"هذا وطننا لكننا نغادر يأساً"
الرحيل أو البقاء معضلة السيخ في أفغانستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كابول: يجول غورنام سينغ بنظره على القاعة الكبرى في معبد السيخ في كابول التي كانت تستقبل في الماضي مئات المصلين، ولم يعد يرتادها اليوم إلا قليلون، ويقول "الجميع يحب هذا البلد. نحن أفغان، هذا وطننا، لكننا نغادر يأسا".
تقف النساء في المعبد من ناحية والرجال من ناحية أخرى، حفاة القدمين على أرض مغطاة بالسجاد الأحمر. وتنشد كل مجموعة الدفء حول موقد حطب. يستمعون إلى مقاطع من الكتاب المقدس للسيخ، غورو غرانث صاحب. ثم يوضع الكتاب مجدداً باحترام على المذبح المخصص له.
في تشرين الثاني/نوفمبر، كان هناك ثلاث نسخ من الكتاب المقدس في غوردوارا (نعبد) كارت باروان، لكن تمّ نقل اثنين منهم إلى دلهي "لوضعهما في مأمن".
150 ألفاً
وكانت طائفة السيخ في أفغانستان تعد في سبعينات القرن الماضي 150 ألف شخص على الاقل، إلا أن أربعين عاما من الحرب والفقر والتمييز أدت إلى نزوحها، ولم يبق من أفرادها كثيرون.
بعد سيطرة حركة طالبان في منتصف آب/أغسطس على البلاد، غادر حوالى مئة شخص إضافيين من السيخ. ويؤكد غورنام سينغ أنه لم يبق سوى 140 شخصاً في كل البلاد، غالبيتهم في كابول وبضع عشرات في جلال آباد (شرق).
ويرافق مانموهان سينغ (60 عاماً) الزوار الذين يقصدون المعبد، يشير إلى المطبخ المشترك والشقق السكنية التي تقطنها عائلات.
ويقول مبتسماً "الفرح أو الألم اللذان كنا نختبرهما، تقاسمناهما هنا. لقد أنشأنا الغوردوارا أولاً ومن ثم المباني من حولها ومن ثم المدرسة. أنا أيضاً درست هنا".
ويضيف "عندما تم إنشاء هذا المعبد قبل 60 عاماً، كان كل الحي ملكاً للسيخ، لم يكن يتواجد مسلم واحد هنا".
لا يميّز المعبد من الخارج شيء عن المباني الأخرى في الحي. بابه الحديدي المرتفع وجدرانه المطلية بالأبيض المائل الى الأصفر يمكن أن تذكر بأي مكان إقامة فاخر.
ويخضع المكان لإجراءات أمن مشددة. فقد استهدفت العديد من الهجمات السيخ خلال السنوات الماضية، وهم أعضاء ديانة هندوسية تعد 25 مليون مؤمن موجودين خصوصاً في البنجاب في شمال غرب الهند. في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، دخل مسلحون عنوةً إلى الغوردوارا وخربوا فيه، من دون أن يتم التعرّف على هوياتهم.
واختار مانجيت سينغ البالغ 40 عاماً البقاء في افغانستان. على غرار عدد من السيخ، يمتلك سينغ كشكاً يبيع فيه منتجات صيدلانية وطبية.
الأزمة الاقتصادية
ويشير إلى أن حركة العمل سيئة بسبب الأزمة الاقتصادية أكثر منه بسبب تدهور علاقات السيخ مع طالبان أو مع بقية الأفغان، مشدداً على "أنهم أصدقاؤنا. نحن هنا الواحد من أجل الآخر".
في هذا الحي من شور بازار في جنوب كابول، "لم يبق سوى عائلتين أو ثلاث بالكاد... غادر الجميع"، وفق قوله.
وتزوجت ابنته العام الماضي من رجل أفغاني من السيخ ومن ثم نزحت إلى دلهي. وقدمت الهند مساعدة الى السيخ الأفغان لتسهيل إقامتهم ولكن دون أن تمنحهم جنسيتها.
لم يغادر مانجيت سينغ المكان. ويتساءل: "نذهب، إلى أين؟، إلى الهند؟ ماذا سأفعل في الهند؟ ليس لدي عمل أو بيت هناك".
في السابق، كانت شوب بازار ذات غالبية من السيخ، ولم يبق منها سوى شارع واحد هو "شارع هندو" حيث يتواجد الغوردوارا الأقدم في كابول، وقد شيد منذ حوالى "400 إلى 500 عام"، بحسب مانجيت سينغ.
يعمل أبناء الطائفة على صيانته، فهو يبدو حديثاً ولكنه فارغ. ويقول سينغ "سابقاً، كان العديد من الناس يأتون إلى هنا. كنا نقيم صلوات جماعية مرتين في الأسبوع الأحد والأربعاء".
ويعني مانجيت سينغ عندما يتحدث عن "السابق"، الحقبة قبل هجوم آذار/مارس 2020 الذي استهدف غوردوارا آخر في شوب بازار. وتبنى الهجوم الجناح الأفغاني لتنظيم الدولة الاسلامية واستمر ست ساعات.
قتل في الاعتداء 25 شخصاً بينهم شقيقة بارامجيت كور. وتعرضت بارامجيت، الأم لثلاثة أطفال والبالغة ثلاثون عاماً، من جهتها، إلى إصابة في العين اليسرى. وعلى غرار كثيرين، قرّرت الفرار بعد هذا الهجوم متجهةً إلى دلهي.
عودة طالبان
وتقول بارامجيت "في العاصمة الهندية، لم نجد عملاً، وعانينا من غلاء الأسعار، فعدنا إلى هنا". كان ذلك في تموز/يوليو قبل بضعة أسابيع من عودة طالبان إلى الحكم.
منذ ذلك الحين، وجدت بارامجيت وعائلتها ملجأ في غوردوارا كارت باروان حيث يتم إيوائهم وإطعامهم.
لا يذهب الأولاد إلى المدرسة، ولا تخرج بارامجيت كور من الغوردوارا حيث تشعر بأمان لا تجده في مكان آخر. تفكر بالرحيل ولكن ليس إلى الهند، بل ربما إلى كندا أو الولايات المتحدة.
وتقول "نعيش في فقر مدقع هنا. ابني وبنتاي لا زالوا صغاراً جداً. إذا غادرنا يمكننا أن نخطّ مستقبلاً أفضل".