قصص صادمة وثقتها عدسات مواطنين يعيشون تحت القصف
وثائقي لبي بي سي حول حرب جعلت الإنسان "مجرد رقم"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في خضّم المعاناة الإنسانية التي تخلّفها الحروب، تبقى الرواية الأكثر صدقاً هي تلك التي يسردها من عاشها، فعبر عدسات "المواطن الصحفي"، تُلتقط المشاهد التي لم يتمكن مراسلو الحرب من نقلها، ويتردد صوت الألم الذي لم تستطع الكاميرات أن توثقه بالكامل.
بعد مرور عام على الحرب في غزة، لا تزال آثارها تلقي بثقلها على آلاف الأسر الفلسطينية، حيث دفع الأبرياء ثمناً باهظاً من أرواحهم ومستقبلهم، يأتي فيلم "غزة: بين الحياة والموت"، من إنتاج "BBC Eye"، ليوثق جزءاً من هذه المعاناة عبر قصص مدنيين وجدوا أنفسهم محاصرين في دوامة الحرب، يلتقطون مرارتها بعدساتهم الخاصة طوال عام كامل.
حصدت الحرب أرواح أكثر من 42 ألف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء، وأصيب نحو 97 ألف آخرين، بحسب إحصائيات وزارة الصحة في غزة، ولم تقتصر الكارثة على الخسائر البشرية؛ فقد تضررت البنية التحتية بشكل هائل، مع تدمير المرافق الصحية والتعليمية وتلك المزودة للخدمات الأساسية.
تتمحور أحداث الفيلم حول أربع شخصيات هم: خالد (36 عاماً)، آية (23 عاماً)، آدم (29 عاماً)، وأسيل (25 عاماً)، الذين وثقوا لحظات مأساوية عاشوها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لمشاهدة الفيلم كاملاً على منصة يوتيوب.
"الدمى الجريحة وأحلام المسعفين"في بلدة جباليا المحاصرة شمال قطاع غزة، وسط دمار الحرب والمجاعة، اتخذ خالد المطوق، أخصائي العلاج الطبيعي، قراراً صعباً، باختياره البقاء في منطقته رفقةَ أسرته عوضاً عن النزوح إلى الجنوب، مفضلاً مواجهة مصيره -مهما كان- ومواصلة تقديم المساعدة للجرحى والمصابين، وخاصة الأطفال الذين يعانون من تداعيات الحرب.
خالد هو أب لخمسة أطفال، أصغرهم حمود، البالغ من العمر 6 سنوات، وحلوم، التي تبلغ 4 سنوات، كانت هذه أول مرة يشهد فيها الطفلان الحرب بوعيهم الكامل، إذ رأيا بأعينهما الدمار الذي لحق ببلدتهم وحاولوا التأقلم مع واقع قاسٍ فرضته الحرب.
واقع تشير فيه إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن الصورة كارثية في غزة، حيث دُمِّرت ما نسبته 92 في المئة من الشوارع و68 في المئة من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى تضرر 85 في المئة من المدارس، ما جعل الأوضاع المعيشية أكثر صعوبة وتفاقماً مع النزوح الجماعي للسكان.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومع ازدياد الحصار وتفاقم الأوضاع، أُعلن عن خروج جميع مستشفيات شمال غزة عن الخدمة، عندها، لم يجد خالد خياراً سوى تحويل منزله إلى عيادة مؤقتة لتقديم الإسعافات الأولية للجيران وأطفالهم، بمساعدة أبنائه الصغار.
يقول خالد: "أنا لست طبيباً، لكنني أستطيع تقديم الرعاية الأولية للجرحى وتغيير الضمادات وخياطة الجروح، في ظل توقف المستشفيات، نزوحنا سيعني خسارة حياة الكثيرين ممن يحتاجون المساعدة".
ومع تزايد حالات الإصابة والإنعاش التي مرّ بها خالد، اعتاد حمود وحلوم على المشهد، حتى غدت لعبتهم للتسلية هي لعبة "الإصابة والإسعاف"، كانوا يقلدون والدهم في محاولات إنقاذ دمى الأطفال.
حمود، بات يتعرف على أصوات القنابل أكثر مما يعرف الألعاب، يحاول ببراءة تخمين نوع الإصابة في اللعبة: هل هي ناجمة عن قصف أم شظايا؟
"أشعر بالحزن الشديد حين أرى أطفالي محرومين من طفولتهم الطبيعية، حمود وحلوم تحمّلا ما يفوق طاقتهما، وأنا قلق بشأن تأثير هذه التجربة على نفسيتهم بعد انتهاء الحرب"، يقول الأب.
الوضع الإنساني في شمال غزة لا يزال كارثياً، مع ندرة المساعدات الإنسانية وارتفاع معدلات الجوع، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 96 في المئة من الغزيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهو وضع من المتوقع أن يستمر حتى نهاية العام المقبل.
في مارس /آذار الماضي، وفي لحظة يأس، كان حمود يشاهد طائرات المساعدات وهي تحلق في السماء، قرر التلويح بعلم في يده الصغيرة علّها تراه، وتنزل تلك المساعدات على مقربة منه، ليتفاجأ بعد ثوانٍ بدوي صوت الانفجار جراء صاروخ سقط من طائرة حربية إسرائيلية استهدف منزلاً مجاوراً.
رغم القصف المستمر، يتمسك خالد وأسرته بالحياة في منزلهم المتواضع، محاطين بذكريات تعود إلى أيام الهدوء، من بينها؛ سبع دجاجات جلبتها والدته قبل وفاتها، يقول "إنني فضلت الإبقاء عليها رغم فترات الجوع التي مررنا بها، هذه الدجاجات أصبحت رمزاً للصمود".
القصف لم يستثنِ حتى هذه الكائنات، فقد نفقت خمس دجاجات بسبب الغارات.
خلال الأشهر الأولى من الحرب، كان سكان جباليا مضطرين إلى تناول أعلاف الحيوانات بسبب نقص الغذاء، ومع دخول المساعدات الإنسانية، تيسّر الحال قليلاً، واستطاع حمود إطعام الدجاجات من بقايا طعام العائلة، وقال لوالده ببراءة مؤثرة: "كنا نأكل علف الدجاجات، والآن جاء الوقت لنرد لهم الجميل ونشاركهم طعامنا".
"حياة" رأت النور وسط رائحة الموتبينما اختار خالد البقاء في منزله بشمال قطاع غزة، قررت أسيل وزوجها إبراهيم النزوح استجابة لأوامر الجيش الإسرائيلي، ليس باختيارها بل لحماية حياة جنين كان تحمله قبل الحرب.
تعيش أسيل مشاعر مختلطة بين الخوف والأمل، كانت أمَّاً لطفلة صغيرة تُدعى روز، لم تكمل عامها الثاني، وتحمل في بطنها طفلتها القادمة وسط ظروف حرب لا تعرف الرحمة.
كان هدفها بسيطاً لكنه مليء بالتحديات: العثور على مستشفى آمن لولادة طفلتها، لكن مع غياب المستشفيات في شمال غزة واستمرار القصف، لم يكن أمام أسيل وإبراهيم سوى المغادرة سيراً على الأقدام بحثاً عن الأمان.
أثناء فترة هدنة قصيرة، أمسك إبراهيم بيد أسيل التي كانت تمسك ابنتها روز باليد الأخرى، وانطلقوا عبر ممرات وصفتها إسرائيل بأنها "آمنة"، لكن أسيل لم تشعر بالأمان في أي لحظة خلال هذه الرحلة.
تقول أسيل: "كنت في شهري الأخير من الحمل، أحمل بداخلي طفلي الذي لم يرَ النور بعد، وأستند على زوجي إبراهيم، بينما كانت روز الصغيرة تمسك بيدي، كان الخوف يحيط بنا من كل جانب".
نقص الماء وفقر الدم الذي كانت تعاني منه أسيل زاد من صعوبة الوضع، وعلى طول الطريق، كان الجنود الإسرائيليون يطلقون الرصاص الحي في الهواء، والجثث متناثرة على الأرض.
في تلك اللحظات، كان كل ما يشغل بال أسيل هو ابنتها روز وجنينها، "كنا قد اتفقنا، إذا حدث شيء لإبراهيم، عليّ أن أواصل الطريق وحدي، وإذا أُغمي عليّ، كان يعلم أن عليه الاستمرار مع ابنتنا".
بعد ساعات طويلة من السير، وصلوا أخيراً إلى مستشفى العودة في النصيرات، والذي كان يُعتبر الملاذ الأخير للنساء الحوامل، وفي وسط هذا الواقع المليء بالدمار، وضعت أسيل مولودتها الجديدة في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، وأسمت ابنتها "حياة".
تقول أسيل: "عندما ولدت ابنتي، شعرت بأن الحياة يمكن أن تستمر حتى في أحلك الظروف."
في الوقت نفسه، كان زوجها إبراهيم يواجه واقعاً آخراً، صعوبات الحياة الاقتصادية أجبرته على الاستمرار في عمله كمصور صحفي مستقل، كان مضطراً للانتقال إلى رفح للعمل على توثيق الحرب بعدسته، كان يترك زوجته وابنتيه في دير البلح، وفي كل مرة يغادر، يشعر بثقل القلق والخوف على أسرته، "كنت أخشى دائماً من اللحظة التي أصل فيها إلى مكان الحادث وأرى الشهداء، ينتابني الرعب أن اكتشف أفراد عائلتي من بين الضحايا"، يقول إبراهيم.
ورغم المخاطر، كان يدرك أن عمله ليس مجرد مهنة، بل جزءاً من معركة البقاء التي يخوضها الجميع في غزة، لكن التوازن بين العمل ورعاية أسرته كان شبه مستحيل، "عشت لحظات كثيرة شعرت فيها بالعجز، كنت أرى الأطفال ضحايا الحرب وأتساءل: إن كنتُ سأمر بهذا المشهد وأرى بناتي من بينهن؟ كان الخوف يسيطر علي، لكنني كنت مضطراً للاستمرار".
مع استمرار الحرب، ازدادت الصعوبات التي تمر بها أسيل، لم تستطع تغذية طفلتها بالرضاعة الطبيعية لسوء التغذية، ما اضطرها إلى استخدام الحليب الصناعي الذي كان نادراً في الأسواق.
"ابنتي حياة تبلغ من العمر شهراً الآن، لكنني لا أستطيع توفير ما يكفي من الغذاء لأرضعها، والغارات الجوية مستمرة، القصف لا يتوقف، وأنا هنا وحدي أحاول إبقاء بناتي بأمان"، تقول أسيل، وهي تعاني من انعدام التواصل مع زوجها إبراهيم، الذي كان مشغولاً بتأمين الاحتياجات الأساسية للأسرة.
تحذر تقارير الأمم المتحدة من أنَّ أكثر من 17 ألف امرأة حامل في غزة يواجهن خطر المجاعة، بينما تعاني 11 ألف امرأة أخرى من ظروف قريبة من المجاعة وسوء التغذية.
وفي الوقت الذي كان إبراهيم يحاول تأمين الحليب الصناعي لبناته، وجد نفسه مرة أخرى محاصراً بين النيران، ونجا بأعجوبة، يقول إبراهيم: "كل هذا من أجل تأمين أشياء بسيطة مثل الحفاضات والحليب، حتى الأدوية الضرورية لم تعد متاحة بسهولة، شعرت بالعجز التام".
الأطفال في غزة هم الأكثر تضرراً وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، "أكثر من نصف مليون طفل في غزة بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي"، والعنف المستمر والنزوح المتكرر ترك آثاراً عميقة على نفوسهم، "أشعر بالتقصير تجاه ابنتي حياة"، يقول إبراهيم، ويضيف "لقد تعبت، أشعر كأن حملاً ثقيلاً يقع على عاتقي، ولا أستطيع توفير أبسط احتياجاتهم".
تروي آية، نازحة في غزة، تفاصيل إحدى الليالي الصعبة التي عاشتها وسط أصوات الانفجارات والاشتباكات، "لقد نمت نصف ساعة فقط، كانت أسوأ ليلة في حياتي، أصوات الاشتباكات كانت قريبة جداً، وإذا وصلوا إلى هنا، ستكون الدبابات في الشوارع"، هكذا وصفت آية الأجواء المروعة التي رافقت نزوحها الأول.
آية، التي تبلغ من العمر 24 عاماً وتعتبر الكبرى بين شقيقاتها الثلاث، نزحت معهن على عربة يجرها حصان إلى مدرسة تابعة للأمم المتحدة في مخيم النصيرات بوسط غزة، "الطريق كان خطراً للغاية"، تضيف آية وهي تتحدث عن الرحلة التي لم تكن تعلم ما إذا كانت ستصل فيها إلى الأمان أم لا.
قبل الحرب، كانت آية تخطط لبدء حياتها المهنية في مجال القانون، بعدما ركزت على نشاطها الاجتماعي والتحضير لدراسة الماجستير في العلاقات الدولية في إيطاليا، "لا أعلم ما الذي سيحدث في حياتي الآن، وهل سأتمكن من مغادرة غزة أم لا"، تضيف بحيرة.
قلب الأم وعين الكاميرا: ثلاث صحفيات أمهات ينقلن الواقع من غزةماذا قال مراسلو بي بي سي بعد عام من تغطيتهم لحرب غزة؟ومع استمرار القصف والنزوح، تقول آية: "أعلم أن ما سيأتي بعد الحرب لن يكون جميلاً، لكن على الأقل سأكون قد تخلصت من الكابوس وعدت إلى بيتنا"، إلا أن الإرهاق لا يفارقها، حيث تصف حالتها: "نحن مرهقون للغاية، ولا أشعر أن لدي طاقة للاستيقاظ في اليوم التالي".
تستيقظ آية مجدداً على وقع أصوات الانفجارات القريبة، وتشاهد المسعفين وهم ينقلون أشلاء الجثث، ومع تواصل الغارات، اضطرت للنزوح مرة أخرى إلى رفح، حيث تقيم في خيمة في ظروف صعبة.
تقول آية وهي تظهر تفاصيل الخيمة الجديدة في فصل الشتاء: "قضينا الليل نرتجف من شدة البرد"، شقيقتها نور، بدورها، تقلّب صوراً قديمة للعائلة وتتساءل إن كانوا سيعودون يوماً إلى "الأيام الحلوة".
وفي لحظة مؤثرة، تنهمر الدموع من عيني آية بعدما تلقت خبر تهدم منزلهم، "ليس هناك مشاعر تصف حجم الدمار الذي أعيشه، كيف لي ألا أعود إلى بيتي وسريري وغرفتي؟" تسأل آية بحرقة.
رغم الظروف القاسية، جاءها خبر سعيد من الجامعة الإيطالية التي كانت تنتظر الرد منها، فقد أرسلت الجامعة تطلب صورة عن جواز سفرها، تقول آية: "لقد حصلت على ما أريده، وسأسافر بعد شهر إذا سارت الأمور بخير".
لكن الفرحة لم تدم طويلاً، إذ تلقت أسرتها إخطاراً من الجيش الإسرائيلي يطلب منهم مغادرة المنطقة مجدداً، تتابع آية قائلة: "لا أريد النزوح، أريد البقاء".
نزحت عائلة آية مرة أخرى، وانتقلت إلى مدينة أصداء، التي كانت سابقاً مدينة ترفيهية للأطفال، "هل يمكنك تخيل أن تصبح ديزني لاند مكاناً للنزوح؟ كل شيء ممكن في غزة"، تعلق آية بمرارة.
"طالما هذا البحر موجود، هناك أمل في أن نعود"في خان يونس، ومع أولى أيام الحرب، يبدأ آدم رحلته اليومية في الصباح الباكر بحثاً عن الخبز، إذ يمشي مسافة 2 كيلومتر وسط شوارع فارغة، يخشى أن يقع انفجار في أي لحظة، "كانت ليلة طويلة جداً في خان يونس، وكنت قلقاً جداً على شقيقتيّ، سجى وشيماء"، يقول آدم مستذكراً مشاهد الرعب.
سجى وشيماء كانتا ينمن في مدرسة تابعة للأمم المتحدة وشهدت قبل أيام قصفاً في محيطها، وأسفر عن مقتل العديد من الأشخاص، يقول "عندما تنام في ساحة المدرسة، يكسر شيء داخلك"، مضيفاً: "أعتقد أن أحد أهداف الحرب هو أن تشعر بأنك دون قيمة، مجرد رقم لا يهتم العالم إذا عشت أو مت، أو حتى إذا حصلت على طعامك اليومي".
إلى جانب خوفه على شقيقتيه، كان آدم يهتم بوالده المصاب بداء الباركنسون الذي كان يرقد في المستشفى، توفي والده بعد ثلاثة أيام من انقطاع الاتصالات.
يقول آدم بحزن: "توفي والدي ولم أتمكن من الاتصال بأقرب الناس إلي، كنت عاجزاً تماماً عن مكالمتهم أو أن يكونوا بجواري".
كيف يتعامل الصحفيون مع الأزمات النفسية خلال الحروب؟بي بي سي تعود لمقابلة أشخاص أجرت معهم لقاءات في بداية حرب غزة، فما هو مصيرهم؟خلال هدنة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، عاد آدم لتفقد منزل عائلته المدمر، ويصف المشهد بالقول "هذه الأحجار قد يراها البعض مجرد حجارة، لكنها بالنسبة لي قصص وحياة، قلت لشقيقتيّ إن البيت لن يقصف، لكن لو بقينا لفترة أطول، كنا سنكون الآن تحت الأنقاض".
في زيارة لقبر والده، تقول سجى: "لم أتوقع للحظة أن يموت بابا في هذا الوقت، قلت له شد حيلك، سترجع معنا إلى البيت، كان نفسه يرجع معنا"، بينما يعلق آدم "أحياناً أشعر أنه من الأفضل أن والدي لم يرَ ما نراه الآن".
اضطر آدم إلى شراء خيمة بمبلغ 1800 شيكل (500 دولار)، وهو راتبه لشهر كامل، "كان عليّ أن أشتريها لأن شقيقتيّ ليس لهما مكان يبيتان فيه"، يقول آدم بأسى.
شقيق آدم المقيم في إيرلندا بدأ حملة تبرعات بهدف تأمين خروج سجى وشيماء من غزة، ويقول آدم "إن الوسيط طلب 5000 دولار للشخص، ثم اتصل لاحقاً ليقول إن المبلغ ارتفع إلى 7000 دولار، فقط للانتقال من نقطة إلى أخرى تفصل بينهما مسافة 20 متراً".
بعد حملة التبرعات، تمكن آدم من جمع المبلغ المطلوب، "كنا نسابق الزمن، لأنه بدء الحديث عن اجتياح رفح وإغلاق المعبر".
أمام شاطئ غزة، يتحدث آدم عن البحر: "هذا الشيء الوحيد الذي لم يتغير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، دائماً أفكر أن المياه التي تصل إلينا مرت على سواحل إيطاليا وقبرص وفرنسا وليبيا ومصر، هذا البحر يربطنا بالعالم، وهو الوحيد الذي يشعرنا بأننا ننتمي لهذا العالم"، ويضيف: "طالما هذا البحر موجود، هناك أمل في أن تعود غزة كما كانت".
في انتظار السماح لآدم وشقيقتيه بمغادرة غزة، يقول آدم: "لا أعرف ماذا سأفعل إذا سُمح لنا بالخروج، ماذا عليّ أن أفعل؟" بينما كانت سجى، إحدى شقيقتيه، تجهّز حقائب السفر، قالت بعد معاناة طويلة: "أبلغني ابن عمتي أنه تمت الموافقة على أسمائنا للخروج، أنا سعيدة لأنني سأغادر، لكنني في الوقت نفسه حزينة لأنني سأترك أرضي ووطني".
آدم يقول إنه لطالما رفض فكرة الخروج: "لا أريد المغادرة، أنتمي لهذا المكان"، في الوقت الذي تحاول فيه سجى إلقاء نظرة الوداع على الخيمة كما تقول، فيرد آدم: "لا، لن تشتاقي لها، هذه ليست بيتك، أو بيت أي فلسطيني".
مرّت سنة كاملة منذ بداية الحرب، وفي هذا الوقت كبر الطفلان حمود وحلوم في بيئة لا يمكن وصفها إلا بالقاسية، حمود، الذي يحلم بأن يصبح مسعفاً مثل والده، يمارس على دُماه الصغيرة ما تعلمه من والده، محاولاً إيقاف "نزيف" الدمى وإجراء عمليات إنقاذ وهمية، لكن القلق لا يزال يتسلل إليه كلما شاهد الأخبار، فيما تواجه حلوم، مشاكل في النطق والتبول اللارادي بسبب الخوف المستمر.
أما خالد، فلا يزال اليوم في منطقة جباليا، التي تشهد اشتباكات واسعة، ويواصل ترميم منزله بعد كل هجوم، مصمماً على الاستمرار في الحياة وعدم الاستسلام للدمار، في صراع يومي من أجل البقاء، وانتظار انتهاء الحرب وأن تعود الحياة إلى طبيعتها.
كما نزحت أسيل وعائلتها إلى دير البلح، ولا يزال القصف مستمراً بين الحين والآخر، حيث يعاني إبراهيم وعائلته من صعوبة تأمين الطعام والغذاء لطفلتيه والمستلزمات الأساسية مع شح وصول المساعدات.
أما آية فقد ضاع حلمها بدراسة الماجستير كما كانت تخطط في إيطاليا، لقد أغلق معبر رفح في اليوم الذي ذهبت فيه للتسجيل ضمن قوائم المغادرين، تقول إنها تكبر في العمر، ولا تعرف اليوم إن كان عليها تقبل فكرة أن الأحلام قد لا تتحقق، وقد يسبقها الموت إليها.
وغادر آدم وشقيقتاه غزة، لكنه حمل في ذاكرته المشهد الأخير عند معبر رفح، حين وصف الألم قائلاً: "لن ينتهي هنا، بل سيزداد، سنغادر إلى عالم لا نعرفه، وسأظل قلقاً أكثر على أحبائي في غزة".
فيلم "غزة 101" يفوز بجائزة أفضل برنامج لشؤون الساعة في حفل جوائز البث الرقمي لعام 2024"متى ستحاسب إسرائيل على حربها الظالمة في غزة؟" &- لوس أنجلوس تايمزهل يسمح المجتمع الدولي بعام آخر من معاناة المدنيين في غزة؟