من الإيقاف إلى المجد: رحلة اللاعبة الجزائرية الملهمة
كيف منح الضغط الشعبي كيليا نمور ميدالية ذهبية تاريخية في الأولمبياد؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لم تكن تدري اللاعبة الشابة كيليا نمور عندما تعرضت لإصابة احتاجت لعلاج طويل، عادت منه للإيقاف لمدة عام، أن ذلك سيقلب حياتها رأسًا على عقب، وأنها ستكون على بعد أشهر من دخول التاريخ.
ولدت نمور في فرنسا لأم فرنسية وأب كان والداه جزائريين، لتحمل الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، وبدأت ممارسة لعبة الجمباز صحبة شقيقتها وهي في الرابعة من العمر.
وهي في الحادية عشرة من العمر بدأت موهبتها في البروز، وبدأت تشارك في بطولات خارجية مع ناديها أفوان، قبل الانضمام لمنتخب فرنسا للجمباز للناشئين، وشاركت في بطولة البحر المتوسط وهي في الثانية عشرة من العمر في 2019، وفيها ساعدت فرنسا في الحلول في المركز الثالث كفريق، وأتت هي في المركز الأول في الفردي العام والعارضتين غير المتوازيتين وعارضة التوازن.
أخذت موهبة نمور في التطور والتفوق على اللاعبات المحترفات الأكبر سناً وهي لا تزال ناشئة، وساعدت فرنسا وناديها أفوان في الفوز بالعديد من الألقاب، حتى أتى عام 2021 وهي لا تزال في مرحلة الناشئين، وبدأت تعاني من التهاب في العظم والمفاصل، واضطرت للخضوع لجراحتين في الركبتين وهي لا تزال في الرابعة عشرة من العمر.
ثمانية أشهر قضتها نمور بعيدة عن الملاعب حتى عادت للتدريبات في مارس 2022، على أمل تحقيق حلمها بتمثيل فرنسا في أولمبياد باريس 2024، إلا أن الأمور بدأت ف التحول معها.
فبالرغم من موافقة طبيبها الخاص ومدربها في النادي على عودتها للتدريبات، إلا أن طبيب المنتخب الفرنسي لم يرغب في ذلك، كما كان الاتحاد الفرنسي للجمباز يرغب في أن تترك نمور ناديها في أفوان وتتدرب في العاصمة باريس تحت إشرافهم، وهو ما رفضته اللاعبة.
ونتيجة لذلك، ونظراً لتعنت الاتحاد الفرنسي معها، قررت نمور تغيير جنسيتها وتمثيل الجزائر، لتتقدم بطلب للاتحاد الدولي للجمباز، الذي وافق على تغيير جنسيتها للجزائرية، إلا أن القوانين في هذه الحالة تتطلب موافقة اتحاد البلد الأصلي، أو البقاء لمدة عام كامل دون مشاركة في منافسات دولية تخضع لإشراف الاتحاد الدولي للجمباز قبل تمثيل البلد الجديد.
رفض الاتحاد الفرنسي للجمباز طلب نمور، وتعنت في السماح لها بتمثيل الجزائر دوليًا، لتقرر البقاء لمدة عام إضافي دون مشاركة في بطولات دولية رسمية، كبطولة العالم وبطولة إفريقيا.
خلال فترة التوقف والتي بدأت من يوليو 2022، لم يكن بإمكان كيليا نمور أن تشارك في البطولة الإفريقية، ولكنها شاركت مع الجزائر في البطولة العربية التي لم تكن بطولة رسمية تحت إشراف الاتحاد الدولي للجمباز، وساعدت الجزائر في الفوز بذهبية الفرق.
نمور بلغت السادسة عشرة من العمر وأصبحت مؤهلة رسميًا للمشاركة في بطولات الكبار، وكانت حظوظها في المشاركة في الأولمبياد لتتقلص إن لم تشارك في بطولة العالم، وبالتالي التصفيات المؤهلة لها، وهي بطولة إفريقيا، وحتى تشارك في بطولة إفريقيا كان على الاتحاد الفرنسي للجمباز أن يسمح لها بتغيير جنسيتها.
وكان العام الفاصل بين تمثيلها لفرنسا وتمثيل الجزائر سينتهي في يوليو 2023، بعد شهرين من بطولة إفريقيا، ووصلت قصة نمور للجماهير ومحبي الجمباز حول العالم، والرياضيين والمدربين، لتنتشر عريضة أو التماس بتوقيع الآلاف يطالبون فيها رئيس الاتحاد الفرنسي للجمباز بترك نمور للجزائر.
ومع الضغط الجماهيري، تمت مناقشة الأمر في برنامج تلفزيوني، تحدث فيه ستة لاعبي جمباز فرنسيين سابقين، عن الإساءات التي تعرضوا لها من قبل الاتحاد الفرنسي للجمباز، وبعد هذا العرض، فتحت وزيرة الرياضة والأولمبياد الفرنسية تحقيقًا، تسبب في إخلاء طرف نمور، لتستطيع المشاركة أخيراً مع الجزائر في التصفيات العالمية والأولمبية، قبل شهرين من نهاية العام.
استطاعت نمور أن تفوز بالبطولة الإفريقية، ومن خلالها تأهلت لبطولة العالم، والتي تأهلت فيها للنهائي، لتستطيع التأهل للأولمبياد، وبعد عام ممتاز من اللاعبة الشابة التي لم تتم عامها السابع عشر بعد، ليتم اختيارها أفضل رياضية في الجزائر لعام 2023، بعد عامين متتاليين من فوز الملاكمة إيمان خليف بالجائزة.
عدد من الميداليات فازت بها نمور مع الجزائر في وقت قصير، حتى وصلت إلى أولمبياد باريس محملة بآمال الجزائريين، وفي منافسات الفردي العام احتلت المركز الخامس، أعلى مركز وصله أي لاعب جماز إفريقي في الأولمبياد، قبل خوض نهائيات العارضتين غير المتوازيتين، والتي تبرع فيها اللاعبة الشابة.
قبل خوضها المنافسات شاهدت نمور اللاعبة الصينية تشو تشيوان بطلة العالم 2023 تقدم أداءً مذهلا وتحقق 15.500 نقطة لتتصدر الترتيب، إلا أن ذلك لم يؤثر على اللاعبة الشابة ذهنيًا، واستطاعت تقديم أداءٍ أبهر الحضور، لتهتف لها الجماهير الحاضرة في المدرجات وغالبيتهم من الفرنسيين، بعدما حققت 15.700، لتتصدر الترتيب وتفوز لاحقًا بالذهبية.
نمور استطاعت الفوز بذهبية تاريخية، لتصبح أول لاعبة جزائرية وإفريقية وعربية تفوز بميدالية أولمبية في الجمباز في الأولمبياد، أول ذهبية للجزائر منذ أولمبياد لندن 2012، وسادس ميدالية أولمبية ذهبية في تاريخ الجزائر.
نمور بعد الذهبية قالت: "شاهدت أداء تشوان وكان عليّ أن أركز أكثر وأن أقدم أفضل ما لديّ، وكانت الذهبية نتيجة لسنوات من التدريبات المكثفة، بذلت مجهودًا كبيرًا مع فريقي ومدربي وكان الكل يساعدني، هي لحظة رائعة بالنسبة لنا وأريد أن أشكر الجميع".
وتحدثت نمور عن الجماهير وعن الفوز بالذهبية في باريس قائلة: "اللعب في باريس أم خاص للغاية، لقد دعموني بشكل كامل الجزائريين والفرنسيين، وهو ما يعني الكثير بالنسبة لي، زملائي في النادي كانوا عاملاً رئيسياً في أدائي، لأننا نعمل سوياً، وأدائي الفردي هو أيضًا جزء من العمل الجماعي، هم يدفعونني للأمام لأكون أفضل ولأتحسن خلال تدريباتنا والبطولات، وأنا الآن متحمسة لأعود للنادي لاستمتع معهم".
وعن المشاركة في الأولمبياد قالت: "هي بداية جيدة لي في الأولمبياد، والآن عليّ أن أستمتع وأن أذهب في فترة عطلة قبل أن أبدأ التدريبات من جديد لأربع سنوات أخرى، كانت كل السيناريوهات في رأسي، لقد مررت بالكثير في العام ونصف الأخيرين، كنت أحلم بهذه اللحظة وأنتظرها، ولن أنسى هذه اللحظة العظيمة".
واختتمت حديثها متوجهة برسالة للجزائريين قائلة: "أرغب في أن أشكر الجزائريين مجددًا لدعمهم الكامل، لأن هذا الدعم هو ما ساعدني لأفوز، وان تو ثري فيفا لالجيري!".
وفي تصريحات خاصة لبي بي سي يقول خير الدين برباري رئيس البعثة الجزائرية في أولمبياد باريس 2024: "هذا التتويج تاريخي، ويعكس تضحيات وطموحات شعب بأكمله، فالميدالية الأولمبية هو استثمار لكل دولة، والدولة الجزائرية وضعت إمكانيات كبيرة في إطار برنامج التحضير الأولمبي، ولم تكن لدينا توقعات بل أهداف، وحققنا نصف الهدف في الملاكمة عن طريق البطلة إيمان خليف، وحققنا ميدالية ذهبية في الجمباز، ونطمح كذلك إلى ميدالية ثالثة في ألعاب القوى".
ويضيف: "برنامج التحضير بدأ مباشرة بعد أولمبياد طوكيو، خاصة أن الجزائر وسط ظروف وباء كورونا كان هناك تذبذبًا في التحضيرات، ما أدى إلى مشاركة مخيبة بصفر ميدالية، لذلك كان يجب علينا أن نتجند كلنا كرياضيين ومدربين واتحاديات من أجل إعلاء الراية الوطنية هنا في باريس، بما أنها ألعاب استثنائية وهناك علاقات تاريخية تجمع البلدين، ولذلك كانت هناك رمزية كبيرة وخاصة بالنسبة للشعب الجزائري أن يسمعوا النشيد الوطني هنا في باريس".
وعن فوز كيليا نمور بالميدالية الذهبية يقول: "كنا مصممين على أن تفوز كيليا بالذهب، لأنها في التصفيات وفي نهاية الفردي العام لاحظنا أن البطلة متفوقة في هذا الاختصاص، وكانت المنافسة قوية مع اللاعبة الصينية بطلة العالم، ولكنها ليست مفاجأة بالنسبة لنا، وإنما نتيجة لعمل دام لسنوات وكذلك تخطيط للجنة الأولمبية الجزائرية".
اللجنة الأولمبية الجزائرية وصفت نمور على صفحتها على فيسبوك بالأسطورة، وتوجه لها رئيس الجمهورية الجزائرية بالشكر، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بكلمات المديح والثناء على اللاعبة الجزائرية الشابة، التي لم تكن تتوقع قبل عام، بعدما تعرضت لإصابة طويلة ثم لإيقاف أطول، أنها ستعود سريعا، وتدخل التاريخ العربي والإفريقي في الأولمبياد.
حظر الحجاب يخيّم على مشاركة الرياضيات الفرنسيات في أولمبياد باريس ماذا يحدث في كواليس الأولمبياد؟من هو يوسف ديكيتش، الرامي التركي الذي أثار الدهشة في أولمبياد باريس؟ندى حافظ ليست أول حامل تنافس في الألعاب الأولمبية