أخبار

علماء وحقوقيون نوّهوا بالحكمة الملكية الملائمة بين المواثيق والثوابت

ترحيب بإحالة ملك المغرب مقترحات "قانون الأسرة" على مجلس العلماء 

الملك محمد السادس
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من الرباط: رحب علماء وناشطون حقوقيون وأساتذة جامعيون مختصون في الشأن الديني والقانون الدستوري والعلاقات الدولية، بإحالة الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين،ورئيس المجلس العلمي الأعلى(مجلس العلماء)،على المجلس ، المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة مراجعة مدونة الأسرة (قانون الأسرة)،قصد دراستها استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي ومقاصده ، ورفع فتوى بشأنها إليه.

واتفقت آراء الباحثين المتخصصين، الذين استقى موقع "إيلاف" آراءهم، على أن الإحالة كانت منتظرة بحكم طبيعة التقاليد المغربية في التعامل مع بعض التشريعات التي لها تقاطعات مع الشريعة الإسلامية ومع الفقه الإسلامي، خصوصا حين يتعلق الأمر بقوانين الأسرة. وشددوا على أن في ذلك ضمانة للمجتمع تبين أن مجال الثوابت الدينية محفوظ وغير قابل للمس، وأن التعامل مع هذه القضايا هو تعامل متحرك تُعمل فيه الآليات والأدوات من داخل الحقل الديني، وذلك بما يكفل الاستجابة لمتطلبات العصر ومتغيراته وإكراهاته.كما أشاروا إلى أن هذه الإحالة تبقى مؤطرة بضوابط واضحة تعكس خصوصية المجتمع المغربي الدينية، وتستحضر، في نفس الوقت، ما راكمته البلاد من مكتسبات حقوقية مرتبطة بالانفتاح على المجتمع الدولي، الشيء الذي من شأنه أن يحافظ على وحدة المجتمع المغربي ويجنبه كل النقاشات الضيقة وغير البناءة، التي يمكن أن تزج بالنقاش في متاهات أخرى. وشددوا، في هذا السياق، أيضا على أن الأمر يتعلق بمنهجية ملكية تبين موقع إمارة المؤمنين على مستوى توحيد المغاربة وتجميع كلمتهم حتى لا تتحول قضية الأسرة إلى قضية للصراع السياسي والاستثمار الإيديولوجي والاستقطابات السياسية التي يمكن أن تؤثر سلبا على صورة الوحدة الوطنية.

وخلصوا إلى أن الإحالة هي مؤشر جد إيجابي، بحكم أنها تعني أن ملك البلاد يريد من المجلس العلمي الأعلى إعمال الاجتهاد الفقهي في عدد من القضايا ضمن السقف الذي حدد سابقا بعدم تحليل حرام أو تحريم حلال.

سياق وخلفية الإحالة
كان بيان للديوان الملكي المغربي، صدر الجمعة الماضي، أوضح أن هذه الإحالة، تأتي بعد انتهاء الهيئة المكلفة مراجعة المدونة من مهامها داخل الأجل المحدد لها، ورفع مقترحاتها إلى نظر الملك محمد السادس، الذي اقتضى، بالنظر لتعلق بعض المقترحات بنصوص دينية، إحالة الأمر إلى المجلس العلمي الأعلى، الذي جعل منه الفصل 41 من الدستور، الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسميا.

وذكر البيان ذاته أن الملك محمد السادس دعا المجلس العلمي الأعلى، وهو يُفتي فيما هو معروض عليه من مقترحات، استحضار مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، الداعية إلى اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء، في ظل الضابط الذي طالما عبر عنه، من عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال.

وكان رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش قد استقبل في 30 مارس الماضي، اللجنة المكلفة مراجعة مدونة الأسرة، التي أعدت تقريرا عن مقترح التعديل، الذي رفعه أخنوش إلى الملك محمد السادس.

وقال أخنوش آنذاك، في تصريح للصحافة بالمناسبة، "استقبلت أعضاء اللجنة المكلفة مراجعة مدونة الأسرة، بعد انتهائها من مهامها داخل الأجل المحدد لها، في الرسالة الملكية السامية التي وجهها لي جلالة الملك ".

وأضاف أخنوش، "تسلمت من منسقها الدوري تقريرا عن مقترح التعديل، قصد رفعه إلى جلالة الملك"، مضيفا، "اشتغلت الهيئة وفق مقاربة تشاورية واسعة، عبر تنظيم جلسات استماع وإنصات لمختلف الفاعلي".

وكان بيان للديوان الملكي آخر، صدر في 26 سبتمبر 2023، قال إن الملك محمد السادس، وجه رسالة إلى رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، وأوضح البيان أن الرسالة تأتي تفعيلا للقرار الذي أعلن عنه الملك محمد السادس في خطاب عيد الجلوس لسنة 2022، وتجسيدا للعناية التي ما فتئ يوليها، للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام.

وبموازاة مع تكليف الملك، رئيس الحكومة، من خلال تلك الرسالة، جرى إسناد الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح المهم، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.

كما دعا الملك المؤسسات المذكورة إلى أن تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.

وقضت التعليمات الملكية، وفق بيان الديوان الملكي، برفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة، إلى نظر عاهل البلاد في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.

رفيقي: ملاءمة بين المواثيق والثوابت
اعتبر محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص)، الباحث في الدراسات الإسلامية والمتخصص في قضايا التطرف والارهاب والإصلاح الديني، أن إحالة بعض مقترحات لجنة تعديل مدونة الأسرة على المجلس العلمي الأعلى "أمر كان منتظرا ومترقبا بحكم طبيعة التقاليد المغربية في التعامل مع بعض التشريعات التي لها تقاطعات مع الشريعة الإسلامية ومع الفقه الإسلامي، خصوصا حين يتعلق الأمر بقوانين الأسرة".

محمد رفيقي

وأضاف رفيقي ل" إيلاف " أن البيان الملكي أكد على أن "الأمر يتعلق ببعض المقترحات وليس بكل المقترحات، لأن المقترحات ليست جميعها معنية بما هو فقهي وديني، إنما بعضها قانوني وبعضها له تقاطع مع ما جاء في المدونات الفقهية الإسلامية. وبحكم نظام الدولة كان من الطبيعي جدا إحالة هذا الموضوع على المؤسسة الدينية الرسمية للحسم فيه".

وشدد رفيقي على أنه يعتقد أن الإحالة "مؤشر جد إيجابي"،بحكم أنها "تعني أن الملك يريد من المجلس إعمال عملية الاجتهاد الفقهي في عدد من القضايا ضمن السقف الذي قد حدد سابقا بعدم تحليل حرام أو تحريم حلال". والدليل على ذلك، يضيف رفيقي، هو الإشارة في البيان الملكي إلى ما سبق أن أكدته الرسائل السابقة من ضرورة إعمال الاجتهاد المنفتح ونشر فضائل الاعتدال والاعتماد على مقاصد الشريعة الإسلامية، وهذه كلها "إشارات تعني أننا مقبلون على تعديل هذه القوانين وإزاحة الجمود عنها. فحين نتحدث عن مقاصد الشريعة الإسلامية فنحن نتحدث عن باب من أبواب الاجتهاد الكفيلة بتحقيق الملاءمة بين القيم الكونية والمواثيق الدولية التي وقع وصادق عليها المغرب من جهة، وبين مقاصد الشريعة الإسلامية وبين الثوابت"، و"في ذلك طبعا ضمانة للمجتمع من ناحيتين: أن مجال الثوابت الدينية محفوظ وغير قابل للمس، وأن التعامل مع هذه القضايا هو تعامل متحرك تُعمل فيه الآليات والأدوات من داخل الحقل الديني بما يكفل الاستجابة لمتطلبات العصر ومتغيراته وإكراهاته".

وخلص رفيقي إلى "أننا أمام مدونة معدلة، محافظة على الثوابت الدينية والهوياتية، ومنفتحة على التعديل والتغيير بملا يتلاءم وما يعرفه المجتمع من تطور".

الكريني: استقرار الأسرة ومواكبة التحولات
بدوره ، قال ادريس الكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض في مراكش، ل" إيلاف" إن إحالة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة مراجعة مدونة الأسرة، قصد دراستها استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي ومقاصده،ورفع فتوى بشأنها، تجد أساسها في "المكانة الوازنة التي تحتلها المؤسسة الملكية بمقتضيات الدستور داخل الحقل الديني؛ وباعتبار الملك هو أمير المؤمنين ورئيس المجلس العلمي الأعلى المعني بإصدار الفتاوى".

إدريس لكريني

وذكر الكريني أنه يعتقد أن "هذه الإحالة تحيل على الدور التحكيمي الذي تمارسه المؤسسة الملكية من خلال آليات دستورية، تأتي في إطار سياق الحرص على الموازنة ما بين الانفتاح على المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والالتزامات الدولية للمغرب في ما يخص مجال حقوق الإنسان، من جهة، وكذلك المرتكزات الدينية التي تمثل ثابتا من ثوابت الدولة المغربية في ارتباطها بالدين الإسلامي ونهج الوسطية والاعتدال في هذه النصوص".

ورأى الكريني أن "الرسالة كانت واضحة، وهي دعوة المجلس العلمي الأعلى إلى إرساء اجتهاد وإفتاء منفتح ومتوازن وبناء يدعم وحدة المجتمع المغربي كما يدعم الموازنة ما بين المكتسبات التي حققها المغرب في مجال التحديث والانفتاح على المجتمع الدولي، وخصوصا في ما يتعلق بالتزاماته والمكتسبات التي حققها بخصوص حقوق الإنسان، من جهة، واستحضار ثوابته وخصوصياته الدينية المرتبطة بالاعتدال والوسطية،بالصورة التي يبدو من خلالها أن هناك رسالة أخرى مرتبطة بأن الدور التحكيمي للمؤسسة الملكية ينحو إلى تجاوز وعبور هذه المرحلة المهمة في إطار نقاشات بناءة ومتوازنة بعيدا عن التوظيف والنقاشات الحزبية والإيديولوجية الضيقة التي يمكنها أن تزج بالنقاش في متاهات أخرى.

وخلص الكريني إلى أن الإحالة تبقى "مؤطرة بضوابط واضحة تعكس خصوصية المجتمع المغربي الدينية، وتستحضر، في نفس الوقت، ما راكمه المغرب من مكتسبات حقوقية مرتبطة بالانفتاح على المجتمع الدولي، وهذا من شأنه أن يحافظ على وحدة المجتمع المغربي ويجنبه كل النقاشات غير البناءة، بالصورة التي يمكنه بها أن يفرز قانونا في مستوى التطلعات يساهم في استقرار الأسرة ومواكبة التحولات التي حققها البلد والمجتمع على عدة واجهات".

البوكيلي: روح المحافظة وثقافة الانفتاح
من جهته ، قال أحمد البوكيلي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة محمدالخامس في الرباط، إن "عملية تحويل القضايا المرتبطة بالشق الديني إلى مؤسسة دستورية، أي المجلس العلمي الأعلى، من قبل جلالة الملك، تحتاج، بالدرجة الأولى، من الزاوية الأكاديمية والحضارية والروحية، إلى قراءة أكاديمية لآليات اشتغال المؤسسات الدستورية في المغرب، وخصوصا منها المؤسسة الملكية التي تجمع في آن واحد البعد الدستوري المتمثل في الإجماع الوطني والوثيقة الدستورية، وكذلك البعد الروحي الذي تجسده مؤسسة إمارة المؤمنين".

أحمد البوكيلي

ورأى البوكيلي، في تصريح ل" إيلاف " أن تحويل المقترحات التي مثلت مرحلة أولية في مجال تدبير تشاركي مع مؤسسة المجتمع المدني، ومع المؤسسات باختلاف توجهاتها وتياراتها ومداركها، من بعد ما شكلت لجنة ملكية، ثم تجميع كل المقترحات الوطنية، يتعلق ب"منهجية ملكية تبين موقع إمارة المؤمنين على مستوى توحيد المغاربة وتجميع كلمتهم حتى لا تتحول قضية الأسرة إلى قضية للصراع السياسي والاستثمار الإيديولوجي الاستقطابات السياسية التي يمكن أن تؤثر سلبا على مستوى صورة الوحدة الوطنية".

وذكر البوكيلي، في هذا الصدد، بما وقع في المغرب في مرحلة من المراحل، حيث كانت "مسيرة الدار البيضاء" و"مسيرة الرباط"، وكيف "ارتفع منسوب الصراع والاستثمار السياسي وقتها حول قضية من المفروض أن تجمع المغاربة".

ولذلك، يضيف البوكيلي، فإن تحويل قضايا ذات طابع ديني على مؤسسة متخصصة بالمجال الديني هي "إشارة بالدرجة الأولى إلى موقع مؤسسة العلماء في النظام السياسي، ونحن نعرف أن جلالة الملك هو الرئيس الفعلي والعملي للمجلس العلمي الأعلى، وكان بإمكانه أن يحسم النقاش، لكنه أبى إلا أن يعبر عن التواضع الملكي مرة ثانية، من خلال تكليفه المجلس العلمي الأعلى، وهي إشارة تبين التنشئة على احترام المؤسسات من جهة، ورسالة إلى العالم، من جهة، ثانية، بأن المغرب له مؤسسته الدستورية وله مشيخته العلمية، وبالتالي لا يعقل ولا يمكن للمغرب أن يستورد الفتوى الشرعية أو اجتهادات بعض العلماء من خارج السياق المغربي".

وشدد البوكيلي على أن من أكبر "الكوارث" التي يعيشها العالم تلك "الفوضى في المجال الديني"، حيث "صار بإمكان أي عالم أن يفتي مباشرة انطلاقا من موقعه الإلكتروني، ليتسبب في الكوارث".

وشدد البوكيلي على أن "المغرب اختار مؤسسة العلماء باعتبارها مؤسسة شرعية تابعة لإمارة المؤمنين، وظيفتها هي تحصين الإجماع الوطني وتحصين شرع الله، لأنه من وظائف إمارة المؤمنين حماية تدين المغاربة، لأنها مؤسسة روحية".

وقال البوكيلي إن الملك "طالب العلماء بالاجتهاد البناء والأخذ بعين الاعتبار الشريعة، لأنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا"، إذ "من وظائف إمارة المؤمنين حماية الدين"، مشيرا إلى أن الملك"عندما سطر على أنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا، هي إشارة على أن الأمة المغربية أمة تعتز بدينها وبثوابتها وشريعتها، ولا يمكننا أن نسمح لأي كان أن يشكك في هويتنا الدينية أو أن يشوش على مؤسساتنا الدستورية". ولكن، في نفس الوقت، يستدرك البوكيلي، وهذه قوة مؤسسة العلماء، هو الاجتهاد، لأن الملك عندما أشار إلى الاجتهاد المقاصدي والاجتهاد البناء هو "توجيه يحفظ المغرب من الصراعات الإيديولوجية ومن التكتلات والانقسامات والتطاحنات. فبمقتضى الاجتهاد يمكننا في المغرب أن نجمع بين روح المحافظة وثقافة الانفتاح على العالم، وبروح الاجتهاد المقاصدي نتجاوز كل الصراعات لأن الأصل في الاجتهاد المقاصدي أنه يبحث عن المصلحة الشرعية وشرع الله حيثما كانت مصلحة الإنسان فهو شرع الله. فالله ما أعطانا الشريعة إلا لأنه يحب الإنسان. لم يعطنا الشريعة لتعسير الحياة والتشديد على الناس، ولذلك ف"نحن المغاربة لا نتبنى القراءة الأرثودوكسية للدين ولا نتبنى القراءة المتشددة للدين. نحن نتبنى القراءة الحضارية والجمالية للدين. وبما أننا متدينون بمنطق التحضر والانفتاح والاعتدال، فمن المؤكد أنه لا يمكن لمؤسسة العلماء، بمنطق الاجتهاد المقاصدي، إلا أن تحل المشاكل من خلال الفتوى الشرعية. ولذلك نحترم النصوص القطعية ونجتهد في كل القضايا التي من المفروض أن نجتهد فيها بروح البحث عن مصلحة الأسرة المغربية. وهذه هي الاختيارات الدينية المغربية المتحضرة التي تجمع بين الدين والإصالة والانفتاح، وبين الدين والدنيا من دون شعور بالتناقض نهائيا في حياتنا".

وخلص البوكيلي إلى أن "هذه هي الأمة المغربية. وهؤلاء هم علماؤنا. وهذه هي الحكمة الملكية. وهذه هي قوة المغاربة. في دول أخرى المجتمع يتطاحن على مؤسسة الأسرة. في المغرب، الحمد لله، بعد الإشارة الملكية بإحالة هذه النصوص على المجلس العلمي الأعلى، الكل رحب وفرح بالمبادرة الملكية".

تحقيق المصلحة ورعاية الثوابت
بدورها ، أكدت بثينة الغلبزوري، عضو المجلس العلمي المحلي للرباط، أن إحالة الملك محمد السادس، بعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية، التي رفعتها إليه الهيئة المكلفة مراجعة مدونة الأسرة، على المجلس العلمي الأعلى، تعد "إحالة على الاجتهاد الجماعي الذي يقوم على التفكير والتداول الجماعي بما يضمن تحقيق المصلحة ورعاية الثوابت واعتبار المتغيرات".

بثينة الغلبزوري

‎وأبرزت الغلبزوري، في تصريح لوكالة الانباء المغربية ، أن الملك، أمير المؤمنين، عين هيئة من مختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات الدستورية التي أوكل إليها مهمة مراجعة مدونة الأسرة، ووجهها إلى ضرورة إشراك مختلف الهيئات والمؤسسات المدنية والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والأكاديميين والخبراء والمختصين.

‎وسجلت الأستاذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أن هذه الإحالة "تجسد السياسة الملكية الرشيدة الساعية إلى تحقيق الأمن الروحي بحماية الثوابت الدينية والأصول الإسلامية". وأضافت أنها "تحرر الرأي الشرعي من التأويلات الشخصية التي قد تستند إلى نزعة إيديولوجية أو رغبة شخصية، وتقيده بالمعرفة والعلم والاجتهاد، والوسطية والاعتدال"، مؤكدة على أهمية المقاربة الشاملة والمتوازنة التي يتم اعتمادها بغية الوصول إلى إصدار مدونة للأسرة تستجيب لتطلعات الشعب المغربي وتعمل على تكريس الاستقرار والتماسك الأسري.

‎من جهتها، قالت نزهة الصقلي الناشطة الحقوقية ، والوزيرة السابقة ، إن قرار الملك محمد السادس، يؤكد حرصه على مراجعة المدونة في ظل احترام الدستور وإشراك كل المؤسسات.

وأوضحت الصقلي، وهي أيضا رئيسة مركز التفكير (أوال)، أن المجلس العلمي الأعلى كان شريكا في المسار التشاوري للهيئة المكلفة مراجعة مدونة الأسرة، وبالتالي اطلع على آراء مختلف الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية التي جرى الاستماع لها.

نزهة الصقلي

‎من جهة أخرى، أبرزت الصقلي أن الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، وضعت المرتكزات والأسس التي يجب أن تستند عليها مراجعة مدونة الأسرة،وفق مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، والاعتدال والاجتهاد،وكذا مراعاة التحولات الاجتماعية ومتطلبات العصر.

وأضافت الصقلي أن مراجعة مدونة الأسرة تأتي لتحقيق الغاية الأسمى وهي ضمان كرامة كل أفراد المجتمع، نساء ورجالا وأطفالا، مسجلة أن تحقيق الاندماج الكامل للنساء في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، يعد، أيضا، من بين الأهداف المنشودة.

اجتهاد منفتح يتماشى مع العصر
من جانبه ،قال محمد اشماعو،الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية &- أكدال في الرباط ، إن الملك محمد السادس دعا المجلس العلمي الأعلى، وهو يفتي في ما هو معروض عليه من المقترحات المرتبطة بنصوص دينية، التي رفعتها الهيئة المكلفة مراجعة مدونة الاسرة إليه ، إلى اعتماد الاجتهاد المنفتح والبناء الذي يتماشى مع العصر والمحكوم بقواعد الشريعة الإسلامية.

محمد أشماعو

وأوضح اشماعو، في تصريح لوكالة الانباء المغربية ، أن المنتظر من المجلس العلمي الأعلى هو “الاجتهاد المستنير الذي يتماشى مع العصر والمحكوم، أساسا، بالنصوص الدينية”، مضيفا أنه يمكن إعمال الوسائل الاجتهادية والتفسير، والاستنباط بشكل يتماشى مع احتياجات العصر الآنية لحل الإشكاليات المجتمعية المترتبة عن تنزيل بعض النصوص السابقة المتعلقة بالأسرة.

وذكر اشماعو بأن المذهب المالكي والعقيدة الاشعرية يتعاملان مع النصوص الدينية بشكل منفتح مؤَسس على الاجتهاد الذي يعتمد آليات متعددة لاستنباط الأحكام التي تساير العصر، والتي تحكم أساسا بالنصوص الدينية الواضحة.

وأضاف أن الملك محمد السادس أحال بعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية،التي رفعتها الهيئة المكلفة مراجعة مدونة الاسرة إليه،على المجلس العلمي الأعلى للنظر في مدى تطابقها وتوافقها مع الشريعة ومع النص القرآني ومع مصادر التشريع.

الإشكالات المرتبطة بمراجعة المدونة
بدورها ، اعتبرت سعاد بطل ، المحامية لدى هيئة الرباط ، والناشطة الحقوقية،أن إحالة الملك محمد السادس، بعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية،التي رفعتها الهيئة المكلفة مراجعة مدونة الأسرة إليه، على المجلس العلمي الأعلى، ستقدم الأجوبة لمجموعة من الإشكالات والتحديات المرتبطة بمراجعة مدونة الأسرة.

المحامية سعاد بطل

وأوضحت بطل ، في تصريح لوكالة الانباء المغربية ، أن قرار الإحالة، التي تعكس رغبة الملك محمد السادس في إرساء أسرة يتحقق فيها العدل والإنصاف وتكرس مبادئ الاستقرار والتماسك الأسري، سيساهم في إصدار أحكام شرعية قادرة على التكيف مع الواقع الجديد للمجتمع المغربي.

وسجلت بطل أن هذه الإحالة تعد من صميم الصلاحيات الدينية للملك ، بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا للمجلس العلمي الأعلى، مبرزة حرصه على إشراك مختلف المؤسسات الدستورية من أجل إخراج مدونة للأسرة يتمتع جميع مكوناتها بذات الحقوق.

وثمنت الفاعلة الحقوقية الدور الذي يضطلع به المجلس العلمي الأعلى كمؤسسة مشهود لها بالكفاءة العلمية، وكمرجعية في إصدار الفتاوى التي تكفل لجميع مكونات الأسرة الاستقرار، وبالتالي الخروج بنص قانوني قادر على تلبية الاحتياجات والانتظارات التي تنشدها الأسرة المغربية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف