الخطة المصرية لتجنب فظاعة أخلاقية وكارثة سياسية
بلير وكوشنر في غزة.. ريفييرا على عظام الموتى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من واشنطن: في أول يوم لي في بغداد، وبعد أن هدأت نيران الهاون، توجهتُ إلى مكتبي في القصر الجمهوري وبدأت بأول مهمة أُوكلت إلي، وهي: كتابة سياسة جديدة للشرطة العراقية بشأن الضابطات الحوامل.
للتوضيح، كنت في السادسة والعشرين من عمري، ولم أكن أعرف شيئًا عن الشرطة، ولا عن الحمل، ولا حتى عن العراق، لكنني كنت جزءًا من سلطة التحالف المؤقتة - الحكومة الأمريكية التي فُرضت بعد الحرب - وقيل لي إن هذه السياسة هي ما يحتاجه العراق.
بعد خمس سنوات، وجدت نفسي جالسًا في جناح فندقي فاخر بالقدس، بينما كان توني بلير - أحد مهندسي حرب العراق، وهو الآن المبعوث الخاص للجنة الرباعية لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية - يُشيد بالنمو الاقتصادي الذي تشهده مدينة جنين الفلسطينية.
بعد أن أمضيت وقتًا طويلًا في اليوم السابق في عبور نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية العديدة التي تفصل شوارع جنين المُغبرة عن فندق "جيرمان كولوني" ذي الخمس نجوم، حيث كنا نلتقي، لم أستطع التوفيق بين انطباع بلير وواقعي.
ولكن ها نحن هنا مرة أخرى، في عام 2025، نتحدث عن حكومة احتلالية غربية مفروضة على منطقة الشرق الأوسط ــ ويقودها بلير، لا أقل ــ مع نفس الرؤى القديمة للازدهار الاقتصادي المنفصلة عن الحقائق على الأرض أو حقوق الشعب. لن ينجح الأمر، ولا ينبغي الوثوق به.
فرض الحكم من الخارج "مشروع استعماري"
أولاً، والأهم، هناك مسألة الشرعية والملكية المحلية. فتقرير المصير ليس مجرد حق مكفول بموجب ميثاق الأمم المتحدة ، بل هو رغبة أساسية لدى جميع الشعوب في تشكيل شؤونها وبناء مجتمعاتها. إن فرض الحكم من الخارج - وهو مشروع استعماري ذو تاريخ طويل قائم على استخراج الثروة من خلال قمع الحرية - ليس ببساطة مسارًا مستدامًا نحو سياسة مستقرة، لأنه بطبيعته يفتقر إلى الدعم الشعبي أو التأييد، وغير قادر على فهم دقيق وكافٍ للثقافة والديناميكيات المحلية.
إن حكومة بقيادة بلير في غزة ستكون، تمامًا مثل الحكومة الأميركية في العراق، زرعا غير متوافق سيرفضه الجسم، مما يؤدي إلى حلقة من العنف والتصعيد يمكن تجنبها تماما.
حسنًا، لا أحد تقريبًا مهتم. جاريد كوشنر، شريك بلير في هذا المشروع، هو، مثل كبير المفاوضين الأميركيين، ستيفن ويتكوف، بل وحتى دونالد ترامب نفسه، مطور عقاري في جوهره.
في غزة، لا يرى كوشنر ثقافة مزدهرة ونابضة بالحياة يتزامن تاريخها مع صعود الأهرامات. بل يرى فقط ما تفعله إسرائيل بأسلحة أميركية: خراب مُسوى بالأرض على قطعة ساحلية مميزة - موقف سيارات على شاطئ البحر جاهز لإعادة التطوير. هذا هو خياله الاقتصادي.
في مواجهة الدمار الذي نراه الآن، لا تبدو هذه الرؤى غير جذابة. فلماذا نتحدث عن غزة يُعاد بناؤها من أجل الفلسطينيين وبواسطتهم، بينما يمكن لشاطئ ساحلي متلألئ أن يمنح هؤلاء الناس نصيبًا من الرخاء الذي نتج عن المدن غير المتصورة التي بُنيت بين عشية وضحاها على شواطئ الشرق الأوسط
يحظى هذا المقترح بدفعة عملية بفضل إصرار إسرائيل على رفضها قيام دولة فلسطينية أو سيطرة فلسطينية على غزة، وإدراكها من التجارب الأخيرة أن أي شيء لا تريده إسرائيل في غزة المحاصرة - أي مواد بناء، أي إعادة إعمار - لا يمكن أن يحدث.
الرؤية المصرية
لكن العالم ليس مضطرًا لمجاراة هذا الاستعمار الجديد المُزيف. فالخطة العربية التي تقودها مصر لغزة تطرح بديلًا واضحًا: حكومة فلسطينية مؤقتة تكنوقراطية تُفضي إلى إعادة تشكيل حكومة فلسطينية منتخبة ديمقراطيًا، وإعادة إعمار غزة يصممها ويقودها وينفذها الشعب الفلسطيني.
قد لا يُعظّم هذا النهج ربحية الاستثمار في غزة، كما أنه سيحرم بلير من العودة من مستشار إلى حاكم. لكن التاريخ - بل التاريخ الحديث جدًا - يُظهر أن اقتراح كوشنر-بلير ليس فظاعة أخلاقية فحسب، بل فظاعة سياسية أيضًا.
لا يزال آلاف الفلسطينيين مدفونين تحت أنقاض غزة، ومع ذلك يتوق آلاف آخرون لإعادة إعمارها. لا يُمكن بناء ريفييرا على عظام الموتى، ولا يُمكن بناء احتلال على تطلعات الأحياء.
عمل جوش بول كمستشار للأمن الوطني في سلطة التحالف المؤقتة في العراق، ومستشارًا لحوكمة قطاع الأمن لدى منسق الأمن الأمريكي لإسرائيل والأراضي الفلسطينية، وهو الآن يقود مجموعة المناصرة غير الربحية " سياسة جديدة" ومقرها واشنطن العاصمة.
=======
أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلاً عن "الغادريان".
كاتب المقال هو جوش بول الذي عمل مستشاراً للأمن الوطني في سلطة التحالف المؤقتة في العراق، ومستشاراً لحوكمة قطاع الأمن لدى منسق الأمن الأميركي لإسرائيل والأراضي الفلسطينية، وهو الآن يقود مجموعة المناصرة غير الربحية " سياسة جديدة" ومقرها واشنطن العاصمة.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/sep/30/tony-blair-jared-kushner-gaza-plan-catastrophe