"المعركة ستستمر طالما كانت هناك حاجة لذلك"
عصابات هايتي: كيف تصاعدت قوة الجماعات الإجرامية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أصبح آلاف السجناء طلقاء بعد أن اقتحمت العصابات السجون التي كانوا فيها، الحكومة بدون مسؤول منتخب واحد، وزعيم عصابة يهدد رئيس الوزراء علانية.
تصدم هذه المشاهد التي تتكشف في هايتي حتى من يتابعون تصاعد الجماعات المسلحة في البلاد، الذي لا يمكن وقفه، في السنوات الأخيرة.
سنلقي هنا نظرة فاحصة على الطرق التي سيطرت بها العصابات على مساحات شاسعة من العاصمة، وبشكل متزايد، وعلى المناطق الريفية في هذا البلد الكاريبي.
دور دموي للجماعات المسلحةكان للجماعات المسلحة دور دموي منذ فترة طويلة في تاريخ هايتي.
خلال 29 عاما من حكم فرانسوا دوفالييه، المعروف باسم بابا دوك، الديكتاتوري، وابنه جان كلود "بيبي دوك" دوفالييه، لجأت جماعة مسلحة غير قانونية كان يطلق عليها اسم "تونتون ماكوتس" إلى العنف الشديد للقضاء على أي معارضة لنظام دوفالييه.
وأُجبر دوفالييه الأصغر على العيش في المنفى خارج البلاد في عام 1986، لكن العصابات استمرت في ممارسة درجات متفاوتة من السلطة، وكانت تحظى في بعض الأحيان بحماية وتشجيع من السياسيين الذين تحالفت معهم.
وتأجج أحدث اندلاع لعنف العصابات على نطاق واسع بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويس في 7 يوليو/تموز 2021.
وقتلت مجموعة من المرتزقة الكولومبيين الرئيس بالرصاص في منزله خارج بورت أو برنس بعد أن بدأ في التنديد بـ"قوى الظلام" داخل هايتي.
وبالرغم من القبض على المجموعة الكولومبية وعدد من الآخرين المشتبه بهم، فإن التحقيق في مقتله لم يحدد بعد من الذي أمر باغتيال الرئيس.
كان عنف العصابات منتشرا بالفعل في عهد الرئيس مويس، لكن فراغ السلطة الناجم عن مقتله سمح لهذه العصابات بالاستيلاء على المزيد من الأراضي وبزيادة نفوذها.
وليس منصب الرئيس فقط هو الذي أصبح شاغرا.
فقد انتهت، في أعقاب التأخير المتكرر لإجراء الانتخابات التشريعية، فترة ولاية جميع المسؤولين المنتخبين، ما ترك مؤسسات البلاد بلا دفة تديرها.
وتولى حكم البلاد آرييل هنري منذ مقتل جوفينيل مويس.
هايتي تطلب من العالم دعما عسكريا لمواجهة الفوضى وعنف العصاباتهايتي تطلب قوات أجنبية بعد اغتيال رئيسهاتفاقم تفشي الكوليرا في هايتي مع ارتفاع الحالاتكان مويس قد عين هنري رئيسا للوزراء قبل وقت قصير من مقتله، لكنه كان غير منتخب، ولذلك يشكك بعض السياسيين في شرعيته.
وتزايدت المعارضة لقيادة آرييل هنري بسبب إخفاقه في إجراء الانتخابات التي وعد بها.
وتفاقمت، علاوة على ذلك، حالة انعدام الأمن، واضطر هذا مئات الآلاف من الهايتيين إلى الفرار من ديارهم.
ويعد جيمي شيريزر، ضابط الشرطة السابق الذي أصبح زعيم عصابة بعد فصله من قوة الشرطة، أحد أكثر المنافسين صراحةً لسلطة هنري.
أشهر العصابات الإجراميةويقود الشرطي السابق، المعروف أيضا باسمه المستعار "الشواء"، مجموعة تعرف بـ"جي9"، وهو تحالف من تسع عصابات تأسس في عام 2020، ويقال إن له صلات بحزب تيت كالي الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل مويس.
وعارض الشواء رئيس الوزراء هنري منذ البداية.
واستغل زعيم العصابة اغتيال مويس، الذي ألقى باللوم فيه على "البرجوازية النتنة"، لتشجيع أتباعه على الانخراط في ما سماه "العنف المشروع".
وانتشرت الهجمات الوحشية والنهب، خاصة في العاصمة بورت أو برنس، حيث توجد قاعدة سلطته.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، مُنع أرييل هنري من وضع إكليل من الزهور على نصب تذكاري، عندما ظهر فجأة أعضاء مدججون بالسلاح من عصابة جيمي شيريزير وأطلقوا النار في الهواء.
وشرع زعيم العصابة، الذي كان يرتدي حلة بيضاء ويحيط به رجاله، بعد ذلك، في وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري - في عرض غير عادي للقوة.
كما كانت عصابته جي9 تخوض حربا دموية مع عصابة منافسة تعرف باسم "جي بيب" ويقال إنها مرتبطة بالأحزاب التي عارضت الرئيس المقتول مويس.
وتشيع عمليات إطلاق النار والمعارك على الأراضي بين المجموعتين وأخذت تمتد من الأحياء الفقيرة إلى وسط بورت أو برنس.
واضطرت المدارس والمستشفيات إلى إغلاق أبوابها، وفر أكثر من 100 ألف شخص من منازلهم في عام 2023، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لبي بي سي إن موظفيها اضطروا إلى التحدث مع مئات العصابات حتى يتمكنوا من إيصال المساعدات الإنسانية.
وفي استعراض إضافي لعضلاتها، منعت عصابة جي9 أيضا الوصول إلى محطة وقود في عام 2022، ما تسبب في نقص الوقود وإعاقة تسليم بعض البضائع الرئيسية، مثل الأدوية ومياه الشرب.
وتكافح قوات الشرطة الوطنية في هايتي - التي يبلغ عدد أفرادها 9000 ضابط فقط في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة وفقا لأرقام عام 2023 &- بصعوبة لمواجهة العصابات المسلحة بشكل جيد بأسلحة شديدة القوة مهربة من الولايات المتحدة.
وتشير التقديرات إلى أن 80 في المئة من مناطق العاصمة تخضع الآن لسيطرة العصابات، ويواجه الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق مستويات "غير إنسانية" من العنف، بحسب ما قالته منسقة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، أولريكا ريتشاردسون.
وقالت أولريكا ريتشاردسون إن هناك زيادة بنسبة 50 في المئة في العنف الجنسي بين عامي 2022 و2023 مع استهداف العصابات للنساء والفتيات على وجه الخصوص.
ودعا هنري مرارا إلى دعم دولي لمكافحة العنف، ولكن لم تستجب حتى الآن سوى جزر الباهاما وبنغلاديش وبربادوس وتشاد، وهي الدول التي أبلغت الأمم المتحدة رسميا بأنها تخطط لإرسال أفراد أمن.
لكن لم يصل أي منهم حتى الآن.
وخلال هذا الارتفاع الأخير من تصاعد العنف، توجه هنري إلى كينيا لحث المسؤولين هناك على الوفاء بوعدهم بنشر ألف ضابط شرطة في هايتي.
القلق من الوجود الأجنبيوبينما يحتاج المدنيون الهايتيون إلى المزيد من الأمن، ينظر بعض السكان بقلق إلى نشر أفراد أمن من الأجانب.
وكانت الولايات المتحدة قد احتلت هايتي، التي استقلت عن فرنسا بعد ثورة العبيد الناجحة عام 1791، من عام 1915 إلى عام 1934. كما أدت التدخلات العسكرية الأمريكية اللاحقة بين عامي 1994 و2004 إلى جعل كثيرين يشعرون بالقلق من "التدخل" الخارجي.
ويخشى بعض منتقدي هنري من أنه يريد استخدام قوات الشرطة الكينية لدعم سلطته، في الوقت الذي تتصاعد فيه الاحتجاجات المطالبة باستقالته.
وكان جيمي شيريزير المعروف بـ"الشواء" هو أحد الذين اتهموا آرييل هنري بمحاولة تعزيز سلطته من خلال دعوة أفراد الأمن الأجانب.
وفي عام 2022، طرح زعيم العصابة خطته الخاصة من أجل "السلام"، واقترح منح أعضاء عصابته عفوا وتشكيل "مجلس حكماء" يضم ممثلين عن مناطق هايتي العشرة.
واقترح في ذلك الوقت أيضا منح عصابته مناصب في مجلس الوزراء.
ومنذ ذلك الحين، زاد الضغوط، محاولا تقديم نفسه على أنه "ثوري" يهدف إلى الإطاحة بما يقول إنه زعيم "غير شرعي".
وقال شيريزير في 1 مارس/آذار إنه "سيواصل القتال مع آرييل هنري".
وأضاف أن "المعركة ستستمر طالما كانت هناك حاجة لذلك".
ولا يعرف حاليا مكان وجود هنري، ولكن مع فرار آلاف السجناء ودعوة الزعيم القوي لمجموعة جي9 له علنا إلى التنحي، أصبحت احتمالات إعادة استقرار النظام بسرعة على يد رئيس الوزراء بعيدة المنال.