أخبار

مشاركون ميزوا بين نكوص "غرب رسمي" و"غرب شعبي" ينتعش

"منتدى أصيلة" يحاكم نفاق الغرب وازدواجية معايير تطبيق قيم العدالة

عبد اللطيف وهبي يتحدث في منتدى أصيلة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من أصيلة: انتقد سياسيون ومفكرون وأكاديميون، في ندوة "قيم العدالة والنظم الديمقراطية"، ضمن فعاليات "منتدى أصيلة" الـ 45، "الازدواجية المتناقضة"، وسياسة "الكيل بمكيالين"، و"الانفصام الأخلاقي" في السلوك الحقوقي للغرب ومواقفه السياسية، على مستوى تعاطيه مع ما حدث ويحدث في مناطق مختلفة من العالم؛ ووصفوا هذه الازدواجية بـ "النفاق السياسي"، مشيرين إلى أنها حرمت العلاقات الدولية من لحمة المساواة والعدالة، مشددين على أنها تمثل أسوء طعنة وجهت للنظام العالمي.


جانب من الجلسة الافتتاحية لندوة أصيلة الرابعة

وانتقد المشاركون، على مدى ثلاث جلسات، ركزت على "الديمقراطية والكونية الإنسانية"، و"مكونات البنية القانونية الجديدة للعدالة" والدبلوماسية الدولية الجديدة والعدالة الكونية"، ما سموه "النكوص الغربي عن القيم الكونية، ودعوا إلى التشبث بالأمل والعمل على مستوى المشترك الإنساني"، مشددين على أن الغرب الرسمي حتى وإن تخلى عن إعمال قيم العدالة بشكل كوني وشامل، فإن هناك غربا شعبيا بدأ ينتعش، رافعا صوت احتجاجه ضد ما يحدث، معلنا تضامنه مع ضحايا الوضعالعالمي المختل.

وشدد المشاركون على أنه حتى وإن كانت بعض الحكومات الغربية قد تخلت عن القيم المشتركة، فإن ذلك لا يعني أن هذه القيم، من قبيل الحرية والمساواة والعدالة والشراكة والسلام والتسامح، لم تكن صحيحة. وخلصوا إلى أن ما يجري سيلقي بثقله على الغرب قبل غيره، وهو شيء أظهرته موجة الاحتجاجات التي اجتاحت جامعاته، ضد ما حدث ويحدث في غزة، مثلا.

ورأى المشاركون أن الشعارات التي ترفع حول عدد من القضايا، كحقوق الإنسان، هي مجرد شعارات توظفها الدول الكبرى لتمديد واستمرار هيمنتها؛ وحذروا من "الخطر القادم"، من منطلق أن ما حدث ويحدث في غزة من عدوان إسرائيلي، يرافقه انحياز غربي، سيخلق جيلا متطرفا يريد الانتقام لمن قُتل، في وقت يواصل فيه الغرب محاضراته حول العدالة والديمقراطية.

انفصام أخلاقي
أوضح محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، في معرض كلمته الترحيبية أن غاية المنتدى من تناول موضوع رابع ندوات منتدى أصيلة، والتي تواصلت على مدى يومين، واختتمت السبت، هو الوصول إلى "تشخيص الاختلال الصارخ"، بين الحرص على تطبيق قيم العدالة والحق لصالح الافراد والجماعات في المجتمعات الغربية، التي تصنف نفسها كمجتمعات ديمقراطية، وبين هذا "المنطق الغريب"، الذي لا يسمح بتمديد تطبيق هذه القيم لتشمل شعوبا ومجتمعات أخرى، تقع جغرافيا وحضاريا وسياسيا، خارج مجال المنظومة الغربية.ورأى بن عيسى أن هذه "الازدواجية المتناقضة" التي تقوم على قاعدة "الكيل بمكيالين"، تعكس في نظره مظهرا من مظاهر "الانفصام الأخلاقي، في السلوك الحقوقي للغرب ومواقفه السياسية، إزاء ما حدث ويحدث من مظالم ومآس، وما نراه اليوم من أعمال عدوانية وتوسعية، في مناطق مختلفة من العالم، وفي طليعتها منطقتنا العربية"؛ ولعل هذا، يضيف بن عيسى، هو ما يفسر تفاقم الأوضاع المأساوية في مناطق بإفريقيا وآسيا، وتصاعد التصرفات العنصرية في أوساط المجتمعات الغربية.

مذلة كونية
قال محمد أوجار، وزير العدل وحقوق الإنسان المغربي الأسبق ، الذي سير الجلسة الافتتاحية، إن "العدالة الكونية مرتبكة في استقدام الذين ينتجون الآن الهمجية على أرضنا العربية، في غزة ولبنان"، وتساءل "كيف يستقيم أن نتحدث عن القيم الكونية وعن العدالة في ظل هذا الصمت العربي المريب، وهذا التواطؤ الغربي العلني وغير العلني".

وأضاف أوجار أنه "رغم هذا الإحباط والمذلة الكونية، ورغم وصول العدوان إلى أشد أشكال الهمجية، لا بد أن نتمسك بالأمل، ولا بد أن يولد أمل جديد، وهذا الأمل نراه يتمظهر اليوم في مظاهرات واحتجاجات طلبة وشباب الجامعات الأميركية والأوروبية، وفي المظاهرات التي تصدح بها، على الأقل، شوارع المدن المغربية".
وتشبث أوجار بالأمل، وقال "هناك شيء ما سينهض من هذه الفاجعة، وشيء ما سيحيي هذه القيم في أبهى تجلياتها".


جانب من الجمهور الحاضر في الجلسة الافتتاحية

وهبي وثلاثة مخاطر أساسية تهدد النظام الديمقراطي
من جهته ، قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، إنه إذا كانت سيادة النظام السياسي الديمقراطي غير كافية لضمان تحقيق قيم العدالة، فإن النقاش الفكري حول الديمقراطية يتقاطع بقوة مع فكرة العدالة، وأن هذا التقاطع يعبر عن نفسه أولا في أننا عندما نذهب بعيدا في بلورة الحجج لصالح فكرة الديمقراطية فإننا ندافع عن قيم العدالة، كما يعبر عن نفسه ثانيا في أننا عندما نعمق الدفاع عن قيم العدالة نجد أنفسنا نستعمل مرجعيات الأخلاق الديمقراطية والدفاع عن مؤسساتها.

ورأى وهبي أن هذا الارتباط الوثيق بين النموذجين الديمقراطي والعدالة لا يفيد القول إن أحدهما يمكن أن يغني عن الآخر، بل إنه ارتباط يدعونا لليقظة والحذر أمام التأويلات المفرطة لهذا النموذج أو ذاك من أجل الاستغناء عن الديمقراطية باسم العدالة أو الاستغناء عن العدالة باسم الديمقراطية.

وشدد وهبي على أن الديمقراطية التي هي متغير تابع، هي خير لا يؤتي أكله إلا إذا خضع لخيرات اجتماعية وثقافية وحقوقية تصب في قيم العدالة، حيث أن النظام الديمقراطي ضروري لضبط وتنظيم الروابط الاجتماعية، لكنه ليس بكاف ولا هو بالخير الأعلى للإنسانية، أو الخير الوحيد للمجتمع الذي يؤطر فيه كل أنشطته.

ورأى وهبي أن النظام الديمقراطي هو الأفضل عندما يترافق ويمتثل لقيم أخلاقية تنبع وتصب في العدالة، وأن العدالة لا يمكن أن تبقى قيما أخلاقية مجردة تقطن الخطابات فقط، بل تحتاج أن تكون عدالة تتمأسس قيمها في الواقع المعيشي للمواطنة، ولذلك فإن الحركات الديمقراطية كانت دائما تتغذى من أولئك الذين يعتبرون الديمقراطية وسيلة لرفع حظوظ سيادة قيم العدل والمساواة والحق والقانون أمام أولئك الذين يسيطرون على القرار السياسي.

وشدد وهبي على أن الديمقراطية السياسية غير كافية لتحقيق أهدافها، وأن قيم العدالة تبقى ضرورية لدعم مسارها لكي تتحقق على أرض الواقع المعيشي للأفراد والجماعات، ما دام أن الديمقراطية والعدالة هما سيرورتان متلازمتان لبناء المجتمع الحديث.

ورصد وهبي ثلاثة مخاطر أساسية تهدد النظام الديمقراطي وتجعله يعتمد في استمراريته وازدهاره على قيم العدالة ومثلها،وهي: خطر الإنتخابوية، وخطر الفردانية المفرطة، ثم خطر الجماعاتية.
وخلص وهبي إلى أن الشطط في استعمال السلطة ليس قدرا محتوما، شريطة أن يتسلح النظام الديمقراطي بمؤسسة قيم العدالة.

انحطاط أخلاقي
بدوره، قال سيرجيو بيطار، وزير التعليم السابق بتشيلي، إن الديمقراطية وحقوق الإنسان تحتاج إلى بناء نظام عالمي جديد، مشيرا إلى أن أميركا اللاتينية، كالمنطقة العربية، عاشت ازدواجية المعايير في الديمقراطية الغربية وعانت منها.

وسجل بيطار أن دول أميركا اللاتينية عانت من ويلات "الديكتاتورية الأميركية"، مشيرا إلى أن العالم يشعر بالحزن إزاء ما يجري في فلسطين. وقال إن التضامن بين أميركا اللاتينية والدول العربية لديه أسس صلبة، وأنه سيتطور في المستقبل. وأضاف، منتقدا الوضع العالمي والهيمنة الغربية: "نرى بألم العجز والتواطؤ لعدة دول غربية التي تتحدث عن الديمقراطية لكنها تضع العراقيل لوقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين". ورأى أن "هذا السلوك الغربي يمثل انحطاطا أخلاقيا وسياسيا بادعاء شيء وفعل شيء مخالف له".

تزوير كبير
شدد عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري السابق، على أن الديمقراطية لم تعد تعمل على تكريس قيم الحرية كما أنها لم تعد تساعد على المستوى الكوني في تحقيق الإنصاف أو إحقاق الحقوق وحفظ الكرامة الإنسانية، مشيرا، في هذا الصدد، إلى ما جرى ويجري في غزة وما يحدث للفلسطينيين، حيث "الدموية والدمار والعقاب الجماعي والإبادة الجماعية تطبق بواسطة من وصفت بأنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة".

وشدد موسى على أن هذه الدولة (في إشارة إلى إسرائيل)، التي توصف من طرف الغربيين بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، إنما "تحميها الديمقراطيات العالمية أو التي تدعي بأنها ديمقراطية تحمي الحقوق وتطالب بالمساواة والعدالة، وهو ما لا يحدث مطلقا وفيه تزوير كبير".


عمرو موسى يلقي مداخلته

وانتقد موسى استغلال الديمقراطية الغربية للفيتو، مشددا على أن تعديله يتطلب تعديل النظام الدولي القائم، في وقت يخضع فيه قرار تعديل الفيتو لفيتو، ليبقى من الصعوبة بمكان أن تتعرض المنظومة للتعديل، من غير تغيير شامل للأسس التي يقوم عليها التعاون الدولي وتسير عليه العلاقات الدولية.

وانتقد عمر موسى الكتابات التي تستهدف الإسلام وتعمل على تشويه سمعته، بدعوى أنه يقوم على العنف والقسوة والدموية. وأضاف: "ها نحن نرى بأعيننا من يستخدم العنف والقسوة والدموية والدمار الشامل". وتساءل: "نتحدث عن قيم العدالة والحرية والمساواة باعتبارها قيما ديموقراطية عليا. من أصبح يصدق ذلك؟".

وتحدث موسى عن تراجع الاقتناع بالقيم التي يتحدث عنها الغرب، وبعلاقتها بالديمقراطية وفلسفتها التي صارت تبرر وتحمي خرق القانون الدولي.

وانتقد موسى ازدواجية المعايير، التي وصفها بالنفاق السياسي، وقال إنها حرمت العلاقات الدولية من لحمة المساواة والعدالة، مشددا على أن هذه الازدواجية في تطبيق المعايير على المستوى الدولي تمثل أسوء طعنة وجهت للنظام العالمي للسلام وللأمن الدوليين، وأنها المدمر الأساسي لسلطة مجلس الأمن ومصداقيته، وكذا لميثاق الأمم المتحدة ونصوصه ومبادئه، ولمصداقية عدد من المؤسسات كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ورأى عمرو موسى أن السياسات القائمة على ازدواجية المعايير التي تنبع عن فكر وممارسة الديموقراطيات الغربية تبقى أكبر عدو للاستقرار العالمي ولمستقبل العالم.

تحرك جماعي
قال ميغل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة ووزير الخارجية الإسباني السابق، إن الديمقراطية، التي تشكل مجموعة الأنظمة والآليات السياسية التي تهدف إلى تحقيق العدالة، تمر اليوم بأزمة على المستوى الدولي، لا سيما على مستوى التمثيلية والمشاركة.

ودعا موراتينوس، في هذا السياق، إلى بناء قيم جديدة للديمقراطية والعدالة، وإلى التحرك الجماعي لتطبيق هذه القيم بشكل صحيح.

فقدان البوصلة
انتقد نبيل فهمي وزير الخارجية المصري السابق، ازدواجية المعايير، مشيرا إلى أن المبادئ الديمقراطية تطبق وفق الهوى والمصالح. ورأى أن النظام الدولي يعيش على وقع الضبابية والتناقض وعدم الاستقرار، ليفقد مصداقيته، مذكرا، في هذا الصدد، بما يحدث في غزة.

وانتقد فهمي فقدان المرحلة الحالية للبوصلة، في ظل تغليب الرؤية الساعية وراء المصلحة التكتيكية في غياب أي توجه استراتيجي وطني أو دولي، وتجاهل لقواعد القانون الدولي. ورأى أن المرحلة الحالية، بما تثيره من أسئلة، هدمت كل الإنجازات التي تم البناء عليها منذ أكثر من نصف قرن، مع إشارته إلى أن الأمر يتعلق كذلك بعدم استقرار المنظومة السياسية حتى داخل الدول الكبرى، وضرب مثلا بالصراع الانتخابي الجاري في الولايات المتحدة بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي.

ودعا فهمي دول العالم العربي إلى لعب دور إيجابي وفعال في بناء مستقبل أفضل، من خلال العمل الجماعي وتبني سياسات ترتكز على الواقعية والقيم الكونية، مع احترام مبادئ الديمقراطية والعدالة.

معادلة مجحفة
قالت سميرة رجب، وزيرة الإعلام السابقة والمبعوثة الخاصة للديوان الملكي البحريني، إن للديموقراطية أشكالامتنوعة، تختلف باختلاف آليات تنفيذها، وبطرق تطبيقها في الواقع الاجتماعي. ورأت أن العنصر الأهم في كل هذه الأشكال والتصنيفات هي المبادئ الأساسية المعلنة، والتي يجب أن توفرها ممارسة العملية الديموقراطية محليا ودوليا، ومنها سيادة القانون، وضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والعدالة والمساواة.أما الحديث عن مصطلح العدالة، وما ينبثق عنه من مفهومي العدالة الاجتماعية والعدالة الكونية، تضيف رجب ، فهو مفهوم تشوبه نفس التعقيدات والاختلافات بين الباحثين والمفكرين والمختصين بسبب حالة عدم الاتفاق البالغ. وحتى في صورة وجود بعض التوافق حول المفهوم العام لمصطلح العدالة الاجتماعية، تضيف رجب فإنه سرعان ما يعود الاختلاف حول مجالاته ومكوناته باختلاف الدلالات والانتماءات والمعتقدات السياسية والسياقات المستخدمة.

وركزت رجب على التناقض الصريح بين محاولات فرض مفهوم الديموقراطية الليبرالية حول العالم، والتنكر الفاضح للعدالة الكونية المزعومة لباقي شعوب العالم، مستندة في هذا التحليل إلى وقائع تعبّر عن ضعف المؤسسات الدولية أمام غطرسة الدول العظمى وتأثيرها القوي، بل تَحَكّمَها، في عمل هذه المؤسسات الدولية وفرضها لقرارات أممية دون غيرها على شعوب العالم، وما نتج عنه من إخلالات في تطبيق القانون الدولي تتناقض مع مبادئ ما يسمى بالديموقراطية والكونية الإنسانية، وتتسبب في تداعيات خطيرة على شعوب ودول العالم التي باتت تئن تحت وطأة تصاعد الحروب والصراعات غير المتكافئة، وظروف القتل والإبادات الجماعية والتهجير والتشرد، إضافة إلى تفاقم معدلات الفقر والأمية وانتشار الأمراض والأوبئة التي تهدد البشرية.

ورأت رجب أن اقتراح وتنفيذ القوانين الدولية والقرارات الأممية تبقى، في أغلب الأحيان، حبرا على ورق، وتُجسد قوانين وعدالة يحكمها الأقوياء، مبنية على مصالح الدول القوية ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد بفلسفة العدالة الكونية المزعومة، والتي عادة ما يُروَّج لها عبر الديموقراطية الليبرالية.

وخلصت رجب إلى أنه لا يمكن قلب المعادلة الحالية المجحفة في مفاهيم العدالة الكونية المتطرفة والمنحازة لصالح الدول القوية، والدول التي تملك أكبر قوة من أسلحة الدمار الشامل، لتكون هذه المعادلة أكثر عدالة وإنسانية في حق الدول الأصغر والأقل تسليحاً وقوة، إلا بالبدء بعملية إصلاح جذرية في هيكلية ومؤسسات الأمم المتحدة لتضمن جميع الدول وشعوب العالم حقوقها العادلة.

نكوص غربي وعربي
قال الأستاذ الجامعي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن الديمقراطية غاية من الغايات الإنسانية، مشيرا إلى أنها تقوم على أربع قيم إنسانية جامعة كبرى، هي العدالة والمساواة والحرية والكرامة.

وتساءل عبد الله هل حققت الديمقراطية الغايات منها، ليجيب بنعم ولا، قبل أن يتوسع في حديث لا، بالإشارة إلى أن الشواهد كثيرة، أبرزها ما يحدث في غزة.

من جهته، انتقد الباحث والمفكر العراقي حسين شعبان النكوص الغربي عن القيم الكونية، مشددا على أن ذلك يثير الكثير من الأسئلة. ورأى أن هذا النكوص لا يقتصر على القوى اليمينية العنصرية، وإنما يمتد إلى اليسار.

وانتقد شعبان بعض المفكرين الغربيين الذين تخلوا عن القيم الإنسانية، بانحيازهم إلى العنف والقسوة ضد الضحايا في فلسطين وغيرها. كما انتقد المعايير المزدوجة والانتقائية في التعاطي مع الديموقراطية، ورأى أن التجاوز الغربي لقيم العدالة وللقرارات ذات الصلة يطرح أكثر من علامة استفهام حول القيم التي يدعو إليها.

كما انتقد شعبان النكوص العربي الذي قال إنه وصل درجة الاندثار، رسميا وشعبيا، وكأن ما يحدث من مآسي لا يعني أحدا.

وتساءل شعبان "ما العمل؟"، ليجيب بالأمل والعمل، في نفس الوقت، في سبيل المشترك الإنساني، مشددا على أن الغرب الرسمي حتى وإن تخلى عن تطبيق عادل لهذه القيم النبيلة، فهناك غرب شعبي بدأ ينتعش، أكدته موجات التضامن الأخيرة مع الفلسطينيين.

ودعا شعبان إلى إعادة الاعتبار للقانون الإنساني الدولي الذي ينتهك من قبل دولة إسرائيل على مرأى ومسمع من العالم. وتحدث في هذا الصدد عن العمل على مستوى العدالة الانتقالية الدولية.

وشدد شعبان على أنه حتى وإن كانت بعض الحكومات الغربية قد تخلت عن القيم المشتركة، فإن ذلك لا يعني أن هذه القيم، من قبيل الحرية والمساواة والعدالة والشراكة والمشاركة والسلام والتسامح، لم تكن صحيحة.

وخلص شعبان إلى أن الجرائم الموصوفة ومكتملة الأركان، المادية والمعنوية، التي تحدث، ستلقي بثقلها على الغرب قبل غيره، وهو شيء أظهره ارتفاع الاحتجاجات الجارية وحملات التضامن مع الفلسطينيين، أخيرا.

تناقض
تساءل نبيل بن يعقوب الحمر، مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام: "هل هناك عدالة مطلقة؟! ونحن نرى أنظمة ونظريات تبحث عن العدالة والإنسانية ولكنها فشلت وانهارت وسقطت، وأنظمة ادعت الديمقراطية تنهب بالقوة ثروات الآخرين، وقادة يشعلون الثورات هنا وهناك تحت شعار العدالة والإنسانية ولكنهم سرعان ما تحولوا إلى طغاة".


نبيل الحمر يتحدث في منتدى أصيلة

ورأى الحمر أن الازدواجية التي تنتهجها النظم الديمقراطية الغربية تكشف عن التناقض بين المبادئ النظرية للعدالة والممارسات العملية التي قد تفتقر إلى هذه المبادئ في تطبيقاتها.واعتبر أن النظم الديمقراطية الغربية تقوم على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة والمساواة، حيث يُفترض أن تكون القوانين عادلة وغير تمييزية للجميع. ولكن من حيث الممارسات العملية في بعض الأحيان، قد يتم تطبيق قوانين وإجراءات معينة بشكل غير منصف، مما يؤدي إلى تمييز فئات معينة من المجتمعات، مثل الأقليات العرقية. كذلك في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تؤدي إلى اتخاذ تدابير استثنائية قد تتعارض مع قيم العدالة، مثل تقييد الحريات أو فرض قيود على الحقوق المدنية، وتصل إلى التمييز بين العرقيات أيضاً.

وأَضاف الحمر أن التأثيرات السياسية تلعب دورها في شأن الازدواجية في المعايير، إذ أن الضغوط السياسية قد تؤثر على استقلالية القضاء، مما يعيق العدالة ويعزز من الازدواجية في تطبيق القوانين.

كما تطرق الحمر إلى الازدواجية في تطبيق قيم العدالة والإنسانية الغربية تجاه القضايا العربية، وقال إن الأمر يتعلق بظاهرة تتجلى في كيفية تعامل الأنظمة الغربية مع الأزمات والصراعات في العالم العربي، حيث أنها تتبنى معايير مختلفة مقارنة بقضايا أخرى، إذ غالباً ما يتم تجاهل مبادئ حقوق الإنسان في بعض المناطق في الوقت الذي يتم فيه توجيه انتقادات حادة إلى الدول العربية.

ورأى الحمر أن هذه القيم والمبادئ المثالية العليا تستخدمها الأنظمة الغربية بناء على مصالحها الاستراتيجية عند التعامل مع قضايا الشعوب. وأضاف أنه في الوقت الذي يتم دعم أنظمة تخدم المصالح الغربية، يتم الضغط على دول أخرى لتغير سياستها واحتوائها، والتدخل في شؤونها الداخلية تحت يافطة هذه المبادئ.

وتطرق الحمر إلى الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الغربية في تشكيل الرأي العام حول القضايا العربية وقضايا الشعوب الأخرى، فيتم تسليط الضوء على بعض الصراعات بينما تُهمل أخرى، مما يؤثر على كيفية فهم الرأي العام الغربي لتلك القضايا.

وتحدث الحمر عن أمثلة ملموسة في التعامل الإعلامي في الصراع العربي - الإسرائيلي، مشددا على أن "الرقابة والحجب مسألة ظاهرة في تعامل الغرب حتى مع وسائل الإعلام الغربية نفسها حين يتعلق الأمر بمصالح الغرب في ذلك، ولا مكان هنا ولا اعتبار لقيم العدالة والحرية والديمقراطية".

كما تحدث الحمر عن ازدواجية المعايير في سياسة التدخلات العسكرية، حيث "تتدخل الأنظمة الغربية عسكرياً في الدول بدعوى حماية حقوق الإنسان أو نشر الديمقراطية، بينما تُعتبر تدخلات أخرى في مكان آخر مسألة غير مقبولة". وتساءل: "إذاً أين هي معايير العدالة ومبادئ الديمقراطية هنا؟!!".

وخلص الحمر إلى أن الازدواجية في تطبيق العدالة تمثل "تحدياً كبيراً للقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية"، إذ "بينما تسعى الأنظمة الغربية إلى تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو مطلب إنساني، يجب عليها أن تلتزم بمبادئ العدالة والمساواة في جميع حالاتها بين شعوبها والشعوب الأخرى، وإلا فقدت هذه القيم معانيها ورسالتها".

الخطر القادم
اعتبر مصطفى نعمان، وكيل وزير الخارجية اليمني السابق والسفير السابق في إسبانيا والهند والبحرين ، أن ما يحدث اليوم يتمثل في أن المكون الأساسي من مكونات البنية القانونية صار هو القوة، إذ لم يعد هناك شيء اسمه عدالة كونية ولا معايير دولية يعاقب بواسطتها المعتدي، بل صارت الجرائم تبرر، مثل ما حدث ويحدث في غزة ولبنان.

وبعد أن أشار إلى أن الازدواجية هي السائدة اليوم في التعامل مع القضايا الدولية، تساءل نعمان كيف لعاقل أن يقبل حديث الغرب عن قيم كونية وعدالة كونية، بعد أن فضحت حرب الإبادة في فلسطين زيف ادعاءات هذا الغرب حول كرامة الإنسان.

ورأى نعمان أنه يبقى من العبث والسخرية أن يستمر الغرب في إعطاء دروس حول الديمقراطية والعدالة والحريات، وغيرها من القيم النبيلة. وأضاف أن وسائل التواصل الاجتماعي فضحت انحياز الغرب إلى إسرائيل، كما أنها عملت على تبرير عدوانه.

وحذر نعمان من "الخطر القادم"، الذي يتمثل في أن ما يحدث سيخلق جيلا متطرفا، يريد الانتقام لمن قُتل، في وقت يواصل فيهالغرب محاضراته حول العدالة والديمقراطية.

قوة ضغط
قال عبد الله سليمان الشيخ سيديا، وزير المالية الموريتاني السابق، إن الشعوب العربية تحتاج إلى العدالة الدولية لأنها أضعف من غيرها، مشيرا إلى أن هذه العدالة، هي، على الأقل، نوع من تهيُّب القوي الظالم من أن يصل إلى مداه في القوة وتدمير الآخر.

وانتقد الشيخ سيديا ازدواجية المعايير، مع دعوته إلى العمل على تخطيها، للوصول إلى عدالة يستوي فيها القوي والضعيف. وشدد على أن هذا المبتغى ليس سهلا، من منطلق أن الضمير البشري لا يكفي وحده لتحقيق ذلك، وأنه لابد من قوة ضغط داعمة، من المجتمع المدني والرأي العام.

مقلب حقيقي
انتقد محمد تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس وعضو أكاديمية المملكة المغربية، ما قال إنه مهازل أصبح يشهدها العالم، الذي أضحى يستحق لقب "قرية شمولية"، كل شيء فيها معروض في الواجهة وعلى الجميع.

وانتقد الحسيني الاستكانة على مستوى العربي، وردود الفعل المتواطئة غربيا، مع ما حدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط.

ورأى الحسيني أن طرح إشكالية بنية العدالة الكونية كأساس للنقاش فيه نوع من استفاقة ضمير للخروج من الوضع القائم.

وشدد الحسيني على أن العالم تغير في ظل التطور التكنولوجي. وأضاف أن القانون الدولي لا وجود له، خصوصا بعد أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها. وتساءل "هل يمكن أن نتصور اليوم إمكانية تطور الوضع الحرج إلى ما هو أفضل؟"، مشيرا إلى أن أي نظام لا يتغير إلا بعد حرب عالمية قوية، كما كان الحال خلال الحربين العالميتين، الأولى والثانية. وتساءل: هل الأقوياء مستعدون للتنازل عن مواقعهم ويتركوها لآخرين؟

ورأى الحسيني أن حربا ثالثة لا يمكن أن تقع، لأنها تعني نهاية الحضارة البشرية. ثم تساءل: هل نحن محكومون بالنظام القائم؟

واستحضر الحسيني ميثاق الأمم المتحدة، مشددا على أن حق الفيتو هو "مقلب حقيقي"، وأنه حق يمكن أن يحتفظ به عن طريق فيتو جديد من أي طرف.

واستبعد الحسيني أن تعمل بعض التجمعات الاقتصادية، على غرار "البريكس"، على إعطاء توازن للمنظومة العالمية، بفعل "العشوائية" التي قامت عليها عملية تشكيله.

دبلوماسية دولية
ركز الدكتور محمد زيدوح، عضو مجلس المستشارين ( الغرفة الثانية في البرلمان) المغربي، على الدبلوماسية الدولية، التي أصبحت لها أهمية استراتيجية، لا يمكن أن تكون لها من دون عدالة كونية تقوم على قيم نبيلة.

وذكّر زيدوح بجائحة (كورونا)، وقال إنها أكدت دور الدبلوماسية الدولية، حيث كان هناك جهد عالمي للحد من الأزمة الصحية الطارئة.

الغلبة للأقوى
تحدث محمد المعزوز، الروائي والأستاذ الباحث المغربي، عن سكتة دماغية للقوانين الدولية، بخصوص جدوى حقوق الإنسان وباقي القيم. وتساءل: هل نناقش ما يحدث بالمنطق الفكري والمعرفي الذي كان قبل أحداث السابع من أكتوبر أم بعُدّة فكرية جديدة تحدث قطيعة مع ما سبق.

وشدد المعزوز على أن قراءتنا لا ينبغي أن تكون قانونية، بل أن تحدث مسافة ين قراءتنا القانونية والقراءة الإبستيمولوجية والتاريخية.

ورأى المعزوز أن الثقة في الحوار تزعزعت، فلم يعد له أي دور لإقناع إسرائيل والولايات المتحدة بوقف العدوان. وأضاف أن التعنت أسقط دور الدبلوماسية بكل فنونها.

كما تحدث المعزوز عن وسائل التواصل والتكنولوجيا التي أصبحت النقد الموضوعي لمعنى العدالة، ولقيم الحرية التي يبشر بها الغرب، مشددا على أن خطابها كشف المستور وفكك الشرعيات.

وخلص المعزوز إلى الحديث عن تشكل وعي جيلي جديد باللاعالم، مشيرا إلى أنه عالم غير حقيقي، الحقيقي فيه هو العنف. وأضاف أنه لا مرجع لهذا الجيل إلا الهروب إلى التكنولوجيا والانفصال عن العالم الحقيقي؛ وفي لحظة الرجوع إليه يبدأ دلالة الأخذ بالثأر، التي ستأخذ طريقها نحو العنف أو ما يسمى بالانبعاث الجديد للمقاومة.

وتحدث المعزوز عن انتصار الرغبة على العقل، تبعا لما يجري. ورأى أن العدالة ينبغي أن تكون هي المرجع، وأن تكون الحرية مؤطرة بالعدالة، لأن للحرية معنى الشر والخير. وشدد على أن كل القيم التي يستدعيها الغرب اليوم أصبح لا معنى لها، لأنها مرتبطة بإرادة القوة، بينما محتمل القوة هو الغلبة.

ورطة كبرى
تحدث عبد الله ولد باه، الكاتب والأستاذ الجامعي الموريتاني، عن انقلابين، الأول داخل منظومة القيم، والثاني داخل منابت القوة الشرعية.

فبخصوص الانقلاب الأول، قال ولد باه إن ما يجري هو مفارقة غريبة، مشيرا إلى أن القوى الغربية هي التي كانت تسوق، قبل عقود، لقيم التنمية وحقوق الإنسان والحداثة، بينما أصبح الجنوب، اليوم، هو الحاضن لهذه القيم.

وشدد ولد باه على أنه يبقى من الخطأ أن نوجه النقد لهذه القيم لأنها "خط دفاعنا الأخير" في مواجهة العدوانية.

وبخصوص الانقلاب الثاني، تحدث ولد باه عن علاقة الشرعية بالقوة. وأشار إلى أننا نشهد اليوم رجوع الحرب بمفهومها الكلي الشامل، مقابل عجز منظومة الشرعية عن احتوائها، الشيء الدي يرجعنا إلى ما قبل مرحلة الحداثة السياسية.

ورأى ولد باه أن التحول الناتج عن الانقلابين يقودنا إلى سؤال هل ما زالت لعالم اليوم أدوات قانونية ومعيارية وإجرائية تكفل السلم العالمي.

ورأى ولد باه أن الدول الكبرى سقطت في ورطة كبرى لأنها أعطت الضوء الأخضر للعدوان والصلف الإسرائيلي ولما يجري من اعتداءات خطيرة على حقوق الإنسان؛ وسكتت عن كل هذا تحت مبرر الحرب المشروعة، سواء لمواجهة الإرهاب أو الدفاع عن النفس.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف