"جرد من ملابسه وضُرب وأسيئت معاملته"
"تمنيتُ الموت" رحلةٌ مرعبةٌ لشاعر فلسطيني للخروج من غزة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان الشاعر الفلسطيني، مصعب أبو توهة، يستعد للسفر إلى الولايات المتحدة لاستلام جائزة الكتاب الأمريكي، التي فاز بها عن ديوانه الشعري "أشياء تجدها مخبأة في أذني"، لكن اندلاع أحداث السابع من أكتوبر وحرب غزة غيرت خطته بالكامل.
أعد أبو توهة خطة جديدة للخروج من غزة، هذه المرة بصحبة زوجته وأطفاله الثلاثة، للنجاة بأرواحهم من الحرب.
وبين أصوات القصف المستمر والدمار، شقت العائلة طريقها من الشمال باتجاه الجنوب، نحو معبر رفح، لكن أبو توهة لم يستطع أن يكمل هذا الطريق مع أسرته، إذ أوقفه الجيش الإسرائيلي على حاجز أمني في شارع صلاح الدين، للتحقيق معه في الاشتباه بكونه ناشطا في حركة حماس.
يقول لي أبو توهة إنه تمنى الموت لأول مرة في حياته خلال فترة توقيفه واحتجازه، إذ "جرد من ملابسه وضُرب وأسيئت معاملته"، قبل أن يُطلق سراحه.
على الجانب الآخر، يؤكد الجيش الإسرائيلي توقيف أبو توهة وتجريده من ملابسه واحتجازه للتحقيق، لكنه ينفي مزاعم الضرب وسوء المعاملة.
"لا مكان آمن في غزة"في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ظهرت أسماء أبو توهة وعائلته على قائمة المسافرين عبر معبر رفح، كأسرة لطفل أمريكي، إذ يحمل ابنه الأصغر مصطفى ذو الثلاث سنوات الجنسية الأمريكية.
"كنا غير راغبين بترك أهالينا، وكان يحذوني الأمل بأن الحرب ستتوقف، لكن بالنسبة لنا لم تكن البيوت آمنة، ولم تكن المستشفيات آمنة، ولم نشعر بالأمان في أي مكان". يقول أبو توهة عن قراره مغادرة غزة.
جمع أبو توهة مئات الكتب باللغة الإنجليزية خلال رحلاته المتعددة إلى الولايات المتحدة في مكتبة شخصية يصفها بأنها "من أندر المكتبات" في غزة، وفي عام 2017 أسس مكتبة إدوارد سعيد، وهي أول مكتبة عامة للكتب بالإنجليزية في القطاع، يفكر أبو توهة كم سيفتقد كتبه ومكتبه إذا غادر، ويقول "كنا نريد النجاة بأنفسنا وبأولادنا".
في صباح يوم الأحد، الموافق التاسع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، انضمت عائلة أبو توهة بصحبة أقارب زوجته على ظهر عربة يجرها حمار لجموع من الفلسطينيين النازحين عبر طريق صلاح الدين من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، كثير منهم كان يحمل رايات بيضاء حسب ما يقول لنا أبو توهة.
ويضيف الشاعر الفلسطيني "في الطريق تبين لنا أن هناك نقطة عسكرية للجيش الإسرائيلي، وبقوة السلاح يأخذون من يريدون، كانوا ينادون على الناس بالوصف، في حالتي وصفني الجندي بالشاب الذي يحمل حقيبة سوداء وطفل شعره أحمر (ابني مصطفي) ضع الحقيبة والطفل على الأرض وتعالي عندي".
كان أبو توهة يرفع جواز سفر ابنه الأمريكي، وجوازات سفر العائلة الفلسطينية، آملا أن يفهم الجنود أنهم في طريقهم إلى معبر رفح لمغادرة غزة، لكن الجندي الإسرائيلي كرر الأمر على أبو توهة بأن يضع حقيبته وابنه على الأرض ويذهب إليه، وهو ما فعله الشاعر الفلسطيني.
"أنت ناشط في حماس"انضم أبو توهة إلى ما وصفه بـ"الطابور الطويل من الرجال والنساء الموقوفين" ويضيف "لاحقا طلب مني الجندي أن ارفع يدي إلى أعلى، وأخلع ملابسي، كان هناك قناص يوجه سلاحه نحوي، فاضطررت تحت تهديد السلاح أن أخلع ملابسي بالكامل، أمرني الجندي بالاستدارة، وبعدها أمرني بأن ارتدي ملابسي مجددا"، عقب ذلك يقول إنه تم تعميته وتكبيل يديه.
ويتابع الشاعر الفلسطيني "وضعوا رقما بلاستيكيا على يدي، وجرونا من الخلف بعيدا باتجاه ضابط إسرائيلي، قال لي أنت ناشط في حماس، سألته هل لديك دليل، صورة أو فيديو أو أي شيء يثبت أنني تابع لحماس، ضربني الضابط على وجهي وطلب مني أنا أن أحضر دليلا أنني لست ناشطا في حماس".
من منزله في القاهرة، يتذكر أبو توهة "بعد ذلك اصطحبنا الجنود في مكان آخر وبدأونا في ضربنا وهم يقولون لنا أنتم قتلتم أطفالنا واغتصبتم نسائنا".
في الطريق إلى إسرائيلوضع أبو توهة وآخرين في شاحنة عسكرية إسرائيلية، يقول "داخل الشاحنة ألقوا بشخص آخر علي، لم يكن يتحرك، فكرت أنهم ألقوا عليّ جثة، بقيت اسأل هذا الشخص هل أنت حي أو ميت، وحين سمعت صوته عرفت أنه حي"، ويستطرد "تمنيت الموت في هذه اللحظة، لأول مرة في حياتي شعرت أنني أريد الموت، تمنيت أن تصيبني سكتة قلبية وينتهي هذا الكابوس".
استمرت رحلته في الشاحنة العسكرية لنحو ساعتين، وصل مصعب إلى مكان كان مجهولا بالنسبة له في البداية، بعد ذلك عرف من محتجز آخر أنهم في مركز للاحتجاز في مدينة بئر السبع في إسرائيل.
في اليوم التالي، خضع الشاعر الفلسطيني للتحقيق مجددا في مركز الاحتجاز، يقول "أخبرني الضابط بعد انتهاء التحقيق أنهم سيتأكدون من كلامي، وإما أن يعيدونني إلى غزة، أو سيتم حبسي".
"نعتذر عن الخطأ"بعد انتهاء جلسة التحقيق هذه بنحو ساعتين، فوجئ أبو توهة بجندي إسرائيلي يعتذر له باللهجة الإنجليزية عن "الخطأ" ويقول له "ستعود إلى بيتك"، لم يصدق أبو توهة في البداية، "هل أنت جاد" ظل يكرر السؤال على الجندي الإسرائيلي.
يقول أبو توهة، "داخل مركز الاحتجاز كان الوضع الوحيد للجلوس المسموح لنا هو الجلوس في وضع القرفصاء، أي شخص يغير من وضع جلسته، كان يتم إخراجه خارج المبنى ليقف في البرد والمطر".
ويضيف "كانوا يقدمون لنا ثلاث وجبات يومية، عبارة عن قطعة صغيرة من الخبز مغطاة بقليل من الزبادي، وقطرات قليلة من الماء كل يوم".
في صباح يوم الثلاثاء 20 نوفمبر/ تشرين الأول، سمع أبو توهة من ينادي اسمه في مركز الاحتجاز، في البداية قالوا له إنه سيخضع إلى تحقيق آخر، لكن بعد قليل، أعادته شاحنة عسكرية إلى المكان نفسه الذي ألقي القبض عليه منه، عند الحاجز الأمني في شارع صلاح الدين.
يقول " حين عدت عند الحاجز رأيت أشخاصا آخرين عراة تم احتجازهم، وددت لو اقترب منهم وأخبرهم عما سيمرون به، كانوا ينتظرون خائفين لا يعرفون مصيرهم بعد".
رحلة جديدة للبحث عن العائلةلحظة إطلاق سراح أبو توهة عند الحاجز في شارع صلاح الدين، بدا تائها، لم يعرف أين ذهبت عائلته، إذا كانوا على قيد الحياة أو أصابهم مكروه، لم يعرف إلى أين يذهب، يقول "لم يكن معي هاتف أو أي شيء، كنت أعرف أن أخوال زوجتي ذاهبون إلى مدينة دير البلح، توجهت إلى دير البلح وبقيت أبحث في الشوارع حتى عثرت على يافا ابنتي، احتضنتني وقالت لي ماما تنتظرك".
في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عبرت العائلة معبر رفح إلى مصر، ويحاول مصعب وعائلته الآن الاستقرار في القاهرة.
الجيش الإسرائيلي: نعامل المحتجزين بكرامةفي تعليق لبي بي سي، قال الجيش الإسرائيلي إنه أوقف أبو توهة بناء على معلومات استخباراتية تفيد بأن عددا من المدنيين يتعاونون مع "جماعات إرهابية" في قطاع غزة، جرى إيقاف هؤلاء المدنيين وبينهم أبو توهة للتحقيق، وبعد ذلك أُطلق سراحه.
وأضاف الجيش الإسرائيلي أنه كجزء من العمليات العسكرية، يجري توقيف الأشخاص المشتبه بتورطهم في أنشطة إرهابية، والتحقيق معهم، وإذا تبين عدم مشاركتهم في أي أنشطة إرهابية يطلق سراحهم.
كما أكد الجيش الإسرائيلي أنه يعامل المحتجزين باحترام لكرامتهم ووفقا للقانون الدولي، موضحا أنه من الضروري أحيانا أن يُطلب من الموقوفين خلع ملابسهم وتسليمها للتفتيش، للتأكد من أنهم لا يخبئون أي أسلحة أو أحزمة ناسفة.
كما أكد الجيش الإسرائيلي أنه ينظر في الحالات التي تسجل فيها مخالفات للبروتوكول في معاملة الموقوفين.