كنعان «ضحية» اغتيال الحريري أو «كبش» فداء لتثبيت النظام؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت: 15. 10. 2005
باريس ـ من سامي نزيه:
ينقل مسؤول عربي في الامم المتحدة عن سياسي رفيع المستوى، التقى الرئيس بشار الأسد بعيد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، قوله للرئيس السوري «قد يكون من الأفضل لك ان تضحي بأحد ركاب السفينة ان كنت تريد انقاذها من الغرق»، وكان رد الاسد مؤكدا ان سورية «ليس لديها ما تخشاه وهي تعرف كيف تدافع عن نفسها».
النصيحة نفسها، حسب ما افاد المسؤول، تكررت على لسان امير قطر والرئيس المصري، فهما أيضا نصحا الرئيس السوري بايجاد مخرج لائق حتى ولو تطلب الأمر تضحية ببعض كبار المسؤولين الأمنيين.
وثالثة النصائح، جاءت من الحليف اللبناني القديم لسورية، رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قال صراحة للمسؤولين السوريين، ان من الضروري ان يسلم الاسد الضباط او المسؤولين الذين يثبت ضلوعهم بقضية اغتيال الحريري الى القضاء اللبناني بغية محاكمتهم او محاكمتهم في سورية.
وكان رد الاسد على كل هذه النصائح، بتقديم قراءة تاريخية لكل التطورات التي حصلت منذ التمديد للرئيس اميل لحود مرورا بالقرار 1559 وصولا الى اغتيال الحريري وأهدافه الحقيقية, فالأسد قال حرفيا للذين زاروه اخيرا، انه هو نفسه لم يكن متمسكا كثيرا بالتمديد للحود رغم تقديره الكبير لدوره، لكنه تمسك بمبدأ التمديد وخاض معركة لحود حين وصلته معلومات أكيدة تفيد بأن فرنسا والولايات المتحدة تعدان لمشروع قرار في مجلس الأمن بغية اخراج الجيش السوري من لبنان.
وتؤكد روايات متطابقة لمسؤولين مهتمين بالملف السوري اللبناني، ان الحريري نفسه كان كتب للأسد رسالة يحذره منها من مخاطر القرار المذكور، لكن كان السيف سبق العذل في علاقة الطرفين.
كان اسم وزير الداخلية غازي كنعان مقرونا باسم قائد قوات الامن والاستطلاع السورية في لبنان رستم غزالة، يتصدران دائما قائمة الاسماء المتهمة او المرشحة للاتهام او التي تدور حولها الشبهات باغتيال الحريري، رغم ان القاضي الالماني ديتليف ميليس نفسه لم يذكر حتى الآن اي شيء عن تورط أي مسؤول سوري بالاغتيال.
وفي المقابل، فان أكثر من مسؤول لبناني وسوري كانوا يشيرون في مجالسهم الخاصة الى ان كنعان لم يكن متحمسا اصلا للتمديد للحود، بل ناصبه العداء في مرحلة معينة، الامر الذي ادى الى استدعائه من لبنان الى سورية وسحب الملف اللبناني منه، تماما كما ان كنعان كان خاض معركة القانون الانتخابي الشهير الذي ادى الى تحقيق الحريري فوزا ساحقا.
لكن ذلك لم يمنع غازي كنعان نفسه من المشاركة في لقاء الاسد مع الحريري عام 2003 والذي حضره ضباط آخرون، حين كان كنعان نفسه والمسؤولون والضباط السوريون الذين حضروا هذا اللقاء، من شن حملة اتهام شعواء ضد الحريري، كان اقلها اتهامه بعقد لقاء سري مع مسؤول اميركي رفيع المستوى في لبنان والعمل ضد سورية والتآمر، ويقول احد المقربين سابقا من الحريري ان رئيس الوزراء السابق شعر بضيق ونقل الى المستشفى قبل ان يعود الى لبنان.
كان الحريري شعر في حينه ان القطيعة باتت كاملة مع دمشق، لكنه وكعادته كان يعاود العمل على ترطيب الاجواء، اما مباشرة او عبر وسطاء، واللافت انه اعلن قبوله التمديد للحود رغم انه كان اقسم يمينا بانه لن يفعل ذلك.
وشعور الحريري هذا استند قبل ذلك الى ما حصل في داخل سورية نفسها، فهو فقد اهم حليفين سوريين له، وهما العماد حكمت الشهابي رئيس الاركان السابق، الذي فضل الاستقالة او دفع اليها، والثاني هو نائب الرئيس عبد الحليم خدام، الذي علم بواسطة الاعلام، بانه ازيح من منصبه.
وثمة من ينقل عن اوساط الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، تأكيده ان احد اسباب القطيعة بينه والحريري من جهة وبين نظام الاسد من جهة ثانية، كان اعتقاد الرئيس السوري بان ثمة مؤامرة على نظامه تقوم على اربعة اركان رئيسية، الشهابي وخدام والحريري وجنبلاط (مع ما يترتب على ذلك من بعد سني لبناني ـ سوري).
هذه الاسباب، اي اعتقاد الاسد بان ثمة مؤامرة على نظامه، مضافا اليها القرار 1559 والحملة التي بدأها جنبلاط قبل سنوات بخطابه الشهير في البرلمان اللبناني لإعادة تموضع الجيش السوري، دفعت بعض المحللين الى القول بانه كان لسورية مصلحة باغتيال الحريري.
ورغم صعوبة معرفة ما دار في الداخل السوري منذ تلك الاحداث الكبيرة الآنفة الذكر، الا ان الشيء المؤكد ان الاسد كان مستمرا في اعادة قولبة النظام من خلال حركة اقالات وتعيينات وتبدلات في مواقع الامن والقرار، شملت اناسا كانوا قريبين جدا منه، وبينهم مثلا بهجت سليمان، مسؤول الامن السياسي.
وبعد ان قطع قاضي التحقيق الدولي ميليس شوطا كبيرا في التحقيق بجريمة اغتيال الحريري، خفف الاسد من مسؤوليات الاشخاص الذين دارت حولهم الشبهات، وتردد ان بعضهم وضع في ما يشبه الاقامة الجبرية، او طلب اليه ان يبقى بتصرف السلطة، وثمة من يؤكد ان كنعان وغزالة كانا من بين هؤلاء.
وتشير مصادر مقربة من رفعت الاسد، عم الرئيس الحالي والمقيم شبه منفي في لندن، ان هذا الاخير بدأ منذ فترة لا بأس بها بالتشاور مع عدد من القيادات العلوية الموثوقة في سورية تحت شعار «ان النظام في خطر وان سقوطه سينهي النفوذ العلوي وطالما ان بشار الاسد ليس قادرا على الامساك بالامر، فلنفكر بحل آخر».
وتفيد اوساط غربية في باريس، بان رفعت الاسد لم يكن وحده في نطاق هذا التحليل وانما شاركه فيه آخرون، الامر الذي دفع الرئيس الى تسريع خطوات واجراءات احكام قبضته على النظام، ومفاتيح الأمن خصوصا، بعدما جاءته تأكيدات كثيرة تفيد بان الولايات المتحدة تبحث عن بديل.
وحين انتقل كل الثقل الدولي الى جانب تقرير ميليس وقيل الكثير حتى الآن عن آفاق هذا التقرير، وعن ان ميليس يملك معلومات قادرة على توريط سورية، جرى الحديث عن احتمال ان يكون كنعان في طليعة من سيتم القبض عليهم، خصوصا ان تسريبات في بيروت كانت تشير الى ان احد مساعديه قدم معلومات حاسمة في هذا الشأن.
وهنا بالضبط جرى نقاش داخلي سوري حساس ودقيق وفق مسؤول لبناني لا يزال حتى اليوم يزور دمشق، فقد وجدت سورية نفسها امام احتمالين احلاهما مر، فلو قبلت بتسليم ضباط (في حال ثبت تورطهم) فهذا قد يؤدي الى شرخ تاريخي كبير، بحيث ان السنة في لبنان والعالم العربي قد لا يغفرون ان يكون ضابط او ضباط سوريون، اغتالوا احد ابرز رموز الطائفة السنية في المنطقة.
ثم ان القضية الثانية التي تم طرحها تتعلق بما بعد التحقيق، ذلك ان مجرد البدء بمحاكمة المتورطين السوريين المحتملين بقضية الاغتيال قد يتم توظيفه أميركيا وغربيا في فترة لاحقة للوصول الى رأس النظام.
ويقول المسؤول اللبناني الآنف الذكر، ان هذا النقاش الداخلي السوري اظهر تباينات في المواقف وان كنعان نفسه أعرب أكثر من مرة عن استيائه مما يحصل وعن رفضه لأن يكون كبش محرقة.
وانتقل هذا النقاش الى مرحلة اكثر اهمية بعد عودة الاسد من مصر، حيث التقى الرئيس حسني مبارك وابلغه حرفيا انه هو نفسه سيعمد الى تسليم اي مسؤول للمحاكمة في حال ثبت تورطه (لو قدم ميليس ادلة دامغة) وان المتورطين سيحاكمون كخونة.
لكن هل الامر متعلق فقط بملف الحريري والتباينات الداخلية؟
يقول مسؤول لبناني من المغضوب عليهم سوريّا، ان ميليس توصل في خلال تحقيقاته الى معلومات مهمة تتعلق بصفقات مالية هائلة تبدأ بـ «بنك المدينة» وتصل الى عمليات مالية وتجارية تفوق المليار دولار كانت جرت بين مسؤولين امنيين وسياسيين لبنانيين وسوريين رفيعي المستوى.
ولو اضيف الى كل ذلك رغبة الاسد بالاستجابة ضمنيا للمطالب الاميركية والعربية في شأن قطع دابر المتسللين من سورية الى العراق، فان التضحية بوزير الداخلية تصبح في هذا الاطار امرا طبيعيا.
وبغض النظر عما اذا كان كنعان انتحر او دفع للانتحار او قتل، فإن الاكيد هو ان غيابه سيكون سيفا ذا حدين، فاما ان يتم استغلاله لطي صفحة اغتيال الحريري وتثبيت النظام السوري، وإما ان يصبح «حصان طروادة» الاهم لإدانة سورية وجعلها في مهب الريح.
كل ذلك سيكون خاضعا لتطور العلاقات الاميركية ـ السورية، والتي لا تزال على الاقل حتى الآن مقلقة لدمشق.