أخبار

بين الحصار الخانق والتسوية المرّة

بعد الجحيم: أربع سيناريوهات لمستقبل غزة

جزء من الدمار الذي لحق بغزة بسبب الغارات الإسرائيلية المستمرة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في خضم الحرب الحالية، لا توجد حتى الآن خطة ملموسة لما قد يبدو عليه مستقبل غزة. يجب أن يتم الاستعداد لما بعد الحرب من الآن.

إيلاف من بيروت: رداً على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، أعلنت إسرائيل حالة الحرب، وفرضت إغلاقا كاملا على قطاع غزة، وتشن غارات جوية واسعة النطاق. وفقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الهدف هو تدمير حماس في قطاع غزة. وأعلن وزير الدفاع يوآف غالنت أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكنيست في 20 أكتوبر أن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حماس قد تستمر أشهرًا. اضاف: "بعد انتهاء المهمة العسكرية، يجب إنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة، من دون أن يوضح من سيحكم غزة.

ينصب التركيز الحالي للاهتمام الدولي على الجهود الرامية إلى منع التصعيد الإقليمي، وتحرير الرهائن من خلال المفاوضات، وتخفيف الوضع الإنساني الكارثي للسكان المدنيين في قطاع غزة. مع ذلك، فإن مسألة مستقبل قطاع غزة لا يمكن تأجيلها.

بشكل أساسي، يمكن حالياً تصور أربعة سيناريوهات مختلفة حول كيفية تطور الوضع في قطاع غزة. وهناك سيناريو خامس يبدو الآن أقل واقعية على خلفية تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، وهو إعادة احتلال إسرائيلي كامل وطويل الأمد لقطاع غزة، وفق دعوات اطلقها بعض السياسيين من المعسكر الديني اليميني في إسرائيل.

السيناريو الأول: تشديد الحصار

قد يعني ذلك عودة جزئية على الأقل إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب، لكن مع حدود أكثر أماناً ومنطقة حظر موسعة داخل غزة، واستمرار الإغلاق الكامل الذي فرضته إسرائيل في 8 أكتوبر المنصرم.

إن الاعتراف بأن حماس لا يمكن هزيمتها عسكرياً على الرغم من القوة النارية الإسرائيلية المتفوقة قد يؤدي إلى هذا السيناريو. عندها، يتعين على إسرائيل أن تتعايش مع حماس ضعيفة في غزة، وأن تعزز سيطرتها العسكرية والاستخباراة في الأرض والبحر والجو، مع إغلاق المعابر الحدودية بشكل دائم. عندها لن يكون هناك أي واردات أو صادرات ممكنة، ولا عمالة فلسطينية في إسرائيل. كما ستوقف تل أبيب بشكل دائم إمدادات الكهرباء ومياه الشرب، بحيث يتعين تأمين الإمدادات إلى حد كبير عبر مصر.

وأعلن وزير الخارجية إيلي كوهين أن "أراضي قطاع غزة لن تبقى كما هي". تشير الغارات الضخمة في شمال وشرق قطاع غزة إلى أن الأمر يتعلق في المقام الأول بتوسيع مناطق استبعاد الفلسطينيين على طول السياج الحدودي مع إسرائيل، بحيث تصبح هذه المنطقة غير صالحة للسكن.

أدى إغلاق القطاع منذ عام 2006، والذي تم تشديده بعد وصول حماس إلى السلطة في عام 2007، فضلاً عن الصراعات المسلحة المتكررة، إلى تدمير سبل العيش للفلسطينيين، كما حذر تقرير للأمم المتحدة في عام 2012. وحتى قبل التصعيد الحالي، كان 80 في المئة من السكان يعتمدون على الدعم الدولي.

إن إعادة الإعمار قبل التعافي الاقتصادي ستكون مستحيلة في ظل الحصار الشامل. وسيصبح سكان قطاع غزة بعد ذلك معتمدين بشكل كامل على المساعدات الإنسانية. وسيظل جزء كبير من السكان مشردين داخليًا. وستحاول إسرائيل تحويل مسؤولية رعاية السكان إلى مصر والمجتمع الدولي، فتفصل غزة عن الضفة الغربية ويصير حل الدولتين مستحيلًا.


السيناريو الثاني: نكبة جديدة

إنه الأكثر خطورة لأنه يقوم على تهجير مئات الآلاف من قطاع غزة. إنه نكبة جديدة يخشاها الفلسطينيون، بعد نكبة أولى بسبب طرد المدنيين الفلسطينيين لتأسيس دولة إسرائيل في عام 1948. ويبدو أن الدعوة التي أطلقتها إسرائيل في 13 أكتوبر لإخلاء شمال قطاع غزة، والغارات التي تدفع بالسكان جنوبًا، تشير إلى ذلك. أقيمت بالفعل مخيمات جديدة في خان يونس وسط قطاع غزة لإيواء الفارين من الشمال. وتتعزز هذه المخاوف بمطالب مماثلة من ممثلي اليمين الإسرائيلي، والتي تستحضر النكبة. فعلى سبيل المثال، كتب عضو حزب الليكود أرييل كالنر في 17 أكتوبر على موقع X: "الآن هناك هدف: النكبة! نكبة تضع نكبة 1948 في الظل".

وغرد نائب رئيس الكنيست نسيم فاتوري: "اطردوهم جميعًا. إذا كانوا بهذه الأهمية بالنسبة للمصريين، فيمكننا لفهم بورق السيلوفان بشريط أخضر".

إضافة إلى ذلك، تم تسريب ورقة داخلية من وزارة التنسيق لأجهزة المخابرات من خلال موقع "سيشا ميكوميت" الإسرائيلي، توصي بإجلاء المدنيين من غزة إلى سيناء لأن ذلك خيار يحقق نتائج استراتيجية إيجابية وطويلة المدى لإسرائيل.

أوضحت الدول العربية أنها غير مستعدة لقبول اللاجئين الفلسطينيين مرة أخرى. مع ذلك، قد يكون هناك اندفاع جماعي إلى معبر رفح الحدودي مع مصر، وستجد مصر حينها صعوبة في إبقاء حدودها مغلقة ومنع اللاجئين من العودة بالقوة. ثم، سيتم إنشاء مخيمات للاجئين في سيناء وطرق جديدة للهروب إلى أوروبا. سيتم إخلاء قطاع غزة جزئيًا من سكانه وسيكون مستقبل السكان المتبقين غير مؤكد.

السيناريو الثالث: الإدارة الدولية

يتضمن هذا السيناريو نشر قوة دولية قوية لضمان نزع السلاح والأمن الشاملين. سيتم وضع قطاع غزة تحت إدارة دولية مؤقتة. وأساس ذلك قرار صادر من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع.

لكن يبدو أن ذلك مستحيل في المستقبل المنظور في ظل الحصار القائم بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى. كما تراجعت الرغبة الدولية في إرسال بعثات قوية لحفظ السلام بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق دولي مماثل، فمرجح أن تظل إسرائيل مصرة على تدابيرها الأمنية الخاصة، والمناطق العازلة والحدود غير المنفذة (كما في السيناريو الأول).

كما يتعين على الأمم المتحدة أو الدول المساهمة بقوات أن تطالب بعملية سياسية لحل الصراع، وتسليم السيطرة على قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية في الأمد المتوسط. لكن المرجح أن ترفض إسرائيل ذلك، خصوصًا في ظل الحكومة الحالية.

أكد العالم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكن يتعين على الزعماء السياسيين والمجتمع الدولي أن يبدأوا في التفكير في كيفية وضع المنطقة على الطريق نحو السلام الدائم.

السيناريو الرابع: التسوية

إضافة إلى الولايات المتحدة، على مصر والأردن وقطر، إضافة إلى الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، أن تتحمل المسؤولية. ويمكن المملكة العربية السعودية التي تعد قوة إقليمية رائدة أن تلعب دورًا بارزًا. وسيتعين على قطر ومصر التأثير في ما تبقى من كوادر حماس. وفي مقابل التخلي عن السلطة في قطاع غزة، يمكن الاتفاق على نفي باقي القادة.

بموجب القانون الدولي، لا يزال قطاع غزة والقدس الشرقية جزءًا من "دولة فلسطين"، كما أكدت المحكمة الجنائية الدولية في فبراير 2021 . وبناء على ذلك، وفي ظل هذا السيناريو، لا بد من نقل الإدارة إلى السلطة الفلسطينية ذات الصلاحيات المناسبة. مع ذلك، أوضح رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتي أن سلطته لن تكون مستعدة لتحمل المسؤولية إلا في إطار تسوية سلمية شاملة.

إضافة إلى ذلك، تحتاج السلطة الفلسطينية أولاً إلى شرعية ديمقراطية جديدة من السكان في قطاع غزة والضفة الغربية. فلم تحصل هناك انتخابات وطنية منذ عام 2006. وهذا يعني أيضًا أن نحو نصف المؤهلين للتصويت اليوم لم تتح لهم فرصة التصويت مطلقًا.

في الوقت نفسه، يمكن استخدام الموارد المتبقية لدى السلطة الفلسطينية في غزة لإعادة الإعمار. هناك نحو 60 ألف موظف سابق في السلطة الفلسطينية يجلسون في منازلهم منذ عام 2007 ويمكنهم، على الأقل جزئيًا، المساهمة بخبرتهم الإدارية. ويجب أيضاً دمج الموظفين المدنيين في الإدارة الحالية الذين لم يشاركوا في أنشطة حماس العسكرية.

كان النظام الأمني السابق يعتمد فقط على الأساليب العسكرية. ومع ذلك، فشلت الطائرات بدون طيار، وبالونات الاستطلاع، وأبراج المراقبة، والأسوار والجدران، فضلاً عن العمليات العسكرية المتكررة للقضاء على الجماعات المسلحة، في منع هجوم 7 أكتوبر المدمر.

ولذلك فإن النظام الأمني الجديد يجب أن يرتكز على تسوية سياسية عن طريق التفاوض. وسيكون الهدف الرئيسي هو ضمان حرية حركة الأشخاص والبضائع، وبالتالي تمكين إعادة الإعمار والتنمية المستدامة.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "قنطرة" الألماني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف