أخبار

الخداع الإيراني على مشرحة الاستبداد

طُعن سلمان رشدي.. فماذا عن فتوى الخميني النووية؟

أنصار حزب الله يحملون صورا للمؤسس الراحل للجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني (يسار) والمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامناي، خلال الاحتفالات بالذكرى الأربعين للثورة الإيرانية في بيروت في 6 فبراير 2019
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

سواء ثبت تورط طهران في جريمة طعن رشدي أم لا، إلّا أن لهذا الحادث تداعيات مهمة على الدبلوماسية الدولية والنشاط الإرهابي للنظام الإيراني - ناهيك عن مزاعمه حول قابلية تطبيق "الفتوى النووية" لخامنئي.

إيلاف من بيروت: يقول مهدي خلجي، وهو "زميل ليبيتسكي فاميلي" في معهد واشنطن، أن محاولة اغتيال سلمان رشدي في 12 أغسطس "تكشف الكثير عن طريقة تفكير النظام الإيراني في الوقت الحالي، ولا سيما عند التمعن بالرد الأولي لطهران. فحتى الآن التزم المرشد الأعلى علي خامنئي وغيره من كبار المسؤولين الصمت إلى حد كبير بشأن الهجوم، في حين نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني أي ضلوع لإيران بالحادثة خلال مؤتمر صحفي عقده في الخامس عشر من أغسطس. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، أشادت العديد من المنافذ الإعلامية التابعة للنظام - وحتى كنعاني نفسه لدرجة ما - بشكل صريح بالهجوم وأعربت عن إعجابها بمُنفّذه، هادي مطر، الذي صورته على أنه من الأتباع الحقيقيين لمؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني"، وذلك في مقالة له نشرها موقع المعهد.

أقوال صحف

في 14 أغسطس، تناولت صحيفة "كيهان"، التي يملكها خامنئي ويديرها ممثله حسين شريعتمداري، هذه القضية في مقال بعنوان "سلمان رشدي يطاله &"الانتقام الإلهي&".. ترمب وبومبيو هما الهدفان التاليان". وأشار المقال إلى أن الهجوم على "الكاتب المرتد... الذي أهان نبي الإسلام" يجب أن يعتبر ردًا إيرانيًا على اغتيال إدارة ترامب للقائد في &"الحرس الثوري الإسلامي&" الإيراني الجنرال قاسم سليماني في يناير 2020. ومن ثم ورد في المقال التهديد التالي: "لا يجب أن نبقى سلبيين ونخطئ في الحسابات... فالرد على الحقد لا يمكن أن يكون تمنيًا وسلبية ومرونة... ويثبت الاعتداء على سلمان رشدي أن الانتقام من المجرمين على الأراضي الأميركية ليس صعبًا، ومن الآن فصاعدًا سيجد ترامب و[وزير الخارجية السابق في إدارته مايك] بومبيو نفسيهما تحت تهديد أكثر خطورة".

بالمثل، زعمت الصحيفة الحكومية الرسمية "إيران" أن "الرسالة الرئيسية" للهجوم الذي نفذه مطر واضحة - لا يزال المسلمون "يحملون في قلوبهم حبًا كبيرًا للنبي"، وحتى السنوات الطويلة التي مرت لم تنجح في تخفيف غضبهم من حملات "الإهانات والاستهزاء" التي طالتهم في أوروبا وفي الغرب على نطاق أوسع. وأضاف المقال أن مرتكب الجريمة الذي "طبّق" فتوى الخميني من عام 1989 الداعية إلى هدر دم رشدي هو "شاب مسلم يبلغ من العمر 24 عامًا"، ويمثل "ظاهرة جديدة تكشف كيف أن الإيمان بالأوامر الإلهية لا يزال قائمًا وراسخًا في قلب العالم المعاصر" (في الفقرة التالية تتم باستفاضة مناقشة مسألة ما إذا كان هذا المرسوم هو حقًا فتوى).

في اليوم نفسه، أصدرت صحيفة "جَوان" ("جافان") التابعة لـ &"الحرس الثوري&" الإيراني مقالًا بعنوان "سهم الغيب" (حيث يشير "الغيب" إلى "الإله" في هذا السياق). وقد أشاد هذا المقال أيضًا بمطر ووصفه بأنه "شاب مسلم لم يكن قد وُلد بَعْد، عندما نشر رشدي &"الآيات الشيطانية&"" ولكنه مع ذلك سعى للانتقام من "جريمة" رشدي.

ومن جانبها، نشرت صحيفة "جام جم" الرسمية التابعة لـ"إذاعة جمهورية إيران الإسلامية"، وهي وكالة إعلامية ذات تأثير متزايد تحت إشراف خامنئي المباشر - مقالًا في صفحتها الأولى بعنوان "عميت عين الشيطان". واستفاض المقال لاحقًا بمدح الاعتداء مُدّعيًا: "في الواقع، يثبت العمل الإرهابي ضد رشدي بعد 33 عامًا أن قوة الحقيقة في الانتقام من الباطل تتخطى الزمان والمكان".

فتوى الخميني

بحسب خلجي، حملت فتوى آية الله الراحل الشهير بهدر دم رشدي وناشريه التي أصدرها عام 1989 قيمة إيديولوجية أساسية للنظام، ولا سيما باعتبارها رمزًا لقيادته الذاتية لـ "الأمة" الإسلامية ونجاح أجندته الإسلامية. غير أنه عند إصدار هذه الفتوى، كانت حكومة الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني في حاجة ماسة إلى إقامة علاقات اقتصادية مع أوروبا من أجل إعادة بناء اقتصادها بعد الحرب المدمرة مع العراق. وبالتالي، عندما توفي الخميني بعد أشهر قليلة من إصداره الفتوى، بحث النظام عن صيغة خادعة تمكّنه من تطبيع العلاقات مع دول في الغرب دون تلبية المطالب الدولية بإلغاء الفتوى.

يضيف الكاتب: "بعد وفاته، اتفق خلفه المرشد الأعلى خامنئي ورفسنجاني على كيفية حل هذه المعضلة، من خلال الادعاء بوجود فرق بين الخميني كمرجع يصدر فتاوى لأتباعه الدينيين، والخميني كرئيس للحكومة الإيرانية. فباستخدام هذه الصيغة، يمكن طهران أن تزعم أمام أوروبا أن الفتوى المتعلقة برشدي لم تكن بالضرورة موقفًا رسميًا للدولة، وأن الحكومة لم تكن تنوي تطبيقها، على الرغم من أن الدولة استمرت في رفضها إلغاء الفتوى علنًا، فضلًا عن استمرار أجهزة الدعاية الحكومية في الترويج لها، ومواظبة خامنئي على تكرارها باعتباره الرئيس الفعلي الجديد للدولة (وفي الواقع، زادت إحدى المؤسسات التابعة له، "پانزدهم خرداد"، المكافأة على رأس رشدي إلى 3.3 مليون دولار في عام 2011)".

يتابع: "كانت هذه الذريعة المخادعة فعالة إلى حدّ كبير. نجح رفسنجاني في استئناف العلاقات مع أوروبا، في حين حافظت تعليقات خامنئي العلنية على أهمية الفتوى خلال السنوات اللاحقة". ويعكس هذا الثبات المفترض للفتوى خداع النظام واستغلاله لرشدي كبيدق إيديولوجي. وتُسلط هذه القصة بأكملها أيضًا الضوء على استعداد طهران الجلي لاستغلال المشاعر الدينية والقانون لأغراض سياسية، بما في ذلك المجال النووي.

لا تنقضي!

بدايةً، إنها مسألة إجماع بين الفقهاء المسلمين (بمن فيهم الشيعة) على أنه بإمكان تغيير الفتاوى في ظل ظروف معينة. ولذلك فإن إصرار خامنئي على أن الفتوى المتعلقة برشدي "لا تنقضي" هو أمر خاطئ حتى وفق الأسس الدينية. ثانيًا، تشير عدة عوامل إلى أن فتوى الخميني لم تكن فتوى من الناحية التقنية:

إنها الفتوى الوحيدة التي لا دليل على أنه كتبها كأمر ديني رسمي؛ بل أذاعها الراديو الحكومي فقط.

لا يوجد أي أساس ديني أو شرعي لمثل هذه الفتوى في تاريخ الفقه الإسلامي، كما شرح كبار "المجتهدين" (الفقهاء) مثل مهدي الحائري اليزدي في كتابه "الفلسفة والحكومة" ("فلسفه و حکومت").

لم يكن الخميني يقرأ الإنكليزية، ولم يكن كتاب رشدي قد تُرجم إلى الفارسية في ذلك الوقت، و لم يُعرف عن المرشد الأعلى مطلقًا أنه كان يقرأ أي نوع من الروايات، لذلك لم يكن بإمكانه إصدار "الفتوى" كردّ ديني مدروس بعناية على نص مهين؛ بل كانت مجرد قرار سياسي اتخذه لخدمة أهدافه الإيديولوجية، وتمسك به خامنئي للأسباب نفسها.

ثالثًا، بحسب خلجي في مقالته لتي نشرها معهد واشطن، يجمع الفقهاء الشيعة أيضًا على أنه لا يمكن للمسلم أن يتبع "مجتهدًا" ميتًا ما لم يكن من أتباعه قبل وفاته. ومن الواضح أن هادي مطر يافع للغاية بحيث لا يمكن أن يكون من أتباع الخميني خلال فترة حكمه، وبالتالي لا يحق له من منطلق ديني تطبيق فتوى صادرة عن القائد الراحل.

تتخطى هذه النقاط السلامة الشخصية لرشدي إلى حدّ كبير، ولا سيما عندما نتذكر أن النظام كرر طيلة سنوات فتوى رئيسية أخرى، وهي الفتوى التي أصدرها خامنئي والتي تحظر إنتاج الأسلحة النووية أو استخدامها. لكن النظام يناقض تمامًا إصراره على أن فتوى رشدي ليست سياسة الدولة عندما يُطلب من المجتمع الدولي أن يعتبر فتوى خامنئي ضمانة موثوقة لعدم اهتمام طهران المفترض بإضفاء الطابع العسكري على برنامجها النووي.

الإرهاب والاستبداد

وفقًا لما كتب خلجي، لم ينفك المرشد الأعلى وغيره من المسؤولين الإيرانيين عن الإدلاء بتصريحات تؤكد اعتزازهم بتصوير النظام على أنه حكومة استبدادية ذات أجندة إسلامية شاملة. فوسائل الإعلام الحكومية تكاد لا تأتي أبدًا على ذكر خامنئي من دون لقب "قائد العالم الإسلامي". ووفقًا للخطاب الرسمي للجمهورية الإسلامية، فإن القوة التي تمكّن هذه القيادة الشاملة تتمثل بـ"القدرة على الإرهاب والتدمير". على سبيل المثال، غالبًا ما يتم التعبير عن "القوة الإقليمية" للنظام من منظور قدرة إيران المفترضة على إبادة إسرائيل. وبالمثل، لطالما كرر خامنئي عبارة "النصر عن طريق الإرهاب" على أنها الاستراتيجية الصريحة الرئيسية [التي ينتهجها النظام].

ويعكس خطاب طهران الأخير عن رشدي هذه الذهنية نفسها، بحيث يكرر مرارًا أن النظام يتمتع بالقدرة التامة على تهديد خصومه الأميركيين أو المسلمين أو الإيرانيين حتى على الأراضي الأميركية. فخامنئي لا يزال يعتبر أميركا عدوه اللدود بلا منازع، لذلك يحرص على إقناع الأميركيين بأن أمنهم الشخصي في خطر. ومن وجهة نظره، من الضروري جعل مثل هذا الإرهاب عالميًا (بمساعدة عملاء أجانب بشكل متزايد) لإثبات أن نظامه هو "القوة العظمى" الفعلية في المعركة ضد الغرب.

يختم خلجي: "يجب ألا تغيب الذهنية الرؤيوية التي تشكل أساس هذا الخطاب عن بال صناع السياسة، سواء كان الحديث عن محاولات اغتيال ضد ناشطين منفردين، أو ضربات عسكرية إقليمية استفزازية، أو الأهم من ذلك كله، سياسة حافة الهاوية النووية".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "معهد واشنطن"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
في المرجعيات الشيعيه ،،، ، المرجعيه للحي ، اذا مات صاحب الفتوى
عدنان احسان- امريكا -

؟