مع استمرار الفراغ الرئاسي
لبنان في عيد الاستقلال: غابت "السيادة" وحضر الانهيار الاقتصادي والحرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام، يحتفل اللبنانيون بذكرى استقلال بلادهم عن الانتداب الفرنسي الذي امتد لعقود، ويأتي الاحتفال هذا العام في وقت يواجه فيه لبنان حرباً تشنها إسرائيل على حزب الله المدعوم من إيران رداً على "إسناده جبهة غزة"، فضلاً عن استمرار شغور منصب رئيس الجمهورية، وتواصل الأزمة الاقتصادية الخانقة.
تاريخلم يكن لبنان الحديث موجوداً بشكله الحالي قبل القرن العشرين، بل كان جزءاً من ولايات الدولة العثمانية، خصوصاً ولاية بيروت وجبل لبنان. وقد تمتع جبل لبنان بحكم ذاتي محدود بموجب نظام القائمقاميتين ثم المتصرفية الذي أقرته الدول الأوروبية في منتصف القرن التاسع عشر، لكنه بقي ضمن السيادة العثمانية.
ومع انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت أراضي لبنان تحت السيطرة الفرنسية بموجب اتفاقية سايكس-بيكو التي قسَّمت المشرق العربي بين فرنسا وبريطانيا.
حرب 1958: قوات المارينز في شوارع بيروتوفي عام 1920، أعلن المندوب السامي الفرنسي الجنرال هنري غورو قيام "دولة لبنان الكبير"، التي شملت جبل لبنان، وبيروت، وملحقات أخرى مثل البقاع والجنوب والشمال.
وكان هذا التوسع الجغرافي يهدف إلى تعزيز المصالح الفرنسية في المنطقة، لكنه أثار تحديات داخلية نتيجة للتنوع الطائفي الكبير.
ولقد فرض الفرنسيون سيطرتهم الكاملة على السياسة والاقتصاد، وصدر في عام 1926 أول دستور للبنان الحديث، والذي أسس نظاماً جمهورياً برلمانياً، لكنه أبقى على صلاحيات واسعة للمندوب السامي الفرنسي.
ومع مرور الوقت، بدأت تنمو حركة وطنية لبنانية تدعو إلى الاستقلال الكامل، وقاد هذه الحركة زعماء من مختلف الطوائف، أبرزهم بشارة الخوري ورياض الصلح، الذين سعوا لتوحيد الصفوف بعيداً عن الانقسامات الطائفية.
وقد شهدت السنوات التي سبقت الاستقلال تصاعداً في النشاط الوطني، وتحول لبنان خلال الحرب العالمية الثانية إلى مركز استراتيجي لقوات فرنسا الحرة والقوات البريطانية في مواجهة دول المحور.
وفي عام 1941، أعلنت السلطات الفرنسية بقيادة المندوب السامي الفرنسي الجنرال جورج كاترو استقلال لبنان بشكل وصف آنذاك بـ"الاستقلال الرمزي" لإرضاء الحلفاء، لكنه بقي تحت السيطرة الفعلية لفرنسا.
وجاءت الخطوة الحاسمة نحو الاستقلال في عام 1943 عندما تم انتخاب بشارة الخوري رئيساً للجمهورية.
وبالتنسيق مع رياض الصلح، رئيس الوزراء، قادت الحكومة الجديدة جهوداً لإلغاء المواد الدستورية التي تمنح فرنسا حق التدخل في الشؤون اللبنانية، فردت السلطات الفرنسية باعتقال الخوري والصلح وعدد من الوزراء وإيداعهم في قلعة راشيا.
قيادة الجيش اللبناني من فؤاد شهاب حتى جوزيف عونوأثار اعتقال القادة اللبنانيين موجة من الغضب الشعبي، حيث خرجت مظاهرات عارمة في مختلف أنحاء البلاد تطالب بإطلاق سراحهم وإنهاء الانتداب، ولعبت القوى الوطنية، بدعم من دول الحلفاء، دوراً محورياً في الضغط على فرنسا للاستجابة للمطالب اللبنانية.
وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1943، تم إطلاق سراح القادة، وأصبح هذا اليوم رمزاً للاستقلال اللبناني، وإن لم يكتمل هذا الاستقلال حتى الانسحاب الفرنسي الكامل من البلاد في عام 1946.
الميثاق الوطنيوواجه لبنان بعد الاستقلال تحدي إدارة التنوع الطائفي، وأسفرت المفاوضات بين الزعماء اللبنانيين عن صياغة ما يُعرف بـ"الميثاق الوطني"، الذي شكل أساساً لتقاسم السلطة بين الطوائف الرئيسية.
ونص الميثاق على أن يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس الوزراء سنياً، ورئيس مجلس النواب شيعياً، وهو نموذج يهدف إلى تحقيق توازن بين الطوائف، لكنه أدى لاحقاً إلى تكريس الانقسامات الطائفية.
وبعد الاستقلال، أصبح لبنان مثالاً على الديمقراطية البرلمانية في العالم العربي، لكنه كان دائماً عرضة للتأثيرات الخارجية بسبب موقعه الجغرافي وطبيعته الطائفية.
النظام السياسي في لبنان أسير التوازنات الطائفيةومنذ الاستقلال، مر لبنان بمراحل من الاستقرار النسبي، لكنها كانت تتخللها أزمات كبرى مثل الحرب الأهلية (1975-1990) والاحتلال الإسرائيلي (1982).
وعلى الرغم من أن نظام المحاصصة ساهم في تجنب الصراعات الداخلية في البدايات، إلا أنه أصبح لاحقاً مصدر أزمات مستمرة.
الحرب والفراغ الرئاسيويواجه لبنان أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد منذ انتهاء فترة ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2022، وفي ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي محدودة السلطات وبرلمان منقسم، فلا تملك جهة قوة فرض رئيس بالانتخاب الحر كما ينص الدستور، ويحدث ذلك في وقت يشهد فيه لبنان منذ عام 2019 انهياراً اقتصادياً يُصنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.
فعلياً كان هناك في العامين الماضيين 13 جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، كلها انتهت دون انتخاب رئيس.
وانعقدت آخر جلسة في 14 يونيو/حزيران من عام 2023 ومن ذلك الوقت تراجع الكلام عن انتخاب رئيس للجمهورية إلى حدّ التوقف الكامل، لا سيّما بعد أن فرضت جبهة جنوبي لبنان- شمالي إسرائيل نفسها على المشهد في البلاد.
وينص الدستور اللبناني على أن مجلس النواب ينتخب الرئيس بالاقتراع السري، وهذا المجلس يتألف من 128 مقعداً يتم تقسيمها بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.
لماذا يعود الحديث عن انتخاب رئيس للجمهورية بقوة في لبنان؟وبحسب المادة 49 من الدستور اللبناني، يُنتخب رئيس البلاد في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين أي 86 نائباً (من 128)، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات، سواء الأولى أو الثانية، 86 نائباً.
يُتهم حزب الله وحلفاؤه بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس، عبر تكرار الانسحاب لفقدان الدورة الثانية نصابها (86 نائباً).
وهؤلاء يواصلون اقتراعهم بالورقة البيضاء، ويعمدون في كل جلسة إلى إفقاد نصابها، خاصة في دورتها الثانية، ويكررون مشهد خروجهم من قاعة البرلمان، حتى فرض مرشح بالتسوية السياسية، والتوافق عليه.
ويحتاج المرشح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين، أي 86 صوتاً للفوز، وتصبح الغالبية المطلوبة إذا جرت دورة ثانية 65 صوتاً من 128 هو عدد أعضاء البرلمان.
وكان حزب الله وحلفاؤه قد فشلوا قبل الحرب الأخيرة في انتخاب رئيس جديد في ظل مواصفات حددها الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ترتكز على "ألّا يطعن الرئيس المقاومة في ظهرها، ولا يتآمر عليها ولا يبيعها". ويدعم الحزب للمنصب رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية.
في المقابل أعلن ممثل أعلى سلطة دينية مسيحية في لبنان البطريرك الماروني بشارة الراعي، شروطاً للرئيس التوافقي، أبرزها "أن يكون صاحب خيارات سيادية".
ورأى الراعي: "ألا يكون رئيس تحدٍ يفرضه فريق على الآخرين تحت ستار التفاوض والحوار، والتسويات".
فيما رفض سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، وزعيم أكبر كتلة مسيحية في البرلمان، وصول جبران باسيل رئيس "التيار الوطني الحر" أو سليمان فرنجية، معتبراً أن أي مرشح لـ"حزب الله" سيؤدي بالبلاد إلى المزيد من التدهور.
وتدعم قوى 14 آذار، وهي تحالف سياسي يتكون من الأحزاب والحركات السياسية التي ثارت على الوجود السوري في لبنان عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري أو ما سمي بثورة الأرز والتي تلقت الدعم من عدد من الدول خاصة فرنسا والولايات المتحدة والسعودية، وزير المالية السابق جهاد أزعور. ووصف سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب المسيحي، دعم أزعور بـ"انتفاضة" على "الإملاءات والتهديدات"، مشيراً بذلك إلى سعي حزب الله لفرض مرشحه المفضل، سليمان فرنجية.
كما أن قائد الجيش العماد جوزيف عون من الأسماء المرشحة أيضاً للمنصب.
وفي هذا السياق، دخلت 5 دول رئيسية هي الولايات المتحدة، وفرنسا، والسعودية، وقطر، ومصر على خط الأزمة، محاولةً تقريب وجهات النظر بين الأطراف اللبنانية. ولكن هذه الجهود، على الرغم من أهميتها، تبرز مدى اعتماد لبنان على الدعم الخارجي لحل أزماته الداخلية.
أزمات سابقةوسبق أن شهد لبنان شغوراً في منصب رئيس الجمهورية ثلاث مرات، الأولى استمرت 13 شهراً من سبتمبر/ أيلول من عام 1988 إلى نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1989، والثانية ستة أشهر من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2007 إلى مايو/أيار من عام 2008، والثالثة 29 شهراً من مايو/ آيار من عام 2014 إلى أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2016.
ومنذ الاستقلال وقبل اتفاق الطائف، عرف لبنان ثمانية رؤساء جمهورية وهم: بشارة الخوري، وكميل شمعون، وفؤاد شهاب، وشارل حلو، وسليمان فرنجية، وإلياس سركيس، وبشير الجميل، وأمين الجميل.
وبعد الطائف تعاقب على سدة الرئاسة خمسة رؤساء هم: رينيه معوض، وإلياس الهراوي، وإميل لحود، وميشال سليمان، وميشال عون.
وعلى مدى 81 عاماً لم تنتقل السلطة من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة، وفي سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين فقط من أصل 13، إذ طبعت نهايات معظم العهود صراعات وحروب وفراغات، كان معظمها ينتهي بتسويات داخلية أو إقليمية ودولية تؤدي لانتخاب رئيس جديد.
كيف يستقبل اللبنانيون يوم الاستقلال هذا العام؟ويقول فادي، البالغ من العمر 33 عاماً وهو موظف في بنك: "إن العيد هذا العام مختلف عن السنوات السابقة، تقريباً لا يوجد عيد، فوضع البلد سيئ، والناس مشردون ونازحون، وهناك الكثير من الدمار، فالوضع مختلف عما سبق، ليس هناك بهجة مثلما كنا نفعل حين نحتفل بهذا العيد مع الأهل ومع الناس في الشارع".
قال اخدنا الاستقلال وطردنا الاحتلال ..
عن أي عيد استقلال عم تحكوا وبلدنا منهار بكل مجالاته .. ضيعانك يا لبنان مع هيك حكام .…
صباحكم سعد ❤️#عيد_الاستقلال pic.twitter.com/pO5McYs2Hz
ومضى قائلاً: "الاستقلال الحقيقي هو حين تتوقف الحرب ويعود النازحون إلى أراضيهم ومنازلهم، وحين يكون الجميع مرتاحون وسعداء في بلادهم، وكل شيء مؤمّن من الحقوق إلى الوظائف، عندها يكون الاستقلال حقيقياً وصحيحاً، حين يعيش الناس بأمان".
٢٢ تشرين التاني ١٩٤٣ كان لحظة عابرة حاول فيها لبنان إظهار استقلاليته ونضوجه فقرر الابتعاد عن المحاور الإقليمية والدولية والتركيز على الشراكة والائتلاف الداخلي…🇱🇧
ولكنها ظلت لحظة عابرة…
هذه المحاولة لم تترجم إلى عقلية وعقيدة وانتماء وطني وشراكة حقيقية. بقي الشعب اللبناني شعوب… pic.twitter.com/NwJysTfBAB
بينما يقول حسين، البالغ من العمر 28 عاماً: "بالنسبة إلي لا يوجد شيئا يدلّ على الاستقلال هذا العام، فالاستقلال الحقيقي هو حين يكون البلد بخير وحرية دون حروب ولا مشاكل".
وفي الوقت نفسه يقول أندريه، البالغ من العمر 33 عاماً وهو عامل توصيل في أحد المطاعم: "لن نستطيع الاحتفال بعيد الاستقلال هذا العام كما في السنوات السابقة بسبب الوضاع الراهنة في البلد، الحرب والوضع الاقتصادي وأمور كثيرة تحدث حالياً تمنعنا من الاحتفال بالاستقلال، فالاستقلال الحقيقي هو حين نتحرر من العدو الصهيوني، وحين نتفق جميعنا داخل البلد ونصبح يداً واحدة، وعندما يتحسن الوضع الاقتصادي وتتوفر الوظائف ويتحسن وضع البلد بالكامل، حينها يكون الاستقلال حقيقياً".
٢٢ تشرين التاني ١٩٤٣ كان لحظة عابرة حاول فيها لبنان إظهار استقلاليته ونضوجه فقرر الابتعاد عن المحاور الإقليمية والدولية والتركيز على الشراكة والائتلاف الداخلي…🇱🇧
ولكنها ظلت لحظة عابرة…
هذه المحاولة لم تترجم إلى عقلية وعقيدة وانتماء وطني وشراكة حقيقية. بقي الشعب اللبناني شعوب… pic.twitter.com/NwJysTfBAB
ويقول أدهم، وهو في أواخر الأربعينيات من العمر: "لا أرى أي استقلال هذا العام، لا أستطيع أن أفكّر بالاستقلال تحت القصف وتحت صوت المسيّرات في الأجواء، لم نشعر بشيء سوى أنّ احدهم علّق علماً جديداً، بصراحة لم أجرّب الاستقلال الحقيقي يوماً، لذا ليس لدي فكرة كيف يكون الاستقلال".
من احتكار قرار فتح الجبهة الى احتكار التفاوض، عملية اقصاء اكثرية اللبنانيين عن المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية امر خطير، وكأننا في دولتين على ارض واحدة، لكل مصالحها وسيادتها وعلاقاتها وحتى مفاهيمها. غداة عيد الاستقلال، هذا اخطر ما يهدد لبنان، ومعه الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة…
— Jad Lezeik (@JadLB) November 21, 2024
وفي غضون ذلك يقول كريم، البالغ من العمر 33 عاماً: "لا أرى أن هناك استقلالاً هذا العام في ظلّ هذه الحرب والاعتداء على لبنان، وليس هناك جيش يحارب إسرائيل، لذلك ليس هناك استقلال في ظلّ هذا الوضع، واستقلالنا يكون بالمقاومة التي تحارب هذا العدو الهادف إلى احتلال لبنان، ومن هذا المنطلق، السيادة تتحقق ببناء وطن، يعيش فيه الإنسان عيشاً كريماً ويكون لدينا جيش يقاتل أي معتدي، الاستقلال يتحقق عندما يصبح لبنان مستقلاً لا يملي أحد شروطه عليه، هذا هو الاستقلال الحقيقي".
ميقاتي يشبه وضع لبنان بالمرأة المطلقة ويثير جدلااحتفال بـ #عيد_الاستقلال في لبنانحقائق ومعلومات عن لبنان