من خفايا الأمن العام اللبناني: وثائق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مختارات من الوثائق الخاصة لمدير الأمن العام السابق الأمير فريد شهاب
عرض ضابط المغاوير السورية عام 1958 على صائب سلام استعداده
لاحتلال بيروت بأسرها وتخريبها وتدميرها في بضع ساعات
صدر حديثاً " مختارات من الوثائق الخاصة" لمدير الأمن العام السابق الأمير فريد شهاب، متضمناً ملاحظات المدير وجزءاً من أرشيفه ومراسلاته، ليكشف حقائق حساسة تتصل بالواقع السياسي اللبناني والعربي، وأحداث 1958، ودور بعض الأنظمة العربية لا سيما سوريا.
وقد وضع مقدمة الكتاب حارس شهاب نجل مدير الأمن العام، هنا جزء من المقدمة، وأجزاء من الوثائق التي لا تعبر فقط عن أهميتها التاريخية في الخمسينات والستينات فقط، وإنما لأنها تعكس أيضاً الواقع اللبناني الراهن، لا سيما علاقة لبنان بسوريا.
(..) كان الأمير فريد حارس شهاب رجلاً ترك وراءه إرثاً مهماً عن جمهورية كانت يوماً ما من أعرق الجمهوريات في منطقة الشرق الأوسط. وكان له الفضل الكبير في إعادة تنظيم جهاز الأمن العام بعد استقلال لبنان من خلال الارتقاء به الى مستوى عالمي. وكان رجلاً مهاباً أحياناً ومحترماً دوماً يُشهد له بالدفء والإنسانية ودماثة الأخلاق، الأمر الذي كان يأسر عقول كل من سنحت له فرصة لقائه. ومن المذهل أنه استمر في التحلّي بكل هذه الخصال أثناء أداء مهامه سواء في الشرطة القضائية أو في الأمن العام لاحقاً، وذلك على الرغم من تعاطيه مع أظلم دركات الإنسانية ولا سيما في منطقة كان للسياسة والدين فيها رصيد من الدم والكراهية ألقى بظلاله على النفوس وشحنها بجرعة قوية من التشاؤم... بيدَ أنه تمكن خلال ولايته من البقاء بعيداً عن كل هذه الأمور، والمحافظة في الوقت نفسه على تواضعه ودفئه وكبريائه في آن واحد بطريقة لا تليق سوى باللقب الذي كان يحمله. وفي تلك الأثناء واصل الأمير وفريقه كتابة أعظم صفحات تاريخ أجهزة الأمن في لبنان وهم يحلمون بدور كبير لهذا البلد الصغير يتخطى حدود المنطقة ليصل الى العالم بأسره.
(..) كان الأمير صاحب مبادئ ثابتة لا يحيدُ عنها، وينظر الى نفسه كواحد من "كبار خدّام الدولة" الذين يغلّبون ولاءهم للدولة ولحكم القانون على ما سواه من أمور حتى لو اقتضى ذلك التضحية بمصالحهم الخاصة... وهذا ما فعله والدي في أكثر من مناسبة.
وبعد أن استقال من مديرية الأمن العام في أيلول (سبتمبر) من العام 1958، أصبح واحداً من أبرز السفراء اللبنانيين في العالم بعد أن ساهم في فتح سفارات في افريقيا الاستوائية، وعايش بداية الاضطرابات في تونس، ليستقرّ أخيراً بالقرب من بلاده في قبرص أثناء سنوات الأزمة. ثم تقاعد وعاد أدراجه الى لبنان في العام 1996 ليصبح مرشحاً جدياً الى منصب رئاسة الجمهورية في العامين 1970 و1976. وخلال تلك الفترة، كانت الحكومات والشركات تطلب مشورته لاعتقادها، وهي محقة في ذلك، بأن شبكة اتصالاته القديمة كانت تبقيه على بيّنة من أهم الأحداث والمجريات وتتيح له معايشة الأحداث سواء من الجانب الرسمي أو غير الرسمي.
وابتداء من العام 1982، قرّر والدي أن الوقت قد حان لتدوين شهادته عما عايش أو صنع من أحداث تاريخية بحيث يتسنّى لأجيال المستقبل معرفة ما حصل في حقيقة الأمر. وأخال الأحداث التي عصفت بلبنان، وما سُمّي عن خطأ بـ"الحرب الأهلية" التي اندلعت في العام 1975، كانت دافعاً أساسياً لتصميمه على تحقيق هذا الأمر. وأنا على قناعة راسخة بأن حدثاً رئيسياً معيّناً عزّز لديه هذا التصميم في خضمّ انتحار ـ اغتيال لبنان. فقد كان يرفض رفضاً قاطعاً مغادرة منزله الكائن في المنطقة التي عُرفت حينها بـ"بيروت الغربية" بعد اندلاع الحرب، الى أن تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة فتولّدت لديه قناعة بأن البقاء فيها لم يعد ذا جدوى، فتمّ ترتيب خروجه عبر خطوط التماس التي كانت تقع، ويا لسخرية القدر، بمحاذاة مقرّ الأمن العام باعتبار أنه كان المعبر الوحيد من بيروت الغربية الى الشرقية. وكان مقاتلو حركة "فتح" الفلسطينية التابعة لياسر عرفات قد أحرزوا تقدّماً على الأرض واحتلوا في تموز (يوليو) من العام 1976 مقرّ الأمن العام وقاموا برمي الملفات والوثائق في الشوارع. وبعد ظهر ذلك اليوم بالذات، سارت السيارات التي أقلّت والدي فوق أكوام تجاوزت 30 سنتمتراً من الملفات المبعثرة في مختلف أنحاء الكورنيش، فرأى بأمّ عينه جهدَ حياته والمؤسسة التي بناها والبلاد التي ضحّى من أجلها كثيراً تتناثر أشلاء تحت الدواليب... والتقينا بُعَيْدَ ذلك بأسابيع قليلة. كان قد مرّ قرابة سنة على آخر لقاء معه، فشعرت وكأن العمر تقدّم به فجأة عشر سنوات أو أكثر. إلاّ أن شخصيته، كالعادة، ظلّت متحدية. وتحدثنا عن ضرورة تدوين التاريخ، ولاحظت أن شيئاً ما قد تغيّر فقد أصبح الآن أكثر تصميماً على ذلك.
من ملاحظات الأمير فريد
يشير الأمير فريد شهاب، في أكثر من موضع في أوراقه الخاصة، الى سجلات التنصت على الهاتف التي نظمتها المديرية العامة للأمن العام في لبنان خلال السنوات التي تولى فيها الأمير فريد رئاسة المديرية بين 1948 و1958، وكان المتعارف عليه أن سجلات التنصت الخطية ترفع الى الأمير فريد الذي يراجعها ويضع ملاحظاته ومطالعاته عليها قبل أن يعاد طبعها ورفعها الى الجهات العليا التي يعتقد بأنها تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ووزارة الداخلية وبعض الجهات الأمنية الأخرى.
متى بدأ التنصت على الهاتف في لبنان؟
الوثائق الموجودة في أوراق الأمير فريد لا تعطينا أي جواب واضح. لكن أول إشارة الى ذلك تعود الى 25 تموز 1946، علماً أن معلومات أخرى تتحدث عن بدء التنصت على الهاتف في ظل الانتداب الفرنسي قبل أن تنتقل المهمة لاحقاً الى السلطات الاستقلالية اللبنانية، وآخر إشارة ترد في الأوراق الخاصة للأمير فريد كانت في الأول من أيلول 1958 أي انتهاء الأحداث الدموية في تلك السنة وانتقال الأمير فريد من الأمن العام الى السلك الديبلوماسي الخارجي.
يبدو أن عملية التنصت في لبنان كانت مناطة رسمياً بالمديرية العامة للأمن العام. ولا نستطيع أن نجزم بطبيعة المقاييس التي اعتمدت لوضع هواتف أشخاص معينين تحت المراقبة، وإن كنا نرى بأن المقياس الأول هو الموالاة أو المعارضة لسياسات العهد في فترة محددة. فعلى سبيل المثال، توضح ملاحظات الأمير فريد في سنتي 1950 و1951 أن التنصت ركز على الشخصيات التي كانت تعارض رئيس الجمهورية بشارة الخوري. في حين يظهر أن التنصت في الأعوام 1956 و1957 و1958 كان يتابع القوى والشخصيات التي رفضت التجديد للرئيس كميل شمعون. وتكشف المعلومات التي تركها الأمير فريد في أوراقه الخاصة أن التنصت في العام 1958 شمل القيادات العسكرية والسياسية التي تورطت في الاضطرابات الأمنية، بما في ذلك بعض الجهات الديبلوماسية الداعمة للمعارضة.
كان الأمير فريد يسجل في أوراقه الخاصة انطباعاته وآراءه عن الأحداث اللبنانية، ومن الطبيعي أن يستخدم ما هو متوافر لديه من معلومات رسمية وغير رسمية بهدف الاضاءة على المرويات التي أرادها معبرة عما يشهده لبنان، خصوصاً في الأزمات العصيبة التي مر بها في الخمسينات من القرن الماضي. ولذلك نستطيع نحن الآن، اعتماداً على ما خلفه لنا من أوراق وملاحظات وإيضاحات، أن نكون صورة عن تلك الفترة تكون أكثر شمولية مما هو متداول من المرويات السياسية والتاريخية.
التنصت على الهاتف
من الأمور المهمة التي واجهها الأمير فريد شهاب فور تسلمه رئاسة الأمن العام بعض التهديدات التي أطلقها حسني الزعيم ضد شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية وسورية كانت تتخذ من بيروت مقراً لها، واتهمها بأنها تؤيد مشروع سوريا الكبرى الذي دعا إليه العاهل الأردني الملك عبدالله في أربعينات القرن الماضي. وفي الملاحظات التي دوّنها الأمير فريد مقاطع من تنصت على حديث هاتفي بين الصحافيين سعيد فريحة وحنا غصن بتاريخ 10 أيار 1949 تناول تهديداً وصل الى الصحافي كامل مروة، حيث قال سعيد لحنا: "بتعرف شو صار اليوم؟ باعتين يهددوا كامل مروة". وعندما سأله حنا عن مصدر التهديد، أجاب: "حسني الزعيم، باعت يهدده مع مراسله. بتعرف شو عم يقول له: قال له منسحبك من نص دين فرشتك.. أما السبب فهو "لأنه عم يؤيد الهلال الخصيب". ولكن سعيد أضاف: "أنا اتصلت بالأمير فريد قبل ما راح على الشام، قال لي انه لح يحلها".
في مطلع العام 1950 بدأ التحرك ضد رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، وراحت القوى اللبنانية المعارضة تنظم صفوفها لإرغامه على الاستقالة أو لمنعه من التجديد. وتسجل أوراق الأمير فريد، اعتماداً على ملاحظات دوّنها نقلاً عن سجلات التنصت على الهاتف، تطور هذه الحركة السياسية.
بتاريخ 10 آذار 1950 كتب : "الاجتماع السري المعقود في منزل كمال جنبلاط كان موجود: كميل شمعون، كمال جنبلاط، جورج عقل، بيار اده، صلاح لبكي، نسيب مجدلاني، نعمة ثابت، مأمون أياس، نصري معلوف. ومن الصحافة المعارضة كان موجود: فاضل عقل، غسان تويني، كسروان لبكي".
لقد استطاعت المعارضة النجاح ضد بشارة الخوري وأوصلت كميل شمعون الى سدة الرئاسة الأولى. لكن لم تمض سنتان على ذلك حتى تدهورت العلاقات بين شمعون وحلفائه في المعارضة. وأوراق الأمير فريد الخاصة ترصد منذ مطلع العام 1955 كيف سارت الأمور باتجاه التصعيد، الى أن وصلت الى صيف الدم سنة 1958.
في معرض الحديث بين عبدالله مشنوق وعدنان الحكيم في 27 كانون الثاني 1955، قال الأول: "إن كميل شمعون يعتقد بأن الأمور تسير على ما يرام طالما هو متفاهم مع عبد السلام جنون والدكتور محمد خالد. كلا، إنه على خطأ، فباستطاعتنا نحن أن نقفل المدينة ساعة نشاء، وعندئذ فليأت عبد السلام جنون وليفتح المدينة بخيزرانته".
وترافق هذا الوضع الجديد مع طرح سلسلة من المشاريع الدولية في المنطقة منها حلف بغداد، الأمر الذي أحدث انقساماً على المستوى السياسي الداخلي، زادته حدة التدخلات المصرية والسورية الناجمة عن السياسة الاشتراكية التي انتهجتها القاهرة بقيادة جمال عبد الناصر، ويسجل الأمير فيرد في أوراقه الخاصة بتاريخ 7 آذار 1955: "إتصل الحاج حسين العويني بالأستاذ عبدالله اليافي وأخبره عن وصول الصاغ سالم إلى بيروت بعد ظهر أمس واجتماعه بالسيد سامي الصلح في منزل السفير المصري، وعن الاجتماع الذي عقد مساء في القصر الجمهوري والذي حضره وزير الخارجية الأستاذ ألفرد نقاش وأخبره بأنه تقرر أن يقف لبنان على الحياد. وقد أظهر السيد العويني للأستاذ اليافي استياءه من هذا الموقف وقال له بأنه يعتقد بأن السيدين أيدن وشارل مالك كان لهما التأثير الكافي لكي يقف لبنان هذا الموقف (...).
وبعد ذلك اتصل السيد العويني بالسيد صائب سلام وأخبره بنفس الشيء بطريقة مثيرة، فأظهر هذا الأخير استياءه الشديد من هذا الموقف وقال بأن على لبنان ألا يقف موقفاً محايداً. كما استاء ايضاً من المسؤولين لاتخاذهم هذا القرار دون استشارتهما والوقوف على رأيهما من هذا الموضوع. وأخيراً اقترح على السيد العويني أن يجتمع به بأقرب فرصة لدرس الموضوع واتخاذ التدابير اللازمة بهذا الشأن".
أما في 9 آذار 1955، فنقرأ في ملاحظات الأمير فريد ما يلي: "طلب جنبلاط من (نسيب المتني أن يكتب قطعة في جريدة التلغراف يقول فيها إن جميع اللبنانيين المخلصين يطلبون من الشيخ بشارة (الخوري) أن ينزل لميدان السياسة (...) لأن نزوله لهذا الميدان يكون معاضدة للاشتراكيين بموقفهم ضد الأحلاف". وتحمل أوراق الأمير فريد متابعة لهذا الجانب بتاريخ 10 آذار: "اتصل الاستاذ نسيب المتني صباح اليوم الخميس 10 الجاري بالاستاذ ريمون اده ليقنعه بضرورة الاشتراك بمقررات اجتماع اليوم، لكنه فوجىء بقول اده انه لن يحضر الاجتماع مطلقاً لأنه علم أن كمال جنبلاط قد أعد مسبقاً مقررات المؤتمر المذكور".
وبعد الاجتماع وإعلان المقررات، اتصل العويني بسفير مصر في بيروت عبد الحميد غالب وسأله اذا كان راضياً عن الاجتماع في مكتب الحزب التقدمي الاشتراكي ومقرراته، فأجابه السفير بأنه راض كل الرضى، وطلب أن يرسل اليه نسخة رسمية عن كل المقررات.
وفي 30 آذار اتصل جنبلاط بالمتني وقال له: "إنه علم من مصدر موثوق جداً بأن فخامة الرئيس شمعون الموجود خارج البلاد حالياً ارسل برقية الى وزارة الخارجية يطلب فيها أن ترسل اليه نص مادتي الدستور اللبناني 52 و54 اللتين تخولانه عقد احلاف. وقد أبدى تخوفه الشديد من أن يوقع فخامة الرئيس ودولة سامي الصلح احلافاً في تركيا. وطلب من الأستاذ المتني شن هجوم عنيف في جريدته لهذا الموضوع وتحريك الرأي العام في المدن اللبنانية لاعلان الإضراب العام في هذا السبيل".
نكتشف في أوراق الأمير فريد الخاصة حالات عدة تحولت فيها خلافات ادارية بسيطة إلى ازمات طائفية مستعصية، وبات بعض رجال السياسة يقدمون تفسيرات مذهبية لمعظم الخطوات التي تتخذها الحكومة، ونقف كذلك على نماذ ج من الاستغلال السياسي الذي لا يأخذ في الاعتبار حساسيات التركيبة اللبنانية خصوصاً في ظروف اقليمية ودولية بالغة التوتر.
القطيعة بين سوريا ولبنان
سمعت وأنا في ضيافة السيد أكرم الحوراني في زيارتي الأخيرة عن قضية مقاطعة سوريا ولبنان، إذ قال السيد أكرم بك الحوراني "أن القطيعة بين سوريا ولبنان سوف لا تنتهي وأن الشعب السوري يأمل خيراً ونجاحاً من هذه القطيعة والكلمة متفقة حول هذه القضية خصوصاً وان الحكومة الحاضرة ضعيفة وغير قادرة على حل هذه المشكلة".
وقد صرح السيد أديب الشيشكلي قائلاً: "ان القطيعة سوف تدوم إلى أن تأتي حكومة أقوى من هذه لأن حكومة حزب الشعب من عادتها المراوغة، والمحاولة والمطاولة ولذلك فإن القطيعة ويا للأسف سوف لا تنتهي قريباً كما قال أخي أكرم بك".
كما إني علمت من رئيس ارباب العمل السيد شريف شراباتي والعالم بخفايا هذه القطيعة "ان حكومة ناظم القدسي ونفوذ رشدي كيخيا ونواب الجمعية التأسيسية المختلفين المتنابذين لا يمكن أن ينتهي في أيامهم شيء في البلاد يعود لخيرها".
إن حكومة ناظم القدسي محكوم عليها بالفشل دائماً وأن اختلافات حسن جبارة وزير المالية وشاكر العاصي وزير الاقتصاد الوطني لا يدل على خير يناله الشعب السوري. ان القطيعة سوف تدوم بين لبنان وسوريا لأن المنافع الاحتكارية والشخصية ونفوذ أكابر التجار لاتزال هي المؤثرة في البلاد وخصوصاً وأن مداخلة الجيش في كل شيء وخوف وجبانة حكومة ناظم القدسي لا تبشر بمستقبل باهر وأن الأمة في استياء عظيم.
البلاد قادمة على انقلابات كبيرة والأمة اصبحت تفضل الحكم اليهودي على الحكم الوطني، وقد أكد لي هذا بالذات أن محافل التجار والأمة مستاءة جداً من هذه القطيعة التي أوقعت البلاد في أضرار لا يمكن تلافيها.
12/42
بيروت: في 20/10/1950
الموضوع: تشكيلات الشعبة السياسية السورية وشبكتها في بيروت
ما كادت المؤامرة على سلامة الدولة السورية تظهر للعيان في سوريا، ويصرع العقيد محمد ناصر، حتى أخذت سلطات الجيش السوري تمتد إلى كل صغيرة وكبيرة من شؤون الدولة، وقد بسط العقيد الشيشكلي يده، من حيث الواقع، على جميع هذه الشؤون، إلى ان وقع حادث محاولة اغتياله، فضاعف من سلطات المكتب الثاني وشرطة الجيش، وامتلك زمام الدولة ورجال الشرطة والأمن العام، وأصبح المقدم بكري قوطرسن رئيس المكتب الثاني هو الآمر الناهي على هذه المؤسسات الخاصة بالأمن الداخلي ويساعده رئيس شرطة الجيش الرئيس حسن العابد.
ولقد اصبح لدى الشعبة السياسية التابعة لمديرية الامن العام 87 موظفاً من الرجال "بالأرقام" السرية و40 موظفة "بالأرقام" من النساء ووضع المقدم محمود شوكت مدير شرطة الأمن العام نظاماً خاصاً لسير أعمالهم ونسقها بشكل جديد، ولا يعرف أحدهم الآخر، ويقدمون تقاريرهم إليه مباشرة بحيث يضعونها في صناديق خاصة، وفي اوقات متفاوتة، وجعل لهم عدة صناديق في البريد، فيضعون تقاريرهم في غلاف يسجل عليه رقم صندوق البريد، وقد انطلق هؤلاء الموظفين يحصون علي الناس أنفاسهم في دمشق، هذا بالإضافة إلى عدد كبير جداً من أمثال هؤلاء الموظفين والموظفات في المكتب الثاني وشرطة الجيش.
وقد كان عدد هؤلاء ذوات الأرقام السرية في عهد القوتلي 16 شخصا فقط، ثم تدنى الى ان وصل لستة فقط، ثم ارتفع هذا العدد في عهد حسني الزعيم الى 50 فقط، وانخفض في عهد الحناوي الى 25 فقط.
وقد خصصت الشعبة السياسية الى لبنان شبكة جديدة من 12 موظفا سرياً بالأرقام ثمانية منهم من أبناء لبنان انفسهم، وأربعة من اللاجئين الفلسطينيين، وست نساء أربع لبنانيات واثنتان من اللاجئات، ولا يعرف هؤلاء جميعهم بعضهم بعضاً، ويؤمنون ارسال تقاريرهم الى مديرية الامن العام بدمشق بواسطة موظف مسؤول يقيم في نقطة جديدة يابوس على حدود سوريا ـ لبنان، ويشرف على ادارة هذه الشبكة عبد الوهاب البقجاتي احد موظفي دائرة الامن، وكثيرا ما يحضر اليهم في بيروت ويتناول منهم التقارير مباشرة ويعود الى دمشق. وقد كان سرح من الأمن ولكنهم اعادوه مجدداً وسلموه هذا الموضوع.
ويعتمد رئيس المكتب الثاني المقدم قوطرسن، ورئيس شرطة الجيش حسن عابد والمقدم محمود شوكت مدير الشرطة والامن العام الآن على الموظف السري ذات الرقم "1" في الشعبة السياسية المدعو عبد الله عكة، ومنذ حادث محاولة اغتيال العقيد الشيشكلي اخذ يتردد على بيروت كثيرا، وقد وصلها صباح امس وشاهدته بنفسي، ولم يكتم عني مهمته، بعد جهد وعناء، اذ ادعى اولا انه استقال من الامن العام وأنه عين في السلك الخارجي وسيرسل الى البرازيل، ولكنه عاد، بعد احراجه، وقال لي: انه اتى ليلاحق السوريين الذين وصلوا الى بيروت ومعرفة اتصالاتهم ومراقبة نشاط جمال طوقان وزير الاردن المفوض، واستقصاء ما امكن من المعلومات عن اللواء الحناوي وصحبه، كما قال لي: انه سيعود مع المساء الى دمشق أو يصل الى الحدود ويعود ثانية إلى بيروت هذا اليوم، أو يوم الاثنين 23 الجاري وأن العقيد الشيشكلي بذاته ينتظر منه تقريراً مفصلا عن جميع ما ذكرته.
وأما مهمة الشبكة الدائمة في بيروت فهي: ارتياد المقاهي والبارات وأماكن اللهو الليلية والفنادق ومراقبة دور المفوضيات الاميركية والفرنسية وخاصة البريطانية ومعرفة السوريين الذين يزورونها والوقوف على مهامهم وأسباب زياراتهم، ويحمل افراد هذه الشبكة رجالا ونساء "تصاريح" دائمة لدخول سوريا والخروج منها في أي وقت كان، وربما كانت بأسماء مستعارة، ويستوفي افراد هذه الشبكة الرواتب المغرية باستثناء نفقات السفر أو التي يدفعونها في البارات والملاهي.
12/43
من مراسلكم في حلب 22/10/1950