جريدة الجرائد

روبرت فيسك: هل انتحر غازي كنعان؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قال لي غازي كنعان وهو يرسم ابتسامة على وجهه الذي يشبه وجه ملاكم:" تخيل تيري وايت جاء لينقذ رهائن فوقع هو ضحية الاختطاف"، كان غازي كنعان عام 1987 يعتقد فعلاً أن اختطاف تيري وايت أمر مثير للضحك بسبب ما جاء من أجله إلى بيروت.
كان كنعان رجلاً قوياً وكان يستخدم نفوذه بشكل كامل. ولم يكن أحد يجرؤ على العبث معه. ولم يكن من النوع الذي قد يقوم بالانتحار، وهو ما تقول الحكومة السورية إنه فعله في مكتبه.
وكالة الأنباء السورية قالت إن وزير الداخلية اللواء غازي كنعان قتل نفسه في مكتبه في دمشق في الساعة 11 صباحاً ـ بعد ساعات فقط من إدلائه بتصريح لراديو لبناني حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وكانت لجنة التحقيق الدولية قد استجوبت كنعان منذ ثلاثة أسابيع فقط حول حادثة الاغتيال. وقد اعتقلت السلطات اللبنانية أربعة من كبار ضباط الأمن اللبنانيين الذين كانوا يعملون عن قرب مع اللواء غازي كنعان أثناء وجوده كقائد للاستخبارات العسكرية السورية والاستطلاع في لبنان. قال كنعان في آخر حديثه مع المذيعة اللبنانية إنه يعتقد أن ذلك آخر تصريح سيتمكن من الإدلاء به. وبعد ثلاث ساعات عثر عليه ميتاً في مكتبه.
قبل مغادرته بيروت، قيل إن كنعان كان متورطاً في فضيحة فساد كبيرة. وقد ينتظر بعض المراقبين ليروا إذا كان خليفته في لبنان رستم غزالة سوف ينتحر أيضاً بشكل مفاجئ.
ولكن، هل قتل غازي كنعان نفسه فعلاً؟ أم إن جهاز الاستخبارات في حزب البعث الحاكم في سوريا قرر أن وجود كنعان أصبح يشكل خطراً عليه؟ إن غازي كنعان الذي أعرفه لم يكن أبداً من النوع الذي ينتحر، عندما كان المختطفون يسيطرون على شوارع بيروت ويتصيدون ما بقي من غربيين في شوارعها، عرض عليَّ كنعان أن يأخذني لنمارس رياضة الجري معاً في فندق بوريفاج إلى باني ميليتير غرب بيروت ـ وذلك حتى يرانا من يفكر بالاختطاف معاً وبذلك لن يجرؤ أحد على إيذاء "صديق" رجل المخابرات السوري القوي.
كان غازي كنعان نفسه يمارس رياضة الجري كل صباح خلال الحرب الأهلية في لبنان ـ وحده. لأنه كان شخصاً أخطر من أن يجرؤ أحد على المساس به.
سألته مرة إذا كانت له اتصالات مباشرة مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، فقال:" طبعاً، عبر هذا الهاتف خلفي". سألته عن عدد المرات التي يتصل فيها بالرئيس الأسد، فابتسم وقال" إنه هاتف يعمل باتجاه واحد. هو يستطيع الاتصال معي أنا لا أستطيع الاتصال به".
وهكذا انتهى عهد آخر ـ ولكن بصورة مثيرة جداً. إن إقدام رجل يمتلك مثل تلك القوة على الانتحار في دمشق يعني إما أنه كان يعاني من الإحساس بالذنب لموت الحريري ـ أو أن حزب البعث يخشى من نتائج التحقيق الدولي.

لقد استجوب ديتليف ميليس بنفسه اللواء غازي كنعان على الحدود السورية اللبنانية، ومنذ ذلك الوقت انتشرت إشاعات بأن وزير الداخلية السوري قد يتهم في الجريمة.
إذاً هل نتوقع اعتقالات أخرى؟ أم حالات انتحار غامضة أخرى في صالات السلطة السورية؟


* كاتب بريطاني خدمة الإندبندنت (خاص الوطن)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف