قدمت مساهمة كبيرة في حكم البلاد
الملكة إليزابيث الثانية ورؤساء حكوماتها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يلعب الملك في الأنظمة الديمقراطية الحديثة دورا محدودا يوازن فيه بين صلاحياته المحدودة والمشورة التي يستطيع تقديمها.
ومن خلال شهادات رؤساء حكوماتها السابقين، من الواضح أن ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية قدمت مساهمة كبيرة في حكم البلاد وفي نفس الوقت التزمت بشكل كامل بدورها المحدود وفق النظام الملكي الدستوري.
فبموجب دستور بريطانيا غير المكتوب، للملك الحق في أن يحاط علماً بقرارات الحكومة وسياساتها كما له الحق في إسداء النصح لرئيس الحكومة وتحذيره.
وكانت إليزابيث تحرص طيلة عهدها على أن تكون ملمة بقرارات حكوماتها ولم تتردد في التعبير عن رأيها - في لقاءات خاصة - لعدد كبير من رؤساء الحكومات.
كانت الملكة الشابة محظوظة بوجود أحد عمالقة السياسة البريطانية، ونستون تشرتشل، إلى جانبها لينير لها الطريق في بدايات عهدها. وكان تشرشل قد عاد إلى رئاسة الوزارة عقب الانتخابات العامة التي جرت عام 1951 بعد أن خسرها في عام 1945.
ونقل عن تشرتشل وصفه لنبرة الثقة التي كانت تتحدث بها الملكة الشابة بأنها "مذهلة بالنسبة لشابة في عمرها".
ورغم فارق السن بينهما - إذ كان تشرشل قد شارك في حرب البوير في جنوب أفريقيا في جيش جدة اليزابيث الكبيرة الملكة فيكتوريا - كانت العلاقة بينهما مبنية على إعجاب واحترام متبادل.
وكان تشرتشل قال في كلمة ألقاها عقب تولي إليزابيث العرش بفترة قصيرة إنه "اكتشف أن الملكة لا تخطئ أبداً".
نقاط بارزةلا يفهم كثيرون التفاصيل الدقيقة للعلاقة التي تربط الملك (أو الملكة) مع رئيس (أو رئيسة) الحكومة في بريطانيا، ويقال إن بعض رؤساء الحكومات تمكنوا من بناء علاقات طيبة مع الملكة مقارنة بآخرين.
وفيما يخص الملكة اليزابيث تحديداً، يجمع كل رؤساء الحكومات الذين خدموا خلال عهدها على إخلاصها التام لواجباتها.
فقد كانت الملكة اليزابيث تقضي نحو ثلاث ساعات يومياً في الاطلاع على وثائق الحكومة واتصالاتها والوثائق الخاصة بالوزارات.
وكانت هذه الأمور وغيرها تثار خلال زيارات رئيس الحكومة الأسبوعية إلى البلاط الملكي لمقابلة الملكة.
ولكن هذه الزيارات الدورية ليس لها أي أساس دستوري، بل إنها أصبحت تقليداً ليس إلا. وفي بعض الأحيان، تتحدث الملكة هاتفيا مع رئيس حكومتها بدلاً عن مقابلته شخصياً.
ويبدو أنه منذ البداية، أثار ذكاء الملكة اليزابيث وحنكتها السياسية الفطرية إعجاب رؤساء الحكومات المتتالين.
رفض التكريمكما أثنى العديد من رؤساء الحكومات على الأسلوب اللبق الذي تعاملت به الملكة مع موقعها الدستوري، خصوصا أثناء الاضطراب السياسي الذي برز في عام 1957 عقب استقالة رئيس الحكومة أنتوني إيدن بعد أزمة السويس.
في ذلك الوقت، كان حزب المحافظين الحاكم يفتقر إلى أي آلية لانتخاب زعيم جديد له، بل كان يعتمد على "ظهور" هذا الزعيم تلقائيا.
طلبت الملكة اليزابيث، بناء على مشورة تشرتشل وغيره من كبار المسؤولين، من هارولد ماكميلان تشكيل حكومة جديدة وذلك في خطوة فاجأت العديد من المراقبين الذين كانوا يتوقعون أن يكلف نائب إيدن، راب بتلر، بذلك.
وواجهت الملكة اليزابيث موقفاً مشابهاً بعد ذلك ببضع سنوات عندما استقال هارولد ماكميلان لدواع صحية.
فرغم المشاكل التي تسببت بها استقالة إيدن، لم يبلور حزب المحافظين أي آلية لانتخاب زعيم جديد له. وبعد مداولات مع ماكميلان في المستشفى التي كان يرقد فيه، كلفت الملكة إليزابيث اللورد هيوم بتشكيل الحكومة.
ولم يضع حزب المحافظين نظاما ينتخب بموجبه زعيمه إلا في عام 1965، مما جنّب الملكة المزيد من الحرج.
"غضب جماهيري"في عام 1964 أصبح هارولد ويلسون أول رئيس حكومة عمالي في عهد الملكة إليزابيث. وواجه ويلسون انتقادات حادة من جانب نوابه في مجلس العموم لقراره زيادة المخصصات المالية للوفاء بنفقات واجبات الملكة الرسمية.
ولكن، وكما قالت لاحقاً الوزيرة باربارا كاسل التي خدمت في حكومة ويلسون، شكّل رئيس الحكومة والملكة حلفاً كان كفيلاً بوأد أي انتقاد أو خلاف حول ذلك الموضوع.
وقالت كاسل "كان هارولد (ويلسون) يعشق الملكة، ولأنه كان زعيماً محنكاً كان يعرف أنه قد يواجه غضباً جماهيرياً عارماً بسبب الملكة".
وبعد مشاورات مكثفة مع ويلسون، وافقت الملكة، التي كانت مدركة ومتحسسة لمزاج الشارع، أن تتحمل قسماً من النفقات بنفسها.
وسُلطت الأضواء مجدداً على دورها الدستوري بعد أن أسقط عمال المناجم حكومة أدوارد هيث المحافظة في عام 1974. في ذلك الحين، تشبث هيث بالحكم لعدد من الأيام أملاً بتشكيل حكومة جديدة.
ولكن تقارير جاءت من البلاط الملكي أشارت إلى أن الملكة لا تحبذ وجود فترة غموض، رغم أن هيث قال لاحقاً إنه لم يرغب بالتمسك بالحكم أصلاً.
ولم تتسم علاقة الملكة بأول رئيسة حكومة، مارغريت تاتشر، بالود دائماً خصوصاً فيما يتعلق بدور منظمة دول الكومنولث.
عقوباتفقد كانت تاتشر الوحيدة من بين زعماء دول الكومنولث التي عارضت بشدة فرض عقوبات على نظام جنوب أفريقيا العنصري بحجة أن العقوبات لن تكون فعالة وأنها ستستهدف فقراء البلد بشكل أساسي.
وفي عام 1986، قالت صحيفة "صنداي تايمز" إن الملكة اليزابيث شعرت "بالحيرة" إزاء موقف تاتشر وتصرفاتها الصدامية فيما يتعلق بذلك الموضوع.
يتلخص دور الملكة تقليدياً في إسداء النصح لرئيس الحكومة، ولكن في السنوات الأخيرة اصبح هذا الدور معكوساً أحياناً.
فرئيس الحكومة المحافظ جون ميجر وجد نفسه يلعب دور المستشار الموثوق به عندما تضافرت سلسلة من الأحداث التي قد تقوض الاحترام الشعبي للأسرة الملكية، ومنها طلاق الأمير تشارلز من الأميرة ديانا.
ولكن حتى في خضم تلك الأحداث العاصفة بالنسبة للملكة، نفى زعيم حزب المحافظين السابق أن يكون دورها قد اهتز بأي شكل من الأشكال، وأكد على أهمية المشورة التي كانت تسديها له.
ولكن كانت هناك مناسبة واحدة تحديداً بدا فيها أن إحساس الملكة الفطري بالمزاج الشعبي قد تراجع نوعا ما.
فقد اتُّهِمت على نطاق واسع بأنها تقاعست عن المشاركة في مظاهر الحزن التي أبداها البريطانيون بعد مقتل الأميرة ديانا في حادث سير عام 1997، رغم أنها كانت تعتقد بأن واجبها كجدة كان يتلخص بالإنعزال من أجل العناية بحفيديها، ولدي ديانا الصغيرين.
في تلك المناسبة، كان رئيس الحكومة توني بلير - الواعي إعلامياً - هو الذي أسدى نصائح ثمينة للملكة. كما خطف بلير الأضواء بوصفه ديانا بأنها "أميرة الشعب".
ويقال إن بلير كان في طليعة أولئك الذين نجحوا في إقناع الملكة بمغادرة قصر بالمورال في اسكتلندا حيث كانت معتكفة، والعودة إلى العاصمة لندن عقب حملة انتقادات عنيفة شنتها الصحف الشعبية.
وفي عام 2007، خلف غوردون براون بلير في رئاسة الحكومة. وكانت هزيمة براون في انتخابات 2010 قد أدخلت الديمقراطية البريطانية في موقف غير معهود.
كانت استطلاعات الرأي تشير قبل يوم التصويت إلى أن أيا من الأحزاب لن يفوز بأغلبية في البرلمان، وفعلا لم يحقق أي حزب ذلك.
وكانت خطط قد وضعت مسبقا لتجنيب الملكة الانخراط في أي صراع حزبي سياسي، ولكن اليزابيث الثانية كانت تحاط علماً أولاً بأول بالاتفاقات السياسية التي كانت تبرم عقب الانتخابات.
ولم تتم دعوة زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون إلى قصر باكينغهام ويكلف بتشكيل حكومة جديدة إلا بعد استقالة براون وتشكيل ائتلاف من حزبي المحافظين والديمقراطيين الأحرار.
رفضوقال كاميرون إن مناقشة المشاكل والتحديات مع شخص خارج العملية السياسية "أمر مفيد جداً". وأضاف "لست متأكداً إن كان هذا الأمر مفيداً لها (الملكة)، ولكنه كان مفيداً جداً لي لأنه كان يساعدني على تبيان ما ينبغي عمله".
وفاز كاميرون في عام 2015 بالأغلبية في الانتخابات العامة وشكل حكومة من حزب المحافظين.
ولكن فترة حكمه كانت قصيرة. ففي حزيران / يونيو 2016، رفض الناخبون البريطانيون نصيحته وصوتوا بأغلبية ضئيلة في استفتاء عام لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أعلن كاميرون صبيحة الإعلان عن نتيجة الاستفتاء استقالته من زعامة حزب المحافظين، واتخذت الإجراءات الضرورية لانتخاب زعيم جديد، وهي العملية التي كان مقرراً لها أن تستمر لثلاثة شهور.
ولكن بعد إنسحاب كل المرشحين، لم يبق إلا تيريزا ماي في السباق لتصبح زعيمة الحزب الجديدة دون أن تخوض غمار المنافسة.
وفي الـ 13 من تموز / يوليو 2016، توجهت ماي إلى البلاط الملكي في قصر باكنغهام حيث كلفتها الملكة بتشكيل حكومة جديدة لتصبح بذلك ثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة في عهد الملكة اليزابيث.
ولكن ماي لم تشغل المنصب لفترة طويلة، إذ خلفها بوريس جونسون في تموز / يوليو 2019.
وفي الشهر نفسه من عام 2022، سحب حزب المحافظين الثقة من جونسون وأجبره علىى الاستقالة مما أدى إلى بدء منافسة جديدة على زعامة الحزب والحكومة أفضت إلى فوز ليز تراس وتشكيلها حكومة جديدة في السادس من أيلول / سبتمبر 2022.
لخص هارولد ويلسون، الذي رأس ثلاث حكومات، مرة رأيه في العلاقة بين رئيس الحكومة البريطانية والملكة بالقول: "هناك شخص مختلف ومستقل وغير موالٍ لأي طرف سياسي همه الوحيد التأكد من أن البرلمان يمثل قرارات الشعب، وهذا الشخص تفتقر إليه الدول التي تتبع النظام الرئاسي".