رافعاً شعار "لسنا في الشرق ولا في الغرب"
بين كييف وموسكو... إردوغان الدبلوماسي الحَذر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
اسطنبول: "لسنا في الشرق ولا في الغرب"، ذلك هو شعار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق سياسة دقيقة بين كييف وموسكو مكنته من تحقيق عدد من الإنجازات الدبلوماسية الكبرى.
أعلنت أوكرانيا الخميس أنها أفرجت عن 55 أسير حرب مقابل إفراج روسيا عن 215 أسيراً منهم قادة قوات الدفاع عن مصنع آزوفستال للصلب في ماريوبول والذي أصبح رمزًا لمقاومة الغزو الروسي.
وأوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنّ في إطار عملية التبادل هذه التي "استغرق الإعداد لها فترة طويلة"، أطلقت موسكو سراح خمسة قادة عسكريين نقلوا إلى تركيا.
لا تزال أهمية دور تركيا في التوصل إلى هذا الاتفاق غير واضحة المعالم. لكن، في إشارة إلى الدور الأساسي الذي لعبته أنقرة في الكواليس، كان الرئيس التركي أول من تحدّث عن اقتراب حصول تبادل الأسرى، خلال مقابلة تلفزيونية الاثنين مع قناة "بي بي اس" الأميركية.
وقال السفير الأوكراني لدى أنقرة فاسيل بودنار الخميس "حُرّر ابطالنا (...) أصبح كلّ ذلك ممكنًا بفضل الاتفاقات بين الرئيس (زيلينسكي) والرئيس (اردوغان)".
مفاوضات
ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا في 24 شباط/فبراير، تمكّنت تركيا من جمع ممثّلين عن روسيا وعن أوكرانيا مرّتين على أراضيها.
في تموز/يوليو، لعبت أنقرة دورًا رئيسيًا في إبرام اتفاق بين كييف وموسكو، برعاية الأمم المتحدة، يسمح باستئناف تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود ومضيق البوسفور.
في مطلع أيلول/سبتمبر، عرض اردوغان على موسكو وساطته للمساعدة في حل الأزمة حول محطة الطاقة النووية الأوكرانية في زابوريجيا.
وكان السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة ولدى الأمم المتحدة جيرار أرو قد كتب على تويتر في نهاية آب/أغسطس "لم ترتكب الدبلوماسية التركية أي خطأ منذ بداية الحرب في أوكرانيا، من ناحية تقدير مصالحها والموازنة بين المتحاربين والحزم إذا لزم الأمر مع الاستفادة من الظروف القائمة".
وحتى مع تزويد أنقرة كييف مسيّرات عسكرية، رفضت الحكومة التركية الانضمام إلى معسكر الدول الغربية التي تفرض عقوبات على موسكو.
وواصلت تركيا المطلّة على البحر الأسود والعضو في حلف شمال الأطلسي عملها على تحقيق توازن في الأسابيع الأخيرة.
استفزازت
وكان اردوغان الذي التقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين ثلاث مرات في الأشهر الثلاثة الأخيرة والذي يتحدّث بانتظام مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد اتّهم الغربيين في بداية أيلول/سبتمبر بارتكاب "استفزازات" بحقّ موسكو.
وكان قد عزا، قبل يوم، أزمة الطاقة في أوروبا إلى العقوبات المفروضة على روسيا، واقفا بذلك إلى جانب الكرملين.
لكن نددت وزارة الخارجية التركية الأربعاء بمخطط روسيا "غير الشرعي" لإجراء استفتاء يهدف الى ضم أربع مناطق أوكرانية تسيطر عليها القوات الروسية.
وقال أرو "إن تركيا قوة إقليمية (...) تُعرّضها جغرافيتها بقدر ما تمنحها وسائل للضغط على الجهات الفاعلة. ويحتاجها المتحاربان وبالتالي يراعيانها".
وليست المرة الأولى التي تحاول فيها تركيا لعب دور الوسيط. ففي مطلع القرن الحادي والعشرين، نشرت أنقرة "دبلوماسية السلام" في الشرق الأوسط، في محاولة خاصة لرعاية المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية.
واعتبارًا من العام 2009، لعبت أنقرة أيضًا دور الوسيط في الملف النووي الايراني.
وقال سونر كاغابتاي، الزميل الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في بحث صدر في مطلع أيلول/سبتمبر، "رغم دعمه العسكري لأوكرانيا، للرئيس اردوغان أسباب سياسية واقتصادية أساسية للحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو". واعتبر معدّو البحث أن أنقرة "حيادية مؤيدة لأوكرانيا".
وتواجه تركيا تضخمًا تتجاوز نسبته 80% سنويًا، ويتعيّن عليها التعامل مع عملة فقدت أكثر من نصف قيمتها خلال عام واحد.
وكون تركيا تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز الروسيين، لدى الرئيس التركي كل الأسباب التي تجعله يريد مراعاة موسكو، على بعد تسعة أشهر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في حزيران/يونيو 2023 في تركيا.
حتّى ذلك الحين، سيسعى إردوغان أيضًا إلى عدم إثارة غضب حلفائه الغربيين، خصوصًا أن واشنطن حذّرت، نهاية آب/أغسطس، الشركات التركية التي تتعامل مع روسيا من إجراءات انتقامية محتملة.
وفي مقابلته الاثنين مع "بي بي اس"، لخّص اردوغان موقفه بالقول "أقول ذلك بوضوح: نحن جزء من هذا العالم، لكن لسنا في الشرق ولا في الغرب".