السيطرة على مدينة غزة في عشرة أيام
عندما تنتهي الهدنة ستبدأ المرحلة الحاسمة من الحرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بول آدامز - بي بي سي نيوز
من المحتمل أن تكون الحملة العسكرية الإسرائيلية في مدينة غزة في مراحلها النهائية. فالهدنة، التي تم التوصل إليها للسماح بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين، سوف تؤخر عمليات الجيش الإسرائيلي لمدة تتراوح بين أربعة إلى تسعة أيام، اعتماداً على عدد الرهائن الذين تقرر حماس إطلاق سراحهم.
وعندما ينتهي ذلك، يتوقع الخبراء الإسرائيليون أن تُستأنف معركة السيطرة على مدينة غزة وتستمر من أسبوع إلى عشرة أيام أخرى.
ولكن ماذا يحدث عندما يحول الجيش الإسرائيلي انتباهه إلى جنوب قطاع غزة، كما أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بقوة؟
تعهدت إسرائيل بتدمير حركة حماس أينما وجدت. ويفترض أن أهم قادة المجموعة، يحيى السنوار ومحمد ضيف، موجودان في مكان ما في الجنوب، إلى جانب آلاف المقاتلين، وربما عدد كبير من الرهائن الإسرائيليين.
فإذا قررت إسرائيل أن تفعل بالجنوب ما فعلته بالشمال، فهل ستبدأ النوايا الحسنة للغربيين، وخاصة الأمريكيين، في التلاشي؟
ومع تكدس الجزء الأكبر من سكان قطاع غزة، الذين يقدر عددهم بنحو 2.2 مليون نسمة، في الثلثين الجنوبيين من القطاع، والعديد منهم بلا مأوى ومصابون بصدمات نفسية، فهل تلوح في الأفق كارثة إنسانية أكبر؟
قد تكون القشة الأخيرة هي رؤية مئات المدنيين الفلسطينيين، متجمعين في الخيام، وسط الحقول الرملية في مكان يسمى المواصي.
ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فقد نزح ما يقرب من 1.7 مليون شخص في جميع أنحاء قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويوجد معظمهم حاليا في الجنوب، ويعيشون في مراكز إيواء مكتظة.
ويتحدث مسؤولو الأمم المتحدة عن الظروف البائسة بالفعل، حيث لجأ عشرات الآلاف من الأشخاص إلى المدارس والمستشفيات، وفي بعض الحالات، إلى الخيام.
وقد تسببت أمطار الشتاء المبكرة بالفعل في حدوث فيضانات، مما زاد من تدهور الأوضاع.
ولعدة أسابيع، ظل المسؤولون الإسرائيليون يتحدثون عن الحل - ما يسمى "المنطقة الآمنة" في المواصي، وهي شريط رفيع من الأراضي الزراعية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من الحدود المصرية.
وفي الأسبوع الماضي، أُسقطت منشورات على مدينة خان يونس القريبة تحذر من غارات جوية وشيكة، وطلبت من الناس التحرك غربا باتجاه البحر.
وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس، قال أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، لسكان غزة أن المواصي ستوفر "الظروف المناسبة لحماية أحبائك".
ولكن ما مدى واقعية توقع لجوء أكثر من مليوني شخص إلى هذا المكان بينما تحتدم الحرب في مكان قريب؟ وما مدى "ملائمة" الظروف في المواصي؟
وفي تلك المنطقة خليط من الحقول والدفيئات الزراعية البلاستيكية، والمنازل المتناثرة. ويبلغ عرضها حوالي 2.5 كيلومتر في أوسع نطاق لها، وطولها يزيد قليلاً عن أربعة كيلومترات.
ويصف الدكتور مايكل ميلشتين، المستشار السابق لمنسق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية في الضفة الغربية، تلك المنطقة بأنها "مكان جميل ومثمر، لكنه صغير جدًا".
أما وكالات الإغاثة فتراها أقل من ذلك.
وتقول جولييت توما، مديرة الاتصالات في الأونروا: "إنها قطعة صغيرة من الأرض، ولا يوجد شيء هناك، إنها مجرد كثبان رملية ونخيل".
وستشكل أية محاولة لاستيعاب مئات الآلاف من النازحين، في منطقة تفتقر على ما يبدو إلى البنية التحتية الأساسية - لا توجد مستشفيات - تحدياً إنسانياً هائلاً للأمم المتحدة، بما في ذلك إنشاء ملاجئ للطوارئ، وعلى الأرجح الخيام.
كما تشكل أيضا تحدياً أخلاقياً له صدى تاريخي عميق، فمعظم سكان غزة ينحدرون من لاجئين عاشوا في الخيام بعد طردهم من إسرائيل في عام 1948.
ويضم قطاع غزة بالفعل ثمانية مخيمات للاجئين، تطورت على مدى العقود الماضية إلى مدن مزدحمة. ولا تريد الأمم المتحدة أن تكون مسؤولة عن إنشاء معسكر آخر.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن الأمر متروك لوكالات الإغاثة للتأكد من وصول المساعدة إلى المواصي من معبر رفح، على بعد أكثر من 10 كيلومترات، ولم يذكروا كيف سيكون ذلك عمليا.
ويقال إن المسؤولين الأمريكيين يحاولون التفاوض مع إسرائيل بشأن مناطق آمنة إضافية، ربما تشمل منطقة في بلدة الدهنية، في أقصى الطرف الجنوبي من قطاع غزة.
وبموجب شروط اتفاق إطلاق سراح الرهائن، الذي دخل حيز التنفيذ الجمعة، يتعين على إسرائيل أيضا السماح بدخول 200 شاحنة مساعدات إلى غزة يوميا، وهو عدد أكبر مما كان عليه في الأسابيع الأخيرة.
ولكن في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بدا أن بياناً صادراً عن رؤساء 18 وكالة تابعة للأمم المتحدة ومنظمة غير حكومية تشارك في تقديم المساعدة للمدنيين الفلسطينيين، يرفض خطط إسرائيل رفضاً قاطعاً.
وقال البيان: "لن نشارك في إنشاء أي منطقة آمنة في غزة يتم إنشاؤها دون موافقة جميع الأطراف".
ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن الأطراف تشمل إسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية ومقرها الضفة الغربية.
وبدون ذكر المواصي بالاسم، حذر بيان صادر في 16 نوفمبر/تشرين الثاني من أن المقترحات الإسرائيلية أحادية الجانب يمكن أن تعرض حياة العديد من الأشخاص للخطر.
ووصف الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، وأحد الموقعين على البيان، الخطط بأنها "وصفة لكارثة".
وقال الدكتور غيبريسوس: "إن محاولة حشر هذا العدد الكبير من الناس في منطقة صغيرة كهذه مع القليل من البنية التحتية أو الخدمات، ستؤدي إلى زيادة المخاطر الصحية بشكل كبير بالنسبة للأشخاص الذين هم بالفعل على حافة الهاوية".
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن حماس هي المسؤولة، ويبدو أنهم غير منزعجين من المخاطر. ويقولون إن المواصي هي المنطقة الوحيدة التي تعهدت القوات الإسرائيلية بعدم مهاجمتها.
ويقول المقدم ريتشارد هيشت، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "سيكون الأمر صعبا، لكنهم سيعيشون".
وبالنسبة لإسرائيل، إنها مسألة ضرورة عسكرية. وكما تقول إنه كما كانت حماس متمركزة في مدينة غزة، فإن مقاتليها والبنية التحتية التابعة لها موجودون في خان يونس ورفح. ويرى الإسرائيليون أن إبعاد السكان المدنيين قبل الهجوم هو الطريقة الإنسانية للتعامل مع مهمة هزيمة حماس.
ويقول اللواء المتعاقد يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق: "الناس في إسرائيل لا يحبون الوضع الذي سيكون فيه السكان في غزة في مكان ما في المواصي، تحت أمطار الشتاء القادمة، ولكن ما هو البديل؟ إذا كان لدى أحد فكرة عن كيفية تدمير حماس بدونها، فليخبرنا بها".
ومن المحتم أن يؤدي احتمال استمرار المعاناة لأشهر أخرى، والتي تتفاقم بسبب التكدس الشديد، وظروف الشتاء القاسية، إلى زيادة القلق الدولي المتصاعد بشأن سلوك الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وقال لي مسؤول غربي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: "إن القيام بعملية برية كبيرة جديدة في تلك المنطقة يحمل مخاطر تتعلق بسقوط ضحايا وتشريد مدنيين على نطاق واسع، مما يهدد بتقويض التعاطف الدولي مع إسرائيل. إن الأمر يتعلق بالفترة الزمنية التي يمكن أن يستمر فيها الصبر الغربي".
وتدرك حكومة نتنياهو أنها تستطيع الاعتماد على احتياطيات عميقة غير مسبوقة من حسن النية الغربية، في أعقاب الفظائع التي لا توصف التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن المسؤولين الإسرائيليين يعرفون أيضاً أن هذه الاحتياطيات ليست بلا نهاية، وأن الدعوات الدولية لضبط النفس من المرجح أن ترتفع عندما تنتهي هدنة الرهائن وتستأنف إسرائيل حملتها العسكرية.
ويقول الدكتور إيال هولاتا، الذي ترأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي من عام 2021 إلى عام 2023: "آمل أن الضغوط الدولية بعد انتهاء الهدنة لن تمنع ذلك، آمل ألا تستسلم حكومة رئيس الوزراء نتنياهو للضغوط، فهذا ما يتوقعه مواطنو إسرائيل من قادتهم".
ومع اقتراب فصل الشتاء، واستعداد إسرائيل للمرحلة التالية الحاسمة من حملتها، وعدم التوصل إلى اتفاق حول كيفية التعامل مع السكان المدنيين، يبدو أن معاناة غزة الطويلة ستستمر، وربما حتى ستزداد سوءا.