محافظات دير البلح وخان يونس ورفح تواجه مصيراً مماثلاً
غزة على شفا المجاعة: كيف توصلت الأمم المتحدة إلى هذا الاستنتاج؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
غزة على شفا المجاعة ونصف سكانها يعانون من نقص "كارثي" في الغذاء. هذا ملخص تقرير جديد عن انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة والمرحلة التي وصل إليها سكان القطاع من شح في الغذاء والماء ونقص التغذية وما ترتب على ذلك من أمراض وحالات وفاة.
صدر التقرير في 18 آذار (مارس) عن مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وتعرف اختصارا بـ"أي بي سي" (IPC) وهي نظام متخصص في تحليل وضع الأمن الغذائي في بلد أو منطقة معينة باعتماد خبراء من 19 من المنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الغذاء العالمي وغيرها وبالشراكة مع منظمات إغاثة حكومية وغير حكومية.
وخلقت هذه المبادرة عام 2004 في خضم الأزمة في الصومال من خلال منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
بناء على تحليل الوضع من خلال المعلومات التي يجمعها شركاء المبادرة العاملين على الأرض، تصنف المنطقة المعنية ضمن واحدة من مراحل انعدام الأمن الغذائي الخمسة والتي أقصاها المجاعة.
ويساعد هذا التصنيف أصحاب القرار في تحديد الخطوات التي عليهم اتخاذها لتخفيف الأزمة وتجنب موت الناس جوعا.
ما هي مراحل تصنيف انعدام الأمن الغذائي؟حتى نفهم خطورة الوضع في غزة وما يعنيه التصنيف علينا أن نفهم سلم المراحل الذي تستخدمه المبادرة.
يعتمد نظام التصنيف "أي بي سي" على سلم من خمس مراحل في قياس خطورة وضع الأمن الغذائي في بلد أو منطقة معينة.
المرحلة الأولى هي المرحلة التي يكون فيها انعدام الأمن الغذائي في أدني مستوياته. أي أن العائلات في تلك المنطقة تستطيع الحصول على الطعام الضروري واحتياجاتها الأخرى دون اللجوء إلى طرق غير معتادة للحصول على الطعام مثل بيع ممتلكاتها مثلا.
المرحلة الثانية هي مرحلة "الضغط": تحصل عند وقوع "صدمة" معينة تجعل الناس قلقين بشأن توفير الغذاء اللازم، كأن يحدث ارتفاع في الأسعار أو هبوط في الإنتاج الزراعي مثلا.
المرحلة الثالثة هي مرحلة "الأزمة": تكون عادة نتيجة "صدمة" كبيرة تحدث تأثيرا على حياة الناس مثل الحرب أو الجفاف أو الكوارث الطبيعة أو أزمة اقتصادية حادة.
يبدأ عشرون بالمئة على الأقل من السكان في تقليل عدد الوجبات أو كميات الأكل ويلجؤون إلى حلول بديلة لتوفير الغذاء مثل بيع ممتلكاتهم.
المرحلة الرابعة هي مرحلة "الطوارئ": عندها يبدأ الناس في استنزاف كل الطرق البديلة للحصول على الطعام وتبدأ نسب سوء التغذية في تجاوز عتبة 15 بالمئة وتبدأ نسب الموت جوعا في الارتفاع.
المرحلة الخامسة والأخيرة هي مرحلة "الكارثة" والمجاعة: عندها تنهار المنظومة الغذائية تماما ويصبح الناس غير قادرين على الحصول على الحد الأدنى من الغذاء ليتجنبوا الموت.
متى تصنف منطقة ما تحت خانة المجاعة؟تعلن المجاعة في منطقة ما إذا وصلت نسبة سكانها الذين يواجهون نقصا حادا في الغذاء واستنفدوا كل المصادر البديلة إلى 20 بالمئة وكان 30 بالمئة من أطفالها يعانون سوء تغذية حاد وتصل نسبة الوفيات جراء الجوع وسوء التغذية وما يسببه من أمراض إلى شخصين أو أربعة أطفال من بين كل عشرة آلاف ساكن يوميا.
وقد سبق أن أعلنت المجاعة في مناطق من جنوب السودان عام 2017 ومناطق من الصومال عام 2011.
كيف هو الوضع في غزة الآن؟يغطي التقرير الأخير الذي أصدرته مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي مرحلتين.
الأولى تغطي شهرا بين 15 شباط (فبراير) و15 آذار (مارس) والثانية بين 16 آذار (مارس) حتى 15 تموز (يوليو) هذا العام.
وجاء في التقرير أن السيناريو المرجح بشأن الوضع الآن هو أن محافظات شمال القطاع وغزة يندرجون ضمن المرحلة الخامسة في سلم التصنيف وهي مرحلة المجاعة مع وجود 70 في المئة من السكان في هذه المحافظات، أي نحو 210 ألف شخص، في المرحلة الخامسة الكارثية ومع تواصل الحرب وفشل شبه تام في وصول المساعدات الإنسانية لشمال القطاع، مما يعني عدم قدرة السكان هناك على الحصول على الطعام بالإضافة إلى محدودية الخدمات الصحية والمياه.
أما محافظات دير البلح وخان يونس ورفح فقد صنفهم التقرير الآن ضمن المرحلة الرابعة من سلم انعدام الأمن الغذائي وهي مرحلة "الطوارئ" لكن هذه المحافظات تواجه خطر الوصول إلى المجاعة خلال شهر تموز (يوليو) 2024 إذا لم تتخذ إجراءات لمنع ذلك.
يضع التصنيف أيضا توقعا للمرحلة القادمة بين منتصف آذار (مارس) ومنتصف تموز (يوليو).
يقدر التقرير المبني على توقع استمرار التصعيد الإسرائيلي وفرضية اجتياح بري لرفح، أن نصف سكان قطاع غزة، أي مليون ومائة ألف شخص سوف يصلون مرحلة كارثية من انعدام الأمن الغذائي تضعهم تحت المرحلة الخامسة والأعلى على الإطلاق من تصنيف انعدام الأمن الغذائي وهي مرحلة المجاعة.
أما باقي السكان فسيكونون بين المرحلة الرابعة من التصنيف وهي مرحلة "الطوارئ" والمرحلة الثالثة وهي مرحلة "الأزمة".
كيف تتحصل المبادرة على المعلومات من غزة رغم التضييق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع؟قالت مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لبي بي سي إن أكثر من أربعين خبيرا من ثماني عشرة وكالة قاموا بتحليل المعلومات التي بني عليها هذا التقرير الأخير في الفترة ما بين 26 شباط (فبراير) و01 آذار (مارس) 2024.
وقالت المبادرة إن جمع المعلومات هذه المرة تم عن بعد واعتمد التحليل أيضا على المعلومات المتوفرة للعموم من مصادر مختلفة توثق الوضع في غزة. وباعتبار القيود الكبيرة المفروضة على غزة، جمع شركاء المبادرة المعلومات لتقييم الوضع من خلال استطلاعات عبر الهاتف مع الناس في غزة كما اعتمد التقييم أيضا على قياس أذرع الأطفال لمعرفة مدى سوء التغذية لديهم.
ورغم الظروف المعقدة التي يعمل فيها شركاء "اي بي سي" على الأرض فقد توصلوا إلى جمع الحد الأدنى الكافي من المعلومات لانتاج التقرير، كما قالت المبادرة لبي بي سي.
ما الذي يعنيه الإعلان بالنسبة للناس في غزة؟في غزة كما في غيرها من المناطق التي يعاني سكانها من تبعات الحروب والكوارث الطبيعية وغيرها، لا يلزم تقييم الوضع وحتى إعلان المجاعة الأمم المتحدة والدول الأعضاء باتخاذ أي اجراء. بل هو فقط تقييم يساعد الفاعلين وصناع القرار على تحديد أولويات التحرك في مرحلة معينة وتركيز المساعدة على نوع معين أو منطقة معينة على حسب المرحلة التي يعيشها السكان والمساعدات التي يحتاجونها والتي تكون في بعض الأحيان أموالا يواجهون بها عدم القدرة على توفير الغذاء وضروريات الحياة وتكون أحيانا أخرى، كما في شمال غزة وجبات جاهزة وأدوية تساعد الناس على البقاء على قيد الحياة حتى إيجاد حلولا أطول أمدا للأزمة.
وبحسب الأمم المتحدة فإن الوكالات الإنسانية تستعين بتقارير التصنيف المرحلي للأمن الغذائي في تحديد خطة استجابة وإغاثة انطلاقا من إعلان المرحلة الثالثة لانعدام الأمن الغذائي حتى لا يصل الأمر إلى المجاعة.
لكن تحقيق هدف تجنب المجاعة يستوجب شروطا أقلها ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان تلك المناطق.
مجاعات سابقة نتجت عن سنوات من الحربفي 20 شباط (فبراير) عام 2017 أعلنت المجاعة في أجزاء من جنوب السودان حيث كان ما يقرب من 80000 شخص يواجهون المجاعة ومليون شخص آخر في المرحلة الرابعة من سلم تصنيف انعدام الأمن الغذائي، مرحلة "الكارثة".
كان ذلك نتيجة 3 سنوات من الحرب الأهلية تسببت أيضا في استنزاف مصادر حياة سكان تلك المناطق مع أزمة اقتصادية كبيرة وارتفاع مجحف في أسعار الغذاء.
في 20 تموز (يوليو) عام 2011 أعلنت المجاعة في مناطق من جنوب الصومال حيث كان مايقرب من نصف مليون شخص يعانون درجات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بسبب سنوات طويلة من الحرب بالإضافة إلى الجفاف في واحد من أفقر البلدان في العالم.
ويصنف اليوم نحو 158 مليون شخص في أربع وأربعين دولة حول العالم ما بين المرحلتين الثالثة والخامسة في تصنيف انعدام الأمن الغذائي، أي أن أفضلهم حالا يعيش في مرحلة الأزمة غير قادر على توفير ما يكفي جسده من الغذاء يوميا.