ارتفاع حصيلة الضحايا وأزمة المياه تحوّل الحرائق إلى كارثة
لماذا خذلت صنابير المياه رجال الإطفاء في لوس أنجلوس؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من واشنطن: في لحظة الحقيقة، عندما كانت ألسنة اللهب تلتهم مساحات شاسعة من غابات ومنازل لوس أنجلوس، وعندما تسابق رجال الإطفاء مع الزمن لإنقاذ الأرواح والممتلكات، وقع ما لم يكن بالحسبان: صنابير المياه، خط الدفاع الأول، خذلتهم. جفت تمامًا. لم يكن هناك قطرة واحدة تسعفهم في معركتهم المستميتة ضد حرائق اجتاحت كل شيء في طريقها. كيف حدث ذلك؟ ولماذا تركت المدينة تحت رحمة النيران بلا أدنى مقومات للحماية؟
كارثة غير مسبوقة
حرائق الغابات ليست حدثًا غريبًا على لوس أنجلوس، لكن ما شهده حي باسيفيك باليساديس هذا الأسبوع كان استثنائيًا. رجال الإطفاء الذين اندفعوا إلى قلب النيران لم يجدوا شيئًا في صنابير المياه سوى الفراغ. أزمة المياه هذه كانت كفيلة بتحويل الوضع من سيئ إلى كارثي. مناطق بأكملها كانت مهددة، والمنازل تقف وحيدة في مواجهة الجحيم الزاحف.
حصيلة ضحايا الحرائق المدمرة في المنطقة قد ارتفعت إلى 16 شخصا. ووفقًا لما صرحت به جانيس كينيونيس، كبير المهندسين في إدارة المياه والطاقة في لوس أنجلوس، فإن النظام الذي يغذي المنطقة بالمياه "تم دفعه إلى أقصى الحدود". على مدار 15 ساعة متواصلة، تضاعف الطلب على المياه أربع مرات، مما استنزف الخزانات الثلاثة الرئيسية التي تغذي المنطقة. بحلول الساعة الثالثة صباحًا، كانت الخزانات قد فرغت تمامًا، تاركة رجال الإطفاء يواجهون ألسنة اللهب بأيديهم العارية.
بين النيران والسياسة
ما حدث أثار عاصفة سياسية لا تقل سخونة عن الحرائق نفسها. الرئيس السابق دونالد ترامب ألقى باللوم على حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، زاعمًا أن سياسات الحاكم البيئية، التي تهدف إلى حماية الأنواع المهددة بالانقراض، كانت السبب في تقليل تدفق المياه إلى المناطق المتضررة. "هذه الحرائق يمكن تجنبها بسهولة"، قال ترامب، مشيرًا إلى ما وصفه بـ"قرارات خاطئة" أدت إلى تجفيف صنابير المياه.
إيلون ماسك، الملياردير والرجل الذي طالما أثار الجدل، انضم إلى الهجوم عبر منصته X (تويتر سابقًا)، مهاجمًا اللوائح الحكومية التي وصفها بأنها "غير منطقية"، وملمحًا إلى أن كاليفورنيا تعاني من أزمة إدارية تفاقم الحرائق سنويًا.
على الجانب الآخر، رد نيوسوم بحزم، واصفًا تصريحات ترامب بأنها "محض خيال"، مشددًا على أن الأزمة الحقيقية ليست في السياسات، بل في ضعف البنية التحتية التي لم تصمم للتعامل مع حرائق من هذا النوع.
أزمة أنظمة المياه
ما كشفته هذه الحرائق لا يتعلق فقط بنقص المياه، بل بفشل نظام بأكمله في التكيف مع تغير المناخ. وفقًا لخبراء المياه، فإن أنظمة إمداد المياه الحضرية، بما فيها تلك الموجودة في لوس أنجلوس، صُممت للتعامل مع حرائق محدودة الحجم، مثل حريق منزل أو مبنى صغير. لكنها غير قادرة على مواجهة حرائق ضخمة وسريعة الانتشار كالتي شهدتها المدينة.
فيث كيرنس، خبيرة حرائق الغابات، أوضحت أن ما حدث في لوس أنجلوس ليس حالة معزولة. ظاهرة جفاف صنابير المياه خلال الحرائق أصبحت متكررة في الولايات المتحدة، وشهدتها مدن أخرى مثل ماوي وكولورادو وأوريغون. وأضافت: "إمدادات المياه ليست مصممة لمواجهة عدة حرائق واسعة النطاق في وقت واحد، خصوصًا في ظل ظروف الرياح العاتية".
الرياح... عدوٌ آخر
الرياح القوية كانت عاملاً إضافيًا في تعقيد جهود مكافحة الحرائق. استخدام الطائرات لإنزال المياه من الجو كان محدودًا بسبب الخوف من الأضرار التي قد تصيب المباني أسفلها. في حادثة مؤسفة، اصطدمت طائرة مدنية بطائرة إطفاء من طراز "سوبر سكوبر"، مما أوقف العمليات الجوية مؤقتًا وزاد من تفاقم الأزمة.
المستقبل بين الحاجة والتمويل
الأزمة التي عصفت بلوس أنجلوس تفتح الباب أمام أسئلة عميقة حول مدى جاهزية المدن الحضرية للتعامل مع كوارث المناخ المتزايدة. هل يمكن لأنظمة المياه أن تتطور لتواكب هذه التحديات؟ خبراء مثل كيرنس يرون أن الحلول موجودة، لكنها مكلفة. الحاجة أصبحت ملحة لبناء أنابيب ذات سعة أكبر ونظام طاقة احتياطية لضمان استمرار تدفق المياه حتى في الأوقات الحرجة.
ومع ذلك، يبقى السؤال: من سيدفع الثمن؟ التمويل اللازم لتطوير هذه الأنظمة يتطلب التزامًا حكوميًا كبيرًا وخططًا طويلة المدى. وحتى ذلك الحين، يبدو أن المدن، بما في ذلك لوس أنجلوس، ستظل عُرضة لنيران لا ترحم وبنية تحتية لا تصمد.
هل نتعلم من الكارثة؟
مع احتواء الحريق بنسبة لا تتجاوز 11% حتى الآن، تستمر التساؤلات والاتهامات في التصاعد. هل كانت الكارثة محتومة، أم أن النظام كان يمكن أن يتجنب الانهيار؟ الإجابة قد لا تكون سهلة، لكن المؤكد هو أن لوس أنجلوس، وغيرها من المدن المهددة، لا يمكنها تجاهل دروس هذا الأسبوع القاسي. كل دقيقة تأخير في تطوير البنية التحتية قد تكون كفيلة بتحويل كارثة اليوم إلى مأساة الغد.
ارتفاع حصيلة الضحايا مع استمرار البحث
وأعلنت مصلحة الطب الشرعي، مساء السبت، أن العدد الإجمالي للوفيات المؤكدة بلغ 16 ضحية، مع استمرار الفحص لبعض الحالات. ونشر الطبيب الشرعي في مقاطعة لوس أنجلوس قائمة بأسماء القتلى دون الكشف عن تفاصيل هوياتهم، موضحًا في الوثيقة أن خمسة منهم تم العثور عليهم في منطقة حرائق باليسيديس، و11 آخرين في منطقة حرائق إيتون.
وكان العدد السابق للوفيات المؤكدة قد بلغ 11، إلا أن المسؤولين توقعوا ارتفاع هذا الرقم مع استمرار عمليات البحث عن الجثث في المناطق المدمرة باستخدام كلاب مدربة. في الوقت نفسه، تعمل الفرق على تقييم حجم الأضرار، فيما أنشأت السلطات مركزًا للإبلاغ عن المفقودين.