ثقافات

الندوة الاولى استحضرت تفاقم ظاهرة الأعمال المزيفة

نقاش حول"سوق الفن وصناعة القيمة"في موسم أصيلة الثقافي ال45

جانب من المشاركين في ندوة أصيلة الاولى
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من أصيلة:أثار مشاركون في ندوة "سوق الفن وصناعة القيمة"،نظمت مساء السبت ،ضمن فعاليات الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال45،"تفاقم ظاهرة الأعمال المزيفة في السوق"،من خلال "تزوير لم يعد يطال أعمال الفنانين الراحلين فقط، بل إبداعات من لا يزالون في أوج عطائهم"،مما جعل العديد من الفاعلين في المجال،سواء في القطاعات الحكومية أو المدنية،"يستشعرون خطورتها".

وشدد المشاركون على الأبعاد الخطيرة لهذه الممارسة، ممثلة في "تخريب" الاقتصاد، و"انتهاك" الحرمة الفنية والحقوق المعترف بها للمؤلفين،في ظل "غياب أي نص قانوني يفرض عقوبة تتكيف مع الطبيعة الخاصة للأعمال الفنية، ويتصدى لظواهر الاعتداء المختلفة عليها".

المشاركون وجمهور الندوة

كما حذر المشاركون من التقويض الذي تعرفه اليوم سلطة الفن، بعد أن صار خاضعا لسلطة المال؛ وأضحى الفنان في حيرة من أمره، بعد أن أصبح العمل الفني سلعة للمضاربة، والفنان جزء من لعبة اقتصادية كبيرة.

نقاش ثري

تميزت الجلسة الأولى لهذه الندوة بكلمتين. الأولى، تقديمية لمنسقها الناقد وأستاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، الدكتور شرف الدين ماجدولين، والثانية، افتتاحية ترحيبية لمحمد بن عيسى رئيس مؤسسة منتدى أصيلة، تلتها مداخلات لكل من الروائي والشاعر ووزير الثقافة سابقا محمد الأشعري (المغرب)، والفنانة التشكيلية والأكاديمية بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية أمال نصر (مصر)، والناقد الفني والأكاديمي الفرنسي جون لوي بوتوفان، أعقبها نقاش ثري ركز على بعض الآراء التي طرحتها مداخلات المشاركين في الجلسة.

هامش صغير

تحدث شرف الدين ماجدولين عن سياق تنظيم أولى ندوات الدورة الصيفية، وخلفيات اختيار موضوعها، مشددا على أن المشهد الثقافي المغربي لا يترك إلا هامشا صغيرا للفن التشكيلي والفنون البصرية.

وأثنى ماجدولين، في هذا السياق، على الإيمان الراسخ والثقة التي تميز العمل الذي يتم على مستوى موسم أصيلة، فيما يخص انشغاله وتعاطيه مع الفنون التشكيلية.

من فعاليات الندوة

وقال ماجدولين إن سؤال اليوم يتمثل في التلقي، مثيرا سؤال الوساطة في سوق بطبيعة مختلفة، لا توجد فيه علاقة مباشرة بين المبدع والزبون، وفي علاقة بكيفية التحدث وعرض وصياغة خطاب مقنع للآخرين عن هذا الفن. كما تحدث عن ثقافة الاقتناء والتملك في المغرب، وقال إنها ما زالت ضامرة، وتخترقها عدة إشكالات، محذرا من بعض الممارسات التي صارت مقترنة بالفن التشكيلي، كتزوير الأعمال الفنية.

بناء المشروعية

استحضر محمد بن عيسى علاقة موسم أصيلة بالفنون التشكيلية، مشيرا إلى أن هذا الحدث الفني حين اختار أن يخصص دورته الصيفية للفنون، بعد عقود من الممارسة الإبداعية في مشاغله وفضاءاته العمومية، فلكي "يضع "الفن التشكيلي" في سماحته اللائقة، داخل التراكم الفعلي والطموح الجمالي". ومن هنا، يضيف بن عيسى، جاء تفكير "مؤسسة منتدى أصيلة" في تخصيص لحظات تفكير وقراءة، وتحليل لحاضر الفن المعاصر في المغرب والعالم، لتمثل الهموم والانشغالات الفكرية للفنانين، واستيضاح ملامح التلقي والتأثير، عبر ندوات وضعت لها محاور، بدأ أنها ذات أهمية في المشهد الفني الراهن".

وقال بن عيسى إن ندوة "سوق الفن وصناعة القيمة"، بعد محاور سابقة، من قبيل "الفن المعاصر والسؤال الثقافي" و"التشكيل المغربي والتداول النقدي"، تنعقد في سياق تداولي طبعته سمتان بارزتان، أولاهما: هيمنة ما يمكن وسمه بالظواهر الفنية المؤقتة، من خلال أعمال واختيارات أسلوبية تبرز بشكل متسارع ولافت، في مدة زمنية وجيزة، دون أن يكون لها ما يدعمها ثقافيا وجماليا في الأفق الممتد، وتشكل مركز جذب للأروقة والتظاهرات الفنية، لتخلد بعد ذلك إلى توقف أو خفوت، غير مبرر أحيانا، بما يطرح سؤال الأسس التي تصنع قيمة الأعمال والأسماء والأساليب، خارج اختيارات الوسطاء، من الأروقة إلى الصحافة. كما يسائل قواعد ومرجعيات بناء المشروعية في المشهد الفني، ليس في المغرب فقط بل في غيره من البلدان".

أعمال مزيفة

أما ثاني هذه السمات، التي تحدث عنها بن عيسى، فيتمثل في "تفاقم ظاهرة الأعمال المزيفة في السوق، ولدى هواة جمع الأعمال الفنية، بل وفي رصيد بعض المؤسسات أيضا؛ تزوير لم يعد يطول أعمال الفنانين الراحلين فقط، بل إبداعات من لا يزالون في أوج عطائهم، مما جعل العديد من الفاعلين في المجال، سواء في القطاعات الحكومية أو المدنية، يستشعرون خطورتها".

وذكر بن عيسى، في هذا السياق، بما ينتج عن هذه الممارسة من "تخريب للاقتصاد، وانتهاك للحرمة الفنية والحقوق المعترف بها للمؤلفين، في ظل غياب أي نص قانوني يفرض عقوبة تتكيف مع الطبيعة الخاصة للأعمال الفنية، وتتصدى لظواهر الاعتداء المختفة عليها".

حركة تمردية

بدوره،تحدث محمد الأشعري عن تلقي وتملك اللوحة،مشيرا إلى أنه مسألة لا تهم فقط الجانب التجاري،بل أيضا الجانب الثقافي التراكمي الذي لا بد منه في كل حركة فنية. ورأى أن منطق السوق، هنا، ليس كما هو بالنسبة للسلع الأخرى.

واستحضر الأشعري بدايات الحركة التشكيلية في المغرب، مركزا على نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي وما بعدها، مشيرا إلى أن هذه الحركةنشأت في ظل نوع التنافر مع ترويج العمل الفني، مع السعي إلى التمرد على الإرث الكولونيالي (الاستعماري)، وما يرافق مسألة العرض التشكيلي على مستوى قاعات العرض والترويج للأعمال الفنية.

واستحضر الأشعري، في هذا السياق، ما قال إنه "حركة تمردية" لفنانين مغاربة وضعوا لوحاتهم، سنة 1969، في قلب جامع الفنا، لإثارة الانتباه إلى أن العمل الفني يرتبط بمجال عام محدد، وإلى ثقافة لها خصوصياتها المغايرة. ويتعلق الأمر، هنا، بحدث فني اعتبر، برأي مهتمين، "منعطفا في تاريخ الفن المغربي المعاصر"، تمثل في "لوحات خرجت من الحلقات المغلقة للقاعات والصالونات التي لم يدخلها قط مثل هذا الجمهور ولم يشعر أبدا أنها تعنيه. لوحات لا تخضع لنفس الجو وتتأقلم مع الناس والجدران والغبار، والساحة كلها"، كما جاء في بيان للمشاركين في هذا المعرض، وقتها.

وتحدث الأشعري عند معطى الهوية الفنية في علاقة بسوق الفن ومتطلباته، كما أثار سؤال الحداثة في الحركة التشكيلية المغربية، ووعي الفنانين المغاربة بـ"الانفجار" الذي قاموا به، والذي "يخترق المألوف والمعتاد في مواجهة مجتمع قائم على المحافظة والجمود"، بإبداع يطلب من الفنان استعمال أدوات أخرى في التواصل.

وأشار الأشعري إلى أن الفنانين المغاربة انتبهوا إلى ضرورة إعادة الاعتبار للنسيج والنحاس والفضة والحلي، وغيرها، واستطاعوا أن يستخرجوا من المنظومة المعقدة من هذه الرموز والأشكال "اندفاعا فنيا جديدا"، ليس في الأشكال فقط، بل حتى في المواد.

تزوير وانتكاسة

أشار الأشعري إلى أن فترة السبعينات شهدت دخول مؤسسات بنكية وصناعية لتكوين مجموعات فنية كبيرة. وأضاف أننا عندما نتحدث عن التزوير يجب أن نذكر أن تكوين الخبراء في اللوحة كان مرتبطا، حسب الأزمنة، بمن يصنع ويقتني المجموعات الفنية .

وقال الأشعري إنه يستغرب كيف أن المؤسسات التي تقتني مجموعات كبيرة من اللوحات لم تفكر أبدا في أن تُكَون شبكة من الخبراء في هذا المجال، مشيرا، في هذا السياق، إلى أن الجيلالي الغرباوي وأحمد الشرقاوي وعباس صلادي من أبرز الأسماء التشكيلية التي تتعرض أعمالها للتزوير.

ورأى الأشعري أن الفن المغربي انتعش اليوم، بعد فترة بيات؛ مشيرا إلى أن الإنعاش لم يكن اعتباطيا، وارتبط بتنامي الطفرة والنهضة في هذا المجال، مشددا على أن هذه الطفرة تبقى لها حدودها، ولا يمكن أن تستمر بنفس التلقائية التي بدأت بها، فيما يمكن أن يكون هناك نوع من الصدمة في الحركة التشكيلية المغربية التي قد ترجعها إلى الوراء.

وأضاف الأشعري أنه كانت هناك مؤشرات في السنوات الأخيرة تفتح الباب أمام تجربة استثنائية في العالم العربي على الأقل. واستدرك الأشعري بالحديث عن حصول انتكاسة على مستوى البعد الثقافي لهذه الحركة التشكيلية بعد أن كانت المحرك الأساسي للأسئلة الثقافية في المغرب، لتصير اليوم أبعد من أن تكون عن ذلك.

لجوء فني

تحدثت أمال نصر عن علاقتها بسوق الفن، مستحضرة جانبا من أرضية الندوة التي طرحها شرف الدين ماجدولين، خصوصا ما تعلق منها بالصعوبة التي جعلت عددا لا حصر له من الفنانين العرب الشباب يتطلعون باستمرار إلى عرض تجاربهم ضمن بلدان أوروبية وأميركية، بالنظر إلى "قدرة هذه البلدان على اقتراح أعمالهم ومنجزاتهم الفنية على مجتمع الفن، بالنظر إلى كم الوسطاء الراسخين في مهن العرض والاختيار والتسويق والترويج الإعلامي وإقناع الجمهور بقيمة تلك الأعمال، التي تبقى محتاجة دوما لمن يدافع عنها"، الشي الذي يعني أن "مبررات "اللجوء الفني" إلى بلدان غربية، هي وليدة قناعة ترى أن الفنان العربي المعاصر لا يمكن أن يتحقق ولا أن يعيش بعد ذلك دون البحث عن "مناصرين" و"متبنين" و"مراهنين" على قيمته الافتراضية"، وهي "من الندرة بحيث تجعل الهجرة مرادفة للإنجاز، مع ما يرافقها من سعي دؤوب من قبل الجيل الجديد، إلى اكتساب مهارات لغوية وتواصلية وثقافية تيسر مهمة إقناعه لمؤسسات الوساطة الغربية".

سلطة المال

قالت نصر إن الفن يعيش مرحلة شديدة الجدل، تجاوزت مثلث "المبدع - المتلقي &- العمل"، بحيث لم تعد قيمة العمل الفني في ذاته، بل أضحت رهينة وسط معقد تتحكم فيه عوامل السوق ودوائر المال.

وقارنت نصر بين الأمس واليوم، مشيرة إلى أن الفن، في الماضي،كان يحضر ضمن منظومة السلطة الرمزية، ممثلة في القوة السياسية أو الدينية، فيما صار يخضع اليوم لسلطة المال، ليصير العمل الفني موضوع مضاربة وسلعة بين الوسطاء.

ورأت نصر أن الفن تقوضت سلطته اليوم، وصار خاضعا لسلطة المال؛ وصار الفنان وسط كل هذا التحول في حيرة من أمره، بعد أن أصبح العمل الفني سلعة للمضاربة، والفنان جزء من لعبة اقتصادية كبيرة.

كما تحدثت نصر عن سلطة الإعلام، في علاقة بالترويج والعمليات الدعائية الممنهجة لأعمال يراد إيصالها إلى منصة العرض والطلب. كما أشارت إلى التحول الحاصل في مفهوم الجمال، سوى أنها صارت تحت رحمة سلطة العرض والطلب بدل أن تؤدي دورها في تحرير الفنان أدت به للوقوع في حالات تجريدية قصيرة العمر.

كما استحضرت نصر تأثير الانترنت في عملية التسويق، الذي سهل مسألة العرض والطلب، ووفر بيانات مفصلة عن كل عمل، مع اعتماد تقنية الأبعاد الثلاثية لتقديم العمل المعروض. كما أشارت إلى أن منافذ الاقتناء في العالم العربي تبقى محدودة.

فنان اليوم وقيم الفن

حاول جون لوي بوتوفان، في معرض مداخلته، تتبع المسار الذي يقطعه الفنان لبناء قيمة مادية أو فنية لإبداعاته، في علاقة بمجموعة من العوامل، تتضمن الموهبة والرغبة والتلقين فضلا عن عوامل أخرى تحرم سوق الفن، ضمنها الوسطاء والأروقة.

واختار بوتوفان أن يتخيل في مداخلته، التي جاءت تأملية في واقع الفن وأحلام الفنانين، "فنانا، اليوم"، في علاقة بثنائية "المجد" و"الغنى"، التي قد تغريه في أحلامه ورغباته، والسلطة التي قد يهفو إليها، مع إمكانية إثارته للإعجاب.

وقال بوتوفان إن الرغبة في امتهان الفن تقتضي استحضار رهانات، تشمل، في نهاية المطاف، مواجهة الواقع في حقيقته. كما تحدث عن القيم التي تسكن الأعمال الفنية، في علاقة بالأحكام التي يمكن أن يصدرها الآخرون عنها، قبل أن يرصدالتغير والتحول الذي يسكن المعنى، وكيف صار بإمكان أي كان أن يصير مبتكرا على مستوى الشكل.

دورة صيفية بالألوان

يشار إلى أن مؤسسة منتدى أصيلة تنظم هذا الحدث الثقافي الكبير على دورتين، على غرار الموسمين السابقين: دورة أولى، صيفية مخصصة للفنون التشكيلية، تتواصل إلى 27 يوليو الجاري، ودورة ثانية، خريفية من المنتظر أن تنظم هذا العام خلال شهري أكتوبر ونوفمبر المقبلين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف