واقعة "طالبة العريش" تحتم ضرورة كسر حاجز الصمت
مصريتان ترويان كيف وقعتا ضحايا للعنف الإلكتروني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أعادت واقعة وفاة طالبة جامعية مصرية بعد تعرضها للابتزاز وتهديدها بنشر صور ومراسلات خاصة، إلى الواجهة قضايا العنف والابتزاز الإلكتروني التي تتعرض لهما فتيات وسيدات في مصر.
الفتاة التي عُرفت إعلامياً باسم "طالبة العريش"، قالت النيابة العامة المصرية في بيان لها إنها تعرضت لابتزاز من زميل وزميلة لها، وأٌلقي القبض عليهما وحبسهما على ذمة التحقيقات.
كما قال البيان إن النيابة العامة أصدرت قراراً بتشريح جثمان الفتاة، بعدما قال والداها إن هناك "شبهة جنائية" تُحيط بوفاة ابنتهما، ولا تزال التحقيقات جارية.
وحذرت النيابة من نشر أي أخبار من شأنها إثارة الفتن ونشر الكذب على مواقع التوصل الاجتماعي، موضحة أنها ستتصدى بكل "حزم" لذلك.
وقد تحدثت بي بي سي إلى سيدتين تعرضتا لابتزاز وتشهير، وهي جرائم تندرج تحت العنف الإلكتروني، وفقاً للأمم المتحدة.
بسنت خالد: انتحار فتاة مصرية بسبب "ابتزاز وصور مفبركة" والأزهر يحذر
تزايد ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للنساء في العراق
صاحبة التجربة الأولى هي ميرنا إبراهيم (اسم مستعار)، وهي سيدة متزوجة.
بدأت القصة منذ بضع سنوات، عندما كانت ميرنا تمر بضائقة مالية وكانت تتصفح حسابها على موقع فيسبوك عبر هاتفها لتجد إعلاناً مُمولاً لتسهيل الحصول على قروض مالية.
تقول ميرنا: "ضغطت على رابط الإعلان وأدخلت رقم هاتفي ورقم بطاقتي الشخصية وقمت بتحميل صورتي الشخصية على الموقع لتقديم طلب اقتراض مبلغ مالي".
لم تكن ميرنا تعرف أنه بمجرد ضغطها على هذا الإعلان، فإن محتالين قاموا بقرصنة هاتفها المحمول ونسخ جميع البيانات المُسجلة عليه.
في بادىء الأمر، حصلت ميرنا على قرض صغير وسددته عبر تحويله إلى محفظة نقدية مرتبطة برقم هاتف أعطاه لها أحد الأشخاص القائمين على الإعلان .
وبعدها ببضعة أيام، بدأت تتلقى "عددا غير طبيعي من مكالمات" من أشخاص تتطالبها بسداد القرض.
وكان المتصلون يصرون على أنهم لم يتسلموا أي أموال عبر محفظة النقود، على الرغم من إرسال ميرنا لهم إيصالات تثبت السداد.
تتابع ميرنا، قائلة: "حينما رفضت السداد، بدأوا يبتزونني ويهدونني بأنه إن لم أرسل لهم الأموال لهم، سيرسلون صوراً خاصة لي كانت على هاتفي المحمول من دون حجاب إلى جميع الأرقام المُسجلة على الهاتف".
خضعت ميرنا، لمدة شهر كامل، إلى الابتزازا وبدأت تدفع أموالاً كثيرة خوفاً من إرسال أي صور شخصية لها إلى أهلها أو أقاربها.
وعندما رفضت الاستمرار في دفع الأموال، فوجئت بأقارب وأصدقاء لها يتصلون بها ليعلموها أن صورها الشخصية أُرسلت إليهم.
وتقول: "الأمر وصل إلى إرسال صوري الشخصية إلى صاحب المتجر الذي يقع أسف منزلي والذي اشتري منه بعض البضائع، لكني أرسلت له سجل محادثات كان بيني وبين المبتز، حتي يعلم حقيقة الأمر".
حررت الضحية محضراً في مباحث الإنترنت، وأُلقي القبض على الأشخاص الذين ابتزوها وكشفت التحريات أن الجناة كانوا يتخذون من شقة مقراً لشركة يديرونها للابتزاز والاحتيال.
تروي الفتاة الثلاثينية ريما الشوربجي ( اسم متسعار) ، في مقابلة مع بي بي سي، تفاصيل واقعة تشهير تعرضت لها عبر الإنترنت كان يقف وراءها شخص يبتز صديقة لها.
تقول ريما: " تعرفت صديقتي عبر تطبيق ماسنجر على شخص وبدأ الاثنان يتجاذبان أطراف الحديث، وبعدها قرصن هذا الشخص هاتف صديقتي وحصل على كل الصور والأرقام وبدأ يبتزها، حتى خضعت له خوفاً منه".
وتضيف: "عندما بدأت أحذر صديقتي من سلوكه وابتزازه عبر محادثات بيني وبينها على واتساب، انتقم مني ووضع اسمي وأرقام هواتفي على مواقع للزواج والتعارف، لكن لحسن حظي لم يصل لأي صور لي".
وتتذكر في حديثها لبي بي سي كيف كانت تتلقى سيلاً من الرسائل والمكالمات ذات محتوى غير لائق من دول عربية عدة، ولم تكن تعرف السبب إلى أن تحدثت إلى صديقة لها في العمل .
تقول: "قالت لي صديقتي أبحثي على رقم هاتفك المحمول عبر محرك البحث غوغل، وعندما بدأت البحث فوجئت بإعلانات، على مواقع للزواج تضمنت اسمي وأرقام هواتفي، تقول إنني فتاة على قدرعالٍ من الجمال وأبحث عن زوج".
اضطرت ريما لإلغاء خطوط الهاتف المسجلة باسمها، وقامت بالإبلاغ عبر محرك البحث غوعل عن محتوى تلك المواقع التي نشرت تفاصيلها الشخصية، لكنها لم تتقدم ببلاغ إلى أي جهات رسمية.
وقد أجرى باحثون بقسم الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية، في كلية الطب بجامعة القاهرة، دراسة شملت 324 فتاة وسيدة، تحت اسم "تقييم الاستغلال السيبراني خلال الأعوام 2021 و2022 بين عينة من النساء المصريات".
وخلُصت الدراسة أن حوالى 85 في المئة من المشاركات قلن إنهن تعرضن للعنف السيبراني.
معدلات بلاغ منخفضةوفي الوقت الذي تتقدم فيه سيدات ببلاغات، لا تزال آخريات تحجمن عن الإبلاغ على الرغم من وجود قانون مصري يجرم الابتزاز الإلكتروني.
تنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 على أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني في مصر تصل إلى السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
كما تنص المادة 26 من قانون العقوبات المصري بالسجن لمدة لا تقل عن العامين، ولا تزيد عن خمس سنوات للمبتز، ودفع غرامة ما بين 100 ألف إلى 300 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، حتى لو كانت الفتاة على علاقة بالمبتز وأرسلت له سابقاً صوراً شخصية لها.
ويقول الدكتور أحمد بدر، مدير وحدة البحوث بمركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي: "لا تزال أعداد الفتيات التي تبلغ عن حالات الابتزاز قليلة، لأن المجتمع دوما ما يُلقي باللوم على ضحايا العنف، تحديداً السيدات".
وقال اللواء محمود الرشيدي، مساعد وزير الداخلية الأسبق للمعلومات، لبي بي سي: "كنا نواجه مشكلة كبرى أنثاء عملنا في مباحث الإنترنت، وهي أن الضحية عندما تبلغ تخفي الكثير من الحقائق، خشية إلقاء اللوم عليها".
ويتابع: "لا ترغب بعض الفتيات في الإفصاح عن أنها كانت على علاقة بالمبتز".
وفي حوادث سابقة، دفع الخوف والضغط النفسي بعض الفتيات في مصر إلى الانتحار خوفاً من الفضيحة، كانت أشهرهها إعلاميا قصة هايدي (14 عاماً) التي شغلت وفاتهما الرأي العام المصري حينها، إلى الحد الذي دفع الأزهر لإصدار فتوى حرم فيها الابتزاز الإلكتروني.
وأصدر محكمة جنايات مصرية حينها أحكاماً بالسجن لمبتزيها تتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات.
تغليظ العقوبة أم زيادة الوعي المجتمعي؟وعلى الرغم من أن البعض يرى أن المجتمع يعامل الضحية في جرائم الابتزاز على أنها الجاني وليس المجني عليه، يعتقد آخرون أن تشديد عقوبة الابتزاز الإلكتروني قد يحد من تلك الجرائم.
وطالب اللواء حسن الرشيدي بتغليط العقوبة، وقال لبي بي سي: "لقد شاركت في وضع القانون رقم 175 لسنة 2018، لكن مر على ذلك ست سنوات، والآن تتخذ أساليب الابتزاز والاحتيال أشكالاً عدة".
وتتفق جهاد حمدي، مدرة ومؤسسة مبادرة "سبيك آب" (اتكلمي) المعنية بدعم ضحايا العنف، مع اللواء الرشيدي في هذا الطرح، مطالبةً بتغليظ العقوبة في حالة دفع المبتز الضحية إلى الانتحار.
وتقول النائبة في البرلمان المصري غادة عجمي لبي بي سي: "أؤيد تماماً تغليظ العقوبة، لأن الابتزاز لا يقتصر فقط على الفتيات الصغيرات، ولكن تتعرض كذلك سيدات للابتزاز والتشهير".
وتضيف: "أطالب أيضاً أن تعلن المؤسسة القضائية عن اسم وتفاصيل الشخص المبتز بعد إصدار القضاء المصري حكماً أو عقوبة بحقه، حتى يكون عبرة. في هذه الحالة لن يكون هذا تشهيراً، لأن الشخص المجني عليه لن يكون هو الذي أعلن التفاصيل".
لكن أحمد بدر، مدير وحدة البحوث بمركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، يرى أن تغليظ العقوبة لن يعالج جذور المشكلة.
ويقول: "لدينا معدلات بلاغات منخفضة عن وقائع التحرش، على الرغم من تعديل القانون أكثر من مرة. وعُدلت العقوبات من جُنحة إلى جناية، لكن المشكلة تكمن في أن فيتات كثيرات لا يعرفن القانون الذي يجرم هذا النوع من الابتزاز".
ويضيف:" بعض الفتيات لا يعرفن من هي الجهة التي سيتقدمن إليها ببلاغ".
يخصص المجلس القومي للمرأة في مصر أرقاماً، بالإضافة إلى الخط الساخن (15115)، لتلقي بلاغات حوادث العنف التي تتعرض لها الفتيات والسيدات.
لكن الدكتور أحمد بدر يقول: "الجهة المنوط بها تلقي هذا النوع من البلاغات (الابتزاز الإلكتروني) هي الوحدات التي خصصتها وزارة الداخلية المصرية، إذ أنها قادرة على تتبع الهواتف المحمولة وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي".
وتتواجد وحدة لمباحث الإنترنت داخل جميع مديريات الأمن في جميع محافظات مصر، بالإضافة إلى المقر الرئيسي لإدارة مباحث بالانترنت في مقر أكاديمية الشرطة بالعباسية، في محافظة القاهرة.
كما تخصص مباحث الإنترنت خطاً ساخناً لتتلقي البلاغات عبر الهاتف، وهو 108.
ويلفت اللواء حسن الرشيدي الانتباه إلى أن هناك زيادة غير مسبوقة في جرائم الإنترنت "لأننا أصبحنا نعيش في العصر الرقمي، ومن ثم فإن هناك حاجة ملحه لزيادة أعداد الجهات التي تتلقى البلاغات".
ويضيف الرشيدي أن وزارة الداخلية تبذل جهدا في تتبع الجناة ولديها قدرات فائقة على رصدهم، لكنه طالب "بتوسيع الهيكل التنظيمي لمباحث الإنترنت، بحيث تكون لها عدة أفرع داخل المحافظات حتى تواكب التوسع الكبير في استخدام الإنترنت وبلاغات الجرائم الإلكترونية المتزايدة".
كما قال مدير مركز تدوين لدرسات النوع الاجتماعي، في حديثه لبي بي سي: "نطالب بأن تتعامل أقسام الشرطة مع بلاغات الجرائم الإلكترونية".
لكن اللواء الرشيدي قال لنا "إن أي بلاغ يُقدم داخل قسم الشرطة عن جرائم إلكترونية سيُحول إلى مباحث الإنترنت، لأن أقسام الشرطة لا تتعامل مع تلك البلاغات".
عقبات قد تواجهها الفتيات عند الإبلاغنشرت مبادرة "سبيك آب" هذا الشهر، دراسة تلقت بي بي سي نسخة منها، تحت اسم "وقائع جرائم التنمر والابتزاز الإلكتروني في مصر"، شاركت فيها أكثر من 2500 سيدة.
وقالت جهاد حمدي، مديرة المبادرة، إن هناك عقبات واجهت بعض ضحايا الابتزاز أثناء الإبلاغ من ضمنها أن "الفتيات تحت سن 15 عاماً لا يستطيعن الإبلاغ بمفردهن ويتعين اصطحاب الآباء أثناء تقديم البلاغ، ويعد هذا بمثابة مشكلة، لأن فتيات كثيرات سيشعرن بالخوف من معرفة الأهل".
وعن ذلك، تقول رشا صبري، محامية تقدم استشارات قانونية خاصة بقضايا المرأة: "الفتاة تحت سن 15 عاماً غير راشد في نظر القانون ومن ثم أي فتاة في هذه السن تتعرض لابتزاز، لن يُسمح لها الإبلاغ إلا عن طريق الأب أو الأم أو العم أو الخال".
وأوضحت صبري أنه من الممكن أن تتحدث الفتاة إلى أي شخص من الأقارب تثق فيه، للتوسط لدى الأهل.
وقالت كذلك مبادرة "سبيك آب" إن فتيات كثيرات يشعرن بالخجل من تقديم بلاغات في ظل وجود ضباط رجال.
لكن اللواء حسن الرشيدي قال: "هناك ضابطات داخل مقار مباحث الإنترنت لتلقي البلاغات من الفتيات والسيدات، بالإضافة إلى إخصائية اجتماعية".
يعطي المهندس أنطونيوس ميخائيل، محاضر الأمن السيبراني بالمعهد الأمني بوزارة الداخلية المصرية، بعض النصائح، كالآتي:
يُنصح بـتحميل برامج حماية على الهاتف المحمول قبل إنزال أي تطبيقات، للحماية من الاختراق والتجسس. قللي من استخدامك لكاميرا الهاتف، وفي حال التقاط أي صور يفضل الاحتفاظ بها على جهاز اللابتوب ومسحها من على الهاتف. عدم فتح أي صور أو فيديوهات وروابط من أشخاص أو مصادر غير موثوقة، لاسيما الروابط التي تتطلب موافقة الهاتف. لا تنساقي وراء أي رسائل، تحتوي على عبارات مثل "اضغط على الرابط التالي لكي تفوز بسيارة في أقل من دقيقة"، لأن من يرسل تلك الرسائل هو شخص محتال يبحث عن ضحية لإغرائها بتلك الرسائل. تجنبي تحميل أي تطبيقات تحتوي على عبارات مثل "كيف سيكون شكلك بعد 20 عاماً، أو ابحث عن الشخص الذي يشبهك"، لأن هذه التطبيقات ليست تابعة لموقع فيسبوك، وهي تطبيقات يسمح بها فيسبوك للمطورين بنشرها عبره. قبل إنشاء أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، ينصح بتفعيل خاصية التحقق بخطوتين، وهي خاصية يرسل من خلالها موقع التواصل الاجتماعي رسالة نصية على الهاتف وعلى البريد الإلكتروني بها رقم سري إلى المستخدم لتسجيل الدخول. لا تعطي كلمة السر الخاصة بهاتفك المحمول لأي شخص غير موثوق. إذا كنت ترغبين في صيانة وإصلاح الهاتف المحمول، لا تتركيه مع فني الصيانة ويجب حضورك ومراقبة عملية الصيانة، لأن فتيات تعرضن لابتزاز بعدما تمكن فني الصيانة من نسح صور خاصة لهن كانت مُخرنة على الهاتف.