بعدما خرق الطرفان كل الاتفاقات السابقة
هدنة جديدة بآمال ضئيلة تدخل حيز التنفيذ في السودان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الخرطوم: دخلت هدنة جديدة بين الجيش وقوات الدعم السريع حيز التنفيذ صباح السبت في السودان، حيث أبقى سكان آمالهم متواضعة حيالها بعدما خرق الطرفان كل الاتفاقات السابقة ولم يتيحا لهم فرصة التقاط الأنفاس في نزاع يقترب من شهره الثالث.
ومنذ بدء المعارك في 15 نيسان/أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أبرم الجانبان أكثر من اتفاق لوقف إطلاق النار، سرعان ما كان يتمّ خرقها.
ودخلت الهدنة حيز التنفيذ عند الساعة السادسة (04,00 ت غ)، على أن تستمر لـ24 ساعة فقط.
وبعد أكثر من ثلاث ساعات، أفاد سكان في أنحاء العاصمة وكالة فرانس برس أن الهدوء ما زال يسود فيها، وأنهم لم يسمعوا منذ الصباح أصوات قصف أو اشتباكات أو طيران حربي.
وكان السكان أكدوا في وقت سابق أنهم لا يتوقعون الكثير من هذه الهدنة.
وقال محمود بشير الذي يقطن وسط ضاحية بحري بشمال العاصمة "هدنة يوم واحد أقل من طموحنا. نتطلع الي إنهاء شامل لهذه الحرب اللعينة".
من جهته، قال عصام محمد عمر الذي هجّر من منزله وسط الخرطوم الى ضاحية أم درمان "هدنة لا تخرج قوات الدعم السريع من منزلنا الذي أخرجونا منه قبل ثلاثة أسابيع لا تعني لي شيئاً".
احترام الهدنة لأغراض "إنسانية"
وكما سابقاتها من الاتفاقات، تهدف الهدنة الجديدة بشكل أساسي إلى تأمين وصول المساعدات الانسانية الى السكان المقدّر عددهم بنحو 45 مليون نسمة، ويحتاج أكثر من نصفهم الى مساعدات في بلد كان أصلاً من الأكثر فقرا في العالم قبل النزاع الراهن.
وأكد الطرفان مجدداً عزمهما على احترام الهدنة لأغراض "إنسانية".
وشدد الجيش على احتفاظه "بحق التعامل مع أي خروقات" قد ترتكبها قوات الدعم، في حين أملت الأخيرة بألا يعرقل الجيش "جهود المساعدات الإنسانية لرفع معاناة المواطنين".
وشكك مراقبون في مصير الهدنة، خصوصاً وأن ظروفها لم تتبدّل عن سابقاتها.
وقال الأستاذ في جامعة غوتنبرغ السويدية علي فيرجي لفرانس برس "للأسف الحوافز لم تتغيّر بالنسبة الى أي من الطرفين، لذا يصعب تصوّر أن هدنة تقوم على الارتكازات الأساسية ذاتها، وخصوصا لهذه المدة الوجيزة، ستكون نتيجتها مختلفة بشكل جذري".
وأضاف "مع ذلك، سيكون بعض التراجع في مستوى العنف أمرا مرحّبا به من قبل من يعيشون تحت الرصاص".
وأودى النزاع بأكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد). إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
ووفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح حوالى مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفاً عبروا الى دول مجاورة.
وجاء الإعلان عن الهدنة الجديدة في بيان مشترك سعودي-أميركي، أعرب فيه الطرفان اللذين يقودان منذ أسابيع وساطة بين المتحاربين، عن خيبة أملهما من فشل كل محاولات التهدئة.
وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان الجمعة إن الرياض وواشنطن "تتشاركان مع الشعب السوداني حالة الإحباط من عدم الالتزام بالهدن السابقة، وعليه تم اقتراح هذه الهدنة لتيسير وصول المساعدات الإنسانية وكسر حالة العنف والمساهمة في تعزيز تدابير بناء الثقة بين الطرفين مما يسمح باستئناف مباحثات جدة".
وأعلن الوسيطان الأسبوع الماضي تعليق المباحثات بعد قرار الجيش الانسحاب منها. لكنهما حضّا طرفي النزاع على إبرام اتفاق جديد، وأكدا بقاء ممثلَي الجانبين في جدة على رغم تعليق المفاوضات المباشرة.
وحذّرا من أنه "في حال عدم التزام الطرفين بهذه الهدنة، فسيضطر المسيّران الى تأجيل محادثات جدة".
ورأى فيرجي أن الرياض وواشنطن، وعلى رغم فشل محاولاتهما وغياب أي أفق لحلّ، تواصلان السعي لتهدئة "لأنّ مهمة الوسيط هي مواصلة المحاولة حتى متى بدت الأمور قاتمة".
تجديد الثقة بالمبعوث الأممي
تعاني الخرطوم التي كان يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة قبل بدء المعارك، إضافة الى مدن أخرى، من نقص في المواد الغذائية وانقطاع الكهرباء وتراجع الخدمات الأساسية.
وتأتي الهدنة غداة تجديد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ثقته بمبعوثه الألماني فولكر بيرتس، بعدما اعتبرته الحكومة السودانية شخصا "غير مرغوب فيه".
واعتبر المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك أن إجراء الخرطوم "يتنافى" ومبادئ الأمم المتحدة و"لا يمكن تطبيقه"، مؤكدا أن صفة بيرتس "لم تتبدل راهنا ويبقى موقف الأمين العام كما عبر عنه أمام مجلس الأمن الاسبوع الفائت"، في إشارة الى الثقة التي أعرب عنها حياله.
وكانت الخارجية السودانية أكدت الخميس أن الحكومة أخطرت الأمين العام بإعلان بيرتس "شخصا غير مرغوب فيه"، وذلك بعد امتناع المنظمة عن التجاوب مع طلب البرهان استبدال بيرتس إثر اتهامه بتأجيج النزاع.
ومدد مجلس الأمن الدولي مطلع حزيران/يونيو لمدة ستة أشهر، مهمة "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" (يونيتامس)، وعلى رأسها بيرتس.
وكانت البعثة أنشئت في حزيران/يونيو 2020 لدعم الانتقال الديموقراطي في السودان بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير. ومددت مهمتها بشكل سنوي لعام واحد.
خطورة الوضع الإنساني
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان، خصوصاً في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) حيث المعارك على أشدها.
ووفق ما تؤكد مصادر طبية، باتت ثلاث أرباع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة. ويخشى أن تتفاقم الأزمة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بانتشار الملاريا من جديد وانعدام الأمن الغذائي وسوء تغذية الأطفال.
وحذّر رئيس بعثة الصليب الأحمر المنتهية ولايته ألفونسو فردو بيريز من أن الوضع الصحي "قابل للانهيار في أي وقت" خصوصا في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) الذي شهد نزاعا داميا على مدى عقدين.