القاهرة لم تتوقف يوماً عن الشك في تل أبيب
هل هناك صداقة حقيقية بين مصر وإسرائيل؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من القدس: إن التحدي الذي يواجه إسرائيل يتمثل في مواصلة إدارة الشراكة الاقتصادية الحيوية مصر دون تجاهل للعلامات الواضحة على أن مصر لديها موقف أقرب إلى الشك على الصعيدين العسكري والسياسي.
بثّ بودكاست عربي شهير يُدعى "الطريق"، والمعروف بموقفه المناهض لإسرائيل، مؤخرًا فقرةً نادرةً ومقلقةً. تحدث ضيف البرنامج، وهو طيار مصري سابق ، بصراحة عن عملية "طوفان الأقصى" والحرب في غزة، كاشفًا عمّا وصفه بالعقيدة الأمنية المعلنة للقاهرة تجاه إسرائيل.
لم يتحدث الطيار برموز. بل صرّح بوضوح أن مصر لا تنظر إلى غزة كمشكلة تحتاج إلى حل، بل كأداة استراتيجية للحفاظ على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقال: "دور غزة، من وجهة نظر القاهرة، هو إدامة الصراع واستنزاف إسرائيل. إسرائيل قادرة على القتال حتى آخر غزي، طالما بقيت إمكانية "المقاومة" قائمة".
وأضاف أن الموقع الجغرافي لإسرائيل يجعلها بلا عمق استراتيجي، وهو الوضع الذي يعتقد أنه يجب الحفاظ عليه لإبقائها "ضعيفة وعرضة للخطر".
منذ معاهدة السلام لعام 1979، فُرضت قيود صارمة على الوجود العسكري في سيناء، مع تحديد مناطق لمستويات انتشار متفاوتة تحت إشراف دولي.
مصر موجود عسكرياً في سيناء
عمليًا، على مدار العقد الماضي - وخاصة منذ تنامي نشاط تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شبه الجزيرة - نشرت مصر أسلحة ثقيلة ودبابات وأنظمة دفاع جوي وقوات مدرعة بأعداد تفوق بكثير المسموح به.
حظي التفسير الرسمي - الحاجة إلى مكافحة الإرهاب - بدعم إسرائيلي، بل وتعاون استخباراتي. لكن في الوقت نفسه، خلقت التغييرات الميدانية واقعًا جديدًا: وجود عسكري مصري مكثف في مناطق كانت في السابق شبه منزوعة السلاح تمامًا. ويؤكد السياق الذي قدمته الحلقة التجريبية من البودكاست أن القاهرة تُعتبر هذا التعزيز العسكري ليس فقط دفاعًا داخليًا، بل أيضًا ورقة استراتيجية ضد إسرائيل.
إسرائيل تظل عدواً محتملاً
تُسلّط تصريحاته الضوء على فجوة عميقة بين الإطار الرسمي لـ"السلام" والعقلية العملية والأيديولوجية التي لا تزال تنظر إلى إسرائيل كعدو محتمل. فبينما تعاونت مصر وإسرائيل ضد تهديدات مشتركة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فإن الهدف الاستراتيجي، وفقًا لروايته، هو إبقاء إسرائيل تحت ضغط مستمر، والسماح لغزة بأن تظل مصدر استنزاف.
إلى جانب البعد الأمني، يكمن واقع اقتصادي معقد. ففي السنوات الأخيرة، واجهت مصر أزمة طاقة حادة، وأصبحت مستوردًا رئيسيًا للغاز الطبيعي. وتوفر العقود الموقعة مع إسرائيل، والتي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، للقاهرة مصدر دخل حيويًا من خلال صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، كما تضمن إمداداتها للسوق المحلية.
تشمل هذه الاتفاقيات زيادة تدريجية في كميات الغاز المتدفقة من إسرائيل، إلى جانب الاستثمار في بنية تحتية جديدة لخطوط الأنابيب. بالنسبة لإسرائيل، تُمثل هذه الاتفاقيات شراكة اقتصادية استراتيجية. أما بالنسبة لمصر، فهي وسيلة لضمان الاستقرار الاقتصادي ورافعة محتملة للنفوذ مستقبلاً.
يُشكّل اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي مفارقة. فمن الناحية الاقتصادية، تحتاج القاهرة إلى إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تعمل على الحفاظ على ضعفها. هذا التناقض ليس وليد الصدفة، بل هو جزء من سياسة "مزدوجة" تُمكّن مصر من تعزيز مصالحها على الجبهتين: تأمين إمدادات الطاقة الحيوية مع الحفاظ على موقف عسكري وسياسي متشدد.
التعاون مع إسرائيل خيانة
تواجه الحكومة المصرية أيضًا ضغوطًا داخلية كبيرة. يرى الشارع العربي والمعارضة الإسلامية أي تعاون مع إسرائيل خيانة. ويمثل وجود ونفوذ جماعات مثل الجهاد الإسلامي الفلسطيني، المدعومة من إيران، تحديات أمنية وسياسية. وغالبًا ما يؤدي التوازن الدقيق بين تجنب المواجهة المباشرة والحفاظ على الشعبية في الشارع العربي إلى سياسة "السلام البارد". صحيح أن الاتفاقيات موجودة، لكن الخطابات والأفعال على الأرض تُعزز الشعور بالعداء.
إن هذا السلوك المصري هو جزء من نمط أوسع في الشرق الأوسط : حيث توقع الدول اتفاقيات سلام مع إسرائيل ولكنها في الوقت نفسه تشن حملة هادئة للحد من قوتها الإقليمية، أو بعبارة أخرى، الحفاظ على حالة من "التوازن".
تشير تعليقات الطيار السابق، إلى جانب البيانات المتعلقة بالحشد العسكري في سيناء والاعتماد على الغاز الإسرائيلي، إلى ضرورة إعادة تقييم إسرائيل لافتراضاتها بشأن السلام مع مصر. صحيح أن التعاون الاستخباراتي والاقتصادي مهم، إلا أنهما لا يضمنان تحولاً جذرياً في الفكر الأمني للقاهرة.
إن التحدي الذي يواجه إسرائيل يتمثل في مواصلة إدارة هذه الشراكة الاقتصادية الحيوية دون تجاهل العلامات الواضحة على أن مصر تحافظ على موقف الشك وحتى العداء على الصعيدين العسكري والسياسي.
قدّم بودكاست "الطريق" لمحةً نادرةً عن التفكير الاستراتيجي في القاهرة - أن غزة ليست مجرد بؤرة توتر محلية، بل أداةً مقصودةً في ميزان القوى الإقليمي. يُظهر الحشد العسكري غير المعتاد في سيناء، إلى جانب الاعتماد المتزايد على الغاز الإسرائيلي، مدى تعقيد العلاقات الإسرائيلية المصرية: سلامٌ لا يخلو من التهديدات، حيث تُمثّل الكلمة المكتوبة جزءًا من القصة فقط، بينما يُخبر الواقع على الأرض قصةً مختلفةً تمامًا.
=================
أعدت إيلاف هذه المادة نقلاً عن مقال للكاتب الإسرائيلي ديفيد بن بسات - صحيفة جيروزاليم بوست.
https://www.jpost.com/opinion/article-864260
(الكاتب هو المدير التنفيذي لإذاعة راديو 100 إف إم، وقنصل فخري، ونائب عميد السلك الدبلوماسي القنصلي، ورئيس جمعية الاتصالات الإسرائيلية، ومراسل سابق لشبكة إن بي سي).