جريدة الجرائد

د. رغيد الصلح: إغلاق أبواب سبتة ومليلة من خلال بوابة أغادير

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تحولت مدينتا سبتة ومليلة الى أرض للمجابهة المؤلمة بين العرب والأوروبيين. فكل يوم يحاول المزيد من المهاجرين العرب التسلل عبرهما الى دول الاتحاد الأوروبي. وكل يوم يحاول المزيد منهم اقتحام التحصينات التي تبنيها السلطات الإسبانية ضد اولئك المهاجرين. وكل يوم يسقط المزيد من القتلى والمصابين نتيجة تلك المحاولات البائسة. ولقد تفاقم هذا الوضع، خاصة مع انضمام اعداد من المهاجرين غير العرب الى نظرائهم من الدول العربية، الى حد دعا الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لأن يلفت النظر انه بات “مشكلة خطيرة جدا وموضوعا ساخنا جدا”.

وما يزيد المشكلة تفاقما أنها تأتي في وقت يحتدم فيه الجدل حول اوضاع العرب والمسلمين في أوروبا، ويتداخل فيه الجدل حول هذه المسألة مع القلق الذي تعيشه مجتمعات أوروبية بسبب الإرهاب العربي وإلاسلامي في القارة، كما يتداخل ايضا مع مضاعفات وتداعيات حرب العراق. ويتحول هذا القلق الى ما يشبه الرعب في بعض أوساط الأوروبيين في غياب المعلومات الدقيقة عن اعداد العرب والمسلمين في القارة وعن حجم الهجرة الشرعية وغير الشرعية اليها. فهناك تقارير تقول إن هذا العدد لا يتجاوز المليونين ونصف كما جاء في تقرير نشرته منظمة العمل العربية في نهاية العام الفائت. ولكن هناك تقارير دولية تقول إن عدد المهاجرين العرب من المغرب العربي وحده يصل الى ما يقارب الثلاثة ملايين. فضلا عن هذا وذاك فهناك إحصاءات تقول إن عدد المسلمين في أوروبا بلغ ما يفوق 14 مليونا. وفي غياب الإحصاءات والمعلومات المؤكدة، بات من المألوف ان يهول عنصريون أوروبيون بخطر الاجتياح العربي للقارة وأن تحذر احداهن الصحافية الايطالية، اوريانا فالاتشي من خطر “عوربة أوروبا”!

هذه المشكلة المتعددة الأبعاد والتي يمكن ان تترك أثرا سلبيا في العلاقات الأوروبية العربية كانت موضع بحث مستفيض في المؤتمر الذي عقده وزراء خارجية الدول الاعضاء في “المنتدى المتوسطي”، ومنها مصر وتونس والجزائر والمغرب. وتوصل الوزراء في نهاية المؤتمر الى وضع “مشروع الميثاق الأورو متوسطي للهجرة”. ومن المتوقع ان يعرض هذا الميثاق على قمة برشلونه التي سوف تنعقد في نهاية الشهر المقبل بمناسبة مرور عشر سنوات على اعلان برشلونة وعلى تأسيس الاطار الأوروبي المتوسطي. وتضمن مشروع الميثاق مقترحات متعددة تهدف الى معالجة اسباب الهجرة واستطرادا ظاهرة الإرهاب العربي في أوروبا والعمل على الحد منهما.

رغم دعوة مشروع الميثاق الى إنشاء بنك أورو متوسطي للتنمية يسهم في التخفيف من حدة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الى الهجرة، فقد غلب على المقترحات الطابع الأمني والقانوني. هذا الأمر دعا وزير الداخلية المغربي الى ان يتمنى على الجانب الأوروبي اعتماد “مقاربة اقليمية” في التعامل مع قضية الهجرة. ورغم ان ما قصده المسؤول المغربي كان المقاربة الاقليمية الى العلاقات الأوروبية الإفريقية، الا انه يمكن تطبيق هذه المقاربة على العلاقات الأوروبية العربية أيضا. فهناك الى جانب مئات الألوف من المهاجرين من المغرب العربي الى أوروبا مثلهم من المشرق العربي.

إن الأخذ بالمقاربة الاقليمية من أجل تنظيم الهجرة العربية الى أوروبا يقتضي بادئ الامر وضع المسألة كلها في إطار تفاهم عربي أوروبي حول افق العلاقة بين الطرفين، بل حول نظرة الأوروبيين تجاه المنطقة العربية. وهو يقتضي تفهما أوروبيا لأهمية تنمية التعاون بين الدول العربية نفسها حتى من منظار أوروبي بحت. فالتعاون العربي العربي، يخدم مصالح الجانبين. انه يساعد على تنمية القطاعات الانتاجية العربية بتوسيع اسواقها، ويساهم في تحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. وهذا بدوره يوفر فرص عمل اضافية لليد العاملة العربية ويستوعب جزءا كبيرا منها سواء في بلدها الاصلي او بالهجرة الى دول عربية مجاورة. بتعبير آخر فان تطوير العلاقات العربية العربية يخفف من ضغط الهجرة العربية على أوروبا ويوفر مناخا اجتماعيا واقتصاديا لوضع حد لما يدعى “بالارهاب العربي” فيعود بالفائدة على الأوروبيين والعرب معاً.

ان بعض المسؤولين الأوروبيين يدرك اليوم ان قيام تكتلات اقليمية في دول العالم الثالث والجنوب هو في مصلحة الاتحاد الأوروبي. من بين هؤلاء بيتر مندلسون الوزير البريطاني السابق ومفوض شؤون التجارة في الاتحاد الأوروبي الذي كتب يدعو الى تشجيع هذه التكتلات فتجتذب الاستثمارات وتنمو معها التجارة العالمية والأرباح التي تحققها الشعوب وتنخفض بفضلها معدلات الفقر والعوز في دول الجنوب. بيد ان مندلسون الذي اعرب عن حماسه لدعم التكتلات الاقليمية، خص ثلاث مناطق من العالم بالتحديد ألا وهي افريقيا وحوض البحر الكاريبي وحوض المحيط الهادئ، متناسيا تماما المنطقة العربية (الجارديان 03/10/05). فهل هذا الاغفال هفوة عابرة ام انه يعكس موقفاً ثابتاً؟

الأرجح ان هذا الاغفال الذي جاء في ما كتبه مندلسون هو من بقايا نظرة أوروبية قديمة وضارة. ولقد اعتاد معتنقو هذه النظرة التعامل مع مشروعات التعاون والتنسيق والتكتل بين العرب بالكثير من الشك والتشكيك، وصولا الى محاربتها والى محاربة العاملين من أجلها. وحتى اعلان برشلونه الذي حمل معه نوايا حسنة تجاه الجيران، فقد جاء يحمل ايضا بقايا تلك النظرة السلبية الى الشخصية الجماعية العربية، اذ انه أنكرها انكارا تاما عندما اعتبر ان التعاون المتوسطي هو بين الاتحاد الأوروبي، من جهة، وبين دول متوسطية، من جهة اخرى، من دون الاشارة الى هوية الدول العربية من بينها.

من حسن طالع العرب ان بين الأوروبيين من ينظر الى مشاريع التكتل العربي بمنظار إيجابي. ولقد تمكن هؤلاء من اقناع الاتحاد الأوروبي بدعم مشاريع التكتل الاقليمي العربي خاصة بين الدول التي وقعت اتفاقات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتبلور هذا الموقف في “مبادرة اغادير” لتنمية التعاون بين المغرب ومصر وتونس والأردن بمباركة أوروبية. ولكن هذه المبادرة لم تلق من العرب والأوروبيين ما تستحقه من الاهتمام. ما يجري في سبتة ومليلة اليوم جدير بأن يذكر المسؤولين على جانبي المتوسط بأهمية تلك المبادرة، فإغلاق أبواب الهجرة العربية الى الشمال عبر سبتة ومليلة سوف يؤدي الى صبغ الأبيض المتوسط بلون الدماء إذا لم يقترن بفتح أبواب التعاون بين العرب على مصاريعه عبر بوابة (مبادرة أغادير) او غيرها من المبادرات المشابهة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف