وزير خارجية إسبانيا الأسبق يستعيد ذكرياته مع صديق العمر
وداعًا بلا لقاء جديد.. موراتينوس يرثي لـ"إيلاف" محمد بن عيسى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من الرباط: لم يكن ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا الأسبق، يتخيل أن تحيته المعتادة لصديقه محمد بن عيسى، "وداعًا، صديقي"، ستكون هذه المرة وداعًا أبديًا. كانا يتشاركان هذه العبارة عند كل لقاء، لكنها الآن تحمل في طياتها ألم الفقدان العميق. ثلاثون عامًا من الصداقة والدبلوماسية والعمل المشترك جمعت بينهما، شكلت خلالها العلاقة بين المغرب وإسبانيا فصولًا من التقارب والثقة.
موراتينوس يكتب لـ"إيلاف" عن محمد بن عيسى: وداعًا.. صديقيأن يكتب ميغيل أنخيل موراتينوس مقالًا في "إيلاف" عن محمد بن عيسى، فهذا ليس مجرد رثاء لصديق، بل اعتراف بشخصية دبلوماسية استثنائية حفرت اسمها في مسار العلاقات المغربية الإسبانية. لم يكن بن عيسى مجرد وزير أو سفير، بل كان رمزًا للحكمة والحوار، ورجل دولة ترك بصمته في ساحات الدبلوماسية الإقليمية والدولية.
صداقة ودبلوماسية
في أوائل التسعينيات، عندما كان بن عيسى وزيرًا للثقافة في المغرب، وموراتينوس مسؤولًا عن شمال إفريقيا في الخارجية الإسبانية، بدأت علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل. لم يكن لقاءً عابرًا، بل كان بداية مسيرة من التعاون الحثيث لترميم العلاقات بين مدريد والرباط، خاصة بعد سنوات من التوتر. حين تولى موراتينوس حقيبة الخارجية الإسبانية، وجد في بن عيسى شريكًا استثنائيًا، قادرًا على بناء الجسور ومدها بالحكمة والرؤية.
أصيلة.. معبر الثقافة والسياسة
كانت أصيلة أكثر من مجرد مسقط رأس لبن عيسى، كانت انعكاسًا لرؤيته العميقة للدبلوماسية الثقافية. المهرجان الذي أسسه لم يكن مجرد تجمع فكري، بل منصة للحوار والتقارب الدولي. يروي موراتينوس كيف حظي باستقبال حار من سكان المدينة عند حضوره لأول مرة عام 2004، وكيف تحول المنتدى إلى موعد سنوي لا يمكن تفويته، باستثناء عام 2022.
لم يكن بن عيسى رجل سياسة فحسب، بل رجل ثقافة بامتياز. نشأ في بيئة متعددة اللغات، فدرس في مدرسة "إل بيلار" حيث تشرب العادات والتقاليد الإسبانية، مما جعله أحد أكثر وزراء المغرب إتقانًا للغة الإسبانية وفهمًا لثقافتها.
رجل الدولة الذي لا ينسى
لم يكن تأثير بن عيسى محصورًا في المغرب، فقد كان شخصية مرموقة في إفريقيا، الشرق الأوسط، وأوروبا. كان له دور محوري في تحديث الدبلوماسية المغربية، ولم يتردد في تقديم حلول مبتكرة لمختلف الأزمات. من أبرز المحطات التي يستذكرها موراتينوس، أزمة الهجرة عامي 2007-2008، التي تم حلها بفضل لقاء غير رسمي حول مائدة إفطار في منزل بن عيسى بالرباط، حيث تحولت الأزمة إلى فرصة للحوار والتفاهم.
كما كان لبن عيسى دور بارز في حل أزمة اختطاف عمال إغاثة إسبان في موريتانيا، حيث لعبت خبرته الإفريقية وعلاقاته الواسعة دورًا حاسمًا في التوصل إلى حل سلمي.
آخر لقاء.. آخر وداع
في أكتوبر الماضي، جلس موراتينوس مع بن عيسى في منزله بأصيلة، يتجاذبان أطراف الحديث كما اعتادا لسنوات، وسط أجواء مغربية أصيلة، وأطباق أعدتها زوجته ليلى. لم يكن يعلم حينها أنهما يلتقيان للمرة الأخيرة.
وعند مغادرته، سمع منه كلماته المعتادة: "وداعًا، صديقي". لكنها كانت هذه المرة وداعًا بلا لقاء جديد.
يرحل محمد بن عيسى، لكن أثره باقٍ. وكما يؤكد موراتينوس: "سنواصل البحث عن السلام، مستلهمين من إرثك وروحك".