أزمة المعارضة المصرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الخميس: 27. 10. 2005
د. وحيد عبد المجيد
عندما يعجز الحزب السياسي عن إدارة الخلافات في داخله ويفتقد آليات مناسبة للتفاعل بين أعضائه، يصبح من الصعب عليه أن يتعاون مع غيره في الانتخابات أو في غيرها·
فالعمل المشترك بين الأحزاب والقوى السياسية يتطلب مستوى معيناً من النضج، وأحد المعايير الأساسية في قياس مستوى نضج أي حزب هو كيفية إدارة العلاقات في داخله· والحزب الذي يقل عدد أعضائه مع الوقت، بدلاً من أن يزيد، هو الذي يفشل في إدارة العلاقات بين أعضاء يتركه بعضهم كلما نشب خلاف·
وهذا هو حال الأحزاب السياسية في مصر من الحزب الوطني الحاكم إلى أحزاب المعارضة· صحيح أن أعضاء الحزب الحاكم زادوا في السنوات الأخيرة، وخصوصاً منذ مؤتمره العام الثامن عام 2003 الذي شهد بداية تجديد لدمائه· ولكنه رغم ذلك لم يستطع إدارة العلاقات بين أعضائه على نحو يتيح التوافق على لائحة لمرشحيه في الانتخابات البرلمانية يقبلها الجميع· ففي كل انتخابات منذ عام 1990 بصفة خاصة، يرفض مئات من أعضائه قبول المرشحين الذين يتم اعتمادهم، ويخوضون الانتخابات منافسين لهؤلاء المرشحين، وقد تكرر ذلك منذ إعلان لائحة مرشحيه في مطلع الأسبوع الماضي·
أما أحزاب المعارضة فهي في وضع أسوأ بكثير، حيث تواجه مشكلة مختلفة تماماً بل على طرف نقيض مع الحزب الوطني· فإذا كان هذا الحزب يعجز عن إدارة العلاقات بين عدد كبير من الأعضاء يرغبون في خوض الانتخابات ولا يحتاج سوى إلى ربعهم أو أقل، فأحزاب المعارضة تعاني من قلة عدد أعضائها الذين يمتلكون قدرة على المنافسة الانتخابية·
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة لم تحصل أحزاب المعارضة الرئيسية الثلاثة سوى على 15 مقعداً (7 لحزب التجمع و6 لحزب الوفد و3 للحزب الناصري)· ويرجع ذلك إلى أن هذه الأحزاب فقدت معظم أعضائها وكوادرها مع الوقت لأن أوضاعها الداخلية لم تسمح بإدارة العلاقات بطريقة صحية تحول دون تسرب أعضائها فرادى وجماعات·
ولذلك لم تنجح أحزاب وقوى المعارضة المصرية في إقامة تعاون حقيقي ومثمر بينها على أي مستوى· والتعاون الحزبي يبدأ بالتنسيق في المرتبة الأدنى، ويتدرج صعوداً إلى التحالف أو الائتلاف، ويصل في أعلى مستوياته إلى الجبهة·
وكان أقصى ما حققته هذه الأحزاب في تاريخها الذي تعود بدايته إلى النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، هو إصدار بيـــــــــانات مشتركة كان أولها ''بيان من المصريين: الديمقراطية مسؤولية كل مواطن في مايو ،''1980 وتشكيل لجان للتنسيق كان أهمها ''لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية'' التي تم إعلانها عقب النتائج الهزيلة التي حققتها الأحزاب المعارضة في الانتخابات البرلمانية لعام ·1995 وعقدت هذه اللجنة اجتماعات على مدى نحو خمس سنوات دون أن يكون لها أثر يذكر في الواقع السياسي· ولا دليل على ذلك أكثر من انفضاضها عشية الانتخابات البرلمانية لعام ،2000 لأنها لم تساعد أعضاءها على إحراز تقدم يسمح لهم بالتنسيق في هذه الانتخابات·
وفي ظل هذه الخلفية ودلالاتها، وفي إطار القاعدة التي تقضي بأن الحزب الذي لا يحسن إدارة العلاقات بين أعضائه لا يعرف أن يبني علاقة تنظيمية مع غيره، يمكن فهم ما أعلنته أحزاب المعارضة الرئيسية في مصر في 8 أكتوبر الجاري عن خوض الانتخابات المقبلة في لائحة واحدة مع بعض الأحزاب التي لم تحصل على مشروعية قانونية وبعض حركات التغيير الجديدة· وكذلك إعلانها تأسيس جبهة وطنية للتغيير السياسي والدستوري تضمها جميعاً ومعها جماعة ''الإخوان المسلمين'' التي رفضت الانضمام إلى لائحة المرشحين التي اتفقت الأحزاب والحركات الأخرى على تكوينها·
والملاحظة الأولى على هذا التحرك، هي القفز إلى المستوى الأعلى للتعاون وهو الجبهة، بالرغم من أن أعضاءها المفترضين فشلوا في الاتفاق على مستوى أدنى منه وهو التحالف الانتخابي·
هذا الفشل في تحقيق تحالف انتخابي ليس جديداً، إنه فشل متكرر، إذ يحفل سجل العلاقة بين أحزاب وقوى المعارضة بحالات عجز متوالية، وبحالتين فقط حدث فيهما تحالف أدى إلى نتيجة عكسية في إحداهما، واتسم بطابع خاص للغاية في الثانية· ففي انتخابات 1984 تحالف حزب الوفد مع ''الإخوان المسلمين'' من خلال ترشيح مجموعة من أعضاء ''الإخوان'' على لوائح الوفد في بعض الدوائر الانتخابية وليس في جميعها· فما كان من ''الإخوان'' إلا أن قصروا تحركهم على الدوائر التي كان لهم مرشحون فيها، وتجاهلوا باقي الدوائر بالرغم من أن الاتفاق بين الطرفين قام على تحالف في مختلف الدوائر· ولذلك أدى هذا التحالف الانتخابي إلى أزمة عدم ثقة ما زالت قائمة بين الطرفين حتى اليوم·
وفي انتخابات 1987 تحالف حزبا ''العمل'' و''الأحرار'' مع ''الإخوان المسلمين'' وبالرغم من أن هذه التجربة كانت أفضل، فلم يكن لها أثر على النمط السلبي السائد في العلاقات بين قوى المعارضة لأنها قامت على أساس أيديولوجي وتحت شعار ''الإسلام هو الحل''·
وقد ظل هذا النمط سائداً حتى اليوم ومؤدياً إلى فشل جديد، ولا يقتصر هذا الفشل على رفض ''الإخوان المسلمين'' المشاركة في التحالف الانتخابي الذي استهدف إعداد لائحة موحدة لمرشحي المعارضة في الانتخابات البرلمانية الوشيكة· فقد أخفقت الأحزاب والحركات التي اتفقت على إعداد هذه اللائحة في حل الخلافات بين بعضها في عدد من أهم الدوائر الانتخابية· وأدى ذلك إلى استثناء هذه الدوائر، أي وضعها خارج إطار التحالف الانتخابي الذي فقد والحال هكذا صفته الجامعة التي تجعله تحالفاً حقيقياً يوجه جهود المعارضة ضد الحزب الحاكم· وليس منطقياً أن تفشل هذه الأحزاب والقوى في تحالف انتخابي مرحلي بطبيعته ثم تنجح في إقامة جبهة ذات طابع استراتيجي·
فأما النجاح في عمل مشترك على مستوى أدنى من الجبهة فهو لم يتحقق، وأما البرنامج المشترك فلا وجود له بسبب الخلافات الواسعة بين أحزاب وقوى المعارضة· فمن الناحية الموضوعية يعتبر حزب ''الوفد'' أقرب في برنامجه إلى الحزب الوطني الحاكم من حيث أنهما يدوران في فلكين ليسا بعيدين في الفضاء الليبرالي، كما أن التناقض بين ''الإخوان المسلمين'' ومعظم أطراف المعارضة ذات التوجهات اليسارية والقومية والعلمانية يجعل الاتفاق على برنامج مشترك مستحيلاً·
ولكن لماذا توحي أحزاب وقوى المعارضة بأنها تحقق ما لا تقدر عليه؟ يعود ذلك إلى سببين يلخصان جانباً بالغ الأهمية من جوانب أزمة المعارضة في مصر، أولهما أن معظم أحزاب وقوى هذه المعارضة تفضل الهروب إلى الأمام على مواجهة الواقع، وهذا سلوك متكرر في أوساط المعارضة المصرية· أما السبب الثاني فهو عدم توفر مقدار كافٍ من الجدية في العمل الحزبي، والسياسي بوجه عام في مصر· فالجدية تقتضي عدم الإعلان عن شيء إلا بعد الإعداد له جيداً، فضلاً عن الدقة في هذا الإعداد·
وقد أصبح عزيز صدقي رئيس الوزراء الأسبق هو المنسق العام لـ''الجبهة الوطنية للتغيير'' التي حاول الأمين العام لحزب التجمع اليساري حسين عبدالرازق أن يوضح أن حالة العمل المشترك بين قوى المعارضة لا تسمح بالقفز إليها، ومع ذلك انضم هو وحزبه إليها، لأن الأمر كله على الورق وفي الإعلام وليس في الواقع·