كأن التقشف والأزمات الاقتصادية الحادة لا تكفي
التصعيد بالبحر الأحمر ينغّص بهجة رمضان على اليمنيين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تعز: يجهد أمين غالب لمساومة البائع على الأسعار في بقالة في مدينة تعز بجنوب اليمن، لكنه سرعان ما يخرج منها صفر اليدين، في مشهد يتكرر مع كثيرين يمضون شهر رمضان بتقشّف على وقع أزمة اقتصادية مرتبطة بنزاع متواصل منذ أعوام، فاقمها التصعيد العسكري في منطقة البحر الأحمر.
يقول الرجل الخمسيني، معيدًا بضعة أوراق نقدية إلى جيب كندورته البيضاء، لوكالة فرانس برس "لا أقدر على شراء أي شيء... الأسعار تضاعفت".
بالنسبة لغالب، الموظف الحكومي الذي يبلغ راتبه الشهري 50 ألف ريال يمني (نحو 35 دولارًا)، ستكون الإفطارات خلال رمضان هذا العام مختلفة عن سابقاتها.
ويضيف الأب لخمسة أطفال: "كيف يمكنني أن أسدد إيجار المنزل أو (فاتورة) الكهرباء أو الغاز أو الماء أو الأكل أو الفطور أو العشاء أو الغداء أو كساء الأولاد أو علاجات؟ ماذا نفعل بالخمسين ألف؟".
ويعاني اليمن، وهو أصلًا أفقر دول شبه الجزيرة العربية، إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة. وتشهد البلاد منذ قرابة عقدٍ، نزاعًا بين الحكومة المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية، والمتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من البلاد أبرزها صنعاء.
ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، يستهدف الحوثيون سفنًا في البحر الأحمر وبحر العرب "تضامنًا" مع قطاع غزة الذي يشهد حربًا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حربا بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل.
وتؤثر هجمات الحوثيين على حركة الملاحة في المنطقة الاستراتيجية التي يمرّ عبرها 12% من التجارة العالمية، وتسببت بمضاعفة كلفة النقل، نتيجة تحويل شركات الشحن مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب إفريقيا، ما يطيل الرحلة بين آسيا وأوروبا لأسبوع أقلّه.
ارتفاع الأسعار
وانعكست تداعيات التصعيد العسكري على يوميّات نحو 33 مليون يمني، يعتمد ثلثاهم أصلاً على المساعدات.
ويوضح كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأميركية محمد الباشا أن ارتفاع أسعار نقل البضائع المستوردة جراء التوترات في البحر الأحمر، يساهم في التضخم المتسارع أصلًا في اليمن بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن النزاع وارتفاع الطلب خلال شهر رمضان.
ويؤكد أن "أسعار المواد الأساسية ارتفعت في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مثل تعز".
في سوق المدينة التي يحاصرها الحوثيون منذ سنوات، يعبّر البائعون عن استيائهم من حركة خفيفة وهو أمر غير مألوف خلال هذا الشهر.
ويقول التاجر يوسف عبد الجليل لفرانس برس "نحن نتأثر عندما المواطن لا يأتي ليشتري، فيحصل ركود شديد للبضائع وبعضها يتعفّن. أنا لا أبالغ في ذلك".
ويخشى البعض أن تتسبب مواصلة الحوثيين هجماتهم على السفن بنقص في المواد الغذائية على المدى الطويل في بلد يستورد 90% من حاجاته الغذائية.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الواسع الفاتكي وهو من سكان تعز "يمكن أن تتوقف الموانئ اليمنية عن استقبال البضائع نتيجة ارتفاع منسوب المخاطر الأمنية".
صيد محفوف بالمخاطر
في مدينة الحُديدة الساحلية في غرب اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تبدو حركة البيع خفيفة أيضاً في السوق.
ويؤكد التاجر عبد الرحمن سلام أنه "ليس هناك قدرة شرائية" مضيفًا "إذا تفاقمت الأزمة، سترتفع الأسعار أكثر".
وتعرّضت محافظة الحديدة المطّلة على البحر الأحمر للعديد من الضربات التي تشنّها الولايات المتحدة وبريطانيا منذ منتصف كانون الثاني/يناير على مواقع للحوثيين ردًا على هجماتهم على السفن.
وبهدف "حماية" الملاحة، شكّلت واشنطن في كانون الأول/ديسمبر، تحالفًا بحريًا دوليًا. وتنتشر في المنطقة مدمّرات الدول المشاركة فيه لاعتراض صواريخ ومسيّرات يطلقها الحوثيون باتجاه السفن.
ومذاك، يؤكد الصيادون في المنطقة أنهم باتوا عرضة للخطر كلما أبحروا سعيا لتأمين لقمة عيشهم.
ويروي موسى كليب (50 عاما) وهو أب لطفلين، أنه يصطاد منذ أن كان عمره 12 سنة، مشيرًا إلى أن الصيد "بالنسبة لنا مصدر رزقنا أنا وأولادي".
يوفّر له الصيد مدخولًا يوميًا يتراوح بين 4 و40 دولارًا، لكنّ منذ بداية التصعيد العسكري، يعود في كثير من الأحيان خالي الوفاض، لأنّ طلعاته باتت محدودة بسبب المخاطر الأمنية.
ويقول "رغم المشاكل التي تواجهنا في البحر إلا أننا ندخل لأجل رزقنا ورزق أولادنا"، مضيفًا "نسأل الله أن يوقف الحرب وأن يجعل الأمور سالمة، نريد ان نعمل في أمان".