لماذا يتوجه المعماريون للدمج بين الطبيعة والبناء؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كيف يمكن تصميم مبنى يعكس جمال الطبيعة المحيطة؟ هو سؤال شغل المصممين المعماريين على مدى 150 عاماً مضت.
لقد آمن المعماري الفيكتوري المعروف آبنيزر هوارد بأن الطبيعة يمكنها أن تكون العلاج المطلوب لمشاكل المدن ونمط حياتها وتلوث أجوائها، واكتظاظها.
وفي عام 1898 أعلن رؤيته لما يعرف بالحدائق العامة في المدن، حيث يمكن للفقراء ومحدودي الدخل، الاستمتاع بالطبيعة دون تكبد أعباء وتكاليف السفر.
وفي يومنا هذا، انتشرت الحدائق العامة في مدن العالم المختلفة تنفيذاً لفكرة هوارد، وباتت المناطق الواقعة على أطراف المدن، تحتوي على المزيد من المناطق الخضراء بطبيعة الحال، لكنها أصبحت تبدو صناعية أكثر من كونها مناطق خضراء طبيعية، حيث لا بد من رى العشب الأخضر وتقليم الأشجار، وكل هذا كان على حساب الطبيعة الأم.
لم يقم هوارد ولا أتباعه باستخدام الطبيعة في البناء بشكل مباشر، لكنهم استخدموها كجزء من التصميم، وحتى عندما وصلنا إلى مرحلة التغير المناخي، قام تلاميذ هوارد باستخدام المساحات الخضراء كعناصر داخل تصميماتهم الهندسية، قائلين: "لو لم نستخدم الطبيعة في البناء، فسوف ندمر أنفسنا معها".
ويعتبر هؤلاء أن دور المصمم أكثر عمقاً من تقديم شكل للمبنى، إذ أصبح دوراً فلسفياً يستهدف إنهاء الصراع بين البناء والطبيعة المحيطة، ليصبح البناء والطبيعة شريكان لا ينفصلان.
ويعتبر الجيل الجديد من المصممين أنهم يجب أن يستخدموا الطبيعة في التصميم، وعدم الانجرار إلى استهلاك الموارد أكثر من اللازم، على سبيل المثال، في تصميم منازل أو مكاتب للعمل، خاصة في ظل توقع زيادة عدد السكان، وتراجع مساحات البناء في المدن مع مرور الوقت.
ويقولون أيضا إنه يجب عدم استخدام الموارد بشكل مواز بحيث يتم استهلاك الموارد الطبيعية ثم التخلص من الفضلات بشكل نهائي، بل يجب إعادة التدوير وإعادة الاستخدام كما يحدث في الطبيعة، فعندما يموت حيوان ما تتحلل جثته وتعود للتراب لتغذي النباتات، فهل يمكن أن نفعل ذلك في مبانينا؟
ويسمى هذا الأمر بالاقتصاد الدوّار، وهو الاقتصاد الذي يعتمد على الطبيعة ودمجها في كل شيء، حتى البناء فيتم صنع الجدران من الأحجار الطينية، والتي لا تترك الكثير من المخلفات مثل الخرسانة، وبالتالي يمكن استخدام التكنولوجيا لخلق أدوات طبيعية للبناء، مثل مخلفات الطعام.
ولا يجب أن نستخدم الطبيعة في البناء فقط من أجل الجوانب الجمالية، بل في الجوانب العملية أيضا، ويوضح بن ويلسون في كتاب "الغابة الحضرية" الصادر عام 2023، أن المناطق الطبيعية هي مناطق غنية بالتنوع خاصة وأن أكثر الحيوانات المهددة بالانقراض في أستراليا تعيش في المدن وسط أكوام من القمامة، وتأكل منها.
يقول إيو ويلسون، عالم الطبيعة، إن الإنسان يعبر عن حبه للطبيعة بطرق عدة، ولذلك نحن بحاجة لأكثر من الحدائق العامة، فالمدن بحاجة إلى مساحات خضراء طبيعية بشكل تام دون أي تدخل بشري، مع وجود مسارب آمنة لهجرة الحيوانات عبر المدن في المواسم المختلفة، وكل هذا سيساعد في مواجهة التغير المناخي.
ويضيف إيو ويلسون، إنه من الممكن بكل سهولة استخدام الوسائل الطبيعية لبناء مدننا، فالمدن التي تم بناؤها بين القرنين السادس عشر، والتاسع عشر، مثل نيويورك، تستهلك الكثير من الطعام لذلك يجب أن نعتمد على الزراعة الحضرية داخل المباني، حتى وإن كانت لا تنتج كميات كافية لإطعام كل سكان المدينة.
وعبر أنحاء العالم المختلفة يجد المعماريون طرقا لدمج مبانيهم بالطبيعة، ومنهم المعماري الفيلسوف برونو لاتور الذي يسمي ذلك "ترانس هيومانيزم" أو ما بعد الإنسانية، بينما يسميه آخرون "موزموبوليتيكس" أو السياسة العالمية.
ووصل الأمر بالمعماري المعروف بوخمينستر فول بالقول إننا يجب أن نتخيل أنفسنا على أننا مسافرين في سفينة فضاء ضخمة وهي كوكب الأرض.
ويطالب هؤلاء بدمج التكنولوجيا الحديثة في استثمار الطبيعة وعدم اعتبارها أمراً منافياً، فأدوات مثل أجهزة الاستشعار، وشبكات التواصل، والذكاء الاصطناعي يمكن استخدامها بشكل جيد وذكي لبناء تحالف بين التكنولوجيا والطبيعة.
وفي النهاية نحن بحاجة للمزيد من التجارب لتحديد أفضل السبل لاستخدام الطبيعة حولنا، مثل تغيير كيفية تفكيرنا لنرى الطبيعة مصدراً مهماً يجب الحفاظ عليه، وليست مجرد موارد يمكن استهلاكها.