في عالم يروّج لتمكين المرأة
المانوسفير: متى يستعيد الرجال رجولتهم الحقيقية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مع ازدياد الخطاب النسوي على مستوى العالم والتهديد الذي طال مفاهيم الذكورة التقليدية، شهدت السنوات الأخيرة صعود ما أصبح يعرف بـ"المانوسفير" (الفضاء الذكوري الإلكتروني) ووصوله إلى شرائح واسعة من الرجال حول العالم.
ويشير مصطلح المانوسفير إلى تنامي مجموعة غير منظّمة من المجتمعات الإلكترونية، والمدونات، والمنتديات، والمؤثرين الذين يركّزون على قضايا الرجال، وغالباً ما يروّجون لوجهات نظر مناهضة للنسوية، أو ذكورية متحيّزة ضد النساء، أو رجعية بشأن الجندر والمجتمع.
وأصبح هذا الفضاء الافتراضي نقطة التقاءٍ لمجموعةٍ واسعة من الخطابات التي تتراوح بين الدعوة إلى "استعادة الرجولة الحقيقية" ونقد ما يصفه أعضاؤه بـ"هيمنة النسوية" على الخطاب العام، وصولاً إلى تبنيّ نظريات أكثر تطرفاً ترى في العلاقات الجندرية صراعاً صفري النتائج بين الرجال والنساء.
وقد أدّت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في انتشار أفكار المانوسفير، حيث ساهمت المنصات الرقمية مثل يوتيوب، وتيك توك، وريديت في تعزيز انتشار محتواه، مما سمح لهذه الأفكار بالتغلغل في التيار العام واستقطاب فئات عمرية مختلفة، لا سيما المراهقين والشباب الذين يبحثون عن إجاباتٍ حول هويّاتهم في عالمٍ متغير.
لكن ما هي الأفكار الفلسفية الكبرى التي تقوم عليها سرديات "المانوسفير"؟ وكيف استطاعت هذه الحركة الرقمية أن تكتسب كل هذا الزخم في السنوات الأخيرة؟
المجموعات المنضوية في "الفضاء الذكوري الإلكتروني"يضم المانوسفير طيفاً واسعاً من المجموعات والتيارات التي تتبنى رؤى مختلفة حول قضايا الذكورة والعلاقات بين الجنسين، لكنها تشترك في اعتقادها بأنّ الرجال "يواجهون تحديات جسيمة في المجتمع المعاصر". في ما يلي أبرز هذه المجموعات وأفكارها الأساسية:
"الحبة الحمراء" ونشطاء "حقوق الرجال":تستمد هذه المجموعة اسمها من فيلم "ذي مايتركس" الشهير، حيث حيث تشير "الحبوب الحمراء" إلى عملية الإيقاظ/ الصحوة على حقيقة المؤامرات ومنها حقيقة أن النظام الاجتماعي منحاز ضد الرجال، برأيهم. وتدّعي هذه المجموعة أن الرجال يعانون من التمييز في مجالات مثل الطلاق، وحضانة الأطفال، والقوانين المتعلقة بالعنف المنزلي.
"فنانو الإغواء" وثقافة "الذكر الألفا":تركز هذه المجموعة على تعليم الرجال استراتيجيات التلاعب النفسي والعاطفي في العلاقات العاطفية، بهدف تحسين فرصهم في جذب النساء. وتعزز فكرة أن الرجال يجب أن يكونوا "ذكوراً ألفا" مهيمنين في علاقاتهم، أي الرجال الذين يُنظر إليهم على أنهم الأقوى والأكثر سيطرة وجاذبية وفقاً لمنطق الهيمنة الاجتماعية والتفوق الذكوري.
المحافظون التقليديون والمفكرون الرجعيون:تدافع هذه الفئة عن الأدوار الجندرية التقليدية، وترى أن الابتعاد عن هذه الأدوار تسبب في أزمة اجتماعية وأخلاقية. وتعتمد على أفكار فلسفية ونفسية لتبرير ضرورة العودة إلى القيم الأسرية التقليدية، مستندة إلى نظريات ترى في الاختلافات البيولوجية بين الجنسين أساساً لتقسيم الأدوار داخل المجتمع، إضافةً إلى تصورات محافظة حول الاستقرار الأسري بوصفه ركيزة أساسية للحفاظ على النظام الاجتماعي. كما تستند بعض تياراتها إلى تأويلات دينية وأخلاقية تعزز هذا النموذج من العلاقات بين الرجال والنساء.
"الإنسيلز" (العُزّاب غير الطوعيين):هي مجموعة تعبّر عن استيائها من النساء والمجتمع بسبب فشل الرجال المنضوين فيها في تحقيق نجاح عاطفي أو جنسي، وقد تبنّت في السنوات الماضية هجمات عنيفة استهدفت النساء و"الرجال الناجحين جنسياً"، منها في كاليفورنيا عام 2014 راح ضحيتها 14 شخصاً وفي تورنتو عام 2018 و2020 وراح ضحيتها 11 شخصاً، بالإضافة إلى هجوم في المملكة المتحدة عام 2021 أودى بحياة 5 أشخاص.
وتتكوّن هذه المجموعة من رجال يشعرون بالحرمان العاطفي والجنسي، ويلقون اللوم على النساء والمجتمع في ذلك. وتحمل أفكارهم توجهات كراهية متطرفة، وتحريضاً على العنف ضد النساء. كما حُظر العديد من منصاتهم على الإنترنت بسبب خطاب الكراهية والتطرف.
ما هي أسباب نمو المانوسفير؟يحاجج البعض بأن صعود المانوسفير جاء مدفوعاً بعوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية عدة.
فمن جهة، أدى عدم الاستقرار الاقتصادي وتراجع فرص العمل إلى إضعاف الأدوار الذكورية التقليدية، مما زاد من شعور بعض الرجال بالإحباط والقلق تجاه مستقبلهم المهني والاجتماعي.
هذا الشعور بالتهميش الاقتصادي عزز حالة الاستياء تجاه النسوية والتغييرات الحديثة في الديناميكيات الجندرية.
من جهة أخرى، لعبت المنصات الرقمية دوراً محورياً في تضخيم محتوى المانوسفير، حيث تدفع خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي نحو التفاعل مع هذا النوع من المحتوى، مما يزيد من انتشاره.
منصات مثل "ريديت" في مجتمعات مثل r/TheRedPill، ويوتيوب، و"تيك توك" أصبحت بمثابة بيئات استقطاب تروج لأفكار هذا التيار، ما سمح له بالوصول إلى شرائح أوسع من الشباب.
إلى جانب ذلك، ساهمت ثقافة تطبيقات المواعدة في تعزيز الشعور بالإحباط العاطفي لدى بعض الرجال، إذ تعزز هذه التطبيقات ديناميكيات تنافسية تجعل النجاح العاطفي مقتصراً على فئة محددة، مما يدفع البعض إلى تبني أفكار "الهايبرغامي" أي الاعتقاد بأن النساء يسعين دائماً للارتباط بالرجال ذوي المكانة الأعلى، مما يعمّق الانقسام بين الجنسين.
كما أن رد الفعل على حركة "أنا أيضاً" (مي تو) المناهضة للتحرّش كان عاملاً أساسياً في انتشار المانوسفير، حيث يرى بعض الرجال أن هذه الحملة لم تكن مجرد دعوة للمحاسبة، بل هجوماً على الذكورة بحد ذاتها.
هذا الشعور بالمظلومية دفع العديد منهم إلى تبني خطاب مناهض للنسوية، مدفوعاً برغبة في مقاومة ما يصفونه بـ"الأفكار التقدمية" أو "اليقظة" حول المساواة بين الجنسين.
ويُستخدم مصطلح ثقافة "اليقظة" (Wokism) التي نشأت في الولايات المتحدة وتنامى الحديث عنها في السنوات القليلة الماضية عادةً، لوصف الأفراد والمجموعات المؤيدين للعدالة الاجتماعية.
وقد رسخّت هذه الثقافة والردود عليها ما يعرف بـ"الحروب الثقافية" وأثرت على شكل الاصطفافات والقيم والقضايا التي تهم طرفي الطيف السياسي من اليمين واليسار، بالمعنى الواسع.
من هم "مفكرّو" المانوسفير؟ وما هي أفكارهم؟بالرغم من أن "المانوسفير" ليس حركة موحدة، إلا أنه يتشكل من مزيج من المؤثرين الرقميين، والمفكرين المزعومين، وأصحاب التوجهات الرجعية. ورغم اختلاف التيارات داخله، إلا أن هناك شخصيات رئيسية وجذوراً أيديولوجية بارزة تساهم في تشكيل خطاباته الأساسية:
رولو توماسي: صانع محتوى على يوتيوب وكاتب أمريكي. يُعتبَر "عرّاب المانوسفير" وهو مؤلف كتاب "الذكر العقلاني" الذي يؤطر العلاقات الجندرية وفقاً لعلم النفس التطوري. ويجادل توماسي بأن المجتمع يعمل وفقاً لما يسميه "الفرضية الأنثوية"، مما يضع الرجال في موقع غير ملائم، ويرى أن النساء بطبيعتهن "هايبرغاميات"، أي أنهن يسعين دائماً وراء شركاء ذوي مكانة أعلى. ويحذّر توماسي الرجال من الوقوع في فخ "الحبّ الهوسي"، والزواج، والتحوّل إلى رجال من فئة "بيتا" الرجال الذين يُنظر إليهم على أنهم أقل هيمنة وثقة بالنفس مقارنة بـ"ذكور ألفا". بينما يشجّع على تحسين الذات ((self-optimizing، والنجاح المالي، وتعلّم "اللعبة" (استراتيجيات المواعدة). وقد تعرّضت أفكاره، التي تستند إلى علم النفس التطوري ورؤى رجعية حول الجندر، لانتقادات واسعة بسبب ترويجها لكراهية النساء وزرع عدم الثقة بين الجنسين. بول إيلام: مؤسس منصة "صوت من أجل الرجال" التي تُعدّ من أوائل المنصات المدافعة عن "حقوق الرجال"، لكنها غالباً ما تتبنى مواقف مناهضة للنسوية. يجادل بأن النسوية الحديثة خلقت ثقافة كراهية للرجال وأن الرجال هم الضحايا الحقيقيون للتمييز المنهجي، بخاصة في مجالات مثل المحاكم الأسرية، "الاتهامات الكاذبة" بالاعتداء الجنسي، وقوانين العنف المنزلي. ويرى إيلام أن المجتمع يولي الأولوية لقضايا النساء بينما يهمل معاناة الرجال، مثل ارتفاع معدلات الانتحار، ووفيات العمل، وغياب الدعم للرجال الذين يتعرضون لسوء المعاملة. وغالباً ما يصوّر الرجال على أنهم مضطهدون بسبب السياسات النسوية، وقد تعرضت آراؤه لانتقادات واسعة لتغذيتها مشاعر الاستياء والمواقف الرجعية تجاه المساواة بين الجنسين. نيل شتراوس: يشتهر بكتابه "اللعبة" (2005) الذي ساهم في انتشار ثقافة "فن الإغواء". تتمثل فكرته الرئيسية في أن الجاذبية تخضع لمبادئ نفسية يمكن للرجال تعلمها وإتقانها من خلال تقنيات محددة، مثل "المجاملات المبطنة بالإهانة"، وإظهار القيمة العليا*، والتلاعب الاجتماعي. ويعرض شتراوس الإغواء كمهارة يمكن تطويرها بشكل منهجي، مستنداً إلى الديناميكيات الاجتماعية وعلم النفس التطوري واستراتيجيات بناء الثقة. ورغم أن "اللعبة" قدّم الإغواء في البداية كنوع من تطوير الذات، إلا أنه أثّر لاحقاً على الجانب الأكثر سُمّية في المانوسفير، حيث تبنى بعض فناني الإغواء أساليب الإكراه والتلاعب. لاحقاً، نأى شتراوس بنفسه عن هذا التيار، معترفاً بمشكلاته الأخلاقية في كتابه "الحقيقة" (2015).برغم أن "المانوسفير" لا يعتمد على أسس فلسفية واضحة، إلا أن بعض أفكاره تستند بشكل غير مباشر إلى تأويلات معينة لفلاسفة ومفكرين مختلفين. من بين هؤلاء يمكن الإشارة إلى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، على سبيل المثال، حيث غالباً ما يُستشهد به في هذه الأوساط، خصوصاً من خلال مفهوم "إرادة القوة" ونقده للأخلاق المسيحية بوصفها "أخلاق الضعفاء"، عبر تحريف هذه الأفكار لتبرير رؤى ذكورية قائمة على الصراع والتفوق.
من جهة أخرى، يمكن اعتبار الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، المعروف بتشاؤمه ونظرته السلبية تجاه النساء، مصدر إلهام لبعض الخطابات المعادية للنسوية داخل المانوسفير، بخاصة من خلال رؤيته للمرأة كـ"كائن عاطفي وغير عقلاني".
كذلك، تستخدم كتابات الأمريكية كاميل باجليا، وهي نسوية غير تقليدية، بشكل انتقائي من قبل بعض منظّري المانوسفير للطعن في النسوية المعاصرة، لا سيما عبر نقدها للخطاب النسوي الذي تعتبره متناقضاً مع الطبيعة البيولوجية للجنسين.
وأخيراً، يمكن أيضاً رصد تأثير غير مباشر للفيلسوف الإنجليزي نيك لاند، خصوصاً في أوساط التيارات الأكثر تطرفاً، حيث تلتقي بعض أفكاره حول نظرية "التسريع الرأسمالي" والتسلسل الهرمي الطبيعي مع رؤى المانوسفير التي تمجد المنافسة المطلقة، القوة، والنجاح الفردي كمعايير أساسية لتحديد قيمة الرجل في المجتمع.
من يساعد النساء العربيات على التصدي للعنف الإلكتروني؟كيف تعيش النساء الأفغانيات في ظل حكومة طالبان؟نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهنكيف يهدد قرار ترامب حياة آلاف الفتيات والنساء في العالم؟هل نعيش في عصر نهاية الحب؟قضية "التمييز ضد المغايرين جنسياً": المحكمة العليا الأمريكية تستمع إلى المرافعات