اقتسام الحكمة التدبيرية.. لخدمة الاستقرار والتنمية في أفريقيا
مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة نموذج لتعزيز الروابط الثقافية والدينية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ايلاف من الرباط: حرص العاهل المغربي الملك محمد السادس، خلال ربع قرن من حكمه على تحصين مقومات المغرب، العائلية والاجتماعية والتنموية والروحية ، من خلال تطبيق إصلاحات مهمة على مستوى تدبير الشأن الديني، بهدف تعزيز الاستقرار الاجتماعي والديني ومكافحة التطرف، فضلا عن سهره على تعزيز التعاون الديني بين المملكة والدول الإفريقية.
هنا، تقرير للأدوار التي تقوم بها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي أطلقها الملك محمد السادس سنة 2015، لتعزيز الروابط الدينية والثقافية بين المغرب والدول الإفريقية،ولتعزيز ايضا قيم التسامح والاعتدال ومحاربة التطرف في إفريقيا.
ولتحقيق أهدافها، تعمل المؤسسة على تعزيز الروابط الدينية والثقافية بين المغرب والدول الإفريقية، من خلال تعاون ديني يروم توثيق الروابط الدينية عبر تبادل الخبرات والتجارب في مجال الشؤون الدينية، ونشر النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني، القائم على الاعتدال والوسطية؛ وتدريب الأئمة والعلماء من الدول الإفريقية، في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة بالرباط، على قيم الإسلام المعتدل ومهارات الخطابة والدعوة.
كما تقدم المؤسسة برامج تأهيلية وتدريبية لتعزيز قدرات الأئمة والعلماء الأفارقة في مجالات الفقه والشريعة وأصول الدين، وتدعم نشر خطاب ديني معتدل، يتصدى للفكر المتطرف وينبذ العنف، وتنظم، في هذا السياق، ورشات عمل ومؤتمرات لبحث سبل مكافحة التطرف والتطرف العنيف في القارة الإفريقية.
يذكر أن قائمة المدعوين لحضور حفل تنصيب المجلس الأعلى لهذه المؤسسة ضمت أسماء علماء من أزيد من 30 بلدا؛ فيما توجد فروع المؤسسة، اليوم، في 48 بلدا إفريقيا، تشتغل وفق الاحترام التام للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل في بلدانها.
توحيد الفتاوى
تسعى المؤسسة إلى توحيد الفتاوى في الدول الإفريقية لضمان انسجامها مع قيم الإسلام السمحة ومبادئ الاعتدال. وتقوم بإصدار مراجع فقهية موحدة للمساعدة في توجيه العلماء والأئمة في إفريقيا.
على مستوى التعاون الأكاديمي والديني، تعمل المؤسسة على تعزيز تبادل الزيارات بين العلماء والأئمة من المغرب والدول الإفريقية لتبادل الخبرات والمعرفة. كما تدعم المشاريع البحثية المشتركة في مجالات الدراسات الإسلامية والشؤون الدينية.
وتشارك المؤسسة في تطوير البنية التحتية الدينية، من خلال بناء وترميم المساجد في الدول الإفريقية لضمان توفير أماكن عبادة ملائمة؛ مع توفير وتوزيع مصاحف وكتب دينية لتلبية احتياجات المسلمين في الدول الإفريقية.
محمد السادس حريص على تدريب الائمة والعلماء من الدول الإفريقية، في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة بالرباط، على قيم الإسلام المعتدل ومهارات الخطابة والدعوة
وتسهر المؤسسة على الدخول في شراكات مع حكومات الدول الإفريقية ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز التعاون في المجالات الدينية والثقافية. كما تعمل على تنسيق السياسات الدينية بين المغرب وهذه الدول لتعزيز الوحدة والتضامن الإسلامي.
وتمكنت المؤسسة، من خلال هذه الأنشطة والمبادرات، من تعزيز الروابط الدينية والثقافية بين المغرب والدول الإفريقية، ونشر قيم التسامح والاعتدال، ومحاربة التطرف. ومع ذلك، تظل هناك تحديات تتعلق بضرورة استمرار الجهود لتعزيز هذه القيم والتصدي للتحديات الأمنية والفكرية في المنطقة.
نموذج مغربي
يحسب للمؤسسة أنها حققت نجاحات مهمة في نشر النموذج المغربي للإسلام المعتدل وتعزيز التعاون الديني بين المغرب والدول الإفريقية. وقد جاء إحداث هذه المؤسسة، ليؤكد "الروابط الدينية والثقافية التي تجمع المملكة المغربية بعدد من بلدان إفريقيا"، في سياق "ما تستوجبه الظروف الراهنة من إيجاد إطار من التعاون بين علماء المغرب وعلماء البلدان الإفريقية من جهة، وبين هؤلاء العلماء بعضهم مع البعض، من جهة أخرى، على ما يحفظ الدين من التحريف والتطرف، وما يجعل قيمه السمحة في خدمة الاستقرار والتنمية في هذه البلدان"، وفق ما جاء في ديباجة الظهير الشريف (المرسوم الملكي) المحدث لهذه المؤسسة بالجريدة الرسمية للمملكة المغربية.
وشكل هذا "الحدث التاريخي العلمي والديني"، لحظة فارقة، في علاقة المغرب بعمقه القاري، وما يمثله على الصعيد الحضاري والتاريخي، لذلك جاءت الخلفية التاريخية لهذا التأسيس، لتنطلق من معطيات الجغرافيا ووقائع التاريخ التي تكونت من خلالها روابط بين المملكة وعدد من البلدان الإفريقية، جعلت المملكة تحرص على "إدامة علاقات متميزة" مع هذه البلدان، على أساس "ثوابت مشتركة" لم تؤثر فيها العوائق في الماضي البعيد والقريب، سواء تعلق الأمر بالغزو الأجنبي منذ بداية العصر الحديث إلى منتصف القرن العشرين، أو ما تلا ذلك من البحث عن "مرجعيات إيديولوجية من خارج القارة"، بل ظلت تلك الثوابت تثمر "رغبة مشتركة في تجديد هذا التعاون"، لاسيما في الميدانين العلمي والروحي.
تاريخ مشترك
بالإضافة إلى "التواصل البشري" و"التمازج السلالي" عبر الصحراء الكبرى، توطدت الصلات بين المغرب والبلاد الإفريقية الأخرى عبر أنشطة مشهودة كان منها، على الخصوص، حركة التجارة، التي نشطت منذ العهد الأول للإسلام بين المغرب وعدد من الجهات الإفريقية، انطلاقا من منطقة تافيلالت بالخصوص، وكان التجار بين ضفتي الصحراء رسل دين وقيم وثقافة.
وعلى مستوى العلاقات الدبلوماسية، تذكر كتب التاريخ جوانب من العلاقات والاتصالات ذات الطابع الدبلوماسي بين المغرب وبين الممالك التي تأسست جنوبي الصحراء.
وإلى جانب هذه الأنشطة التجارية والسياسية والروحية، قامت بين الطرفين حركة علمية مؤثرة باقية الأثر، إذ أن الشيوخ الذين نشروا الإسلام في المناطق الإفريقية المختلفة حملوا معهم علما مرتبطا بتعاليم الشريعة، وهذا العلم كان مؤطرا بالثوابت التي درج عليها المغاربة، وكان جامع القرويين مهدها ومشكاتها؛ فانطبع التدين في جهات واسعة من إفريقيا بهذا التراث المشترك بين المغاربة وباقي إخوانهم في ربوع إفريقيا، ويتمثل، في الثوابت الثلاثة: "العقيدة الأشعرية" و"المذهب المالكي" و"التصوف"، تضاف إليها قراءة القرآن برواية "ورش" عن "نافع" على الخصوص، إلى غير ذلك من المظاهر الأخرى التي تهم الثقافة الدينية.
واتصف هذا التراث العقدي والمذهبي والروحي المشترك، على مر تاريخه الطويل، بالسماحة والاعتدال، فتبنته أجيال وشعوب على مدى قرون متعددة.
مسؤولية وأمانة
تشكل مؤسسة محمد السادس للعماء الافارقة إطارا مؤسساتيا يضطلع فيه العلماء بمسؤولية أداء واجبهم والقيام بأمانتهم، سيما وأن ما يهم بلدا إفريقيا في مجال فكرة السلم والبناء يهم بلدان إفريقيا بأسرها.
وإلى جانب عناصر السياق الطبيعي المتميز، تاريخيا ودينيا وحضاريا، فإن عنصرا آخر يوضح أهمية مبادرة الملك محمد السادس، ويتمثل في الممارسة المغربية بقيادة إمارة المؤمنين لتدبير الشأن الديني في توافق بين الثوابت الدينية والثقافية الأصيلة وبين الاختيارات الحديثة في مجال التنمية والحرية والحقوق وضمان قيم المواطنة.
تنسيق الجهود
يحظى النموذج المغربي بتقدير من جهات إفريقية علمية وسياسية، لا سيما بالنظر إلى التراث الديني والفكري والحضاري المشترك، حيث أن "اقتسام الحكمة التدبيرية في هذا المجال أغلى من اقتسام التجربة في أي مجال آخر"، و"لا يتعلق الأمر بتصدير بضاعة أو استيراد أفكار"، لأن هذا الاقتسام إذا قدر بلغة القرآن "يدخل في البر والتقوى، وقد أمر الله أن يتعاون الناس على البر والتقوى وألا يتعاونوا على الإثم والعدوان".
عمل في العمق
جاء القرار الملكي بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة لتمكين العلماء الأفارقة من تنسيق الجهود ووضع البرامج، والتشاور وتبادل الرأي والتجارب.
وفي معرض الكلمة الذي ألقاها بمناسبة الإعلان عن تأسيسها، قال رئيسها المنتدب، أحمد التوفيق، إن قرار إحداث هذه المؤسسة "ليس وليد ظرفية خاصة أو فكرة طارئة، بل هو عمل في العمق، يعتمد على علاقات المملكة المغربية بهذه البلدان في الماضي، كما يستند إلى جملة من الاهتمامات المتصلة بالحاضر والمستقبل".وأوضح أن وشائج الماضي، تتمثل في اللحمة البشرية بين المملكة وبين العمق الإفريقي جنوبي الصحراء، كما تتمثل في "تراث حضاري وثقافي مشترك، يتجلى على الخصوص في وحدة المقوم الديني، بأبعاده العقدية والمذهبية والروحية، كتراث مادي وروحي، عقلاني وعاطفي، صمد و لا يزال يصمد للأطماع والدسائس ولإغراء الإيديولوجي المتنوع المصادر".
وفي ضوء هذا السياق، يمكن لكل متتبع، يضيف التوفيق، أن يتأكد أن إنشاء المؤسسة "مشروع في إطار الاستمرارية التاريخية، والتعهد المتجدد" لأمانة رعاية هذه العلاقات، ولا سيما في جانب "حماية الملة والدين، المنوطة بإمارة المؤمنين". وأضاف أن من تجليات هذا التعهد في العقود الأخيرة، إقامة مساجد في بعض البلدان، والحضور المستمر للعلماء الأفارقة في الدروس الحسنية، وتأسيس رابطة علماء المغرب والسنغال، وإنشاء معهد الدراسات الإفريقية، واحتضان لقاءات للطرق الصوفية، وتفعيل عدد من اتفاقيات التعاون في الشؤون الإسلامية.
أما علاقة إحداث هذه المؤسسة باهتمامات الحاضر والمستقبل، يضيف الرئيس المنتدب، فتتمثل، على الخصوص، في أمرين، أولهما "انتظارات معبر عنها رسميا" من جانب بلدان إفريقية، تتجلى على الخصوص في الطلبات الموجهة إلى ملك المغرب، بخصوص تكوين الأئمة والمرشدات، اقتناعا من هذه الدول بضرورة تأطير سليم للتدين، وفق تقاليد السماحة والاعتدال، وثانيهما "تشوف العلماء الأفارقة إلى التعاون"، وهي "رغبة ملحة صادرة عن وفائهم لأسلافهم الذين تنتهي معظم أسانيدهم في العلم والسلوك إلى مشيخات في المملكة المغربية، إنها حقيقة لا يشوبها من ولا أذى".
وأضاف الرئيس المنتدب أن خدمة الدين، على منوال إحداث هذه المؤسسة، "لا يمكن أن تكون لها أهداف مبطنة، إذ هي مبنية على الإخلاص لله تعالى في حسن التبليغ الذي هو المهمة النبيلة للعلماء، مهمة لا يمكن تسخيرها إلا لما ينفع الناس في الأرض، وأساس ما ينفع الناس هو المحجة البيضاء في بناء السلام والاستقرار والعمل الصالح الذي تعبئ له قيم الدين، إذا حفظ فهمه وصينت ممارسته من الجهل والزيف والتطرف".
أهداف
حددت للمؤسسة أهداف، تشمل توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين بكل من المغرب وباقي الدول الإفريقية، للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها، والقيام بمبادرات في إطار كل ما من شأنه تفعيل قيم الدين السمحة في كل إصلاح تتوقف عليه عملية التنمية في إفريقيا، سواء على مستوى القارة أو على صعيد كل بلد؛ وتنشيط الحركة الفكرية والعلمية والثقافية في المجال الإسلامي؛ وتوطيد العلاقات التاريخية التي تجمع المغرب وباقي دول أفريقيا والعمل على تطويرها؛ والتشجيع على إقامة المراكز والمؤسسات الدينية والعلمية والثقافية؛ وإحياء التراث الثقافي الإفريقي الإسلامي المشترك من خلال التعريف به ونشره والعمل على حفظه وصيانته؛ وربط الصلات وإقامة علاقات التعاون مع الجمعيات والهيئات ذات الاهتمام المشترك.
وينص الظهير الشريف (مرسوم ملكي) المحدث لهذه المؤسسة على إمكانية إحداث فروع لها في مختلف البلدان، ويؤكد على أن إحداث تلك الفروع يتم وجوبا في مراعاة لقوانين البلد وأوضاعه، حيث يفهم من هذا التأكيد أن فرع المؤسسة في بلد ما لا يمكن أن يكون بديلا لأي هيئة وطنية أو محلية رسمية أو أهلية.