أخبار

حتى مع توقيعه على معاهدات الضم في الكرملين

لماذا يتلاشى حلم بوتين بالنصر في أوكرانيا؟

Reuters على مدى الشهر الماضي، صدت القوات الأوكرانية الجيش الروسي واستعادت السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر الميكروفون بالميدان الأحمر الأسبوع الماضي، بعد حفل كبير أعلن فيه أن أربعة أجزاء كبيرة من الأراضي الأوكرانية أصبحت جزءا من روسيا: "الحقيقة في صالحنا، والحقيقة هي القوة!"

وأضاف: "النصر سيكون لنا!"

لكن في العالم الحقيقي، تبدو الأشياء مختلفة تماما.

وحتى مع توقيع الرئيس الروسي على معاهدات الضم غير القانونية في الكرملين، كانت القوات الأوكرانية تتقدم داخل المناطق التي احتلها للتو.

وفر مئات الآلاف من الرجال من روسيا لتجنب تجنيدهم للقتال في حرب آخذة في الاتساع.

وتسير الأمور على نحو سيئ للغاية في ساحة المعركة لدرجة أن بوتين وأنصاره يعيدون الآن صياغة ما زعموا أنه "إزالة النازية" من أوكرانيا وحماية المتحدثين بالروسية على أنه معركة وجودية ضد الغرب "الجماعي" بأكمله.

هذه هي الحقيقة، لكنها ليست في صالح روسيا.

ضحية نظامه

وقال أنتون بارباشين، رئيس تحرير موقع "ريدل روسيا" عن الرئيس الروسي: "إنه في منطقة عمياء. يبدو أنه لا يرى حقا ما يحدث".

وكما هو الحال مع الكثيرين، يعتقد المحلل السياسي الروسي أن بوتين قد فوجئ تماما بالدعم الغربي القوي لكييف، فضلا عن مقاومة أوكرانيا الشرسة للاحتلال.

ومع بلوغ الزعيم الروسي السبعين من عمره اليوم، وبعد أكثر من 20 عاما في السلطة، يبدو أنه أصبح ضحية لنظامه، فأسلوبه الاستبدادي يعيق وصوله إلى المعلومات الاستخباراتية السليمة.

تشرح تاتيانا ستانوفايا، رئيسة شركة "أر بوليتيك" للتحليل، ذلك قائلة: "لا يمكنك التشكيك في أفكاره".

وتضيف: "كل من يعمل مع السيد بوتين يعرف نظرته للعالم، وفيما يتعلق بأوكرانيا فإنهم يعرفون توقعاته. وبالتالي، لا يمكنهم أن يقدموا له معلومات تتعارض مع رؤيته. هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور".

وأعاد خطاب الرئيس الأخير، الذي ألقاه تحت ثريات الكرملين المذهبة، تأكيد رؤيته لنظام عالمي جديد.

بايدن: بوتين لا يمزح عندما يهدد باستخدام أسلحة نووية تكتيكية أو أسلحة بيولوجية أو كيماويةروسيا وأوكرانيا: مواطنان روسيان يبحران إلى ألاسكا طلبا للجوء في الولايات المتحدة

وتتمحور هذه الرؤية حول روسيا قوية، وعالم غربي مرهق أُجبر على تعلم الاحترام، وخضوع كييف مرة أخرى لموسكو.

ولتحقيق ذلك، فإن أوكرانيا هي ساحة المعركة التي اختارها بوتين.

وعلى الرغم من أن طموحاته تبدو خادعة للغاية، إلا أنه لا يبدو مستعدا للتراجع.

يقول أنتون بارباشين: "الكثير من الحسابات الرئيسية التي كان الكرملين يعتمد عليها لم تنجح، ولا يبدو أن لدى بوتين خطة بديلة، بخلاف الاستمرار في دفع الناس إلى خط المواجهة على أمل أن تمنع هذه الأعداد الهائلة من المقاتلين أوكرانيا من التقدم أكثر".

الرافضون للتجنيد

ويرى بارباشين أن "دفع الناس إلى خط المواجهة" هو تحول مهم في حد ذاته.

يواصل فلاديمير بوتين وصف غزوه بأنه "عملية عسكرية خاصة" - ووصفها بأنها محدودة النطاق وقصيرة الأجل.

وكان الكثيرون من الروس يقبلون ذلك - بل ويدعمونه - عندما لم يكن يؤثر عليهم بشكل مباشر. لكن حشد جنود الاحتياط حوَّل شيئا بعيدا ومجرّدا إلى مجازفة قريبة جدا وشخصية للغاية.

ويحرص السياسيون الإقليميون على الدخول في سباق على الطريقة السوفيتية للوفاء بالأعداد المطلوبة منهم من المقاتلين، ويستدعون أكبر عدد ممكن من الرجال.

يقول بارباشين: "هذه لحظة حاسمة. فبالنسبة لغالبية الروس، بدأت الحرب للتو قبل أسبوعين من الآن".

ويضيف: "في الأشهر الأولى، كان الأشخاص الذين يموتون في الغالب من الضواحي والمراكز الأصغر. لكن التعبئة ستغير ذلك في نهاية المطاف، حيث ستعود النعوش إلى موسكو وسان بطرسبرغ".

ظروف "مروعة بكل بساطة"

أدت التعبئة إلى ظهور عدد كبير من الأحاديث على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل زوجات وأمهات المجندين الجدد - أولئك الذين لم يهرعوا إلى الحدود عندما أُعلن عن التعبئة.

وتكشف بعض منشوراتهن - ومقاطع الفيديو التي نشرها الرجال أنفسهم - عن ظروف مروعة: طعام سيء، وأسلحة قديمة، ونقص في الإمدادات الطبية الأساسية. تتحدث النساء عن إرسال مناشف صحية لتبطين أحذية الرجال وسدادات قطنية لتضميد جروحهم!

ووصف حاكم منطقة كورسك الأوضاع في العديد من الوحدات العسكرية بأنها "مروعة بكل بساطة"، لدرجة وجود نقص في الزي الرسمي للجنود.

وأحدثت مثل هذه الاكتشافات ثغرات في أحد أكثر المزاعم التي يفتخر بها بوتين: أنه أعاد بناء الجيش الروسي ليصبح قوة قتالية محترفة سيرغب المواطنون الوطنيون في الخدمة فيها.

لكن في الوقت الحالي، يبدو أن زوجات معظم المجندين يركزون على الاحتشاد خلف القوات الروسية.

وقال بارباشين في تغريدة هذا الأسبوع: "نحن في مرحلة لا يزال فيها جزء كبير من المجتمع الروسي يعتقد أن 'روسيا قوة عظمى تقاتل الناتو في أوكرانيا'، وأن إرسال السدادات القطنية والجوارب وفرش الأسنان إلى المحتشدين هو علامة على حب الوطن".

Getty Images فر عدد كبير من الروس عبر الحدود مع كازاخستان لتجنب تجنيدهم في الجيش خلال الأسبوعين الماضيين الرقابة تنهار

لكن فوضى التعبئة والإحراج العسكري الروسي يدفعان شخصيات بارزة للتحدث علانية.

وعندما أدان الليبراليون غزو أوكرانيا، اعتقلوا ولا يزال العديد منهم وراء القضبان.

ومن غير القانوني حتى وصف ما يحدث بأنه "حرب". لكن في الأوساط الموالية للكرملين، أصبحت هذه الكلمة شائعة الآن، على الرغم من الانتقادات الشديدة للقيادة العسكرية الروسية.

وكان النائب أندريه كارتابولوف آخر من دعا وزارة الدفاع هذا الأسبوع إلى "التوقف عن الكذب" بشأن الصعوبات الروسية، لأن "شعبنا بعيد عن الغباء".

واستشهدت مارغريتا سيمونيان، محررة بقناة "أر تي" التلفزيونية، بقيام ستالين بإعدام الجنرالات "الجبناء" و "غير الأكفاء".

لكن لا يوجد تشكيك علني في الغزو نفسه، ناهيك عن فلاديمير بوتين.

وتشير سيمونيان إلى بوتين باسم "الرئيس"، وتتحدث بحماس شديد عن ضم الأراضي الأوكرانية باعتباره إنجازا تاريخيا.

وتشير تاتيانا ستانوفايا إلى أنه "لا توجد حركة سياسية مناهضة للحرب"، لا سيما في مناخ قمعي سياسيا.

وتقول: "حتى أولئك المعارضين للتعبئة يختارون الهروب. يحاول البعض مغادرة البلاد، والبعض الآخر يختبئ. لكننا لا نرى محاولات لخلق أي مقاومة سياسية".

وتشير إلى أن هذا يمكن أن يتغير إذا استمرت روسيا في خسارة واستيعاب المزيد من القوات.

وتضيف: "يتعين على بوتين أن يحقق بعض الانتصارات".

BBC حرب "مقدسة" مع الغرب

وحتى الرئيس ألمح إلى وجود مشاكل هذا الأسبوع، واصفا الوضع في المناطق المضمومة بـ "المضطرب".

لكن هناك مسعى هائلا للتأكيد على أن السبب وراء الانتكاسات الروسية هو الغرب "الجماعي" الذي يدعم أوكرانيا.

ويصف مضيفو وسائل الإعلام الحكومية الآن الاستيلاء على الأراضي في أوكرانيا بأنه شيء أعظم بكثير، مما يدفع الأمة على ما يبدو لخوض معركة أكبر.

وقال فلاديمير سولوفيوف للمشاهدين هذا الأسبوع: "إنها حربنا مع الشيطانية الكاملة".

وأضاف: "الأمر لا يتعلق بأوكرانيا، فهدف الغرب واضح وهو تغيير النظام وتقطيع أوصال روسيا حتى لا يعود وجود لروسيا".

هذه هي "الحقيقة" التي يؤمن بها فلاديمير بوتين، وهذا هو السبب في أن لحظة الضعف الحالية بالنسبة لروسيا هي أيضا لحظة مخاطرة.

تقول تاتيانا ستانوفايا: "هذه الحرب وجودية بالنسبة لروسيا، وبالتالي يجب أن يكون النصر ممكنا بالنسبة لبوتين".

وتشير بشكل فظ إلى "إنه يمتلك أسلحة نووية".

وتقول: "أعتقد أنه يأمل أن يبتعد الغرب عن أوكرانيا عند مستوى معين من التصعيد النووي".

ولم تكن ستانوفايا الوحيدة التي تلاحظ لهجة بوتين الأكثر راديكالية، إذ يقول بارباشين: "يبدو أن هذا هو ما يعتقده بالفعل: أن هذا هو الموقف الأخير للإمبراطورية الروسية، حرب شاملة مع الغرب".

ويضيف: "إننا في خط النهاية، سواء نجحت روسيا في ذلك أم لا".

بالطبع، هذه أيضا هي "الحقيقة" التي يحتاج فلاديمير بوتين الآن إلى أن يصدقها الغرب أكثر من أي وقت مضى.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف