التامك استعرض جهودها لأنسنة ظروف الاعتقال ومواجهة الاكتظاظ
المغرب: إحتفاء بالذكرى الـ 16 لتأسيس المندوبية العامة للسجون واعادة الإدماج
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من الرباط: قال محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالمغرب، الإثنين، إن السنة الماضية انتهت على وقع "الارتفاع المهول، في عدد نزلاء السجون، الذي أصبح يتجاوز 100 ألف سجين منذ شهر أغسطس الماضي، مع ما لهذا الوضع من انعكاسات سلبية على ظروف الاعتقال والأمن والبرامج التأهيلية، إضافة إلى زيادة الضغط على الموظفين في أداء مهامهم اليومية، خاصة على مستوى تدبير الخدمات الأساسية المقدمة للسجناء والحفاظ على الأمن والانضباط بالمؤسسات السجنية، وهو ما يجعل من عمل هذه الفئة من موظفي الدولة مهمة ذات حساسية استثنائية ومختلفة تماما عما عليه الحال بباقي الوظائف العمومية، إذ يتم الاضطلاع بها في مجال مغلق وفي إطار الحركية الدائمة التي تعرفها المؤسسات السجنية طيلة أيام الأسبوع وخلال الأعياد الوطنية والدينية، مع ما ينجم عن ذلك من ضغوطات نفسية وإنهاك بدني للموظفين، علاوة على الاعتداءات الجسدية واللفظية التي يتعرضون لها على إثر احتكاكهم بأفراد في نزاع مع القانون على اختلاف وضعياتهم ونزوعاتهم".
وشدد التامك، في كلمة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 16 لتأسيس المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، على أن هذه المناسبة تتجاوز أبعاد الاحتفاء بالذكرى لتشكل "محطة سنوية لاستحضار تضحيات ومجهودات موظفات وموظفي هذا القطاع الأمني والإصلاحي، وموعدا متجددا لتقييم ما تحقق من منجزات ومكاسب واستشراف المشاريع المستقبلية الرامية إلى مواصلة الرقي بقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج وتحسين أدائه".
مخطط استراتيجي
قال التامك إن مختلف التحديات التي تواجهها المندوبية العامة لم تكن لتمنعها من مواصلة سعيها إلى النهوض بأوضاع المؤسسات السجنية، وذلك انطلاقا من إيمانها بأن خدمة الوطن شرف يجب الاعتزاز به وعهد ينبغي الوفاء به مهما كانت الظروف؛ لذا، حرصت المندوبية العامة، يضيف التامك، على تسخير كافة الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة لها من أجل الاضطلاع بمهامها وفق رؤية مندمجة يترجمها المخطط الاستراتيجي للفترة 2022 &- 2026، والذي يضم برامج ومشاريع طموحة تهدف إلى أنسنة ظروف الاعتقال وتطوير برامج التأهيل لإعادة الإدماج وتعزيز الأمن والسلامة بالمؤسسات السجنية وتطوير القدرات التنظيمية للإدارة.
وأضاف التامك أن المندوبية العامة تمكنت من تنزيل هذا المخطط وتحقيق منجزات ومكاسب جديدة تندرج ضمن كافة محاور هذا المخطط الاستراتيجي.
وأوضح التامك أن جهود المندوبية العامة تركزت على مستوى أنسنة ظروف الاعتقال، على مواجهة معضلة الاكتظاظ من خلال تنزيل برنامجها لتحديث حظيرة السجون وتعزيز طاقتها الاستيعابية ومواصلة أشغال الترميم والتهيئة بالعديد من المؤسسات السجنية وتعزيز تجهيز المؤسسات السجنية بالأفرشة والأغطية وتحسين خدمات النظافة والصيانة والتغذية، وكذا معالجة إشكالية ربط المؤسسات السجنية بشبكات التطهير السائل وإحداث محطات لمعالجة المياه العادمة ببعض السجون.
أما على مستوى الرعاية الصحية،يضيف التامك، فقد تم العمل على تعزيز الخدمات الطبية مع توخي الفعالية والنجاعة في تقديمها للسجناء، وذلك في إطار تنزيل الاستراتيجية الوطنية للصحة بالوسط السجني للفترة 2022-2026؛ كما تم افتتاح وحدات طبية بمعايير حديثة في المؤسسات السجنية الجديدة، وإحداث قاعات للفحص الطبي وإعادة تهيئة المصحات القديمة وإحداث وحدات إضافية لتصفية الدم بالعديد من المؤسسات السجنية، بالإضافة إلى تعزيز تجهيزات جميع الوحدات واقتناء معدات طبية وتأمين الحاجيات من الأدوية وتوسيع حظيرة سيارات الإسعاف وتعميم المنصات الرقمية للاستشارات الطبية عن بعد على المؤسسات السجنية، مما مكن من تخفيف وقع النقص الحاصل في الأطر الطبية في ظل عزوف الأطباء على العمل بالسجون رغم تخصيص مناصب مالية سنوية لهذه الفئة من الأطر.
العمل السجني وحقوق الإنسان
ولأن العمل السجني يتقاطع في أسسه مع مبادئ حقوق الانسان، فقد حرصت المندوبية العامة، يضيف التامك، على "مواصلة دمج البعد الحقوقي في مختلف الخدمات المقدمة للسجناء وترسيخ ثقافة مهنية تقوم على الموازنة بين التحديات الأمنية والمتطلبات الحقوقية"، وذلك من خلال "تنظيم دورات تكوين لفائدة موظفي السجون في مجال حقوق الانسان والوقاية من التعذيب بشراكة مع الهيئات الفاعلة في هذا المجال، خاصة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي تعزز التعاون معه من خلال الزيارات التي تقوم بها لجانه الجهوية والآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، مع تمكينه من كافة التسهيلات اللازمة بخصوص جلسات الاستماع والتحري في الشكايات الواردة عليه من طرف السجناء أو عائلاتهم".
وشدد التامك على أن المندوبية العامة عملت، انطلاقا من مهامها المحورية في الحفاظ على الأمن والانضباط وسلامة السجناء وتهيئ الظروف لجعل المؤسسات السجنية فضاء آمنا لإنجاح هذه البرامج، على مواصلة تعزيز المؤسسات السجنية بالمعدات والتجهيزات الأمنية وتنزيل إجراءات الأمن الوقائي والتتبع اليومي للوضعية الأمنية بالمؤسسات السجنية والتأكد من سلامة بناياتها مع اتخاذ التدابير الفورية اللازمة بشأن الاختلالات المسجلة حفاظا على سلامة نزلائها والعاملين بها".
وأشار التامك إلى أن هذه المقاربة الوقائية والاستباقية مكنت من تعزيز قدرة هذه المؤسسات على مواجهة الأزمات الطارئة كما هو الحال بالنسبة لكارثة زلزال الحوز، الذي تفاعلت معه المندوبية العامة بشكل فوري، من خلال تعبئة مصالحها ومسؤوليها من أجل تفقد أحوال النزلاء مع تفعيل خلية أزمة مركزية عهد إليها القيام بزيارات تفقدية للمؤسسات السجنية، خاصة الواقعة بمنطقة الحوز أو بمحيطها، حيث تم التأكد من عدم تسجيل أية أضرار بشرية أو مادية بمجموع هذه المؤسسات. كما تم العمل على تمكين السجناء من الاتصال بذويهم للاطمئنان عليهم وتقديم الدعم والمواكبة النفسية اللازمة للنزلاء الذين فجعوا في بعض أقاربهم جراء هذا الحادث الأليم.
تأهيل المعتقلين لإعادة الإدماج
قال التامك إن برامج تأهيل المعتقلين لإعادة الإدماج تشكل إحدى أولويات المندوبية العامة، التي تعمل على تكثيف جهودها من أجل التنزيل المحكم لمختلف البرامج التربوية والتكوينية الموجهة للسجناء، خاصة في ما يتعلق بالتعليم ومحو الأمية والتكوين المهني والفلاحي والحرفي، من خلال توفير الفضاءات اللازمة وتعزيز التنسيق والتعاون مع القطاعات والهيئات الشريكة في تنزيل هذه البرامج.
علاوةً على ذلك، يضيف التامك، تم تطوير أساليب التأهيل واعتماد برامج مبتكرة تتلاءم أكثر وخصوصيات وحاجيات مختلف فئات السجناء، من خلال الاستمرار في تنفيذ برنامج "الجامعة في السجون"، والذي بلغ دورته الثانية عشرة خلال السنة الماضية خصصت للرياضة في المؤسسات السجنية، فينا ستتم برمجة الدورة الثالثة عشرة خلال شهر مايو المقبل، تحت عنوان "مراجعة المنظومة القانونية الخاصة بالمؤسسات السجنية"، وإعطاء دفعة جديدة لبرنامج "مصالحة" من خلال إحداث "مركز مصالحة" تنفيذا للتعليمات الملكية، وذلك من أجل ترصيد المكاسب التي راكمها هذا البرنامج.
وأشار التامك إلى أن مختلف هذه البرامج التأهيلية تعززت ببرنامج جديد "سجون من دون عود: مصارحة"، والذي انتهج أسلوب "المصارحة" كوسيلة ترمي الى جعل السجناء العائدين يقفون على مسببات العود الذاتية والموضوعية، وذلك من أجل تجنبها.
دينامية تشريعية
قال التامك إن سنة 2023 شهدت دينامية تشريعية كبيرة في ارتباط بتدبير الشأن السجني، وذلك من خلال مراجعة المنظومة القانونية الخاصة بتدبير المؤسسات السجنية ومصادقة مجلس النواب على مشروع القانون المنظم للمؤسسات السجنية ومشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة وإحالتهما على مجلس المستشارين.
من جانب آخر، يضيف التامك، تم خلال السنة المذكورة إحالة مشروع مرسوم يقضي بتغيير المرسوم المحدد لتأليف واختصاصات اللجنة المشتركة المحدثة بموجب المادة الثانية من الظهير الشريف ( مرسوم ملكي) الذي يروم إعادة النظر في تأليف هذه اللجنة والقضايا التي تتولاها فضلا عن طريقة عملها بما يكفل تعزيز دور هذه اللجنة في معالجة مختلف القضايا والاشكاليات المشتركة المرتبطة بالشأن السجني.
تثمين العنصر البشري
قال التامك إن أهم مقومات نجاح مختلف برامج الإدارة وتثمين العنصر البشري ترتكز على توفير موارد بشرية كافية ومؤهلة من أجل رفع التحديات القائمة وتحقيق الأهداف المسطرة لهذا القطاع. لذا، تواصل المندوبية العامة جهودها من أجل الرفع من عدد الموظفين من خلال تنظيم مباريات توظيف بالمناصب المالية الشاغرة لديها من أجل تغطية حاجيات المؤسسات السجنية وتنزيل مخططها السنوي للتكوين بشقيه الأساسي والمستمر، سعيا منها إلى الرفع من القدرات المهنية لموظفيها بما يعزز جاهزيتهم لأداء مهاهم والتفاعل الفعال مع مختلف الوضعيات والأحداث والأزمات، هذا علاوة على مواصلة تدبير حركية الموظفين وفق مقاربة تقوم على الموازنة والتوفيق بين الظروف الاجتماعية والصحية والعائلية للموظفين وحاجيات التأطير الأمني والتأهيلي الخاصة بالمؤسسات السجنية.
وفي سياق الجهود المبذولة من أجل تحسين الظروف الاجتماعية والمادية للموظفين، أوضح التامك أن المندوبية العامة واصلت دعم جمعية التكافل الاجتماعي من أجل تعزيز مساهمتها في التخفيف من بعض الأعباء على الموظفين عن طريق إحداث مجموعة من المنح في العديد من المناسبات(شهر رمضان &-عيد الأضحى &- ذكرى تأسيس المندوبية العامة.....)،وكذا تطوير خدماتها لفائدة مختلف الفئات من موظفين ومتقاعدين وأرامل وأبناء الموظفين المتوفين وشهداء الواجب الوطني.
تضحيات الموظفين
شدد التامك على أن منجزات ومكاسب القطاع لم تكن لتصبح واقعا ملموسا دون التضحيات التي يقدمها موظفات وموظفي هذا القطاع الأمني. وقال إن تنظيم هذه الذكرى السنوية هو قبل كل شيء اعتراف لكل مسؤولي وموظفي المندوبية العامة بالخدمات الجليلة التي يسدونها للوطن.
وأضاف التامك أنه انطلاقا من إيمان عميق بضرورة تقدير التضحيات والدفاع عن أحقية هذه الفئة من موظفي الدولة في إنصافهم والنهوض بأوضاعهم الاجتماعية والمادية، تم خلال هذه السنة مضاعفة الجهود وتكثيف اللقاءات والمشاورات مع الجهات المختصة ومناقشة مفصلة لمشروع المرسوم المتعلق بالنظام الاساسي الخاص بهيئة موظفي إدارة السجون وإعادة الإدماج، وإقرار مراجعة شاملة لنظام التعويضات بما يراعي الخصوصية الأمنية للقطاع وضرورة المماثلة مع القطاعات الأمنية الأخرى بحكم أدوارها التكاملية في الحفاظ على الأمن العام للبلاد.
وضمن نفس الرؤية المندمجة لتحسين الظروف المادية والاجتماعية للموظفين، أشار التامك إلى أن المندوبية العامة عمدت إلى إحالة مشروع قانون يقضي بإحداث مؤسسة للأعمال الاجتماعية خاصة بموظفي إدارة السجون وإعادة الإدماج على رئيس الحكومة قصد إخضاعه لمسطرة المصادقة. وهو مشروع قال عنه إنه سيشكل نقلة نوعية للاستجابة للحاجيات الاجتماعية المتزايدة لموظفي المؤسسات السجنية.
وفي إطار تثمين دور الرأسمال البشري واستثمار الكفاءات، قال التامك إنه تقرر إصدار مجلة خاصة بموظفي السجون تهتم بنشر إسهاماتهم في كل المواضيع والقضايا ذات الارتباط بالشأن السجني، مما سيخلق جسرا للتواصل وفضاء رحبا لمناقشة هذه المواضيع والتقاء الرؤى ومشاركة الأفكار لتطوير الأداء، دون إغفال مشاركة الجانب الإبداعي للموظفين، وذلك قصد إبراز ما تزخر به المندوبية العامة من أطر وكفاءات عليا، وتعميق الانفتاح الذي تشهده الإدارة على المحيط الخارجي.
قيم التلاحم والتضحية
خلص التامك إلى أن ذكرى 29 أبريل من كل سنة ستظل عنوانا لقيم التلاحم والتضحية ونكران الذات، وفخرا ومجدا يشعر به كل منتم لهذا القطاع، ويتجدد فيها العهد بالتضحية من أجل ضمان اضطلاعه بمهامه على أكمل وجه وصد المحاولات اليائسة الساعية الى النيل من سمعته.
وبعد أن نوه بجهود المسؤولين والأطر والموظفين على المستوى المركزي والمؤسسات السجنية، الذين يعملون من أجل الارتقاء بهذا القطاع وإحلاله المكانة التي يستحقها ضمن منظومة القطاعات الأمنية بالبلاد، أكد التامك على أهمية وضرورة انخراط الجميع من أجل ترصيد المكاسب وتحقيق الغايات الإصلاحية المنشودة. لذا، دعا الموظفين إلى الثقة أكثر في الذات والاعتزاز بالانتماء إلى هذا القطاع، والعمل من أجل مواصلة بناء صورة إيجابية لهذا القطاع وتعزيز مساهمته في صون أمن الوطن وسيادة القانون وترسيخ قيم حقوق الإنسان، مع ضرورة الابتعاد عن كل ما من شأنه المس بوحدة الصف والإخلال بالضوابط المعمول بها في سبيل صون سمعة الموظفين وتثمين تضحياتهم وإحلالهم المنزلة التي تليق بنبل وسمو الرسالة التي يضطلعون بها في المجتمع. كما أكد بهذه المناسبة على أن المكاسب التي حققتها هذه المؤسسة الأمنية والإصلاحية والصورة الإيجابية التي أصبحت تحظى بها على الصعيدين الإقليمي والدولي هي أمتن وأعلى من أن تنال منها السلوكات والتصرفات المشينة الصادرة عن قلة قليلة من النفوس الضعيفة.
الاحتفاء بالموظفين المميزين
وجرى بالمناسبة الاحتفاء بالموظفين المتميزين في مسابقة "الموظف المتميز" التي دأبت المندوبية على تنظيمها سنويا، اعترافا منها بالجهود التي يبذلها الرأسمال البشري التابع لها.
وتخلل هذا الحفل أيضا تقديم عروض في الدفاع الذاتي، وعرض سيناريو تركيبي لمشاهد متصلة بالتعامل مع سجين خطير،واستعراض شرفي من أداء مجموعة من المتدربات والمتدربين وموظفي المندوبية العامة.
كما تم بهذه المناسبة تتويج وتوشيح موظفين، وتكريم متقاعدين ومتقاعدات نظير تفانيهم ومثابرتهم في أداء المهام المنوطة بهم.
وشكل هذا الحدث الذي حضره، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، والمدير المركزي لمديرية الشرطة القضائية، محمد الدخيسي، والأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أحمد عبادي، مناسبة لتسليط الضوء على المنجزات الكبرى التي حققتها المندوبية، والجهود الدؤوبة التي يبذلها موظفوها والتزامهم المستمر بخدمة المجتمع والمساهمة في الحفاظ على النظام العام.