زهير الدجيلي: صدام حوّل الدجيل إلى دمار ورماد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فرحان سالم:
«الدجيل»، وتلمع الدموع من خلف نظارة زهير الدجيلي السميكة، «الدجيل» ويعض رئيس جمعية الصداقة الكويتية ـ العراقية على شفتيه «الدجيل» وتندفع الذكريات بأقصى سرعتها تختصر اربعة عقود مضت.
في مكتبة الصغير، جلس الدجيلي يرج شريط صباه وشبابه، فيضج خرير نهر الدجيل في اذنيه، ويلمح من بعد النخيل المتراصة على ضفتي النهر.
كتب الدجيلي الآلاف من المشاهد الدرامية المفعمة بالحسرة والالم اذ الف العديد من المسلسلات الخليجية اميزها «زمان الاسكافي»، ومع ذلك لم تستطع مخيلته استيعاب مشهد قطع نخيل الدجيل، «واحسرتاه» يطلقها الدجيلي لتملأ الفضاء الرحب، لم نتوقع يوماً ان نخل الدجيل سيصبح حطاماً تذروه الرياح، ويجف النهر المتدفق بالمياه العذبة، فمدينتنا التي عرفت منذ عهد الدولة العباسية بأنها ارض زراعية سيجف ضرعها وزرعها، وتتحول الى ارض يباب.
ورغم الحزن الذي يعتمر قلب الدجيلي حين يسرد ما حدث لأبناء مدينته بعد محاولة اغتيال صدام حسين في عام 82 الا انه احتفظ برباطة جأشه «احبطت المحاولة، وتحولت المدينة الى رماد ودمار، فقد اقتلع النخيل وهدمت البيوت، وشرد الأهالي، وأعدم اكثر من 140 شاباً، واقتيدت 700 عائلة الى السجن».
الدجيل ذكرت كثيراً في الأونة الأخيرة خصوصاً بعد محاكمة صدام حسين، واتهامه بقتل ابنائها؟
ـ الدجيل تاريخياً تعتبر منطقة زراعية معروفة في العهد العباسي، واسمها مسجل في كتب التاريخ، وهي من المناطق الزراعية، وكان العباسيون يمنحونها لمن يريد تضمينها، وسكانها هم قبيلة الخزرج الذين يتفرعون من خمسة بطون من ضمنهم الجبلاويين، وقسم منهم يعتنقون المذهب (الشيعي) وهناك سنة يسكنون منطقة الدجيل، وصدام حسين حين نكل بالقرية غير اسمها، واطلق عليها قضاء الفارس، بغية تضييع الاسم بعد محاولة اغتياله،واعتقل حينذاك 700 عائلة، وقسم من العوائل ذهب الى صحراء السماوة فهناك معتقل يجمع فيه العوائل المنكل بها، وحتى سقوط صدام منع اي شخص من أهالي الدجيل العمل في الدوائر الحكومية، ونقل من يعمل الى اماكن غير مهمة.
ماذا عن محاولة اغتيال صدم في الدجيل؟
ـ الحادثة بدأت يوم 8 يوليو 1982 ومضى على عهد صدام في الحكم 3 سنوات، اذ تسلم الرئاسة في يوليو 79، والسؤال الذي يطرح لماذا ذهب صدام هناك؟ كان يريد الكشف عن مدفع لانشاء منشأة للتصنيع العسكري، وفيما بعد قام بانشائها، وهي من المنشآت السرية، وحين تعرض الى الهجوم كانت هناك بساتين مكتظة فخرج الرصاص وكانت سيارته الرابعة، لم يكن في اول الركب وبعد نجاته اتخذ اجراءات انتقامية لم يكتف باعتقال الشباب وانما اعتقل العائلات وقاموا بافتراس الأهالي، هتكوا الأعراض وسجنوا النساء، واستباحوا المدينة لاشهر عدة، ولم يسلم حتى النخل، اذ اقاموا باجتثاثه، وهدموا البيوت، كما يفعل الاسرائيليون في بيوت الفلسطينيين وحدثت الاجراءات نفسها في معسكر لخالص، كانت هناك حركة عسكرية قام بها مجموعة من الضباط، واطلقوا على انفسهم تنظيم «الوارثون» وقد اعدم 102 ضابط وحاولت المخابرات الربط بين قضية الدجيل والضباط ولكنهم لم يستطيعوا، فلم يكن هناك خيط يربط بين الاثنين.
هل صحيح ان حزب الدعوة كان هو المسؤول عن محاولة الاغتيال؟
ـ لا يمكن ان نقول ذلك فمثلاً اغتيال عدي تصدت له اكثر من جهة وادعت تنفيذ العملية وحينذاك كان برزان رئيس المخابرات واصدر كتاباً قال ان هناك 12 محاولة لاغتيال الرئيس حتى عام 82 وانه احبط تلك المحاولات فلا يمكن ان ننسب محاولة الاغتيال الى حزب الدعوة فقط، فالشعب العراقي بأسره كان متذمراً ومتضرراً من صدام ونظامه.
لماذا قدمت جريمة الدجيل على باقي الجرائم التي ارتكبها صدام في المحاكمة؟
- قانون المحاكمات الجنائية احدى مواده تقول اذا انجزت التحقيقات واكتملت الادلة تحال القضية فورا الى القضاء، والدجيل اكتملت من جميع الجوانب، فمثلا قضية حلبجة أجلت لأنها لم تستكمل الى الآن، وبعد اسبوع ستتم احالة قضية الانفال الكردية الى المحكمة.
ربما لأن حزب الدعوة هو من قام بتنفيذها؟
- لا أظن ذلك، هذه تكهنات ينبغي ألا نأخذ بها، هناك قضايا جنائية احيلت على المحكمة.
صدام كان يتابع قضية الدجيل بنفسه، فهل يعني انه,,,؟
- صدام يتابع دائما التحقيق في قضاياه وهو من عيّن الاشخاص الذين يتابعون القضية، فهو مدير الأمن لنفسه، حين كان نائب رئيس الجمهورية، وكان المعتقلون في قصر النهاية، كان يذهب لمناقشة التحقيق مع ناظم كزار قبل ان يختلف معه، وكزار حاول ان يقوم بانقلاب، واكتشف أمره واعدم، وقبل اعدامه بصق ناظم على وجه صدام، وقال له هذا مصيرك ويقصد الاعدام.
هل صحيح ان شيعة الجنوب هاجروا الى الدجيل؟
- هناك بطن من الخزرج تشيعوا، لم تكن هناك هجرة، وكان شيخ الدجيل في الزمن العثماني حاجم السلطان، كان فارسا، وأهالي المدينة لديهم روح التمرد على السلطة، والبطون الشيعية في الدجيل نزحت الى الكاظمية وفريق آخر نزح الى النجف والسماوة والناصرية.
ماذا تحمل من ذكريات عن مسقط رأسك؟
- أتذكرها جيدا حينما كنت طفلا، أما صباي فقضيته في الناصرية وبغداد وكربلاء، قبل ان اخرج من العراق عام 78، وعملت في مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك في الامارات ثم جئت الى الكويت وكتبت غالبية اعمال المؤسسة وخصوصا افتح يا سمسم و«سلامتك»، ثم ذهبت الى السعودية خلال الغزو، وهناك ساهمت في اذاعة المعارضة التي تثبت من السعودية حتى 2003، فقد توقفت بعد سقوط نظام صدام حسين.
هل صحيح ان الدجيل كانت ملهمة للشعراء؟
- الدجيل بستان كبير، وهي مدينة صغيرة متمدنة، فبيوتها ليست كبيوت القرى، ويشق نهر الدجيل الصغير وسطها، والبيون على ضفافه، وكذلك النخل والاشجار المثمرة، هي من أجمل المدن في المنطقة، المدخل للمدينة على الجانبين بساتين، قام صدام بازالتها واقتلاعها.
صف لنا شعورك حين قدم صدام للمحاكمة بتهمة تدمير الدجيل وأهلها؟
- صدام لم ينتهك حرمة الدجيل فقط، فأنا لا أنظر الى الخصوصية، فصدام انتهك حرمة العراق بأكمله, صدام استباح العراق، وسلب ثرواته، ما يهمني العراق الذي عاش تحت الضيم 35 عاما.
148 شابا تم اعدامهم، صدام يهتم بدقائق الامور، فهو يحركة الشك، ومن أقواله «أنا أعرف الاشخاص من عيونهم».
هل سيحاكم على صدام على كل قضية، خصوصا ان الاعدام متوقع في جريمة الدجيل؟
- جريمة واحدة تكفي لاعدام الشخص الذي يقوم بقتل شخص عن عمد فما بالك بمن قتل الآلاف، حتما ان الاعدام جزاؤه، علما بأن المحكمة وفرت له كل شيء، وسمحت له بالدفاع عن نفسه.
صدور الحكم يختلف عن تنفيذه، لم يصدر الحكم في الدجيل المحكمة الجنائية العليا أعطت الاولوية للدجيل لأنها قضية تكاملت فأحيلت باكرا الى القضاء.