لعبة النفوذ الجديدة في الشرق الأوسط
ماذا وراء توسط الصين وروسيا لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لطالما اعتبرت الصين وروسيا داعمتين للقضية الفلسطينية منذ فترة طويلة، لكن في الآونة الأخيرة، بدأت بكين وموسكو في الاضطلاع بأدوار جديدة وغير عادية، كالوساطة في الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، لاسيما بعد اندلاع الحرب الأخيرة في غزة قبل عام.
وفي تموز (يوليو) الماضي، وقعت حماس وفتح وفصائل فلسطينية أخرى اتفاقاً مبدئياً في العاصمة الصينية بكين لتشكيل "حكومة انتقالية للمصالحة الوطنية" بهدف إدارة غزة بعد انتهاء الحرب، كما التقت نفس المجموعة في موسكو في شباط (فبراير) الماضي، سعياً إلى التوصل إلى اتفاق مماثل.
وتحافظ كل من الصين وروسيا على علاقات مع قوى إقليمية مهمة مثل إيران وسوريا وتركيا، وعلى نقيض القوة العظمى المنافسة الولايات المتحدة، لا تعتبر بكين ولا موسكو حماس منظمة إرهابية، وبالتالي لا تجد أي مشكلة في دعوتها إلى الحوار.
ولكن هل تؤدي مثل هذه الوساطة إلى نتائج ملموسة؟ يرى الخبراء الذين وجهت إليهم بي بي سي هذا السؤال أنها قد لا تؤدي إلى ذلك، ولكن يطرحون سؤالاً آخراً حول الأهداف التي تسعى الصين وروسيا إلى تحقيقها من خلال تلك المساعي؟.
هناك هدفان رئيسيان: اكتساب النفوذ الدولي، ومواجهة القوة الأمريكية والغربية.
من ماو إلى شي جين بينغمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية الحديثة عام 1949، أبدت هذه الدولة العملاقة تعاطفها الدائم مع القضية الفلسطينية.
وكان مؤسسها ماو تسي تونغ ينظر إلى إسرائيل بنفس الطريقة التي ينظر بها إلى تايوان "قاعدة للإمبريالية الغربية أنشئت للسيطرة على المعارضين المحتملين للنظام العالمي الذي فرضته واشنطن".
وقال أحمد أبو دوح، الباحث في تشاتام هاوس، لبي بي سي موندو إن الخطاب المعادي للغرب والاستعمار في الصين الجديدة "ينطلق من إدراكها أن تجربتها الخاصة تُعد انعكاساً للمعاناة الفلسطينية".
ولكن الدعم لم يتوقف عند حدود الخطاب فقط، بل أرسل ماو، الذي دعم حركات التحرير في مختلف أنحاء العالم، الأسلحة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وكان له تأثير واسع النطاق على تفكيرها.
روسيا وأوكرانيا: بوتين يقول إنه سيناقش خطة الرئيس الصيني لإنهاء الحرباجتماع شي وبوتين: ما يمكن توقعه من المحادثات الصينية-الروسيةبوتين وشي: انتهاء علاقة الأقران الأندادولكن السياسة الخارجية الصينية تغيرت مع صعود دينغ شاوبينغ إلى السلطة عام 1978 تحت شعار "الثراء مجد".
ولكي تتمكن الصين من تحقيق رؤيتها لاقتصاد السوق الاشتراكي، كان عليها أن تصلح نفسها وتنفتح على العالم، وكي تتمكن من تحقيق ذلك كان عليها أن تنتقل من الإيديولوجية إلى البراغماتية، وبدلاً من دعم الجهات الفاعلة غير الحكومية، كانت الصين مهتمة بتوسيع علاقاتها الدبلوماسية مع القوى الكبرى ومتوسطة الحجم في العالم.
وقال أبو دوح إن تولي شي جين بينغ رئاسة البلاد في 2012 غيّر كل ذلك، فالرئيس الصيني أعاد إدخال عنصر أيديولوجي إلى سياسته الخارجية، لكنه دائماً ما يكون لخدمة المصالح العملية للصين، ويجسد الموقف الصيني من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هذا النهج إلى حدٍ كبيرٍ.
من ستالين إلى بوتينبدأت العلاقة بين روسيا والفلسطينيين بشكل مختلف بعض الشيء عن البداية مع الصين. فعندما أعلنت إسرائيل نشأتها عام 1948، كان الاتحاد السوفييتي في عهد جوزيف ستالين من أوائل الدول العالم التي اعترفت بها.
وقال مارك كاتز، الأستاذ الفخري لشؤون الحكومات والسياسة في جامعة جورج ماسون، لبي بي سي موندو: "في ذلك الوقت، بدا الأمر كما لو كانت إسرائيل ذات ميول اشتراكية، في حين كانت جميع الدول المجاورة لا تزال مستعمرات أوروبية".
ولكن إسرائيل لم ينته بها الأمر إلى أن تكون دولة اشتراكية، ففي منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، تحالف الزعيم السوفييتي السابق نيكيتا خروشوف مع الدول التي تبنّت حركة القومية العربية.
وأضاف كاتز: "كانت القضية الفلسطينية مفيدة للغاية بالنسبة لموسكو، ففي حين دعمت الولايات المتحدة إسرائيل، كان دعم السوفييت للفلسطينيين هو الأمر الذي جعلهم يتمتعون بقدر أكبر من الشعبية بين الدول العربية".
مع ذلك، في حين كانت القضية الفلسطينية مسألة مبدأ بالنسبة للعديد من العرب، كانت بالنسبة لموسكو مجرد أداة للموائمة.
وأشار كاتز إلى أن "(الروس) لم يكونوا داعمين إلى الحد الذي قد يؤدي إلى نشوب صراع مع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، ولم يكونوا معادين لإسرائيل على الإطلاق".
ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأ العداء الروسي تجاه إسرائيل يتراجع، ورُفعت القيود التي كانت تمنع اليهود من الهجرة إلى البلاد، وبحلول الوقت الذي تولى فيه فلاديمير بوتن رئاسة روسيا عام 2000، كان أكثر من مليون إسرائيلي يهتمون بالتراث السوفييتي، كما كان الكثير منهم يتحدثون اللغة الروسية.
ومنذ ذلك الحين، حاول الكرملين إيجاد التوازن بين علاقته بإسرائيل ودعمه للفلسطينيين، لكن العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية أصبحت باردة في الآونة الأخيرة، خاصة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، عندما شنت حماس هجوماً مفاجئاً على إسرائيل، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص واحتجاز 251 آخرين، وردت إسرائيل بشن حرب على غزة أسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني.
هل يهدد توسع النفوذ الصيني المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟كيف تفوقت الصين على الولايات المتحدة دبلوماسيا؟ نظام عالمي بديلوأصبحت الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، إذ يأتي حوالي نصف وارداتها النفطية من دول في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، فهل يعني هذا أن جهودها للتوسط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرتبطة بمصالحها الاقتصادية؟ وفقاً لأحمد أبو دوح، زميل تشاتام هاوس، فإن الإجابة هي: لا.
وقال الخبير الأكاديمي إن "الكثير من الدول العربية قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، والدول التي لم تفعل ذلك بعد، مثل المملكة العربية السعودية، مستعدة للقيام بذلك عندما يهدأ غبار الحرب في غزة، وأدركت الصين هذا الأمر، وهي لا تربط هاتين المسألتين".
بعبارة أخرى، يرى أبو دوح أنه لن يتوقف أحد عن بيع النفط للصين بسبب موقفها من الصراع.
وربما يكون دافع الصين مرتبطاً أكثر بمنافستها مع الولايات المتحدة والصورة التي تريد تصديرها على المستوى الدولي في ضوء موقعها الجديد كقوة عالمية كبرى.
ويرى أبو دوح أن "الصين تريد أن يُنظر إليها كقوة عظمى حكيمة ومسؤولة مهتمة بالوساطة وبناء السلام".
ويرجح أيضاً أن بكين تسعى إلى "طرح وجهة نظر بديلة عن منظور الولايات المتحدة للسلام أمام للنظام العالمي" - خاصة في جنوب الكرة الأرضية &- حيث تدعم أغلب دول تلك المنطقة الفلسطينيين.
وأضاف: "أعتقد أن الصين ليس لديها أي فكرة عن كيفية توحيد الفلسطينيين أو كيفية حل الصراع المعقد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وليس لديها أي مصالح رئيسية مرتبطة بحل هذا الصراع".
تشتيت الانتباه عن أوكرانيايقول كاتز إن الصراع بين حماس وإسرائيل كان مفيداً للغاية بالنسبة لروسيا لتحويل الانتباه بعيداً عن الحرب في أوكرانيا، إذ لم يختف الصراع في أوروبا من أجندة الأخبار منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 فحسب، بل إن بعض مساعدات الأسلحة التي كان حلفاء أوكرانيا، خاصة الولايات المتحدة، يرسلونها إلى كييف، أُعيد توجيهها إلى إسرائيل منذ اندلاع الحرب.
وأضاف كاتز أن "الكرملين يعتقد أن الغرب يطبق معايير مزدوجة عندما يتهم روسيا باحتلال أوكرانيا بينما يبقى صامتاً بشأن ما تفعله إسرائيل في فلسطين".
وقال أبو دوح من تشاتام هاوس إن دور الوسيط الذي تلعبه روسيا يهدف إلى مساعدتها على "الخروج من العزلة الدولية" التي فرضها الغرب بعد غزوها لأوكرانيا.
ورجح أن "هناك شركاء في دول الخليج على وجه الخصوص على استعداد للقيام بذلك، ومواصلة العمل مع روسيا".
ولم تكن حماس، التي سيطرت على غزة في عام 2007، الشريك الفلسطيني المفضل لروسيا بسبب أيديولوجيتها الإسلامية، ولكن هذا لم يمنع روسيا من العمل مع الحركة وحتى الاستفادة من علاقتهما.
ويرى كاتز أن جزءاً من حوافز بوتين لإقامة علاقات مع حماس كان "ضمان عدم دعمها للجماعات الجهادية داخل روسيا، وخاصة في الشيشان".
وأكد أن هذه الاستراتيجية نجحت بالفعل، "عندما غزت روسيا جورجيا في 2008، كانت كل من حماس وحزب الله تدعمان الموقف الروسي بشأن جورجيا. ولم يكن هذا الدعم ذا أهمية كبيرة، ولكنهما لم تتبنيا قط قضية المسلمين داخل روسيا".
لكن خبراء يعتقدون أنه على الرغم من الحفاظ على العلاقات مع حماس، لا يبدو أن الكرملين أرسل أي أسلحة إلى الحركة. ويقول باحثون إن أحد أسباب ذلك هو أن موسكو لا تريد المخاطرة بقيام إسرائيل بنفس الشيء مع أوكرانيا.
استراتيجيات مختلفةقد تكون بعض أهدافهما متشابهة، خاصة في ما يتصل بتقويض النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط والجنوب العالمي، ولكن الصين وروسيا لديهما أساليب مختلفة للغاية.
وأول هذه الاختلافات أن روسيا متورطة عسكرياً في المنطقة من خلال التدخل في سوريا، وهو الأمر الذي لا تنوي الصين القيام به.
وبينما تسعى الصين إلى الحفاظ على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط من خلال إجراء بعض التعديلات بما يتناسب مع مصالحها، فإن روسيا تريد "تفجيره بالكامل وإعادة هيكلته بطريقة تخدم مصالحها"، بحسب أبو دوح.
وأضاف أبودوح أن بكين ترغب في حل الصراع من خلال إقامة دولة فلسطينية يكون للصين فيها أكبر تأثير.
ولكن الكرملين يلعب بأوراق مختلفة، وأوضح أبو الدوح أن موسكو لا تسعى لحل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل تتظاهر فقط بأنها تسعى إلى التوصل لحل.
فيما أشار كاتز إلى أنه "إذا تم حل هذه القضية نهائياً، فلن يحتاج أي من الجانبين [الإسرائيليين والفلسطينيين] إلى روسيا في أي شيء؛ فكلاهما سيعمل على التنمية الاقتصادية، ومن أجل ذلك سيتعين عليهما التوجه إما إلى الغرب أو إلى الصين أو إلى كليهما".
وأضاف أن "روسيا تستفيد من عدم الاستقرار، ولكن ليس من الاضطرابات الشديدة. إنهم يريدون أن تظل الأمور على نار هادئة، ولا تتطور إلى درجة الغليان".