القاهرة تتحوط للأسوأ
اقتصاد الحرب.. ماذا وراء تصريح رئيس وزراء مصر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اتفق خبراء تحدثوا لبي بي سي على استبعاد أن تصل مصر إلى إعلان الدخول في "اقتصاد الحرب"، لأن ذلك يحدث حينما تدخل البلاد كطرف مباشر في مواجهة عسكرية تستلزم توجيه القدر الأكبر من الموارد للعمل العسكري وهو حتى الآن "أمر غير مرجح لمصر في المدى المنظور" حسب وصف الخبراء.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قال في مؤتمر صحفي مساء الأربعاء إنه "لو حدثت تطورات حرب إقليمية سندخل فيما يسمى اقتصاد حرب"، موضحا " أنه في حالة سوء الأوضاع السياسية في المنطقة ستتخذ مصر مزيدا من إجراءات الترشيد".
واستطرد مدبولي، الذي تدير بلاده منذ سنوات برنامج إصلاح اقتصادي. للتدليل على حديثه بأنه "خلال أسبوع فقط زاد سعر برميل النفط 10%.. وهذا يضع مزيدا من الأعباء على الدولة المصرية".
توضيح حكوميتوجهت بي بي سي إلى محمد الحمصاني المتحدث باسم الحكومة المصرية للحصول على توضيح حول وصف اقتصاد الحرب الذي استخدمه رئيس الوزراء فأحالنا المتحدث إلى تصريحات أدلى بها لفضائية محلية حول هذا الأمر.
وقال الحمصاني في تصريحه إن مدبولي كان يقصد "اتخاذ إجراءات استثنائية على المستوى الاقتصادي، لمواجهة أي نقص في سلاسل الإمداد".
واستشهد بما واجهته جميع دول العالم من نقص في سلاسل الإمداد للسلع الأساسية، خلال أزمة جائحة كورونا، قائلًا إن "الدولة اتخذت وقتها مجموعة من الإجراءات لمواجهة التداعيات".
وأوضح متحدث الحكومة المصري أن "الإجراءات تضمنت وقتها الاستيراد من مصادر أخرى، وبناء مخزون استراتيجي على المستوى المحلي".
وشدد على أن: "كل دولة لها خطة طوارئ للتعامل مع أي نقص في الإمدادات خلال أوقات الأزمات، وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء، خلال المؤتمر الصحفي".
لكن متحدث الحكومة طمأن المصريين بأن "الحكومة تعمل على مواجهة أسوأ السيناريوهات"، مؤكدًا أن "الدولة لديها مخزون استراتيجي من السلع الأساسية يكفي لعدة أشهر".
ما هو اقتصاد الحرب؟ظهر مصطلح اقتصاد الحرب لأول مرة خلال الحرب الأهلية الأمريكية ما بين عامي 1861 و1865، ثم برز مجددا مع الحرب العالمية الثانية عندما أشار الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت في أحد خطاباته إلى ضرورة التحول إلى اقتصاد حرب في حال انتصار دول المحور.
وتعتبر الولايات المتحدة من بين أكثر الدول التي طبقت مفهوم اقتصاد الحرب خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب فيتنام.
ويعني اقتصاد الحرب تحويل الاقتصاد الوطني بشكل كامل أو جزء منه لخدمة المجهود الحربي وتوفير احتياجات القوات المسلحة وما تتطلبه لخوض المعارك العسكرية وكذلك الدفاع عن البلاد.
ويعتمد اقتصاد الحرب على مجموعة من القوانين التي تتيح للدولة السيطرة على كافة الموارد وتلزم المصانع بتطبيق تغييرات جوهرية لتحقيق الأهداف وتحقيق التوازن بين الاحتياجات العامة للدولة بما فيها الاحتياجات العسكرية، وتشمل أيضا تغييرات جوهرية بما فيها الضرائب.
وقد طبقت مصر اقتصاد الحرب قبل نحو 57 عاما وتحديدا في الفترة من 1967 وحتى 1973، عندما أعلن الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء وقتها عن "ميزانية المعركة" التي جاءت بهدف تعبئة الاقتصاد وتنظيمه خلال فترة الحرب، بهدف توفير جميع احتياجات القوات المسلحة خلال فترة الحرب وتمويل المتطلبات الناتجة عنها.
وخلال ميزانية الحرب كان المقرر أن تعد الحكومة خطة للتصدير والاستيراد لضمان توفير الدولار مع التركيز على الاستيراد من الدول العربية والصديقة، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية كبديل للمنتجات المستوردة، الأمر الذي يسهم في تعزيز الصناعة الوطنية وتقليل الاعتماد على الخارج.
المحلل الاقتصادي في صحيفة فايننشال تايمز أنور القاسم يقول لبي بي سي إن "مصر دولة محورية في المنطقة المشتعلة حاليا بالشرق الأوسط، وأي تداعيات تؤثر عليها سياسيا واقتصاديا".
وينوه القاسم إلى أنه إذا ساءت الأوضاع أكثر من ذلك واتسعت رقعة الحرب الإقليمية بالمنطقة فإن مصر قد تضطر لاتخاذ إجراءات شبيهة بتلك التي يتم اتخاذها وقت الحرب نظرا لأن اقتصادها ليس في وضع جيد، خاصة مع تضرر مواردها الرئيسية كقناة السويس وانخفاض إيرادات السياحة وتراجع الاستثمار المباشر.
ويشرح القاسم أنه من ضمن الإجراءات التي قد تتخذها مصر وقف الاستيراد من الخارج للحفاظ على النقد الأجنبي، والاعتماد على الإنتاج المحلي، واستخدام احتياطات الذهب في توفير الاحتياجات الأساسية، والعمل على وقف انخفاض الجنيه، وإصدار قوانين وقرارات خاصة بهذه الفترة.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن مطلع هذا الأسبوع أن قناة السويس خسرت حوالي 60 % من دخلها أي ما يعادل 6 مليارات دولار خلال ثمانية أشهر بسبب الأوضاع في المنطقة، وأن هذا لابد أن يدفع المصريين للقلق من احتمال اتساع رقعة الحرب والصراع.
سعد الغباري، وهو محلل اقتصادي أول في شركة مزيج للاستشارات الاستراتيجية، يقول لبي بي سي "إن مصر ليست في حاجة ماسة حاليا للدخول في اقتصاد الحرب بمعناه الحرفي لأنها ليست مهددة بالدخول في حرب كما أنها ليست في عداء مع إسرائيل التي تخوض حروبا مع دول قريبة من مصر".
ويشرح أن تصريح رئيس الوزراء "ربما قصد منه التعبير عن تحوط الحكومة المصرية واستعدادها لأسوأ الظروف أكثر منه كإعلان عن إمكانية الدخول الحقيقي في اقتصاد الحرب".
وينوه الغباري إلى أن مصر بالفعل منذ عدة سنوات تتخذ إجراءات اقتصادية صعبة نظرا لسوء الوضع الاقتصادي والإقليمي ولكن حتى الآن لم يتحقق ما يمكن وصفه باقتصاد الحرب الذي توجه فيه كل موارد الاقتصاد تقريبا للمجهود الحربي.
من جهته يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان عمرو سليمان لبي بي سي إن سيناريو دخول مصر في مواجهة عسكرية مع أي طرف حاليا مستبعد، ولكن في حالة اتساع الحرب بالإقليم، ورغم عدم وجود مصر كطرف مباشر فيها، فإن اقتصادها سيتأثر بشدة ومن ثم يمكن أن تدخل مصر فيما يسمى اقتصاد الطوارئ أو الأزمات الكبرى.
ويشرح سليمان أن اقتصاد الطوارىء يوجه فيه جزء من الاقتصاد للاحتياجات الدفاعية لأن البلاد ستكون في حالة تأهب لأي طوارئ عسكرية تنتج عن الحرب الدائرة في الإقليم، فضلا عن ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار وتقليل استهلاك أو منع استهلاك السلع الترفيهية لصالح السلع الأساسية.
تأثر مناخ الاستثمارعمرو سليمان يستبعد أن يؤثر تصريح رئيس الوزراء المصري عن اقتصاد الحرب على مناخ الاستثمار بمصر أو أن يؤدي لهروب الاستثمار الأجنبي، مشيرا إلى أن الظروف الإقليمية وظروف مصر ليست خافية على أحد، فمصر خلال عام الحرب بين إسرائيل وغزة جذبت استثمارات أجنبية كثيرة.
ويشدد سليمان على أن تصريحات رئيس الوزراء يمكن اعتبارها رسالة طمأنة للمستثمرين بأن الحكومة لديها تخطيط مبكر للتعامل مع أي طواريء أو أزمات مما يؤدي لتفادي أية خسائر كبيرة.
ويتفق معه وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، حيث يقول لبي بي سي إن الاستثمار الأجنبي حاليا سواء في مصر أو في أي دولة "لا يأتي بناء على الظروف والمناخ الاستثماري، بل بناء على ضمانات وتفاهمات مع الحكومات".
ويشدد على أن حديث رئيس الوزراء يعني للمستثمر أن مصر لا تترك الأمور للصدفة أو للظروف بل إن هناك تخطيط واستعداد مبكر لها وتلك رسالة إيجابية.
وينوه جاب الله إلى أنه لا يمكن اعتبار تلك التصريحات بأنها تمهيد من الحكومة لإجراءات اقتصادية صعبة على المواطنين، لأن مصر لديها برنامج إصلاح اقتصادي معلن يتضمن إجراءات متفق عليها مع صندوق النقد الدولي والجميع يعلمها ولها توقيتاتها.
لكن سعد الغباري يرى من وجهة نظره أن "مثل هذا التصريح ربما جانبه بعض الصواب، وقد يؤدي إلى قلق لدى المستثمرين الأجانب وخاصة في القطاعات غير الاستراتيجية مثل مستثمري سوق المال أو أذون الخزانة أو السندات".
ويشدد على أن مثل هذا التصريح يستلزمه تأكيد من الحكومة بأنها "تقصد الاحتياط لأسوأ الظروف وأنها ملتزمة بحماية الاستثمارات الأجنبية والمحلية تحت أي ظرف".