جريدة الجرائد

هل يجتاز الدستور العراقي معركة الاختبار

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

د. عبد الحميد الأنصاري: يستحق الشعب العراقي، تحية إكبار وإجلال، فهو شعب استثنائي، تحدي جحافل الإرهاب والرعب التي احترفت القتل والتدمير والتفجير وأباحت دماء الشعب العراقي، كما خيّب الظنون السوداء والتوقعات السلبية للذين لا يريدون للشعب العراقي خيراً من المغرضين والكارهين والمتربصين من بقايا القوميين والبعثيين واتباع صدام والناقمين علي أمريكا من رموز الوسطية الإسلامية الذين يحتفون بعمليات سفك دماء العراقيين ويسمونها مقاومة للمحتل .

لقد استطاع الشعب العراقي، وفي فترة زمنية قصيرة - من سقوط صدام إلي محاكمته - تحقيق انجازات سياسية متواصلة.

بالأمس القريب، خرج (5,8) مليون عراقي متحديا الموت المتربص به في كل زاوية وشارع ليفرض كلمته ويختار نوابه.

ومنذ أيام، خاض أكثر من (10) ملايين عراقي معركة استفتاء مسودة الدستور في يوم (بنفسجي ثان) وبنسبة وصلت الي أكثر من 63% ليعلن هزيمة الإرهابيين واتباع صدام ومن تعاطف معهم من الكتاب والإعلاميين العرب الناقمين. الذين ينظرون إلي مستقبل العراق من خلال الأعمال الإرهابية وتصريحات دعاة الفرقة الطائفية المضخمين للسلبيات.

وهو ما جعل شاكر النابلسي يتساءل بحيرة: هل موقف كثير من المثقفين العرب مما يجري الآن في العراق، مرده كراهية المثقفين للشعب العراقي أم مرده خوف العرب من أن يتكرر الفيلم العراقي في بلادهم- - السياسة 30/9 -.

ما يفعله إعلامنا من تقبيح متعمد للصورة العراقية (نوع آخر من الجريمة ترتكبه فضائياتنا كل يوم في بث مباشر من مسرح الجريمة لتأجيج الفتن وشحن المشاهدين وتبرير القتل والعنف عبر تمكين منابرها لمشايخ فتاوي الدماء ومقاولي ذبح العراقيين) كما تقول الكاتبة الكويتية سلوي السعيد - الشرق الأوسط 2/6 -.

للعراقيين أن يفخروا بما أنجزوه سواء في بلدهم أو في المنطقة كلها، فقد اعترف وليد جنبلاط، بأن شرارة التغيير في المنطقة بدأت من العراق، وقال لقد كنت متشائما بالنسبة للعراق، ولكن بعد أن رأيت ثمانية ملايين عراقي يصوتون، فإن هذا يعني أنها بداية عالم عربي جديد. وأضاف: ان شرارة هذه الثورة الديمقراطية تنتشر، الشعب السوري، الشعب المصري، جميعهم يقولون إن شيئا ما يتغير، حائط برلين انهار، ويمكننا رؤية ذلك .

وهو الذي جعل بلير يقف متحدياً منافسيه المهزومين فيقول لن نسحب قواتنا لئلا نخذل (5,8) مليون عراقي راغب في الديمقراطية) وهو - أيضاً - ما جعل بوش أكثر تصميماً وتحدياً حينما قال مؤخراً: لن نتراجع ولن نستسلم أبداً ولن نقبل بأقل من نصر كامل.

وأخيراً هو ما بعث الروح في جسد الجامعة العربية الميت. فيستأسد عمرو موسي - الأمين العام - ويزور العراق لأول مرة طالباً المصالحة والوفاق، ومعترفاً للصحفيين في الطائرة: لأول مرة يتفق العرب علي تكليف رجل واحد في التعاطي مع العراق، لقد ووجه موسي هناك بعتب علني من الفرقاء العراقيين فلم يملك إلا أن يدين - باسم العرب - قتل العراقيين الأبرياء، ولكن ذلك أضعف الإيمان والمطلوب (موقف عربي شجاع).

نعم للعراقيين أن يرفعوا رؤوسهم عالياً فما حققوه علي المستوي السياسي وحتي الآن، يُعّد إعجازاً إذا ما قورن بما أنجزته شعوب مماثلة كاليابان وألمانيا وكوريا وغيرها من الشعوب التي واجهت المشكلات السياسية نفسها بعد أن تخلصت من نظمها الاستبدادية، طبقاً لشاكر النابلسي الذي يقول: للعراقيين أن يتيهوا علي العرب بدستورهم الحداثي، فرغم كل المآخذ الشكلية، يبقي هذا الدستور أكثر الدساتير العربية حداثة وتقدماً، فهو الوحيد في العالم العربي الذي قلّل من سلطات الحاكم وأعطي الشعب كافة حقوقه لكي لا يصبح الحاكم زعيماً يُعبد أو قائداً يُمجّد - السياسة 15/10 -.

لقد قال (10) ملايين عراقي كلمتهم في الدستور، وحتي العرب السنة الذين دأبوا - بغفلة منقطعة النظير - علي مقاطعة العملية السياسية بحجة وجود المحتل شاركوا - هذه المرة - بكثافة عالية، وهذه إيجابية تُذكر. ولم تعلن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية الرسمية حتي الآن لمزيد من الفحص والتدقيق وبخاصة بعد أن أبدت أطراف سنية قلقها من تدخلات، الأمر الذي دفع بالمفوضية الي تشجيع العراقيين الذين لديهم شكوك للتقدم بالطعن في الاستفتاء - وهو أمر نادر في الحياة السياسية العربية أن تقوم به جهة مشرفة علي الانتخابات - ومع ذلك فإن التكهنات لصالح إقرار الدستور، والمتحصل حتي الآن أن هناك محافظتين قالتا (لا) والمراهنة علي (نينوي) التي تشكل (بيضة القبان) والعرب السنة يشكلون الغالبية فيها ولكن يجب أن لا ننسي أن (الحزب الإسلامي) يؤيد المسودة، وهم يشكلون الثقل الأساسي فيها. ولكن سواء أقر الدستور أم لا فإن اللافت هو تزحزح الأقلية العربية السنية عن موقفها الرافض للعملية السياسية للاشتراك بكثافة فيها. وهذا في حد ذاته يشكل انتصاراً للعملية السياسية التي تدعمها واشنطن وهزيمة للإرهاب وقد رحّب بوش بمشاركة العرب السنة معتبراً أنه (تطور إيجابي).

وإذا مرّ الدستور العراقي بالإيجاب وتم إقراره واجتازت مسودته الاختبار العراقي فإن الفضل الأكبر يعود في ذلك الي ما سمي (مبادرة اللحظة الأخيرة) التي تمت بين الحكومة و الحزب الإسلامي الذي اشترط ادخال تعديلات معينة علي الدستور بعد الانتخابات البرلمانية في ديسمبر المقبل في مقابل تأييده للمسودة. ولا شك ان هذه الخطوة تستحق الإشادة وهي تدل علي بعد نظر للطرفين وتحسب لصالح الحزب الإسلامي الذي أثبت بموقفه الايجابي نضجاً سياسياً متميزاً بين طائفة العرب السنة.

وإننا اذ نتمني حصول مسودة الدستور علي الأغلبية اللازمة لإقرارها فإننا نتمني لزيارة عمرو موسي أن تحقق النتائج الإيجابية المرجوة منها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف