فني التخدير يفقد عائلته تحت الأنقاض
سوريا: الطواقم الطبية بين خسارة أحباء وتدفق مصابي الزلزال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حارم (سوريا): طيلة ثلاثة أيام إثر الزلزال المدمّر، لم يتوقّف فني التخدير عبد الباسط خليل عن إسعاف مئات المصابين الذين تدفقوا الى المستشفى حيث يعمل في شمال غرب سوريا، فيما كانت زوجته وطفلتاه تحت الأنقاض لتتبين لاحقا وفاتهن.
على غرار خليل، عاشت الطواقم الطبية منذ وقوع الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا ومركزه تركيا المجاورة، أياماً صعبة، مع خسارة أفراد من عائلاتهم وزملاء مهنة وأصدقاء، فيما هم مضطرون لأداء واجباتهم في علاج ضحايا الكارثة في مستشفيات تشكو أساساً من نقص في الموارد والإمكانات.
يقول خليل (50 عاماً)الموظف في مستشفى مدينة حارم الحدودية مع تركيا لوكالة فرانس برس "كنت أسعف الناس في المستشفى، بينما زوجتي وابنتايّ تحت الأنقاض ولا أستطيع أن أقدّم شيئاً لهنّ" على مسافة قريبة منه.
إثر الزلزال، خرج خليل من المستشفى الى الباحة الخارجية، ليجد المبنى المجاور حيث منزله قد انهار فوق رأس عائلته.
ومع عجزه أمام أكوام الركام، عاد أدراجه الى المستشفى وهو تحت وقع الصدمة، فيما المصابون يصلون تباعاً لتلقي العلاج إضافة الى جثث الضحايا وبينهم المدير الإداري للمستشفى ورئيس قسم التمريض فيه.
مرّ اليوم الأول ثقيلاً على خليل الذي يستعيد تلك اللحظات "كان يوماً شاقاً جداً وصعباً. شعرت أنه يعادل خمسين عاماً".
في اليومين اللاحقين، استغلّ خليل بعض اللحظات التي انخفض فيها عدد الوافدين الجدد ليتفقد أعمال رفع الأنقاض. ويضيف "بقي الوضع على حاله حتى يوم الأربعاء" حين استخرجت جثث أفراد عائلته.
يعجز الكلام عن أن يعبّر عن الألم الذي يعتصر قلب خليل وشعوره "بعجز كامل عن تقديم أي مساعدة لعائلتي"، لكنّه يجد في تمكنه من دفنهن بعض العزاء، إذ سيقدر "على زيارتهن دائماً"، في وقت لا تزال مئات العائلات تحت الأنقاض.
منذ أن دفن عائلته، يواجه خليل صعوبة فائقة في النوم "بسبب هول المشاهد" التي عاينها وفقدان أحبائه. يقلّب على هاتفه صوراً يقف فيها فوق الركام خلال عمليات البحث ويتذكر اتصالات ابنته التي غالباً ما كانت تكلمه لتحثّه على العودة الى المنزل.
لكن حزنه لم يمنعه من استئناف الدوام في المستشفى بعد ثلاثة أيام. ويوضح "أنا الآن على رأس عملي لأساعد المواطنين".
بعيد وقوع الزلزال، هرعت سيارات الإسعاف تباعاً الى مستشفى حارم، بما تخطى قدرته الاستيعابية.
إمكانات متواضعة
يشرح الدكتور محمّد البدر أخصائي جراحة عامة أن المستشفى الواقع في إدلب هو "مستشفى ميداني أنشئ لمعالجة الإصابات الناتجة عن قصف الطيران"، موضحاً أن إمكاناته "متواضعة" ولا يتسع لأكثر من ثلاثين مصابا.
لكن عدد المصابين تخطى ذلك بأضعاف. ويوضح "وصل الأمر الى حد افتراش المصابين الأرض في البهو والممرات".
واستقبل المستشفى نحو 2500 مصاب، 390 منهم فارقوا الحياة، وفق أخصائي الجراحة العظمية حسن الحمدو.
على غرار مستشفيات المنطقة، يعاني المستشفى من نقص في التجهيزات والمعدات. ويقول الحمدو "استقبل المشفى حالات كثيرة كانت بحاجة لتصوير عبر جهاز التصوير الطبقي المحوري غير المتوافر" في المنطقة بأكملها.
حاجات ملحة
في تقرير نشرته الجمعة، حذّرت لجنة الإنقاذ الدولية من انهيار المنظومة الصحية في شمال غرب سوريا.
وقالت في بيان إن المنشآت الطبية "تفتقد إلى إمدادات طبية ملحة، على غرار الأمصال ومسكنات الألم والضمادات الطبية وأكياس الدم، مع احتياجات أخرى عاجلة بينها الوقود للمولدات وأكياس الدفن".
وتوقّعت أن "يزداد عدد المرضى لأن من نجوا من الكارثة يُتركون في درجات حرارة شديدة البرودة بع دمار منازلهم"، مضيفة "ما لم نحصل على مزيد من التمويل والإمدادات والوصول غير المقيّد للمساعدات الإنسانية بشكل عاجل، ستكون النتائج كارثية".
في مستشفى مدينة سلقين في إدلب أيضاً، يشرح جراح العظام حسن جولاق أن المستشفى يقدم حالياً الرعاية لعدد يراوح بين 800 وألف مصاب، خصوصاً من يشكون من كسور تحتاج لمراجعات دورية، بعدما كان عدد المصابين إثر الزلزال فاق بأشواط قدرته الاستيعابية.
وقد استنزفت سنوات الحرب الطويلة التي تشهدها سوريا منذ العام 2011 المرافق الطبية وأدت الى دمار عدد كبير منها، خصوصا في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة في شمال غرب البلاد.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن قرابة خمسين في المئة من المرافق الصحية في البلاد خارج الخدمة، بينما تشكو تلك التي تعمل من نقص في المعدات والطواقم الطبية والأدوية.
في مناطق سيطرة الحكومة السورية، تعاني المستشفيات أيضاً وإن بدرجة أقل من نقص في الأطباء المهرة والمعدات للتعامل مع كارثة مماثلة للزلزال، عدا عن تأثر عدد منها بتداعيات الكارثة.
وخسرت مدينة جبلة الساحلية، وهي من المدن المتضررة بشدة، خمسة أطباء جراء الزلزال الذي أدى إلى تضرر معدات طبية رئيسية في مشفاها الوطني، وفق ما يشرح مديره محمّد الخليل.
ويعمل الطاقم الطبي في المستشفى بلا توقف منذ الزلزال، بما يفوق قدرته الاستيعابية، في وقت "فقد كثر من أفراده منازلهم بينما منازل آخرين معرضة لخطر الانهيار وتم اجلاؤهم منها".