أخبار

حركة تحرير السودان: كيف نشأت وأين هي اليوم؟

مقاتلون من حركة تحرير السودان، بملابس ملونة يحضرون حفل تخرج في ولاية القضارف جنوب شرق البلاد في 28 مارس/آذار 2024.(صورة من وكالة فرانس برس) (صورة من -/وكالة فرانس برس عبر صور غيتي) - AFP
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في أحد مخيمات النازحين بدارفور، رفع طفل علماً باهت الألوان كُتب عليه بخط يدوي: "حرية، عدالة، مساواة". كلمات بسيطة لخّصت في مطلع الألفية الجديدة الشعارات التي تبنتها حركة مسلحة حملت اسم "حركة تحرير السودان". وبينما كانت البداية عند أنصارها مفعمة بآمال التغيير، فإن مسار الحركة خلال عقدين امتلأ بالتشظي والانقسامات، حتى باتت اليوم منقسمة بين أجنحة متنازعة، وواقع سياسي معقد تتداخل فيه الحسابات المحلية والإقليمية والدولية.

تأسست الحركة عام 2003 في إقليم دارفور، عندما أعلنت مجموعة من الشباب والناشطين السياسيين تمردهم على حكومة الخرطوم، متهمين إياها بتهميش الإقليم وإفقاره. كان على رأس المؤسسين المحامي عبد الواحد محمد نور.

نحو ألف سوداني يلقون مصرعهم جراء انزلاق للتربة بإقليم دارفور

مِنّاوي: الحرية والتغيير -المجلس المركزي تحاور العسكريين في الخفاء

الأيديولوجيا والأهداف

ركز خطاب الحركة منذ البداية على إنهاء ما ,صف بالتهميش التاريخي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية. تبنت الحركة خطاباً قومياً، لكنها في الممارسة ارتبطت أكثر بقضية دارفور.

رفعت الحركة شعار "الحرية، العدالة، المساواة"، محاولةً استقطاب السودانيين في الأقاليم الأخرى. لكن تقارير "هيومن رايتس ووتش" تشير إلى أن عملياتها العسكرية ارتبطت بعمق بالمظالم المحلية في دارفور، أكثر من ارتباطها بمشروع قومي شامل.

لم يكن اختيار اسم "حركة تحرير السودان" محض صدفة، بل جاء انعكاساً لتأثر قادتها المبكرين بتجربة "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق عام 1983.

فكما رفع قرنق في الثمانينيات شعار "السودان الجديد"، وقدم نفسه صوتاً للمهمشين في مواجهة هيمنة الخرطوم، حاول مؤسسو الحركة في دارفور تكرار المشهد ذاته عبر شعارات "الحرية، العدالة، المساواة".

كانت دارفور، مثل جنوب السودان، تعاني من الفقر والإقصاء السياسي، ورأى ناشطوها أن تجربة قرنق دليل على أن الكفاح المسلح يمكن أن يفرض حضوراً سياسياً ويجلب الاعتراف الدولي. غير أن الفارق ظل جوهرياً: فالحركة الشعبية امتلكت مشروعاً متكاملاً قادها إلى اتفاق نيفاشا ثم انفصال الجنوب، بينما بقيت حركة تحرير السودان حبيسة انقساماتها الداخلية ومرتبطة أكثر بقضية دارفور.

السودان: هل نسي العالم مأساة المدنيين في الفاشر؟

السودان: كيف يؤثر الإعلان عن حكومة موازية في أزمة البلد ومستقبله؟

AFP الانقسامات: وحدة تتبدد

سرعان ما واجهت الحركة تحديات داخلية. الخلاف بين عبد الواحد نور، الذي تمسك بخطاب رافض لأي تسويات مع الخرطوم، وبين مني أركو مناوي، الذي مال إلى خيار التفاوض، أدى إلى انشقاق كبير.

في عام 2006، وقع مناوي اتفاق أبوجا للسلام مع حكومة عمر البشير، ليصبح كبير مساعدي الرئيس. لكن تقارير الأمم المتحدة أكدت أن الاتفاق تعثر سريعاً بسبب غياب الإجماع الداخلي واستمرار القتال في دارفور.

لم تكن حركة تحرير السودان مجرد تنظيم محلي، بل دخلت سريعاً في حسابات القوى الإقليمية. حيث تفيد تقارير أنها حصلت على دعم وتسليح من تشاد وليبيا في مراحل مختلفة، كما كانت طرفاً دائماً في المفاوضات التي قادها الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.

وفي عام 2005، أحال مجلس الأمن ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما أسفر عن صدور مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير عام 2009. وهنا لعبت شهادات الحركات المسلحة، ومن بينها حركة تحرير السودان، دوراً محورياً في إدانة النظام.

AFP مني أركو ميناوي ما بعد انتفاضة 2018

حين خرج السودانيون في انتفاضة شعبية في ديسمبر/كانون الأول 2018 أطاحت بعمر البشير، وجدت حركة تحرير السودان نفسها أمام مفترق طرق. فمني أركو مناوي عاد إلى المشهد من جديد، مشاركاً في مفاوضات جوبا للسلام التي انتهت عام 2020 بتوقيعه على الاتفاق وتوليه منصب حاكم إقليم دارفور.

في المقابل، ظل عبد الواحد محمد نور متمسكاً بموقفه الرافض لأي تسوية، مؤكداً في مقابلات مع "سودان تريبيون" أن السلام لا يمكن أن يُصنع على موائد خارجية، بل يجب أن ينبع من الداخل السوداني ومن مطالب الشعب. وهكذا انقسمت الحركة بين جناح دخل في معترك السلطة، وآخر بقي على هامشها، متمسكاً بشعار الثورة المستمرة

مع اندلاع الحرب المفتوحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023، وجد جناحا حركة تحرير السودان نفسيهما أمام اختبار بالغ الصعوبة.

فمني أركو مناوي يحاول التمسك بموقعه كحاكم لإقليم دارفور وسط فوضى أمنية وانهيار مؤسسات الدولة، بينما يواصل عبد الواحد محمد نور تمترسه في موقفه الرافض لأي تسوية سياسية، محتفظاً ببعض المقاتلين بعيداً عن مائدة التفاوض. وتشير تقارير الأمم المتحدة الصادرة عام 2024 إلى أن الحركة لم تعد القوة المسلحة المهيمنة في دارفور، بعدما صعد نجم قوات الدعم السريع وسيطرت على مساحات واسعة من الإقليم.

قصة مدينة الفاشر من الازدهار في عصر سلطنة الفور وحتى اليومكيف جعلت السلع الثمينة وطرق التجارة الحيوية من دارفور أرضاً مرغوبة؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف