار عسكري لكل من "وحدات حماية الشعب" وميليشيات النظام السوري وأخرى موالية لإيران، إلى جانب مرتزقة روس.
ويتابع: "المنطقة تسيطر على طرق التجارة الرئيسية شمال حلب. بحسب الحكومة التركية، من يقوم بالهجمات هي القوات الكردية، لكن جميع المجموعات الأخرى لديها أيضا أسباب وجيهة لمهاجمة القوات التركية. قد يكون المهاجم من وحدات حماية الشعب أو غيره".