كتَّاب إيلاف

رقم يهوذا الإسخريوطي

لماذا اكتسب الرقم 13 سمعة مشؤومة؟
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ظلّ الرقم "13" لعقودٍ طويلة، بل لقرون، مُحاطاً بهالةٍ من النحس والتشاؤم في المخيال الثقافي الغربي. حتى في عصرنا الحاضر، الذي تضاءلت فيه سطوة الخرافة أمام نور العلم والعقل، يترسّخ في وجدان الكثيرين شعورٌ عميق بالرهبة من هذا العدد، وهي حالةٌ نفسيةٌ تُعرف باسم رهاب Triskaidekaphobia.

إنَّ هذا الخوف المتجذّر يتجلّى في تفاصيل الحياة اليومية؛ فنجدُ العديد من الفنادق تتخطّى الطابق الثالث عشر في تصميمها، وتشيرُ الإحصائيات الصادرة عن شركات المصاعد الكبرى إلى أن الأغلبية العظمى من لوحات التحكّم في مصاعدها تتجنّب إدراج هذا الرقم. ولا تتوانى شركات الطيران عن حذف الصف رقم 13 من قوائمها. ويبلغُ الأمر ذروته حينما يتوافق اليوم الثالث عشر من الشهر مع يوم الجمعة؛ إذ تشهدُ سلوكيات الأفراد تغيّراً ملحوظاً، ويُقدّر أن الأضرار المالية الناجمة عن تجنّب النشاطات الاقتصادية كالسفر والتسوّق وإقامة الأعراس أو حتى الذهاب للعمل، تتجاوز حاجز الثمانمائة مليون دولار سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

لماذا اكتسب الرقم 13 هذه السمعة المشؤومة؟ على الرغم من أن لا أحد يستطيع الإشارة إلى نقطة بدءٍ واحدةٍ ومحددةٍ لهذه الخرافة، إلا أن تضافر الروايات التاريخية والأصول الدينية والأساطير القديمة ربما أسهم في بناء هذا الجدار من الرهبة حول العدد.

في زمنٍ غابر، سطّر الملك البابلي حمورابي، الذي حكم ما بين 1792 و 1750 قبل الميلاد، واحدةً من أقدم المجموعات القانونية وأكثرها شمولاً. نُقشت هذه الأحكام على مسلّة حجرية ضخمة ضمّت نحو 282 مادة قانونية تنظّم جوانب الحياة المختلفة. والمثيرُ للدهشة أن الرقم 13 كان غائباً بشكلٍ لافتٍ بين هذه القواعد. كثيرون يرون في هذه التحفة التاريخية دليلاً مبكراً ومُسجلاً على اعتبار الرقم 13 نذيرَ شؤمٍ يستوجبُ الحذف. غير أن بعض الباحثين يعزون هذا الغياب إلى مجرد خطأٍ في النسخ أو النقش. وعلى كلّ حال، ربما تكون هذه الواقعة قد أسهمت في ترسيخ الانطباعات السلبية طويلة الأمد المحيطة بهذا الرقم.

لعلّ شرارة النحس قد انبعثت أيضاً من حكايةٍ عتيقة في الميثولوجيا الإسكندنافية، تتناول الإله الماكر "لوكي". ففي مأدبةٍ حاشدة ضمّت اثني عشر إلهاً، اقتحم لوكي الحفل ليصبح الضيف الثالث عشر. وما هي إلا لحظات حتى قام هذا الوافد غير المرغوب به بتدبير مكيدةٍ أدّت إلى مقتل الإله "بالدر" الجميل، رمز الفرح والنور، على يد الإله الأعمى للظلام. من المحتمل أن تكون هذه الأسطورة المأساوية قد رسّخت ارتباط الرقم الثالث عشر بالفوضى وسوء الطالع في الثقافة الإسكندنافية، ومن ثمّ في الحضارة الغربية ككل.

كما وجدَ التشاؤم من الرقم 13 دافعاً إضافياً في المعتقدات المسيحية، خاصةً فيما يتعلق بـ "العشاء الأخير"، حيث اجتمع المسيح مع تلامذته الاثني عشر، ليبلغ مجموع الحاضرين ثلاثة عشر شخصاً. كان يهوذا الإسخريوطي، الذي يُشار إليه هنا بالمرتبة الثالثة عشرة، هو من ارتكب الخيانة الكبرى، وسلّم سيده ومعلّمه يسوع للمسؤولين الرومان ليُصلَب. وقد عززت هذه الرواية الدينية من اقتران العدد بالنهايات المأساوية والقدر المشؤوم.

لا يقتصرُ التشاؤم في الثقافة الغربية على الرقم 13 فحسب؛ بل يتعدّاه إلى سلسلةٍ من المعتقدات الراسخة، مثل: كسر المرآة الذي يعدّ نذيراً لسبع سنواتٍ من الحظ السيئ، وعبور قطة سوداء الطريق، والمشي تحت السلالم، وفتح المظلة داخل المنزل.

أما في بلادنا ومجتمعاتنا، فتتخذ أشكال التشاؤم منحىً آخر يُعرف بـ "التطيّر". هنا، تُكرهُ رؤية البومة، لا سيما في الليل، ويُعتقد أن صوت الغراب نذير شؤمٍ وشقاء. وعلى الرغم من أنّ الشريعة الإسلامية تذمّ التطيّر وتنهى عنه، فإنّ الكثيرين لا يزالون يقعون في فخ التشاؤم من بعض الشهور، أو من الكوابيس المزعجة، أو من أرقامٍ محددة، وحتى من بعض الأشخاص ذوي العاهات، أو من مجرد رؤية قطة سوداء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف