أخبار

لم يفقد أهلها الأحبة وحدهم

كيف أدت الحرب المستمرة في غزة إلى تدمير كثير من مواقعها التاريخية؟

صورة التُقطت في 30 أيار (مايو) 2021 تظهر (من اليسار إلى اليمين) برج كنيسة القديس بورفيريوس الأرثوذكسية اليونانية ومئذنة جامع قريب في مدينة غزة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لم يكن فقط فقدان الأهل والأحبة، هو الألم الوحيد الذي شهده الغزيون في الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كما يقول الصحفي سالم جمال الدين (38 عاماً)، الذي نزح مرتين مع عائلته هرباً من القصف الإسرائيلي، من حي الرمال إلى خان يونس، ثم إلى خيمة في رفح، "الدمار طال أكثر الأماكن المرتبطة بذاكرتنا منذ الطفولة تحديداً في البلدة القديمة في مدينة غزة في حي الدرج".

يتحدث سالم عن ذكرياته مع أماكن تاريخية وأثرية توارث زيارتها عن والده، ودمرها القصف الإسرائيلي مثل الجامع العمري الكبير، الذي يقول مؤرخون إن عمره يتجاوز 1500 عام.

ويتابع قائلا: "لا أشعر بالعيد إلا إذا صليت في الجامع العمري، ارتباطي بهذا المسجد أنا وأشقائي سببه ارتباط والدي به... لكن بالنسبة لوالدي بالأخص فالأمر مختلف لأنه يستعيد في الجامع العمري وحي الدرج ذكريات طفولته مع عائلته وأقربائه وأصدقائه، وفيه كان يلتقي بجيرانه القدامى، ونحن أحببنا الجامع لحب والدي له، تملؤني مشاعر روحانية مختلفة عند دخوله، وله أجواء مميزة في العشر الأواخر من شهر رمضان".

يضيف "أعشق كل ما هو تاريخي، خصوصاً أنني من سكان غزة المكتظة بالسكان والبنايات الشاهقة، سوق البلدة القديمة حيث تتواجد قربه أشهر المعالم التاريخية مثل الجامع العمري وسوق الذهب وحمام السمرة".

وبحسب وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف لـ بي بي سي، فإنه خلال 60 يوماً من الحرب دمر "القصف المستمر على غزة قرابة 144 موقعاً تاريخياً، إذ استهدفت جميع مناطق القطاع بما في ذلك المتاحف والمناطق الأثرية والبلدة القديمة في مدينة غزة".

ويقول تقرير صدر في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني بعنوان "آثار الحرب الأخيرة على التراث في غزة"، بالتعاون بين منظمة التراث من أجل السلام، والشبكة العربية للمجتمع المدني لحماية التراث الثقافي، إن المجموع الكلي للتراث المعماري في غزة يبلغ 325 موقعاً .

يقول الوزير أبو سيف إن مبانٍ عمرها مئات وآلاف السنين طالها الدمار مثل "كنيسة القديس بروفيروس عمرها 1800 عام من أقدم كنائس العالم، ومسجد السيد هاشم وفيه قبر جد الرسول محمد، وسوق الزاوية الأقدم في غزة من العهد الإسلامي الأول، والجامع العمري الكبير، ومواقع الاستكشافات الأثرية مثل المقابر البيزنطية في شرق جباليا".

ومع تدمير كل مسرح أو مركز ثقافي أو مكان أثري مقدس، تنتشر تعليقات مختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لسكان غزة الذين يبدون تأثرهم وحزنهم على ما رحل من ذكريات بتدمير المكان.

View this post on Instagram

A post shared by HAMADAH | حمادة (@hamada.pr1)

يقول رئيس منظمة التراث من أجل السلام إسبر صابرين لـ بي بي سي، إن فلسطينيين من غزة أبلغوه تأثرهم بالدمار الكبير الذي لحق بالمسجد العمري أكثر من تأثرهم بدمار بيوتهم لأنه رمز لغزة القديمة.

ويضيف " مصدومون من عدم احترام القانون الدولي سواء للإنسان أو ما يخص حماية الممتلكات الثقافية وفق اتفاقية لاهاي، استهداف الأماكن التراثية بهذا الحجم في غزة يظهر أن هناك نية لدى إسرائيل بعدم ربط الناس بأرضها، عبر تدمير التراث ورموز المدينة التي تؤكد على وجود الفلسطيني في هذا المكان.. ما يحدث هو مذبحة ثقافية إلى جانب المذبحة الإنسانية".

يشار إلى أن إسرائيل من الموقعين على اتفاقية لاهاي الدولية الصادرة في عام 1954، لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح.

"لم يبق أصحاب ولا بلدة قديمة ولا أي شيء في غزة"، يقول الشاب الغزاوي أمجد الفيومي عبر صفحته على منصة فيسبوك معلقاً على تدمير القصف الإسرائيلي للجامع العمري.

يقع الجامع العمري في قلب البلدة القديمة في حي الدرج بمدينة غزة، وتبلغ مساحته 4100 متر مربع، ويتميز بمتانة البناء وجمال الأعمدة الرخامية والنقوش الكتابية وزخارف تعود للعصر المملوكي والعثماني...الجامع أنشئ على مراحل وفق الروايات التاريخية فإنه كان معبداً ثم تحول إلى كنيسة ثم إلى مسجد في عصر الفتح الإسلامي بحسب ما تشير المصادر الفلسطينية.

ويقول بعض المؤرخين إن عمر الجامع يتجاوز 1500 عام، بينما يقول آخرون إن عمره كمعبد يبلغ نحو ثلاثة آلاف عام.

"تدمير المعالم التاريخية يعني محو هوية المدينة"

"يصف كثيرون غزة بأنها رفيقة التاريخ، شقيقة البحر وجارة الصحراء، لموقعها الاستراتيجي إذ تعد همزة وصل بين بلاد الشام ومصر، مما جعلها مطمعاً ومطمحاً لكثير من القوى المتصارعة"، يقول الباحث في التاريخ القديم أسامة أبو الغنم.

ويضيف "التاريخ جزء مهم من تشكيل هوية أي مدينة أو شعب أو حضارة، وعند تدميرها فإن ذلك يعني محو هوية المدينة".

غزة واحدة من أقدم مدن العالم، يبلغ عمرها نحو 5 آلاف عام، وأول من بناها هم الكنعانيون وهو ما تظهره آثار شمال وادي غزة، مثل تل السكن الأثري والذي "تعرض للضرر في الحرب الأخيرة". كما أن غزة كانت ميناءً مهماً للأنباط في الأردن، واستخدموه للتجارة عبر البحر المتوسط، يوضح أبو الغنم.

وفي غزة ما تزال هناك أحياء مبنية وفق طراز المدن الإسلامية القديمة "أينما وجد جامع أثري قديم، هناك سوق قديم"، يشير أبو الغنم.

يقول الوزير أبو سيف إن الوزارة أرسلت لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة يونسكو للتدخل لحماية التراث الفلسطيني، كما طالبت المنظمة العربية للعلوم والثقافة الألكسو ومنظمة العالم الإسلامي للعلوم والثقافة إيسيسكو بموقف عربي وإسلامي لحماية التراث الفلسطيني.

وبحسب أبو سيف من المتوقع "وضع خطط وطنية لترميم البلدات القديمة واستعادة الرونق التاريخي للمدن الفلسطينية تحديداً قلب مدينة غزة وخان يونس، وترميم التماثيل الأثرية، وترميم الأثواب الفلسطينية إذ وصل عمر أحدها إلى 300 سنة، بالتعاون مع يونسكو وجهات عربية ودولية أخرى".

وتحدث الباحث في التاريخ القديم أسامة أبو الغنم عن معالم تاريخية تعرضت للقصف الإسرائيلي، مثل بيت لاهيا شمالي القطاع التي تحتوي معبداً أثرياً من العهد الروماني الوثني، ويرجح المؤرخون أن اسم المدينة منسوب إلى "بيت الآلهة". وعن تل أم عامر المذكورة في خريطة مادبا الفسيفسائية باسم تاباثا، ويوجد فيها دير سانت هيلاريون وهو من أديرة الرهبان القديمة.

وتعرض مسجد هاشم والذي يقع في حي الدرج لتدمير جزئي، وتبلغ مساحته حوالي 2400 متر مربع ويعد من أجمل وأقدم مساجد غزة، فيه ضريح أسفل القبة يعتقد بأنه قبر هاشم بن عبد مناف جد النبي محمد. والمسجد الحالي بُني في العصر العثماني على الطراز المملوكي بحسب ما ورد في تقرير "آثار الحرب الأخيرة على التراث في غزة".

كنيسة القديس بروفيروس

لحق الدمار بسبب القصف الإسرائيلي بكنيسة القديس برفيريوس ، وأدى لمقتل مدنيين فلسطينيين لجأوا إليها هرباً من نيران الحرب. يطلق على الكنيسة الواقعة في حي الزيتون في غزة، اسم "كنيسة المقبرة"، إذ تحيط بها مقبرة مسيحية وتحتضن ضريح القديس برفيريوس، وعرفت محلياً باسم "كنيسة الروم الأرثوذكس".

ويعود تاريخ بناء الكنيسة إلى عام 425 للميلاد، مما يجعلها من أقدم الكنائس في العالم.

وبحسب بيان صدر في منتصف ديسمبر/ كانون الأول عن وزارة الخارجية الفلسطينية، أدرجت منظمة الأمم المتحدة يونسكو المعنية بالعلوم والثقافة، موقع تل ام عامر/دير سانت هيلاريون في غزة على لائحة الممتلكات الثقافية تحت الحماية المعززة الدولية لليونسكو.

ويعني وضع المعلم تحت الحماية المعززة أنه "تراث ثقافي على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للبشرية، وأن يكون محمياً بتدابير قانونية وإدارية مناسبة تعترف بقيمته الثقافية والتاريخية الاستثنائية، وألا يستخدم لأغراض عسكرية أو كدرع لوقاية مواقع عسكرية...".

وأدانت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تدمير قصر الباشا في حي الدرج، إذ أدى القصف الإسرائيلي لدمار أجزاء كبيرة منه.

وأشارت وزارة الثقافة الفلسطينية أيضاً إلى تدمير حمام السمرة، التاريخي في وسط مدينة غزة.

تقول وزارة الثقافة الفلسطينية إن حمام السمرة الذي يقع في حي الزيتون، دمر بالكامل، وهو "الحمام الأثري الوحيد المتبقي في غزة ويصل عمره إلى ألف عام، بمساحة تبلغ نحو 500 متر مربع. وأطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى السامريين الذين أنشأوه".

استهداف المتاحف والمكتبة العامة والأرشيف المركزي

الوزير أبو سيف قال إن عدة متاحف استهدفت مثل متحف المتحف، و متحف القرارة الذي تضرر جزئياً وتضررت معه تماثيل كنعانية، وفيه رأس عشتار، أقدم تمثال لآلهة الكنعانيين والفينيقيين، كما استهدفت مكونات ثقافية أخرى مثل الأرشيف المركزي لمدينة غزة، وهو مبنى تاريخي من بداية القرن العشرين ويحتوي جميع الوثائق التاريخية عن غزة، والمكتبة العامة في مدينة غزة التي تضم التراث الفلسطيني القديم وفيها جميع الكتب قبل "النكبة" لكنها حرُقت كلها.

ويلفت أبو سيف إلى تدمير متحف البدوية، ومتحف رفح الذي يحوي على 320 قطعة ثوب فلسطينية قديمة، "بعضها عمره 5 أضعاف عمر دولة إسرائيل". "لا نعرف مصير كثير من المواقع الأثرية ولا نعلم ما اذا تمت سرقة هذه المتاحف أم لا."

من جانبه يقول الجيش الإسرائيلي إن قصف المواقع مربوط بوجود أنفاق لحركة حماس أو أمكان تواجد المقاتلين.

ولم يتسن الحصول على رد من يونيسكو، لكن الأخيرة صرحت عبر الإذاعة الوطنية العامة NPR (وهي مؤسسة إعلامية أمريكية غير ربحية) أنها "تشعر بقلق عميق إزاء التأثير السلبي للقتال المستمر على التراث الثقافي" في المنطقة، ودعت "جميع الأطراف المعنية إلى الالتزام الصارم بالقانون الدولي. كما لا ينبغي استهداف الممتلكات الثقافية أو استخدامها لأغراض عسكرية، لأنها تعتبر بنية تحتية مدنية".

كما قالت "بسبب القتال المستمر واستحالة الوصول إلى المنطقة، فإن اليونسكو ليست في وضع يسمح لها بتقييم الأضرار بنفسها في الموقع". "في هذه المرحلة، لا يستطيع خبراؤنا سوى مراقبة الوضع عن بعد، باستخدام بيانات الأقمار الصناعية والمعلومات التي ترسلها إلينا أطراف ثالثة. ويجب بعد ذلك التحقق من هذه المعلومات بدقة".

ويرى صابرين رئيس منظمة التراث من أجل السلام أن "أي إعادة تأهيل لمكان أثري أو تاريخي، يجب أن ترتبط بإعادة الروح للمجتمع، وإعادة إعمار غزة... هناك تقنيات حديثة تستخدم لإعادة بناء الاماكن الاثرية التي تعرضت للدمار".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكرا حماس
فلسطيني -

قريبا سيتم البدء ببناء بلدات اسرائيلية على انقاض القطاع، والمفاوضات مع مقاولي البناء الحمساويين وصلت لمرحلة متقدمة.